حول رواية أشلاء.. تأملات عابرة
تاريخ النشر: 6th, July 2024 GMT
حول رواية أشلاء.. تأملات عابرة
السر السيد
الرواية من تأليف الكاتب السوداني محمدأحمد الفيلابي، الذي يعد واحدا من الكتاب الذين فتحوا نفاجا بين التنمية المجتمعية واسئلتها وبين الفن والادب دون ما تغوٌل على أي من الحقلين، كما في نصوصه للراديو ونصوصه المسرحية ونصوصه القصصية. من كتبه المنشورة نذكر “مدنياااو”/ “استدراك- نحكى ويتساءلون” والمجموعة القصصية “الموت أكثر من مرة”.
صدرت الرواية التى صمم غلاف الجزء الثانى منها أشرف الأزهرى ولوحة الغلافين للتشكيلي عصام عبد الحفيظ وكتب مقدمتها الناقد أبوطالب محمد، صدرت في طبعتها الأولى في العام 2024.. (الجزء الاول)، صدر عن خطوط وظلال للنشر والتوزيع بالاردن والجزء الثاني، صدر عن مكتبة الطليعة العلمية بالاردن.
تتكون الرواية من جزأين، الاول بعنوان: (سبعون يوما من العبث) وعدد صفحاته 142 صفحة من القطع المتوسط والثاني بعنوان: (هستيريا الخوف) وعدد صفحاته 169 صفحة من القطع المتوسط.
على المستوى الهيكلي أو المعماري الذي قامت عليه الرواية بجزأيها، قام الجزء الاول على تقنية “العناوين” وعددها ثمانية، نذكر منها (الشلة/ أشلاء ومخاوف/ الجنرال في نقاهته/ الخروج من العتمة)، بينما قام الجزء الثاني على تقنية الفصول وعددها عشرة وعبر تآزر التقنيتين الهيكليتين تدفٌق السرد الذى تنوعت فيه التقنيات ونهض على اسلوب زاوج بين اللغة كثيفة الجمال حتى حدود الشاعرية واللغة التقريرية مستخدما تقنيات الصوت المفرد “صوت الراوي” والأصوات المتعددة “أصوات شخصيات الرواية”، كأن تحكي شخصية ما ذكرياتها ويومياتها، أو المونتاج كاستدعاء نص من النصوص، لكاتب ما نشره في صحيفة أو في أو في كتاب أو في راديو أو في فضائية أو في وسائط التواصل الاجتماعي، كان هذا النص مقالا أو قصيدة أو تقريرا اخباريا أو تحليلا سياسيا أو مقولة فلسقية او فكرية.
في موضعة النص وتنسيبه:
جاء في الرواية ص 25/26 الجزء الاول: (… بين الصراخ والعويل تبين ان جسما ناريا سقط على غرفة الضيوف، فدكها دكا.. ووقعت عينها على زوجها الساقط ارضا والدم يغطى كامل جسده..غامت الدنيا في وجهها ولم تعد ترى سوى الظلام ولا تسمع شيئا، وهوت ارضا). وجاء في الجزء الثانى من اوراق الشابة وصال،ص 148: ( نوقن ان حالنا أفضل ممن قتلن او اغتصبن او وقعن في ايدى من يتاجرون بنا.فالحرب في كل الاحوال شر بلا حدود.تسحق من يقف امامها.تطحن حيوات الجميع، والنساء بشكل اخص تصبح اجسادهن ساحة حرب..فى الحروب يرتفع سلاح الاذلال والمهانة لهن ولمن لا يسمح بالمساس بهن..).انتهى.
قد لا أختلف كثيرا مع النقاد والقراء الذين يصنفون هذا النص بأنه (رواية)، ولهم الحق في ذلك بالطبع، لكني وبالنظر لموضوع “النص” والذي هو حرب الخامس عشر من ابريل 2023 بين القوات المسلحة والدعم السريع والكيفية التى اشتغل عليها النص فيها،أجدنى لا انفى عنها بشكل مطلق وصف انها “رواية” لكني أميل أكثر إلى تصنيفها بأنها كتابة مغايرة “جسد ابداعي ماكر” يكر على تخوم الكتابة الروائية ولا يبقى فيها ويفر عن تخومها ولا يغادرها لهذا وصفته بالكتابة المغايرة وبما انه يسعى لانتاج صورة أو صورا عن هذه الحرب وما نتج عنها من تقتيل ونهب للمتلكات الخاصة والعامة ومن تدمير للبنى التحتية ومن نزوح ولجوء ومن نشر وتكريس للعنصرية والجهوية، في مدى زمني ومكاني يبدأ من اليوم الاول للحرب 15 أبريل 2023 وينتهى في اليوم ال 200 للحرب نوفمبر 2023 ” وفي مدى مكاني يبدأ من الخرطوم والقرية التي نزحت لها شلة الاصدقاء مرورا بقوز يعقوب واشارات لاماكن اخرى وليس انتهاء بمراكز الايواء. تكمن مغايرتها أى هذه الكتابة او هذا النص في انها تأسست على نزوع بحثى واضح يجمع بينما هو ثقافى واخبارى وسياسي وحقوقى تتجلى فيه خبرة الفاعل المدني الذى يتوفر على معرفة بالقوانين الدولية والوطنية ذات الصلة بالحرب وبمعرفة على ثقافة المناصرة والرصد بل على معرفة بكل ما يرتبط بقاموس الحرب من اقتصاديات ومن نزوح ولجوء ونوعية الانتهاكات وتكيفيها من اغتصاب وتقتيل وتشريد وتدمير وتفاوض وغيره، لذلك فهى كتابة ذات طابع سياسي تنهل من كل تلك الحقول التى اشرت لها وهى اذ تفعل هذا تكون قد مارست (مكرها)، الذى (يبدعن) هذا الطابع السياسي_من ابداع_ ويمنحه “انحرافا ومفارقة” عن اليومى ويضعه على تخوم الكتابة الادبية والفنية كرا وفرا ويمنحه رصيدا من الاخيلة والجمال لذلك لا غرابة ان يوصف هذا النص او هذه الكتابة بأنها رواية،سيما انه يتوسل بعضا من تقنيات السرد وينهض على اسلوب مشحون بالجمال والاخيلة ومن ذلك مثلا تبادل الادوار او التناوب في الحكى بين الراوى شخصيات الرواية أو في التداعى الحر لبعض الشخصيات أو في الحوار أو في قطع تسلسل الحكى من حين لآخر عبر تدخلات الراوى وكل هذه المستويات للحكي كما هو معروف تعد من تقنيات السرد وللتأكيد على ما ذهبت اليه في ما يخص تبادل الادوار اشير إلى ما كتبَته شخصيات شلة القرية من يوميات ووقائع كلها على صلة بالحرب بصورة مباشرة أو غير مباشر وهى شخصية المهندس سعيد وشخصية نورى ضابط الجيش الذى أحيل للمعاش وشخصية المثقف والفاعل السياسي عبدو وشخصية الشابة وصال التى نزحت مع اختيها وامها وسكنت في مركز الايواء بالقرية وفيما يخص قطع تسلسل الحكي وتواصل الاحداث أشير إلى النصوص المأخوذة من سياقات اخرى واقحامها في متن النص كبعض المقالات او التصريحات المنشورة لكتاب وصحافيين معروفين أو إيراد معلومة أو مقولة لمؤرخ او مفكر أو مسئول حكومى أو بيان لفاعل مدنى كأيراد بعضا مما ذكره ابراهيم فوزى باشا في مذكراته عما فعله الانصار عند تحرير الخرطوم في العام 1885 ابان الثورة المهدية أو الخطاب الذى وجه لمدير الغابات بشأن ما يحدث في “غابة امبارونا بولاية الجزيرة من عمل متعمد لازالتها او ذلك التقرير عن النهب والسرقة لصحافى بريطانى، اضافة للاستشهادات الكثيرة بمقولات وافكار لمفكرين وسياسيين وفلاسفة، فقد احتشد هذا النص او هذه الكتابة المغايرة الماكرة بأسماء كثيرة من هؤلاء كالشيخ بابكر بدري وابن خلدون وغوستاف وعبدالمجيد عابدين وآل غور وغيرهم،اما فيما يخص الحوار فأشير إلى الحوار الذى كان مكانه بورتسودان ودار بين عبدو الذى غادر القرية إلى هناك لتنفيذ دورة تدريبية وزميل دراسته التاجر الجشع، فمن بعض ما يكشفه هذا الحوار نظرة بعض الناس للحرب من خلال اوضاعهم الخاصة.
اخيرا اشير إلى ان هذه “الرواية” أو هذ النص أو هذه “الكتابة المغايرة الماكرة”، التي اعتبرها المبادرة الأولى الجامعة لتوثيق حرب الخامس عشر من أبريل، مما يعني وبلا حذر وضعها ضمن ما يعرف (بروايات الحرب) كما اشار الناقد ابوطالب محمد في مقدمته.. أشير إلى أنها قد جسدت وبجدارة طقسا “حداثيا” لاشتباك الناس والامكنة والنصوص والذاكرة والتاريخ والماضي والحاضر مع الحرب في مدى زمني محدد وهى لما تنتهى بعد ، بأمل عريض ومقاومة خلاقة،
فبينما تسعى الحرب ليحوز أحد طرفيها او أطرافها كل “السلطة” بمفهومها الأشمل،عملت هذه الكتابة المغايرة الماكرة وهى تجسد طقسها الحداثى هذا على تفتيت السلطة أو بالحرى (توزيعها)، فهناك تعدد في الاصوات فالكل يحكى، فقد سمعنا صوت الراوى وصوت الكاتب نفسه وسمعنا أصوات شلة القرية وأصوات النازحين في مراكز الايواء وسمعنا صوت “حارنة” وصوت “نعمة” وصوت “سكينة بت يعقوب” وسمعنا أصوات المتحاربين، وسمعنا أصوات الفاعلين المدنيين والمفكرين والمؤرخين، وهناك تعدد وتنوع في النصوص فقد وقفنا على سوق من النصوص نهضت عليه هذه الكتابة…إعادة التوزيع للسلطه هذه تجعلنى أستطيع أن أضع هذه الكتابة في قلب المجرى الأساس للمقاومة الثقافية ليس فقط فيما قدمته من شهادة فصيحة لبشاعة الحرب وقبحها ومن شهادة عن صمود ومقاومة المتضررين منها وانما أيضا على مستوى علاقات بنائها “شكلها”، الذى يصدٌر ولو بشكل خفى حالة شعورية يحس عبرها القارئ والقارئة بجمال التنوع والتعدد والاختلاف والذى بسبب غيابه أو تغييبه في حياتنا السياسية واليومية شكل البنية التحتية لهذه الحرب وما سبقها من حروب في السودان.
ان كان من خاتمة لهذه التأملات العابرة فهي هذه المقولة التى جاءت في الحزء الثاني ص18:
(الحكي هو الشفاء الوحيد من حالة الانتظار الممل.. تنغسل بفضله الاوجاع وتندمل الجراح أو تنفتح بعد التئامها).
وكيف لا وقد استطاعت هذه الكتابة المغايرة أو هذا النص أو هذه الرواية ان تجعل من الحكي قوة كما يذهب إلى ذلك ادوارد سعيد.
الوسومادب الحرب الرواية السودانية الفايلابي رواية
المصدر: صحيفة التغيير السودانية
إقرأ أيضاً:
بيل غيتس يكشف عن سر العلاقة بين «حصاد المليارات» و«الكتابة»
المناطق_متابعات
حدد الملياردير الأمريكي بيل غيتس، المؤسس المشارك لمجموعة «مايكروسوفت»،وعبر مدونته الشخصية الرابع من فبراير الحالي لنشر كتابه الجديد الذي يفجر فيه العديد من الأسرار منها سر العلاقة بين الكتابة والعمل على جني الأموال وكم كان عمره عندما قدم أول خطاب عام له، وكم كان عمر شركة مايكروسوفت انذاك، والعديد من الذكريات الطريفة والعملية منذ طفولته الأولى حتى الأيام الأولى لشركة مايكروسوفت.
الخطاب الأول
أخبار قد تهمك بيل غيتس: على السعوديين أن يفتخروا بكرم بلادهم ومشاركتها في القضاء على شلل الأطفال 3 مايو 2024 - 2:49 مساءً «بيل غيتس» يحذر من أوبئة أسوأ من كورونا 19 يناير 2022 - 10:57 مساءًواستهل الملياردير الأمريكي بيل غيتس، حديثه في مدونته بالكشف عن تفاصيل خطابه الأول ويقول :”كان عمري عشرين عاماً عندما ألقيت أول خطاب عام لي. كان ذلك في عام 1976، وكانت شركة مايكروسوفت قد تجاوزت عاماً واحدًا، وكنت أشرح برامج الكمبيوتر في غرفة تضم بضع مئات من هواة الكمبيوتر. كانت ذكرياتي الرئيسية عن ذلك الوقت على المنصة هي مدى شعوري بالتوتر. في نصف القرن الذي مر منذ ذلك الحين،تحدثت إلى آلاف الأشخاص وأصبحت مرتاحًا جدًا في تقديم أفكار حول أي عدد من الموضوعات،من البرامج إلى العمل الجاري في مجال الصحة العالمية، وتغير المناخ، والقضايا الأخرى التي أكتب عنها بانتظام هنا في« Gates Notes »
دوافع الكتابة
وتحدث غيتس عن الأمر الذي دفعه للكتابة : “خلال الخمسين عامًا التي كنت فيها تحت الأضواء، نادرا ما تحدثت أو كتبت عن قصتي الخاصة أو كشفت عن تفاصيل حياتي الشخصية. لم يكن ذلك بسبب تفضيلي للخصوصية فقط. بطبيعتي، أميل إلى التركيزعلى الخارج. ينجذب انتباهي إلى الأفكار الجديدة والأشخاص الذين يساعدون في حل المشكلات التي أعمل عليها. وعلى الرغم من أنني أحب تعلم التاريخ، إلا أنني لم أقضِ الكثير من الوقت في النظر إلى تاريخي الخاص”.
خلاصة التجربة في كتاب
وفي ختام المدونة يحدد بيل غيتس موعد اطلاق الكتاب وكيفية توزيع العوائد المالية منه بقوله :” ولكن مثل العديد من الناس في مثل عمري ـ سأبلغ السبعين هذا العام ـ بدأت منذ عدة سنوات فترة من التأمل، فقد كان أطفالي الثلاثة يسيرون على نفس الطريق في حياتهم،فقد شهدت التدهور البطيء لوالدي ووفاته بسبب مرض الزهايمر. وبدأت أبحث في الصور القديمة، والأوراق العائلية، وصناديق التذكارات،مثل التقارير المدرسية التي احتفظت بها والدتي، فضلاً عن النسخ ، وكانت نتيجة هذه العملية كتاباً سيُنشر في الرابع من فبراير أول مذكرات لي بعنوان “كود المصدر”.. (سأتبرع بعائدات الكتاب إلى منظمة يونايتد واي).
يتناول كتاب “كود المصدر” الجزء الأول من حياتي، منذ نشأتي في سياتل وحتى بدايات تأسيس شركة مايكروسوفت. سأشاركك كيف كان الأمر عندما كنت طفلاً مبكر النضوج، صعب المراس في بعض الأحيان، الطفل الأوسط الذي لا يهدأ لوالدين مخلصين وطموحين لم يعرفا دائمًا ماذا يفعلان بي. أثناء كتابة الكتاب، توصلت إلى فهم أفضل للأشخاص الذين شكلوني والتجارب التي أدت إلى إنشاء شركة غيرت العالم.
في Source Code،ستتعرف على كيفية إدراك بول ألين وأنا أن البرمجيات ستغير العالم، واللحظة في ديسمبر 1974 عندما اقتحم غرفتي في السكن الجامعي بإصدار مجلة Popular Electronics التي ألهمتنا للتخلي عن كل شيء وبدء شركتنا. ستلتقي أيضًا بعائلتي الممتدة، مثل الجدة التي علمتني كيفية لعب الورق، وعلى طول الطريق، كيفية التفكير. ستلتقي بمعلمين ومرشدين وأصدقاء تحدوني وساعدوني في دفعي بطرق لم أقدرها تمامًا حتى وقت لاحق.
قصص ملهمة
ويواصل غيتس كشف الأسرار والتجارب ويقول عن الكتاب :”بعض اللحظات التي أكتب عنها، مثل قصةPopular Electronics، هي لحظات كنت أعلم دائمًا أنها مهمة في حياتي. ولكن في العديد من اللحظات الأكثر شخصية، لم أدرك مدى أهميتها إلا عندما نظرت إليها من وجهة نظري الآن، بعد عقود من الزمان. ساعدتني الكتابة على رؤية الصلة بين اهتماماتي المبكرة وخصائصي والعمل الذي سأقوم به في مايكروسوفت وحتى مؤسسة غيتس.
كان من الصعب عليّ سرد بعض القصص في الكتاب. كنت طفلاً خارج نطاق معظم أقراني، وكنت أسعد بالقراءة بمفردي أكثر من القيام بأي شيء آخر تقريبًا. كنت قاسيًا مع والدي منذ سن مبكرة جدًا. كنت أريد الاستقلال وقاومت جهود والدتي للسيطرة علي. ساعدني المعالج النفسي في ذلك الوقت على إدراك أنني سأصبح مستقلاً قريبًا بما يكفي ويجب أن أنهي المعركة التي كنت أخوضها في المنزل. كان فهم جوانب معينة من نفسي وتعلم التعامل معها بشكل أفضل جزءًا من النمو. إنها عملية مستمرة.
قصة وفاة أول صديق مقرب لغيتس
وعن أصعب أجزاء في الكتاب يقول الملياردير الأمريكي بيل غيتس هو:”إعادة النظر في وفاة أول صديق مقرب لي عندما كنت في السادسة عشرة من عمري. كان لامعًا وناضجًا بما يتجاوز عمره، وعلى عكس معظم الأشخاص في حياتي في ذلك الوقت، كان يفهمني. كانت هذه أول تجربة لي مع الموت عن قرب، وأنا ممتن لأنني تمكنت من قضاء بعض الوقت في معالجة ذكريات تلك المأساة.
كانت الحاجة إلى النظر إلى نفسي لكتابة Source Code تجربة جديدة بالنسبة لي. وكلما تعمقت أكثر،كلما استمتعت أكثر بتحليل ماضي. سأستمر في هذه الرحلة وأخطط لتغطية مسيرتي المهنية في مجال البرمجيات في كتاب مستقبلي، وفي النهاية سأكتب كتابًا عن عملي الخيري.كخطوة أولى.