صحيفة التغيير السودانية:
2024-10-05@07:39:38 GMT

حول رواية أشلاء.. تأملات عابرة

تاريخ النشر: 6th, July 2024 GMT

حول رواية أشلاء.. تأملات عابرة

 

حول رواية أشلاء.. تأملات عابرة

السر السيد

الرواية من تأليف الكاتب السوداني محمدأحمد الفيلابي، الذي يعد واحدا من الكتاب الذين فتحوا نفاجا بين التنمية المجتمعية واسئلتها وبين الفن والادب دون ما تغوٌل على أي من الحقلين، كما في نصوصه للراديو ونصوصه المسرحية ونصوصه القصصية. من كتبه المنشورة نذكر “مدنياااو”/ “استدراك- نحكى ويتساءلون” والمجموعة القصصية “الموت أكثر من مرة”.

صدرت الرواية التى صمم غلاف الجزء الثانى منها أشرف الأزهرى ولوحة الغلافين للتشكيلي عصام عبد الحفيظ وكتب مقدمتها الناقد أبوطالب محمد، صدرت في طبعتها الأولى في العام 2024.. (الجزء الاول)، صدر عن خطوط وظلال للنشر والتوزيع بالاردن والجزء الثاني، صدر عن مكتبة الطليعة العلمية بالاردن.

تتكون الرواية من جزأين، الاول بعنوان: (سبعون يوما من العبث) وعدد صفحاته 142 صفحة من القطع المتوسط والثاني بعنوان: (هستيريا الخوف) وعدد صفحاته 169 صفحة من القطع المتوسط.

على المستوى الهيكلي أو المعماري الذي قامت عليه الرواية بجزأيها، قام الجزء الاول على تقنية “العناوين” وعددها ثمانية، نذكر منها (الشلة/ أشلاء ومخاوف/ الجنرال في نقاهته/ الخروج من العتمة)، بينما قام الجزء الثاني على تقنية الفصول وعددها عشرة وعبر تآزر التقنيتين الهيكليتين تدفٌق السرد الذى تنوعت فيه التقنيات ونهض على اسلوب زاوج بين اللغة كثيفة الجمال حتى حدود الشاعرية واللغة التقريرية مستخدما تقنيات الصوت المفرد “صوت الراوي” والأصوات المتعددة “أصوات شخصيات الرواية”، كأن تحكي شخصية ما ذكرياتها ويومياتها، أو المونتاج كاستدعاء نص من النصوص، لكاتب ما نشره في صحيفة أو في أو في كتاب أو في راديو أو في فضائية أو في وسائط التواصل الاجتماعي، كان هذا النص مقالا أو قصيدة أو تقريرا اخباريا أو تحليلا سياسيا أو مقولة فلسقية او فكرية.

في موضعة النص وتنسيبه:

جاء في الرواية ص 25/26 الجزء الاول: (… بين الصراخ والعويل تبين ان جسما ناريا سقط على غرفة الضيوف، فدكها دكا.. ووقعت عينها على زوجها الساقط ارضا والدم يغطى كامل جسده..غامت الدنيا في وجهها ولم تعد ترى سوى الظلام ولا تسمع شيئا، وهوت ارضا). وجاء في الجزء الثانى من اوراق الشابة وصال،ص 148: ( نوقن ان حالنا أفضل ممن قتلن او اغتصبن او وقعن في ايدى من يتاجرون بنا.فالحرب في كل الاحوال شر بلا حدود.تسحق من يقف امامها.تطحن حيوات الجميع، والنساء بشكل اخص تصبح اجسادهن ساحة حرب..فى الحروب يرتفع سلاح الاذلال والمهانة لهن ولمن لا يسمح بالمساس بهن..).انتهى.

قد لا أختلف كثيرا مع النقاد والقراء الذين يصنفون هذا النص بأنه (رواية)، ولهم الحق في ذلك بالطبع، لكني وبالنظر لموضوع “النص” والذي هو حرب الخامس عشر من ابريل 2023 بين القوات المسلحة والدعم السريع والكيفية التى اشتغل عليها النص فيها،أجدنى لا انفى عنها بشكل مطلق وصف انها “رواية” لكني أميل أكثر إلى تصنيفها بأنها كتابة مغايرة “جسد ابداعي ماكر” يكر على تخوم الكتابة الروائية ولا يبقى فيها ويفر عن تخومها ولا يغادرها لهذا وصفته بالكتابة المغايرة وبما انه يسعى لانتاج صورة أو صورا عن هذه الحرب وما نتج عنها من تقتيل ونهب للمتلكات الخاصة والعامة ومن تدمير للبنى التحتية ومن نزوح ولجوء ومن نشر وتكريس للعنصرية والجهوية، في مدى زمني ومكاني يبدأ من اليوم الاول للحرب 15 أبريل 2023 وينتهى في اليوم ال 200 للحرب نوفمبر 2023 ” وفي مدى مكاني يبدأ من الخرطوم والقرية التي نزحت لها شلة الاصدقاء مرورا بقوز يعقوب واشارات لاماكن اخرى وليس انتهاء بمراكز الايواء. تكمن مغايرتها أى هذه الكتابة او هذا النص في انها تأسست على نزوع بحثى واضح يجمع بينما هو ثقافى واخبارى وسياسي وحقوقى تتجلى فيه خبرة الفاعل المدني الذى يتوفر على معرفة بالقوانين الدولية والوطنية ذات الصلة بالحرب وبمعرفة على ثقافة المناصرة والرصد بل على معرفة بكل ما يرتبط بقاموس الحرب من اقتصاديات ومن نزوح ولجوء ونوعية الانتهاكات وتكيفيها من اغتصاب وتقتيل وتشريد وتدمير وتفاوض وغيره، لذلك فهى كتابة ذات طابع سياسي تنهل من كل تلك الحقول التى اشرت لها وهى اذ تفعل هذا تكون قد مارست (مكرها)، الذى (يبدعن) هذا الطابع السياسي_من ابداع_ ويمنحه “انحرافا ومفارقة” عن اليومى ويضعه على تخوم الكتابة الادبية والفنية كرا وفرا ويمنحه رصيدا من الاخيلة والجمال لذلك لا غرابة ان يوصف هذا النص او هذه الكتابة بأنها رواية،سيما انه يتوسل بعضا من تقنيات السرد وينهض على اسلوب مشحون بالجمال والاخيلة ومن ذلك مثلا تبادل الادوار او التناوب في الحكى بين الراوى شخصيات الرواية أو في التداعى الحر لبعض الشخصيات أو في الحوار أو في قطع تسلسل الحكى من حين لآخر عبر تدخلات الراوى وكل هذه المستويات للحكي كما هو معروف تعد من تقنيات السرد وللتأكيد على ما ذهبت اليه في ما يخص تبادل الادوار اشير إلى ما كتبَته شخصيات شلة القرية من يوميات ووقائع كلها على صلة بالحرب بصورة مباشرة أو غير مباشر وهى شخصية المهندس سعيد وشخصية نورى ضابط الجيش الذى أحيل للمعاش وشخصية المثقف والفاعل السياسي عبدو وشخصية الشابة وصال التى نزحت مع اختيها وامها وسكنت في مركز الايواء بالقرية وفيما يخص قطع تسلسل الحكي وتواصل الاحداث أشير إلى النصوص المأخوذة من سياقات اخرى واقحامها في متن النص كبعض المقالات او التصريحات المنشورة لكتاب وصحافيين معروفين أو إيراد معلومة أو مقولة لمؤرخ او مفكر أو مسئول حكومى أو بيان لفاعل مدنى كأيراد بعضا مما ذكره ابراهيم فوزى باشا في مذكراته عما فعله الانصار عند تحرير الخرطوم في العام 1885 ابان الثورة المهدية أو الخطاب الذى وجه لمدير الغابات بشأن ما يحدث في “غابة امبارونا بولاية الجزيرة من عمل متعمد لازالتها او ذلك التقرير عن النهب والسرقة لصحافى بريطانى، اضافة للاستشهادات الكثيرة بمقولات وافكار لمفكرين وسياسيين وفلاسفة، فقد احتشد هذا النص او هذه الكتابة المغايرة الماكرة بأسماء كثيرة من هؤلاء كالشيخ بابكر بدري وابن خلدون وغوستاف وعبدالمجيد عابدين وآل غور وغيرهم،اما فيما يخص الحوار فأشير إلى الحوار الذى كان مكانه بورتسودان ودار بين عبدو الذى غادر القرية إلى هناك لتنفيذ دورة تدريبية وزميل دراسته التاجر الجشع، فمن بعض ما يكشفه هذا الحوار نظرة بعض الناس للحرب من خلال اوضاعهم الخاصة.

اخيرا اشير إلى ان هذه “الرواية” أو هذ النص أو هذه “الكتابة المغايرة الماكرة”، التي اعتبرها المبادرة الأولى الجامعة لتوثيق حرب الخامس عشر من أبريل، مما يعني وبلا حذر وضعها ضمن ما يعرف (بروايات الحرب) كما اشار الناقد ابوطالب محمد في مقدمته.. أشير إلى أنها قد جسدت وبجدارة طقسا “حداثيا” لاشتباك الناس والامكنة والنصوص والذاكرة والتاريخ والماضي والحاضر مع الحرب في مدى زمني محدد وهى لما تنتهى بعد ، بأمل عريض ومقاومة خلاقة،

فبينما تسعى الحرب ليحوز أحد طرفيها او أطرافها كل “السلطة” بمفهومها الأشمل،عملت هذه الكتابة المغايرة الماكرة وهى تجسد طقسها الحداثى هذا على تفتيت السلطة أو بالحرى (توزيعها)، فهناك تعدد في الاصوات فالكل يحكى، فقد سمعنا صوت الراوى وصوت الكاتب نفسه وسمعنا أصوات شلة القرية وأصوات النازحين في مراكز الايواء وسمعنا صوت “حارنة” وصوت “نعمة” وصوت “سكينة بت يعقوب” وسمعنا أصوات المتحاربين، وسمعنا أصوات الفاعلين المدنيين والمفكرين والمؤرخين، وهناك تعدد وتنوع في النصوص فقد وقفنا على سوق من النصوص نهضت عليه هذه الكتابة…إعادة التوزيع للسلطه هذه تجعلنى أستطيع أن أضع هذه الكتابة في قلب المجرى الأساس للمقاومة الثقافية ليس فقط فيما قدمته من شهادة فصيحة لبشاعة الحرب وقبحها ومن شهادة عن صمود ومقاومة المتضررين منها وانما أيضا على مستوى علاقات بنائها “شكلها”، الذى يصدٌر ولو بشكل خفى حالة شعورية يحس عبرها القارئ والقارئة بجمال التنوع والتعدد والاختلاف والذى بسبب غيابه أو تغييبه في حياتنا السياسية واليومية شكل البنية التحتية لهذه الحرب وما سبقها من حروب في السودان.

ان كان من خاتمة لهذه التأملات العابرة فهي هذه المقولة التى جاءت في الحزء الثاني ص18:

(الحكي هو الشفاء الوحيد من حالة الانتظار الممل.. تنغسل بفضله الاوجاع وتندمل الجراح أو تنفتح بعد التئامها).

وكيف لا وقد استطاعت هذه الكتابة المغايرة أو هذا النص أو هذه الرواية ان تجعل من الحكي قوة كما يذهب إلى ذلك ادوارد سعيد.

 

الوسومادب الحرب الرواية السودانية الفايلابي رواية

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: ادب الحرب رواية

إقرأ أيضاً:

تأملات قرآنية

#تأملات_قرآنية

د. #هاشم_غرايبه

يقول تعالى في الآية 53 من سورة الأحزاب: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَىٰ طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَٰكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ ۚ إِنَّ ذَٰلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنكُمْ ۖ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ ۚ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ ۚ ذَٰلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ..”.
اعتاد الوعاظ على ترغيب الناس بالزهد للتخفيف من غلواء تكالبهم على متاع الدنيا، ويلجأون في بعض الأحيان الى الحث على التأسي بالنبي صلى الله عليه وسلم، فيذكرون كثيرا من الروايات من مثل ربطه حجرا على بطنه من الجوع، أو سؤاله أهل بيته هل عندنا طعام، فإن لم يجد أكمل نهاره صائما.
لقد أدى الإسراف في ذلك الى تصوير النبي صلى الله عليه وسلم فقيراً معدماً، ينام على الحصير، وليس عنده في بيته أثاث، ولا يحتفظ فيه بمواد استهلاكية.
الحقيقة أنه كان مكتفيا، وبيوته عامرة بالخيرات، ولا يلبس إلا الحسن من الهندام، وودائم الظهور بأجمل هيئة، ويكثر من استعمال الطيب، وذلك من فضل الله عليه.
صحيح أنه مرت عليه صلى الله عليه وسلم أيام شداد لم يكن يجد فيها ما يأكله إلا ما يواريه أبط بلال، لكن ذلك كان في فترة الإعداد والتهيئة للمهمة الجليلة التي تنتظره، فقد أنشأه الله تعالى وهيأه للنبوة، إذ مات أبوه وهو جنين، لكي لا يكون له إخوة ولا أخوات ينالون تبجيلا هم وذرياتهم، ثم ماتت أمه، لينشأ يتيم الأبوين، وهذه أصعب حالات اليتم، لكن الله عوضه فآواه بجده وعمّه، وحفظ عقله من العلوم الفاسدة، فأبقاه أمياً الى أن علمه من لدنه، وأدبه فأحسن تأديبه، فنشأ مُبرّءاً من العيوب والمناقص، ثم منَّ عليه فرزقه زوجة كريمة غنية أسعدته وأغنته، ثم أنزل عليه رحمته بالرسالة فهداه وأكرمه بأن صار سيد الأنبياء والمرسلين: “أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَىٰ وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَىٰ وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَىٰ” [الضحى:6-8].
عودة الى الآية 53 من سورة الأحزاب، وهي جملة من الآداب التي يوجه الله فيها المسلمين، في التعامل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وزوجاته، صحيح أنها مخصوصة بزمن معين مضى وانقضى، ولم يعد لهذه الأحكام من تطبيق الآن، لكننا نستفيد منها مايلي:
1 – أن للبيت خصوصية، فلا يدخلها من غير أهله إلا مدعواً.
2 – وفي حالة بيوت النبي صلى الله عليه وسلم، فقد كان يقدم فيها الطعام للناس، وهذا إثبات على أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن فقيرا معدما، ولم تكن بيوته خاوية، بل كان يطبخ فيها الطعام وتولم فيها الولائم، ويبدو أنه كان هنالك أفواج متتالية من الذين يقصدونها طلبا للطعام، لذلك جاء التوجيه بالإنتظار خارجا حتى يؤذن لهم، وليس أن يدخلوا ويجلسوا بانتظار نضجه، لأن ذلك سوف يتخلله أحاديث قد لا يكون من المناسب أن تقال في تلك البيوت الكريمة.
3 – إن هذه البيوت لها حرمتها وكرامتها، فلا يجوز إطالة الجلوس فيها بعد انتهاء الغرض من دخولها، وهو تناول الطعام، ولما كان الناس يستأنسون ويتبركون بجلوسهم في بيت حبيبهم، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يضايقه طول المكوث الذي يحرمه من الراحة والسكينة في بيته، لكنه حييٌ مهذب فلا يظهر ذلك، لذلك تولى الله عز وجل مهمة تنبيههم، من ذلك نستشف كم هي عظيمة منزلة رسول الله عند رب العزة، فمَنْ غيرُه من البشر اهتم الله براحته وضيقه!؟.
4 – لا شك أنه كان في أخلاق البعض غلظة، وآخرون ينقصهم التهذيب، فكانت هذه الآية تربوية، وعلى الرغم من أن أزواج النبي هن أمهات المؤمنين، لكن هنالك أصول يجب مراعاتها، فلا يدخل عليهن طالب شيئ بغير استئذان ولا استئناس، وينطبق ذلك على الأم الوالدة فقد تكون في وضع لا تحب أن يراها عليه أحد.
البعض من المتشددين اتخذ من عبارة “من وراء حجاب” أن ذلك أمر بتغطية وجه المرأة، لكن المعنى واضح، ويعني أن هنالك حائل أو حاجز يمنع التقاء النظر من الجانبين، وليس من جهة الرجل فقط، بدليل “ذَٰلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ”.

مقالات ذات صلة المستقبل بعد الحرب على حماس وحزب الله : العالم تحت أقدام الصهيوينة !! 2024/10/03

مقالات مشابهة

  • معارك ذات الكبارى وآخر اليد
  • قائد سرية مشاة: الجندي المصري أظهر معدنه.. ورأيت أسودا تركض نحو النصر
  • غزة عام الحرب والمقاومة
  • طقس الجمعة..مرور سحب عابرة قد تعطي بعض القطرات المطرية
  • تأملات قرآنية
  • تأملات في التفاصيل القديمة
  • حرب أكتوبر.. وصناعة التاريخ
  • «نصر أكتوبر» معجزة التاريخ
  • موسم رمضان 2025 ملىء بالنجوم
  • عادل حمودة يكتب: سنة على الحرب فى غزة انتهت بمشهد اغتيال «نصر الله»