القضية الفلسطينية في ضوء الانتخابات البريطانية
تاريخ النشر: 6th, July 2024 GMT
عبد النبي العكري
أجريت يوم الخميس 4 يوليو 2024 الانتخابات العامة المبكرة لمجلس العموم البريطاني، والذي يبلغ عدد أعضائه 650 نائبا.
ورغم أنه كان من المتوقع أن يفوز حزب العمال بأغلبية مريحة، إلا أن النتائج كانت مذهلة ولا سابق لها، سواء باكتساح حزب العمال المعارض للانتخابات والهزيمة المدوية لحزب المحافظين الحاكم.
ومع نهاية عملية فرز أوراق الاقتراع، فقد كانت النتائج المتمثلة في عدد النواب الفائزين عن كل حزب كما يلي 1-العمال (412) 2- المحافظين (121) 3- الأحرار الديمقراطيين (71) 4-حزب الاستقلال الاسكتلندي (9) 5- شين فين (7) 6- المستقلون (6) 7- الاتحاديون (5) 8- الإصلاح (6) 9- حزب الخضر (4) وتتوزع باقي المقاعد على أحزاب صغيرة.
إن انتصار حزب العمال الباهر بقيادة كير ستراموند والخسارة المدوية لحزب المحافظين بقيادة ريشي سوناك قد تم تأكيدها في كلمتي كلا منهما بعد إعلان النتائج الرسمية بنهاية يوم الاقتراع، ثم تأكيدها ودلالاتها في خطاب وداع ريشي سوناك أمام مقر رئيس الوزراء وخطاب انتقال ستراموند لمقر رئيس الحكومة ذاته، وحسب التقاليد فقد ذهب كل منهما على انفراد إلى قصر بكنجهام حيث مقر الملك شارلز الثالث، وقدم سوناك استقالته وبعده مثل ستراموند أمام الملك ليكلف بتأليف الحكومة كونه يملك الأغلبية في البرلمان.
في خطابه الوداعي، أقر سوناك بهزيمة المحافظين وانتصار العمال متحملا مسؤولية ذلك ومعتذرا لجميع أعضاء حزب المحافظين ومرشحي الحزب الذين خسروا وجميع من عملوا في الحكومة من وزراء ومسؤولين، وخصوصا من عملوا في مقر رئيس الوزراء، ودعت إلى مراجعة شاملة لحزب المحافظين وسياساته، مشيرا إلى أنه فهم رسالة الناخبين.
أما كير ستراموند الذي وصل إلى مقر رئيس الوزراء مع زوجته، فقد كان في انتظاره حشد كبير من مسؤولي وأعضاء وأنصار حزب العمال المبتهجين، وحرص هو وزوجته على عناق ومصافحة العديدين منهم في بادرة ملفته.
وفي خطابه أمام المقر، شكر ستراموند جميع من أسهم في هذا النصر التاريخي ومن صوت لمرشحي الحزب ومن لم يصوت له، وأكد على أن هذا الانتصار يؤكد رغبة البريطانيين في التغيير الشامل، وأن العمل لذلك قد بدأ اليوم، ودعا الجميع للتعاون مع حكومته لإنجاز التغيير الصعب بالعمل المثابر، مؤكدا أن الخدمة في مؤسسات هي مهمة وليست وظيفة وأن مهام حكومته تسترشد بمصلحة الشعب البريطاني أولا وحزب العمال ثانيا.
دلالات الانتخابات لقضية فلسطين
تعتبر قيادة سترامر لحزب العمال والتغييرات الهائلة التي أحدثها فيه ظاهرة استثنائية، ولقد دخل كير ستارمر حزب العمال متأخرا جدا في حياته المهنية والسياسية، وكان قبلها ومنذ 1987 محاميا مشهورا ومتخصصا في القضايا الجنائية وحقوق الإنسان حتى عام 2002، وبعدها تم تعيينه بأمر ملكي مستشارا للملكة ثم مستشارا لحقوق الإنسان اشرطة أيرلندا الشمالية، وفي الفترة من 2008 حتى 2013 مديرا للادعاء العام والتحقيق في قضايا فساد النواب وانتهاك حريات الصحافة والاغتيالات السياسية، ومن هنا جاء اهتمامه بالسياسة، وتقديرا لإنجازاته فقد منحته الملكة وسام فارس ولقب سير في 2014.
وفي عام 2015 ترشح لعضوية مجلس العموم عن حزب العمال الذي انضم اليه وكان في المعارضة وشق طريقه بسرعة في صفوف الحزب تحت قيادة اليساري جيرمي كوربن الذي اختاره وزير داخلية في حكومة الظل، وانتخب لزعامة الحزب في مؤتمره في سبتمبر 2020 بعد استقالة جيمي كوربن اليساري والداعم لقضية فلسطين إثر هزيمة حزب العمال القاسية في انتخابات 2019 إثر خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
أحدث كير سترامر تغييرات كبيرة في توجهات الحزب وبنيته القيادية منذ مؤتمر الحزب في سبتمبر 2021 بعيدا عما كان عليه في ظل كوربن من توجه يساري وبدعم القضية الفلسطينية وإنهاء الاحتلال "الإسرائيلي" واقامة الدولة الفلسطينية.
أعاد سترامر مواقف حزب العمال إلى ما كانت عليه في عهد بلير بالتأكيد على شرعية "إسرائيل" والعلاقات الراسخة ما بين بريطانيا و"إسرائيل" ومكافحة ما يدعى بمعاداة السامية أي معارضة الاستعمار الاستيطاني الصهيوني لفلسطين في أوساط حزب العمال والمجتمع البريطاني، وقد كشف سترامر متفاخرا أن زوجته يهودية متدينة وتربي أولادها على ذلك وأن العائلة تراعي التقاليد اليهودية.
من هنا فقد جرى تغيير شامل في برنامج الحزب وأولوياته لصالح إسرائيل والحركة الصهيونية ودعم بريطانيا بل وتحالفها مع "إسرائيل"، وترتب على ذلك تغييرات كبيرة في قيادات حزب العمال بإبعاد مؤيدي خط كوربن اليساري واستبدالهم بمؤيدي سترامر وخطه الجديد، وتبعا لذلك جرى تحديد مرشحي حزب العمال للانتخابات التي جرت في 4 يوليو 2024.
وقد ترتب على طوفان الأقصى مواقف منحازة جدا لحزب العمال بقيادة سترامر إلى جانب "إسرائيل" وحرب الإبادة ضد شعب فلسطين حيث تطابق موقفه مع موقف الحكومة وحزب المحافظين، بل إن سترامر وصف حماس والمقاومة الفلسطينية بالإرهاب وأيد ما يعتبره "حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها" بما في ذلك حرب الإبادة والحصار "الإسرائيلي" القاتل لقطاع غزة ومعارضة الوقف الفوري لإطلاق النار وتبادل الرهائن، وكذلك موقفه المعادي للحراك الاحتجاجي الجماهيري المناصر للقضية الفلسطينية والمعارض لموقف الحكومة البريطانية وحزب المحافظين الحاكم وحزب العمال المعارض والذي أصبح حاكما وحركة المقاطعة (بي دي اس) ووصف كل ذلك بمعاداة السامية المزعومة.
لكن الجديد في هذا الحراك كما انعكس في هذه الانتخابات هو ما يلي:
1-ترتب على طوفان الأقصى وما رافقه من حركة احتجاجية في العديد من بلدان الغرب، أن مثلت بريطانيا ساحة مهمة لعدة اعتبارات ومنها الدور التاريخي لبريطانيا في اغتصاب فلسطين وقيام الكيان الصهيوني على أرض فلسطين المحتلة في ظل الحكم البريطاني، كذلك الدور البريطاني في مشاركة ودعم هذا الكيان الغاصب حتى الآن حيث تعد بريطانيا الشريك الثاني بعد أمريكا للكيان الصهيوني في حرب الابادة، وفي ذات الوقت سياسة القمع لهذه الحركة الاحتجاجية وشيطنتها واتهامها بالتطرف الإسلامي ومعاداة السامية، وفي ذات الوقت الدفاع عن "إسرائيل" تحت شعار حقها في الدفاع عن النفس ووصم المقاومة الفلسطينية بالإرهاب.
2- خلال الأشهر التسعة من الحركة الجماهيرية المؤيدة لفلسطين، تنامى في أوساط المجتمع البريطاني وعي لخطورة سياسة النخب السياسية المعادية لفلسطين والمناصرة لـ"إسرائيل"،حيث تصاعدت الاحتجاجات ضد سياسة ومواقف قيادات الحزب بزعامة سترامر بعد انحراف الحزب عقب إزاحة زعيمه المناضل جيرمي كوربن وخطه بل إقالته من الحزب وحذفه من لائحة ترشيح الحزب للنيابة.
كما تمثل في استقالات عدد مهم من قيادات وكوادر الحزب من الحزب وخصوصا في أوساط المجتمعات الإسلامية والعربية والتقدمية من أوساط الحزب ومناصريه، وتحول عدد من المنتخبين عن الحزب في المؤسسات الرسمية الى مستقلين.
3- مع الدعوة للانتخابات العامه قبل شهر فقد عمدت قيادة حزب العمال بزعامه سترامر إلى غربله مرشحي الحزب في دوائر الانتخابات ال 650 دائرة، فاستبعدت العديدين ممن يعارضون سياسة الحزب الرسمية ويدعمون القضية الفلسطينية.
وهنا قد حدث تطور مهم وهو ترشح هؤلاء ومنهم ذوي انتماءات فلسطينية وإسلامية وعربية وتقدميه كمستقلين في مواجهة مرشحي حزب العمال والآخرين، وقد ترتب على ذلك فوز 6 منهم أبرزهم جيرمي كوربن الزعيم السابق لحزب العمال ومناصر القضية الفلسطينية.
ورغم خسارة قطب دعم فلسطين السياسي المخضرم جورج جالاواي والذي فاز بأغلبية ساحقه في الانتخابات الفرعية في فبراير الماضي، فإنه خاض الانتخابات ضمن قائمة حزبه الجديد (حزب الشغيلة) وفي مقدمة أهدافه نصره فلسطين ومعاداة الصهيونية وكيانها ومعارضة السياسة البريطانية حكومة ومحافظين وعمال.
4- لقد انبثق من الحراك الجماهيري حركة سياسية لها ممثلوها في البرلمان البريطاني ستشكل كتلة برلمانية كصوت لجماهير واسعة للشعب البريطاني في دعم الحق الفلسطيني والحق الإنساني وقضايا الشعوب ومعارض لسياسات الدولة العميقة والنخبة الحاكمة في السياسات الداخلية للرأسمالية الليبرالية والسياسة الخارجية للامبرياليه المتوحش بقياده امريكا والكيان الصهيوني العنصري والاستعمار الاستيطاني في فلسطين.
5-لا تقتصر الأهمية السياسية على البرلمانيين المستقلين الستة، ولكن كون العديدين من المنتمين لهذا التيار قد خاضوا الانتخابات وكانوا قريبين من النصر وحال دون ذلك عدة عوامل ومنها قصر مدة وجودهم على الساحة السياسية وافتقادهم للموارد المادية وتكالب الأحزاب الأخرى وخصوصا حزبي العمال والمحافظين ضدهم وكذلك تحالف الدولة العميقة والحركة الصهيونية.
6- لقد أشار بعض زعماء حزب العمال ومنهم وزير الخارجية ديفد لامي لهذه الظاهرة الاحتجاجية والتمرد في صفوف ومؤسسات وكوادر حزب العمال من قبل هذا التيار رغم الفرحة الكبرى لانتصار حزب العمال التاريخي، كما أن ذلك القلق موجود أيضا في أوساط النخبة الحاكمة وقيادات أحزاب أخرى، وسيتكرس هذا الخط الفاصل ما بين النخبة السياسية المسيطرة على مجمل حياة البريطانيين والخط المقاوم، لذلك وإن كان صغيرا الآن لكنه يمكن ان ينموا مع تزايد أزمة النظام الحاكم ومعسكر الرأسمالية المتوحشة من ناحية، وصمود المقاومة كطليعه لمقاومة تحالف الصهيونية العنصرية والرأسمالية المتوحشة ومرتكزها الاستيطاني في فلسطين المحتلة، وتمثل بريطانيا ساحة مهمة في هذا الصراع.
هذا الصراع لن يقتصر على بريطانيا بل سيشمل العديد من البلدان الغربية وسيتخذ عدة أشكال سياسية بما فيها الحياة الحزبية والتنافس السياسي والانتخابي.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
ترامب يُهدد القضية الفلسطينية ويُوسّع الهيمنة الإسرائيلية
بسم الله الرحمن الرحيم
#ترامب يُهدد #القضية_الفلسطينية ويُوسّع #الهيمنة_الإسرائيلية
دوسلدورف/أحمد سليمان العُمري
يُمثّل فوز دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية تهديدا كبيرا للشرق الأوسط، وخاصّة للقضية الفلسطينية، فالفوز بولاية ثانية يعكس استمرارية السياسات التي دعمت إسرائيل وعزّزت سيطرتها على الأراضي الفلسطينية.
مقالات ذات صلة مستر ترامب رئيس الولايات المتحدة الأمريكية 2025/01/29في فترته الرئاسية الأولى، شهدت المنطقة العديد من الخطوات التي عزّزت من هيمنة إسرائيل على الأراضي الفلسطينية، مثل الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، ونقل السفارة الأمريكية إليها، فضلا عن دعم مشروع ضم غور الأردن.
هذه القرارات لم تقتصر فقط على استفزاز مشاعر الفلسطينيين، بل كانت بمثابة اعتداء صارخ على حقوقهم التاريخية، فنقل السفارة الأمريكية إلى القدس واعتراف ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل، لم يكن مجرّد تغيير في السياسات الدبلوماسية، بل كان خطوة في اتجاه قضم الحق الفلسطيني في مدينتهم المقدسة.
تلك القرارات ساهمت في تكريس الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، وجعلت السلام والتسوية السياسية أكثر تعقيدا، فقد أغلق هذا القرار أي أفق لحل عادل ينصف الفلسطينيين ويعيد لهم حقوقهم، بل وأدّى إلى تعميق الانقسام في المنطقة وصعّد سياسة الإستقواء الإسرائيلية على الفلسطيني.
فوز ترامب كارثة إضافية على الشعب الفلسطيني
أدّى دونالد ترامب اليمين كرئيس للولايات المتحدة في حفل أقيم داخل مبنى الكابيتول، مؤكّدا في خطابه أنّ «العصر الذهبي بدأ الآن، وزمن الانهيار الأمريكي قد ولّى»، وقضية الرهائن الإسرائيليين لدى حماس كانت في باكورة خطابة.
سياسة ترامب السابقة في دعم إسرائيل على حساب حقوق الفلسطينيين تؤكّد تجاهل حقوق الفلسطينيين في مدينتهم المقدّسة، وتبنيه المواقف الإسرائيلية التي تزيد من تعقيد القضية الفلسطينية، إضافة إلى ذلك، دعمه لمشروع ضم غور الأردن؛ كان بمثابة الضوء الأخضر لإسرائيل لتوسيع سيطرتها الاستيطانية ومواصلة سياستها الإستيطانية في الضفة الغربية.
إذا استمر ترامب في سياساته المعهودة، فإن تحقيق العدالة وتوفير حل سياسي عادل سيبدو أكثر صعوبة من أي وقت مضى، خاصّة وأن الوضع السياسي العربي والإسلامي في تراجع وتباين، ما يسهّل على إسرائيل تنفيذ سياساتها التوسّعية على الأرض. وبذلك تصبح التحديات التي يواجهها الفلسطينيون في سبيل الحفاظ على حقوقهم التاريخية في القدس والضفة الغربية أكثر تعقيدا وخطورة من أي وقت مضى.
خبير الشؤون الشرق أوسطية «مايكل هاينز» أشار إلى أن سياسات ترامب لم تقم أي مسار حقيقي للسلام في المنطقة، بل ساعدت على تأجيج الصراع، خصوصا مع توقيع صفقات دعم الاستيطان الإسرائيلي. وأضاف: «إن فوز ترامب قد يُعتبر أرضا خصبة لبيئة أكثر عدائية تجاه الشعب الفلسطيني، ما يؤدّي إلى مضاعفة الصراع وزيادة في العنف».
تعزيز الهيمنة وفرض الأمر الواقع
في إسرائيل، يُعتبر فوز ترامب فرصة لمواصلة الهيمنة الاستيطانية على الأراضي الفلسطينية، فقد رحّب العديد من القادة الإسرائيليين بسياسات ترامب، معتبرين أنّه «أفضل رئيس لإسرائيل»، وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي «بنيامين نتنياهو» من أبرز المستفيدين من دعم ترامب، حيث وصف فوزه في الانتخابات الأخيرة بـ «أعظم عودة في التاريخ».
هذا التصريح يعكس العلاقة الوثيقة بين الرجلين، وبين السياسة الإسرائيلية والأمريكية ويعبّر عن استبشار المسؤولين الإسرائيليين بفوز ترامب، حيث يتوقّعون المزيد من الدعم الأمريكي لمشاريعهم الاستيطانية.
«نتنياهو» ليس وحده في هذا الرأي؛ فقد أعرب العديد من المسؤولين الإسرائيليين عن استبشارهم بفوز ترامب، معتبرين أن ذلك سيسمح لهم بتوسيع سيطرتهم على الأراضي الفلسطينية.
سياسات ترامب، التي تشمل دعم ضم غور الأردن والاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، تفتح الطريق أمام مشاريع استيطانية جديدة في الضفة الغربية، وهو ما يعتبره العديد من المسؤولين الإسرائيليين خطوة هامة لتقوية الأمن الإسرائيلي وفرض واقع جديد.
من أبرز المشاريع التي دعمها ترامب كان مشروع ضم غور الأردن، الذي يعد من أكثر المناطق استراتيجية في الضفة الغربية. هذا المشروع، الذي يعارضه المجتمع الدولي والفلسطيني، يعتبر خطوة في طريق تكريس الاحتلال الإسرائيلي لمواصلة السيطرة على الأراضي الفلسطينية بشكل دائم.
وتشير التصريحات الإسرائيلية إلى أن ترامب قد قدّم لإسرائيل فرصة تاريخية لفرض السيادة على المزيد من الأراضي الفلسطينية دون معارضة حقيقية من الولايات المتحدة.
إضافة إلى سياسته التي رسّخت النفوذ الإسرائيلي؛ آخرها تصريحه الأخير بضرورة تهجير سُكّان قطاع غزّة إلى مصر والأردن، كما دعا دول عربية أخرى لقبول الفلسطينيين الغزّيين، ما يُعتبر تطهيرا عرقيا صريحا لخدمة المشروع الصهيوني.
فوز ترامب: تهديد للحق الفلسطيني وتآكل الديمقراطية الأمريكية
إجمالا، فإنّ فوز ترامب يشكّل تهديدا حقيقيا للشرق الأوسط وللقضية الفلسطينية، فدعم ترامب الثابت لإسرائيل، سواء عبر الاعتراف بالقدس عاصمة لها أو دعم مشاريع الاستيطان وضم الأراضي، الذي لا يقابله أي إسناد عربي لفلسطين يُضاعف من فقدان الفلسطينيين لحقوقهم في أرضهم. وبينما يحقق ترامب مزيدا من النجاحات على الصعيدين السياسي والدبلوماسي، إلّا أن تأثير سياساته على الشعب الفلسطيني يبقى سلبيا، حيث تزداد احتمالات ضياع حقوقهم أكثر من أي وقت مضى.
على الصعيد الأمريكي، يُعمّق فوز ترامب الانقسام الداخلي ويزيد من الاستقطاب بين مختلف فئات المجتمع الأمريكي. هذا الوضع يُهدّد القيم الديمقراطية ويقوض الثقة في النظام السياسي، ممّا يُعرّض الولايات المتحدة لمزيد من الاضطرابات الاجتماعية والسياسية.
في نهاية المطاف، فإن فوز ترامب قد يكون القشّة التي ستكسر ظهر الشرق الأوسط، وتضع القضية الفلسطينية أمام تحديات أكبر من أي وقت مضى.
داخل الولايات المتحدة، يُعتبر فوز ترامب تهديدا حقيقيا للديمقراطية الأمريكية، فعلى الرغم من أن فوزه قد يُعتبر نجاحا سياسيا على المستوى الدولي، فإنه يوطّد الانقسامات الداخلية في المجتمع الأمريكي.
يُعبّر العديد من المحللين الأمريكيين عن قلقهم من أن ترامب يقّوض المؤسسات الديمقراطية ويُغذّي الاستقطاب الاجتماعي. الصحفي الأمريكي «توماس فريدمان» يرى أن فوز ترامب بمثابة تذكير بمخاطر الانقسام الداخلي المتزايد في الولايات المتحدة، ويشير «فريدمان» إلى أن سياسة ترامب الشعبوية وتعاملاته مع القضايا الاجتماعية تُساهم في تعميق الشقاق بين الأمريكيين.
أما المحلل السياسي «ديفيد بروكس» فيرى أن ترامب يمثّل تهديدا لأسس التعددية في المجتمع الأمريكي، ويعتقد أن سياساته تزيد من الانقسامات الحزبية. ويضيف أن ترامب قد يُسهم في تصعيد العنف في الولايات المتحدة، حيث أن خطابه السياسي الذي يروج للكراهية يُعمّق الفجوة بين الفئات المختلفة في المجتمع الأمريكي.
دعم غير مشروط لإسرائيل واستمرار الأزمة الفلسطينية
في الوقت الذي كان فيه المجتمع الدولي ينادي بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي على الأراضي الفلسطينية، بما في ذلك القدس الشرقية، جاء إعلان ترامب «القدس عاصمة إسرائيل» ليُصعّد من الوضع المأساوي الذي يواجهه الفلسطينيون.
وعلى الرغم من الضغوط التي مارسها الرئيس الأمريكي المُنتخب مُجدّدا، دونالد ترامب، الذي كان له دور محوريا في دفع إسرائيل نحو قبول صفقة تبادل الأسرى ووقف إطلاق النار، من خلال مبعوثه الخاص إلى الشرق الأوسط، «ستيفن ويتكوف»، إلّا أن صعوده كرجل أول مرّة أخرى يفتح المجال أمام المزيد من التوترات في المنطقة. فمنذ فترته الأولى، عمل الأخير على تعزيز موقف إسرائيل في النزاع الفلسطيني الإسرائيلي، ما انعكس بشكل سلبي على الوضع في غزّة.
إنّ فوز ترامب يدفع بالمنطقة إلى حالة من التأزّم المستمر، مع إغلاق أي أفق للسلام والحل العادل، ذلك أنّ فوزه يزيد من التعقيد السياسي ويغلق الباب أمام أي حلول واقعية لإنهاء الإحتلال، في الوقت الذي تتعرّض فيه غزّة لإبادة على مرأى ومسمع من المجتمع الدولي، وموثّقة بالصوت والصورة، تزامنا مع النداءات التي تروّجها الدول الأوروبية والغربية لحقوق الفئران والجرذان.
ولكن بمعزل عن سياسة القادة أو رؤساء الوزراء الأمريكيين، تظلّ السياسة الأمريكية واحدة، وهي قائمة على دعم إسرائيل غير المشروط، فبغض النظر عن أسلوب دونالد ترامب الفظ والصريح في دعم إسرائيل وتنفيذ أجندة قد تحتاج إلى فترة أطول لو كانت «كامالا هاريس» مكانه، وهي التي تنتهج أسلوب المراوغة والمفاوضات لإنهاء الحرب. في النهاية تظلّ النتيجة واحدة.
فسواء كان الرئيس ديمقراطيا أو جمهوريا، سواء كان ترامب أو هاريس، فإنّ السياسة الأمريكية قائمة على تهميش الحق الفلسطيني ودعم التوسّع الإسرائيلي في حربها ضد الفلسطينيين.
ahmad.omari11@yahoo.de