زياد العناني.. شمس كثيرة في سماء قصيدة النثر
تاريخ النشر: 6th, July 2024 GMT
في إحدى المناسبات الثقافية َقبل أكثر من عشرين عاما التقيت بالأستاذ زياد العناني ضمن جمع من الشعراء ضم صديقا مقربا ومحبوبا من الجميع سأله هذا الصديق.. يا زياد.. لماذا تغرق باللامبالاة ولا تكترث لصحتك وأنت ذو موهبة شعرية لا تنكر.. ماذا سيحصل لك إذا بلغت الخمسين؟ فأجاب.. بسخريهة. ومن قال لك إنني أريد أن أعيش بعد الخمسين؟
وهذا ما حدث بصورة ما للأسف.
بعد ما يقارب العشر سنوات وفي يوم من أيام شهر آب أصيب زياد بجلطة دماغية جعلته يدخل في خزانة الأسف ولم يتجاوز بعد الخمسين عاما. كان بارعا في تلخيص ما لا يمكن تلخيصه.. حادا وجارحا يخدش الحقيقة بأظافر من كلماته العارية اإا من المواجهة.. كان يقول لي: الشعر حالة فرح خاصة.. لكن مراجعة نصوصه الشعرية سوف تترك في نفسك أيها القارئ حموضة حادة لهذا الفرح الخاص.
يقول :
شمسٌ حامضةٌ وصباح
ما بال الكون بلا راوٍ
ما بال الكون بلا مفتاح
يا الله
غرفة روحي خانقةٌ ليس لها شباك
يالله
هب لي لغة تشرحني
وتفسر ما تاه
هناك.
في التسعينيات كانت قصيدة النثر في أوج مدها الثاني الذي قاده الشاعر العراقي سركون بولص وكان زياد يواصل تجريبه في هذا الفن بعد أن أصدر مجموعة شعرية من شعر التفعيلة والذي أسقطه من مشروعه الشعري فيما بعد (إرهاصات من ناعور) سنة 1988.
سنة 2000 توج هذا التجريب والنشر بمجموعة شعرية مميزة بعنوان خزانة الأسف.. عبرت هذه المجموعة عن روح قلقة متأملة لا تعرف الراحة ولا اليقين وتنفتح على أسئلة الوجود الكبرى وتخضعها لمنطق شعري أخذ يتشكل منذ هذه المجموعة وترفده موهبة واضحة. وانزياحات مدهشة في المعاني وعنها وتجريب مستمر في شكل القصيدة.
في المجموعة الثانية في الماء دائما وأرسم الصورة أصبح زياد صوتا مميزا في قصيدة النثر في الأردن وفي الوطن العربي. اتخذ طريق القصيدة القصيرة التي لا تلتزم بالإدهاش في الغالب ولكنها تدعو للتأمل وكأنما هي التقاطة خاصة بعين الشاعر ينقلها لنا ولكنها تفتح أفاقا للتأمل والمواجهة والخروج عن المألوف، غير مبال بأي تقليد حتى أن كثيرا من قصائدة جاءت موزونة ،مما يجعلها أيضا تخرج عن مألوف قصيدة النثر، لكنها تبقى ضمن تجربة زياد الخاصة ومفرداته المميزة والتي استطاع صقلها فيما بعد بتجارب ظلت تمتد حتى سنة 2011 عندما كان يعد لإصدار ديوان جديد. ثم فاجأته جلطة دماغية فأجلت ذلك المشروع إلى 2017 حين انبرى الشاعر محمد عريقات لجمع بعض القصائد وإصدارها تحت عنوان: جهة لا بأس بعريها .
في بلدي الأردن لا يستطيع أحد أن يرهن حياته للشعر وحده لأن ذلك يعني إما الانتحار والتسول أو تملق طويل الأجل للنظام السياسي يتذبذب حسب أهواء الفترة ولا يتحصل ذلك إلا للقلة التي انقرضت.
كان بدويا يتعاطى قصيدة النثر الحديثة بوهيميا يعيش حياته بسيف الشعر.. حضوره الطاغي جعل منه قبلة للكثير من أبناء جيلي فأصبح شيخا التف حوله المريدون.. تعانق نصه مع حضوره الشعري وهذا من أفظع الأدلة على طزاجة نصه الدائمة وأبدية صدقه..
كان يردد أيضا إن الشعر ما هو إلا حالة برجوازية باذخة.. لا أدري إلى ما كان يريد أن يوصل تجربته الشعرية فقد كان يتمثل عند هذه العبارة بأحمد شوقي. لقد كان بارعا بالوصول إلى جوهر التجارب الشعرية.. المعاناة عنده ليست طاقة كامنة لتوليد الإبداع لكن الإبداع يتولد دائما من حركة المبدع الدائبة في التأمل بالكون ومحاورة الأشياء بلغة أبجديتها حياة المبدع نفسه لذلك فقد كان من الطبيعي أن تنبثق شعرية نصه من الداخل ولا تستجديها من خارجها.
زياد شاعر كبير متأمل عابث. ساخر من الأشياء ومن نفسه. ظل يحمل وشم طفولته حتى آخر عمره.. ظلت طفولته مثل زيت مرير يضيء قناديله الشعرية.. كلما صادفني تشبيه له لشيء مألوف أحس به طازجا لا يحمل إلا ملامحه السمراء البدوية..في ديوانه شمس قليلة سنة 2006.. الذي كرس معظم نصوصة لسؤال الحرية والقمع والدولة كان يحرث أرضا جديدة ويطلق تأملاته الخاصة بهذه المواضيع التي ستظل تثير الإنسان في دول العالم الثالث.. دون أن يقع في (ماغوطية) أصبحت مستهلكة لجمهور قصيدة النثر. كان الشعر عبر كل تجاربه هو البطل الأوحد الذي يطلق أشعته القليلة على العدسة التي يرى منها فيطلق آلاف الألوان المبهرة والتي تعيد تأملنا لهذه الطاقة العجيبة المنطلقة عبر روحه الشعرية.
زياد شاعر كبير متأمل عابث. ساخر من الأشياء ومن نفسه. ظل يحمل وشم طفولته حتى آخر عمره.. ظلت طفولته مثل زيت مرير يضيء قناديله الشعرية.. كلما صادفني تشبيه له لشيء مألوف أحس به طازجا لا يحمل إلا ملامحه السمراء البدوية..
يقول راسما ملامح غيابه الأبدي:
البطولة أن تذهب من غير مقاومة
الى نومك الطويل
بعد أن تغلق الباب تماما
في وجه الخرائط والثغور
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي تقارير الشاعر الاردن وفاة شاعر رثاء سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة قصیدة النثر
إقرأ أيضاً:
وزير الخارجية يستقبل خالد العناني لمتابعة آخر تطورات ترشيحه لمنصب مدير عام اليونسكو
استقبل الدكتور بدر عبد العاطي وزير الخارجية والهجرة، اليوم السبت، الدكتور خالد العناني، وزير السياحة والآثار الأسبق والمرشح المصري لمنصب مدير عام منظمة اليونسكو، بحضور الوزير المفوض وائل عبد الوهاب مدير حملة الترشيح، وذلك في إطار اللقاءات التي يجريها السيد وزير الخارجية بصورة دورية لمتابعة ملف الترشيح المصري.
أطلع الدكتور خالد العناني الوزير عبد العاطي على آخر التطورات الخاصة بحملة الترشيح، بما ذلك الزيارة التي قام بها إلى العاصمة الفرنسية باريس للمشاركة في المقابلات التي عقدها المجلس التنفيذي لمنظمة اليونسكو للمرشحين لمنصب المدير العام يوم 9 أبريل، والتي مثلت محطة هامة في مسار الترشيح المصري، حيث استعرض خلالها د.العناني رؤيته الانتخابية التي جاءت بناء على الرؤى التي استمع إليها خلال جولاته الانتخابية طيلة العامين الماضيين، والتي شملت أكثر من 45 دولة. كما تناول اللقاء خطة التحرك المستقبلية لحملة الترشيح، تمهيداً للانتخابات التي سوف تجرى في شهر أكتوبر 2025.
وقد أكد الوزير عبد العاطي خلال اللقاء أن الحملة سوف تستمر في حشد الدعم الدولي للترشيح المصري والعربي والأفريقي خلال الفترة المقبلة، لافتاً الي الأهمية التي توليها مصر لدعم المرشح المصري، وأحقيتها في الحصول على هذا المنصب الدولي الرفيع بالنظر إلي المكانة الإقليمية والدولية الرفيعة التي تتمتع بها، ودورها الريادي في مجالات التعليم والعلوم والثقافة.
اقرأ أيضاًوزير الخارجية يستعرض خطة إعمار غزة مع كبيرة منسقي الأمم المتحدة
وزير الخارجية يؤكد التزام مصر بدعم وحدة وسلامة الأراضى الصومالية ومؤسساتها