الأورومتوسطي: آلاف جثامين شهود جريمة الإبادة الإسرائيلية تحت الأنقاض في غزة
تاريخ النشر: 6th, July 2024 GMT
غزة - صفا
قال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، يوم السبت، إن تقديراته تفيد بوجود أكثر من 10 آلاف فلسطيني وفلسطينية في عداد المفقودين تحت الأنقاض في قطاع غزة، مشيرًا إلى أنه لا سبيل للعثور عليهم بفعل تعذر انتشالهم أو إعادة دفن رفاتهم بكرامة، بما يشكل انتهاكًا صريحًا للقانون الدولي، في وقت يغيب فيه أي تحرك إنساني دولي للمساعدة في انتشالهم.
وأوضح المرصد الأورومتوسطي، أن عائلات ضحايا الهجمات العسكرية المميتة والمدمرة التي تشنها "إسرائيل" ضد المدنيين على نحو مباشر وعشوائي، خلال هجومها الذي يقترب من شهره العاشر، يواجهون تحديات هائلة في انتشال الجثامين، وبخاصة في ظل عدم توفر المعدات والآلات الثقيلة لطواقم الدفاع المدني وتعطلها بسبب صعوبة العمل وتشغيلها دون توقف، بالإضافة إلى استهداف وتدمير جيش الاحتلال هذه الآليات والمعدات على نحو مباشر ومنهجي، ومنع إدخال أي معدات وآليات أخرى من خارج قطاع غزة.
ووثق الأورومتوسطي أنماطًا متكررة للنهج الإسرائيلي القائم على منع وعرقلة انتشال الضحايا والمفقودين من تحت أنقاض الأعيان المدنية المدمر، بما في ذلك المنازل والمباني، بما يشمل تكرار استهداف طواقم الدفاع المدني وفرق الإنقاذ والعوائل التي تحاول انتشال جثث الضحايا، ومنع إدخال الوقود اللازم لعمل ما تبقى من مركبات وآليات ثقيلة، ومنع إدخال المعدات، بالإضافة إلى تعمد استخدام أسلحة ذات قدرات تدميرية هائلة تخلف أطنانًا من الركام يصعب إزالتها وانتشال الجثامين من تحتها.
وأفادت السيدة "مريم عماد" (19 عامًا)، لفريق الأورومتوسطي بأن الطائرات الحربية الإسرائيلية قصفت يوم 7 ديسمبر/كانون أول 2023 منزلين لعائلتها في خان يونس جنوبي قطاع غزة، وكان فيهما 36 فردًا/ منهم والداها واثنان من إخوانها، أحدهما طفل، والبقية هم جدها وأعمامها وزوجاتهم وأبناؤهم.
وأضافت "بقينا أكثر من 42 يومًا لا نعرف شيئًا عن مصير كل هؤلاء، وبعدها علمنا أن جميعهم استشهدوا تحت الأنقاض جراء القصف الإسرائيلي. وعندما انسحبت القوات الإسرائيلية مطلع نيسان/أبريل الماضي، ذهبت أنا الناجية الوحيدة من عائلتي مع خالي وعمي لمحاولة انتشال الجثامين لكن لم نستطيع أن نخرج أحدًا منهم".
وتابعت "ثم جاء الدفاع المدني في اليوم التالي وتمكن من استخراج عدد قليل من الجثامين، والبقية بقوا تحت الأنقاض، وحرمنا حتى من دفنهم حتى الآن، لعدم توفر معدات ملائمة، وما يزال مطلبنا أن يتم انتشالهم رغم إدراكي أنهم تحللوا بعد كل هذه الأشهر، لكن نريد دفن ما تبقى منهم بشكل لائق".
وأفاد "وسام السكني" لفريق الأورومتوسطي، بأن طائرات حربية إسرائيلية قصف منزل عائلته في 22 نوفمبر/تشرين ثانٍ 2023، والمكون من خمسة منازل في منطقة مشروع بيت لاهيا شمالي قطاع غزة، ما أدى إلى استشهاد اثنين من أطفاله مع حوالي 45 شخصًا قتلوا في الحادثة.
وذكر "السكني" أنهم على مدار أسابيع من سعيهم لاستخراج الضحايا، فإنه ما يزال 15 منهم تحت الأنقاض، في الوقت الذي يعوق فيه الحجم الهائل من الركام والأنقاض وغياب المعدات وتكرار القصف على المنطقة انتشالهم.
أما "أحمد البهنساوي" فأفاد للأورومتوسطي بأن الطائرات الحربية الإسرائيلية قصفت منزلهم يوم 31 أكتوبر/تشرين أول 2023، ضمن حزام ناري استهدف مربعًا سكنيًّا يضم حوالي 40 منزلًا في "حارة السنايدة" في مخيم جباليا، شمالي قطاع غزة.
وأوضح "البهنساوي" أن جميع أفراد أسرته البالغ عددهم 18 فردًا مع حوالي 400 شخصًا استشهدوا في الهجوم الإسرائيلي الواسع، مشيرًا إلى أنه على مدار أسابيع تم استخراج العشرات من الجثث، لكن ظل حوالي 50 شخصًا تحت الأنقاض يتعذر انتشالهم لعدم توفر المعدات وحجم الدمار الكبير.
ولفت المرصد الأورومتوسطي إلى أن غالبية جثامين الضحايا المنتشلة في الهجمات العسكرية الإسرائيلية كانت إما في الشوارع أو في بنايات بسيطة من طابق واحد أو طابقين، في حين تبقى هناك صعوبات جسيمة في انتشال جثامين الشهداء من أسفل المباني متعددة الطوابق، في ظل اعتماد فرق الدفاع المدني والإنقاذ على معدات متهالكة ومطارق يدوية وأجهزة بدائية في عملية البحث عن الجثامين تحت عشرات آلاف الأطنان من الأنقاض، مما يعرقل فعالية العمل واستمراريته.
وأكد ضرورة الضغط على "إسرائيل" للالتزام بواجباتها القانونية وإدخال بواقر ومعدات خاصة وكميات كافية من الوقود، نظرًا للحاجة الهائلة، والبدء في إزالة الأنقاض والبحث عن الجثامين والوصول إليها وانتشالها وفق إجراءات خاصة للتعرف على أصحابها ودفنهم في مقابر مخصصة، وبالتالي وقف الانتهاك الحاصل لكرامة الضحايا، وكفالة حقهم وحق ذويهم في دفنهم باحترام وبشكل لائق، وطبقًا لشعائر دينهم.
ونبه الأورومتوسطي إلى أن النهج الإسرائيلي في منع وعرقلة انتشال الضحايا يمثل سببًا رئيسًا في انتشار الأمراض والأوبئة الخطيرة في قطاع غزة، في وقت تحللت الغالبية العظمى للجثث بالفعل لتضيف المزيد من المخاطر على الصحة العامة للمدنيين، والمتدهورة أصلا جراء تدمير "إسرائيل" للبنية التحتية المدنية الحيوية، وقطعها لإمدادات الوقود الضرورية لمعالجة مياه الصرف الصحي وعدم القدرة على التخلص من النفايات، والاضطرار إلى استهلاك المياه الملوثة، مما يعرض صحة ورفاهية أكثر من مليوني فلسطيني وفلسطينية، نحو نصفهم من الأطفال، للخطر.
وأكد المرصد الأورومتوسطي أن منع وعرقلة انتشال جثث الضحايا من تحت الأنقاض يشكل انتهاكًا صارخًا ومركّبًا لقواعد القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان، وبخاصة تلك المرتبطة بحقوق جميع الأشخاص بعدم التعرض للاختفاء القسري، وفتح التحقيقات والانتصاف والجبر، وكذلك الحقوق الأخيرة والمتعلقة بالمعاملة الكريمة لجسد الميت ودفنه ومعاملة رفاته باحترام، ويضاف إلى ذلك أن بقاء آلاف الضحايا في عداد المفقودين يشكل جريمة إضافية بحق عائلاتهم الذين يعانون من العذاب النفسي الشديد بما يشكل ركنًا آخر من أركان جريمة الإبادة الجماعية التي ترتكبها "إسرائيل" ضد الفلسطينيين في القطاع.
كما أكد أن منع انتشال الجثامين ينتهك كذلك قرارات محكمة العدل الدولية بشأن ضرورة وقف الإبادة الجماعية في قطاع غزة وحماية المدنيين، كونه يتضمن كذلك إخفاءً متعمدًا للأدلة المرتبطة بجريمة الإبادة الجماعية التي ترتكبها "إسرائيل" في قطاع غزة.
وشدد على أن بقاء هذا العدد الكبير من الضحايا تحت الأنقاض وفشل جهود استخراج الجثث على مدار أشهر يثبت تعمد "إسرائيل" استخدام أنواع مختلفة من القنابل والذخائر وقوة تدميرية غير متناسبة ضد المدنيين الفلسطينيين وممتلكاتهم، في انتهاك لقواعد الحماية للمدنيين وممتلكاتهم من مخاطر الحرب، والتي يوفرها القانون الدولي الإنساني، بما في ذلك اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949، والخاصة بحماية المدنيين وقت الحرب.
وجدد المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان مطالبته بضرورة وجود تحرك سريع لانتشال الجثامين في كافة مناطق قطاع غزة، وإدخال المعدات اللازمة والطواقم المتخصصة والسماح لها بالعمل بشكل آمن، محذرًا من أن استمرار بقائها بالشكل الحالي ينذر بنشر المزيد من الأوبئة وستكون له تداعيات خطيرة جدًا على الصحة العامة، والتي بدأت تلمس منذ عدة أشهر مع تسجيل متكرر لإصابات ووفيات بالأمراض المعدية، بالإضافة إلى تعريض الصحة البيئية للقطاع على المدى الطويل للخطر الشديد وتدمير البيئة بما يصل حد الإبادة البيئية، وجعل قطاع غزة في نهاية المطاف مكانًا غير صالح للحياة والسكن.
وأعاد الأورومتوسطي التأكيد على وجوب إلزام "إسرائيل" بقواعد القانون الدولي التي تنص على ضرورة احترام جثامين الشهداء وعدم سلبها وحمايتها أثناء النزاعات المسلحة، وضرورة اتخاذ أطراف النزاع كل الإجراءات الممكنة لمنع سلب الشهداء والموتى كرامتهم وتشويه جثامينهم وتأمين الدفن اللائق لهم، فضلا عن ضرورة الضغط الدولي على "إسرائيل" لوقف هجماتها العسكرية فورًا بحق المدنيين في قطاع غزة ومحاسبتها على كل الجرائم والانتهاكات الجسيمة التي ارتكبتها لمنع الإفلات من العقاب.
المصدر: وكالة الصحافة الفلسطينية
كلمات دلالية: حرب غزة المرصد الأورومتوسطی انتشال الجثامین الدفاع المدنی ا تحت الأنقاض فی قطاع غزة إلى أن
إقرأ أيضاً:
بيت حانون.. تقاتل و تنهض من تحت الأنقاض
وقف عبد الحميد الزعانين، الرجل الخمسيني، على أطلال منازله المدمرة، يحدق فيما تبقى من جدرانه المتصدعة. لم يكن المشهد صادمًا بقدر ما كان قاسيًا.
يقول بصوت مثقل بالوجع خلال حديثه لـ«عُمان»: «لم نجد ديارنا الثلاث، كلها دُمرت، وجدنا فقط نصف دار متبقية، نحاول تنظيفها للإقامة فيها، رغم الحرب والدمار والبهدلة وانعدام الخدمات بالكامل».
يتحدث عبد الحميد عن معاناة يومية تكاد تكون مستحيلة: «لا كهرباء، لا ماء، لا صرف صحي، لا مقومات للحياة، فقط ركام وأمل لا نعرف كيف نصنع منه حياة جديدة. نعاني صعوبة كبيرة في الحصول على مياه الشرب، فكل نقطة ماء نحصل عليها تأتي بعد عناء شديد».
تبدو العودة أشبه بولادة جديدة لكنها محفوفة بالعذاب، فهو وأسرته يحاولون التكيف مع هذا الواقع القاسي، يحاولون إقناع أنفسهم بأن العيش فوق أنقاض منازلهم، مكومين في نصف بيت، أفضل من النزوح والتشرد، لكن الحياة هنا لم تعد تشبه الحياة، بل أقرب إلى صراع يومي من أجل البقاء.
في كل زاوية من المكان الذي كان يومًا منزلًا، تحضر ذكريات العائلة، صوت الأطفال، رائحة الخبز الطازج، وضحكات الأهل والجيران. اليوم، كل ذلك تحول إلى صمت مطبق لا يكسره سوى وقع أقدام العائدين وسط الركام.
بيت حانون.. العودة إلى المجهول
مع بزوغ فجر كل يوم، يخطو أهالي بيت حانون خطواتهم الثقيلة فوق الركام، عائدين إلى أرضهم بعد شهور طويلة من النزوح القسري. يعودون محملين بالشوق إلى منازل لم يبقَ منها إلا الحجارة المتناثرة، وأحياء كانت تعج بالحياة قبل أن تتحول إلى ساحات خراب.
العائلات تقتحم مشهد الدمار بإرادة لا تنكسر، تحاول ترتيب بقايًا البيوت، تجمع ما تبقى من أثاث، وتبحث عن أي زاوية تصلح للسكن وسط غياب تام للبنية التحتية. لا ماء، لا كهرباء، لا خدمات أساسية، فقط تحدٍّ يومي للبقاء.
بينما يتأمل العائدون مدينتهم المدمرة، يدركون أن معركتهم الحقيقية لم تنتهِ بعد، بل بدأت من جديد. إنها معركة من أجل البقاء، حيث لا مجال للاستسلام.
معركة من أجل أبسط مقومات الحياة
عودة طال انتظارها، تأتي وسط مشاعر متضاربة بين السعادة بلقاء تراب الأرض التي اشتاقوا إليها، وبين الوجع لما فقدوه خلال أشهر الحرب. في بيت حانون، الحزن مؤجل إلى حين، فالانشغال بتجهيز خيمة أو تعبئة جالون ماء هو سيد المشهد. إنها ليست مدينة تقاتل من أجل النجاة فحسب، بل تصارع من أجل أبسط مقومات الحياة.
وسط هذا الدمار، يبحث الأطفال عن أماكن للعب بين الأنقاض، بينما يحاول الرجال والنساء العثور على ما يمكن استخدامه لإعادة ترتيب أماكن الإقامة البديلة. ويواجه الأطفال والنساء والشباب يوميًا رحلة بحث عن الماء والغذاء، حيث باتت هذه المتطلبات البسيطة رفاهية لا تُتاح بسهولة.
يقطع بهاء قزعاط، الشاب العشريني، نحو خمس كيلومترات يوميًا من أجل الحصول على بضع جالونات من المياه الصالحة للشرب.
يقول بصبر وعزيمة، وهو يقف في طابور توزيع المياه أمام سيارة البلدية: «نعم، نحن نعيش فوق الركام، ولكننا لن نغادر، سنظل هنا صامدين. بيت حانون ستنهض من جديد مهما حاولوا إبادتها».
رغم ذلك، لا يخفي بهاء إحساسه بالإحباط مشيرا لـ«عُمان»: «كنا نعيش حياة طبيعية، كنا نملك بيوتًا، وظائف، وأحلامًا. اليوم، كل شيء تغير. حتى الماء، أصبحنا نحصل عليه بصعوبة، وكأنه كنزٌ ثمين علينا القتال من أجله يوميًا».
خراب فوق خراب
هذه المنازل التي تحولت إلى ركام تحمل حجارتها المهدمة كثيرًا من الحكايات التي عاشتها المدينة بحلوها ومرها، هنا، يخفون حسرتهم لما آلت إليه أوضاعهم، ويسعون إلى ترتيب حياتهم وسط الخراب. ليس لديهم خيار سوى التعايش مع ما هو متاح، رغم قسوة الظروف.
بينما يجلس حسن عايش، المواطن الأربعيني، فوق بقايا جدار منزله، يمرر يده فوق حجارة صامتة تشهد على ما كان هنا يومًا ما. يقول بحسرة: «هذا ليس بلدًا منكوبًا، بل كأن تسونامي اجتاحه. هذه البلدة قبل حرب السابع من أكتوبر كانت جنة، مليئة بالحياة والمعمار والخدمات. اليوم، لم يتبقَ منها شيء، فقط خراب فوق خراب».
يزفر حسن بغضب قبل أن يضيف لـ«عُمان»: «لكننا لن نستسلم. سنعيد بناءها كما فعلنا مرات عديدة من قبل. سنبني من جديد، حتى لو اضطررنا للعيش فوق الأنقاض لسنوات».
بيت حانون.. مدينة على خط الصراع
تعد مدينة بيت حانون من المدن الحدودية مع الداخل الفلسطيني المحتل، ولطالما تعرضت للتجريف والتدمير من قبل الاحتلال الإسرائيلي، وفي كل مرة كان أهلها يعيدون بناءها من جديد. منذ سنوات النكبة وحتى اليوم، كانت بيت حانون دائمًا في قلب الصراع، تدفع ثمن موقعها الاستراتيجي.
على مدار العقود الماضية، كانت المدينة ساحة للمواجهات المتكررة، حيث شهدت اجتياحات عسكرية عدة، وكانت هدفًا للغارات الجوية والقصف المدفعي. رغم ذلك، بقي أهلها متشبثين بأرضهم، يعيدون بناء بيوتهم ومدارسهم ومستشفياتهم، في مشهد يعكس صلابة الفلسطينيين وإرادتهم التي لا تُكسر.
وخير شاهد على هذا التاريخ من الصمود الفلسطيني في بيت حانون، هو مصطفى عبدالهادي، المسن السبعيني، الذي التقيناه متكئًا على عصاه بينما ينظر إلى الدمار من حوله.
يقول لـ«عُمان»: «منذ طفولتي، وأنا أشهد بيت حانون تُدمر ثم تُبنى من جديد. الاحتلال يهدم ونحن نعيد الإعمار، لم نستسلم يومًا، ولن نستسلم الآن».
يتذكر مصطفى كيف كانت المدينة مليئة بالحياة، الأسواق تعج بالبائعين، المدارس تكتظ بالطلاب، والمزارع الخضراء تحيط بالمكان. يغلق عينيه في أسى، ثم يقول بصوت خافت: «اليوم، كل شيء تحول إلى ركام». قبل أن يستدرك بصوت عالٍ: «لكن الإرادة لا تزال حاضرة. بيت حانون لن تموت، سنعيدها كما فعلنا عشرات المرات».