========
د.فراج الشيخ الفزاري
========
البيئة...المحليات والمشروع الوطني الثقافي.
سوف تنتهي هذه الحرب اللعينة طال الزمن أم قصر..وسوف يغادر خشبة المسرح المنتصر وكذلك المهزوم. ..المندحر .ويبقي السودان..وتلك هي الحقيقة الباقية...
وللأسف تبقي في الذاكرة،ايضا، تشوهات الحرب المجنونة..
تشوهات مادية وبيئية وبنيوية و نفسية يمتد مداها اجيالا واجيالا.
هذه التشوهات المعرفية والبنوية والأخلاقية تعد من أسوأ مخلفات الحرب و تحتاج إلي جهد مضاعف من الخطط والبرامج بل يجب أن تكون من اوليات المعالجة حتي يتعافي الوطن من جرحاته الأليمة.. وأولها ...شئون البيئة..كمنظومة متكاملة وليس كمعالجات ترميمية مبتورة الصفات.
ولتكن العاصمة القومية هي البداية حيث تحتاج عملية إزالة مخلفات الحرب الي وجود خطة ودليل إرشادي ودراسات ومسوحات بيئية تقوم بها مكاتب استشارية عالمية قبل عملية التنفيذ والذي يجب أن تقوم به أيضا شركات عالمية متخصصة في إزالة مخلفات الحرب كما فعلت في المدن الاوروبية، برلين ...باريس..روما..
وغيرها...بعد دمارات الحرب العالمية الثانية. فأعادت لها بيئتها الصالحة القابلة لإعادة البناء والتعمير..وهذا ما يجب التفكير فيه بعقلانية وتفكير جديد في التعامل مع المشاريع الجادة..
هذه العملية يمكن تكرارها في بقية المدن السودانية المتأثرة بالحرب...مدني وسنجة وغيرها..
ويعقب ذلك مباشرة قيام وزارة مركزية للبيئة مكتملة الصلاحيات ومزودة بالكفاءات المهنية علي المستوي التنفيذي والمستوى الاستشاري بحيث يتم النظر الي شؤون البيئة في السودان من خلال منظور تكاملي ومنهج مؤسسي ولا تترك البيئة للاجتهادات المبتورة .
الأولية الثانية..تقوية الحكم المحلي...فإذا حدث ذلك ، من خلال الاقتناع بفلسفة الادارات المحلية القاعدية ودورها في تنمية الريف دون التدخل السياسي من المركز..فإن
ذلك سوف ينعكس أمنا وتنمية وامانا علي كل أقاليم السودان...فالحكم المحلي والرجوع الي التقسيمات الإدارية القديمة حيث الأقاليم التسعة..ووظيفة المحافظ علي الأقليم ..وعمدة العاصمة القومية..الخرطوم.. كما هو في لندن وباريس ونيويورك..فإن عهدا جديدا من النماء والرخاء سوف يعم كل أقاليم السودان.
وتبقي الاولوية الثالثة..وهي السياج الذي سيعصم السودان كله من الحروب والصراعات والنزاعات القبلية والجهوية..ومشكلة الهوية.
ويتمثل ذلك في وجود( المشروع الوطني الثقافي السوداني).. فقد أظهرت هذه الحرب اللعينة بأن التنوع الثقافي الذي كنا نتغني به..ونأمل بأن يكون عاملا من عوامل وحدتنا القومية...اتضح انه كان هشا بل تم تطويعه من بعض الجهات فأصبح خنجرا في خاصرة الوطن.
نحتاج الي وجود مشروع ثقافي قومي سوداني تحت رعاية رئيس الدولة ، وتزويده بكل الموجهات الوطنية والمعينات والكفاءات المتخصصة لرسم خارطة طريق وطنية تجعل من السودان كله( مشروع تربية وطنية) من جديد..فقد اتضح أننا نفتقد الحس الوطني المرشد..ولهذا كان كل منا يفسر حبه للوطن كما يعلم وما لا يعلم...فاولوية إعادة هيكلة المواطن والمواطنة تبدأ من التربية الوطنية..والتي يجب أن يكون لها حيزا في المشروع الوطني الثقافي بمنظوره الجديد..
أختم مقالي هذا بالقول..بأن هناك الكثير والكثير من العلماء والباحثين والخبراء السودانيين ،داخل وخارج السودان لديهم الكثير من الأفكار والمرئيات في مجالات التنمية..ويتمنون خدمة بلدهم بغض النظر عن من يحكم السودان، بل كيف يحكم السودان هو الأهم، ما دام النظام الحاكم وطنيا واختاره الشعب السوداني بكامل ارادته...
د. فراج الشيخ الفزاري عبدالله
f.4u4f@hotmail.com
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
كيف تستفيد أي تنسيقية مدنية من الكفاءات المدنية المستقلة؟
المقدمة
في خضم الحرب الأهلية التي تمزق السودان، تبرز تنسيقيات مدنية جامعة للقوى المدنية السودانية الساعية لوقف الحرب وإعادة بناء الدولة. لكن التحدي الأكبر الذي يواجهها هو كيفية توحيد الجهود مع الكفاءات المهنية المستقلة خارج نطاقها، خاصة تلك غير المنتمية لأحزاب سياسية، ولكنها تمتلك خبرات علمية وعملية كبيرة يمكن أن تساهم في إنقاذ البلاد.
فكيف يمكن لها أن تنسق مع هذه القوى وتوظف إمكانياتها لتحقيق السلام والاستقرار؟
1. إشراك الخبراء في صنع القرار: من التهميش إلى التمكين
تزخر السودان بالعديد من الكفاءات الأكاديمية والإدارية والفنية التي ظلت لعقود خارج دوائر صنع القرار بسبب هيمنة العسكر والأحزاب التقليدية. اليوم، يمكن للتنسيقية المدنية أن تعوض هذا الإقصاء عبر:
- تشكيل مجالس استشارية تضم خبراء في الاقتصاد، الصحة، الإدارة، والعدالة الانتقالية.
- إشراكهم في وضع خطط إنقاذ سريعة لإعادة الخدمات الأساسية في المناطق الخارجة من الحرب.
- الاستعانة بهم في صياغة سياسات طويلة الأمد لإعادة الإعمار.
لكن من المهم التنبيه إلى نقطة أساسية: إشراك الخبراء لا يعني أن الحلول تأتي من طرفهم منفردين، بل الأهم هو توفير مناخ صحي يقبل الاختلاف في وجهات النظر، ويسمح بتفاعل مثمر بين الخبراء والسياسيين، بما يؤدي إلى حلول ذكية ومستدامة لا مجرد وضع "ضمادات على جرح الوطن المعتل".
الذكاء الجمعي القائم على الاختلاف الخلّاق وتعدد الزوايا في النظر إلى القضايا هو ما نفتقده في العمل العام، وهو ما يجب أن تسعى التنسيقيات المدنية إلى تبنيه كأساس لأي شراكة مع الكفاءات المستقلة.
لا يمكن بناء سودان جديد بمنظومة قرار قديمة.. إشراف الخبراء المستقلين ضرورة وليس رفاهية.
2. النقابات المهنية: قوة ضغط ودعم ميداني
تمتلك النقابات المهنية (كالأطباء والمهندسين والمحامين) تاريخاً نضالياً وتنظيمياً يمكن أن يكون عوناً للتنسيقيات المدنية في:
- تنظيم قوافل إغاثية للمناطق المتضررة.
- توثيق انتهاكات الحرب عبر شبكات المهنيين من المحامين والأطباء وغيرهم من المستقلين.
- تقديم الدعم الفني في إعادة تأهيل البنية التحتية المدمرة.
مثال حي:
في بداية الحرب، لعبت نقابة الأطباء دوراً محورياً في إنشاء خدمات ميدانية. فلماذا لا يتم تعميم هذه التجربة عبر تنسيق أوثق مع التنسيقيات المدنية؟
3. الأكاديميون والباحثون: عقول تُهمَّش بينما الأزمة تحتاجها
الجامعات ومراكز الأبحاث السودانية تضم كفاءات قادرة على تحليل الأزمات وطرح الحلول، لكنها غالباً ما تُستبعد من عملية صنع القرار. هنا يأتي دور التنسيقيات المدنية في:
- توظيف الباحثين لرصد آثار الحرب (النزوح، الجوع، انهيار التعليم).
- الاستفادة من الدراسات الأكاديمية في وضع خطط التنمية.
- إشراك الأساتذة في تصميم برامج التوعية المجتمعية.
---
4. منصات تنسيقية جامعة: تجمع الجهود بدلاً من تشتيتها
إحدى مشكلات العمل المدني السوداني هي التشرذم، ولتجاوز ذلك يمكن:
- إنشاء منصة رقمية تجمع كل المبادرات المستقلة تحت مظلة تنسيقية واحدة.
- عقد مؤتمرات دورية تجمع التنسيقيات المدنية مع الكيانات المهنية لتوحيد الرؤى.
---
5. الضغط الدولي: صوت موحد أقوى
الكفاءات المستقلة تتمتع بمصداقية دولية عالية، ويمكن للتنسيقيات المدنية أن تستفيد منها في:
- إصدار تقارير مشتركة تعرض معاناة السودان للعالم.
- تنظيم حملات ضغط على المنظمات الدولية بخطاب مهني غير حزبي.
---
الخاتمة: شراكة وطنية لا استقطاب سياسي
السودان لا ينقصه الكفاءات، بل ينقصه الإطار الذي يتيح لها العمل المشترك في بيئة تُقدّر التنوع وتُرحّب بالاختلاف.
التنسيقيات المدنية أمام فرصة تاريخية لقيادة تحالف مدني حقيقي، لا يقوم على استقطاب سياسي ضيق، بل على الذكاء الجمعي وروح الشراكة الوطنية. المطلوب هو فضاء مشترك يتفاعل فيه السياسي مع الخبير، والأكاديمي مع الميداني، على قاعدة واحدة.
الخروج من الأزمة لن يكون بقرارات فردية، بل بشراكة وطنية تضع مصلحة السودان فوق كل اعتبار.
كلمة أخيرة:
الوقت ليس في صالح السودان.. كل يوم حرب يُفقد البلاد جزءاً من مستقبله.
التعاون بين التنسيقات المدنية والقوى المهنية المستقلة ليس خياراً، بل هو ضرورة للنجاة.
dr.elmugamar@gmail.com