قد توقف اسرائيل عدوانها على غزة في أي وقت من الآن بعدما حولّت القطاع إلى أرض محروقة وغير صالحة للعيش فيها، سواء في جنوبه أو في وسطه أو في شماله، من دون أن يعني ذلك أن الحرب الجغراسياسية قد انتهت. فما بعد وقف الاعتداءات العسكرية سيكون حتمًا أسوأ مما عليه الوضع حاليًا، بعد أن يكتشف العالم الأهوال والمآسي التي خلفتها هذه الحرب، التي لا يمكن أن يقال عنها سوى إنها حرب إبادة لم يشهد التاريخ مثيلًا لها، خصوصًا أن الخسائر المادية تُقدّر كمرحلة أولية بخمسين مليار دولار أميركي، ناهيك عن الخسائر البشرية الكبيرة، من حيث عدد الشهداء الذين سقطوا بفعل القصف الصاروخي الهمجي، أو من حيث عدد الجرحى والمصابين والمشوهين، وهم بآلالاف.
فالسؤال عمّا سيلي وقف جنون هذه الحرب قد يكون الجواب عنه أصعب بكثير من السؤال ذاته، لأن المخوّل الاجابة عنه لا يملك ما يكفي من المعطيات لكي يأتي جوابه مطابقًا للواقع المأسوي، الذي سيكون عليه وضع الفلسطينيين، الذين نجوا من هول كوارث تلك الحرب الضروس. فما بقي قائمّا في القطاع لا يسمح بالتفكير بما بعد وبما سيلي، ولن يكون من السهل على الذين عايشوا مأساة الحرب وأهوالها تقبّل واقعهم الجديد، خصوصًا أن لا حلول تلوح في أفق الأزمات المتراكمة، لأن ما بعد هذه الحرب لن يكون كما قبلها، خصوصًا أن حكومة نتنياهو تعتبر أن "حل الدولتين" قد أصبح وراءها، وأن على المجتمع الدولي التفتيش عن بدائل تتناسب وحجم ما نتج عن هذه الحرب المدمرة.
ويبقى سؤال آخر له علاقة بالسؤال الأول، ويحتاج إلى جواب أكثر وضوحًا من الجواب الأول، ويرتبط ارتباطًا وثيقًا بالوضع المستجد على الجبهة الجنوبية، والتي فتحها "حزب الله" في الاساس تحت عنوان مساندة غزة ودعم المقاومين فيها وإشغال العدو عنها.
وسيُسأل "حزب الله" في اليوم التالي عمّا أدّت إليه حرب المساندة من نتائج، خصوصًا أن الأفرقاء المحليين، الذين اعترضوا على تفرّد " حارة حريك" بقرار الحرب، سيواجهونها بأكثر من علامة استفهام، وبالأخص إذا قررت اسرائيل وقف اعتداءاتها على القرى والبلدات الجنوبية، وما سيُتكشَف مما خلّفه هذا القصف من دمار وخسائر تقدّر بملياري دولار أميركي، من دون أن تتضح معالم مرحلة الاعمار، سواء في القطاع الغزاوي أو في الجنوب اللبناني، ومن هي الدول التي ستشارك في ورشة إعادة الاعمار، وبأي ثمن سياسي واقتصادي.
وفي هذا السياق كان لافتاً كلام نائب الأمين العام لـ "حزب الله" الشيخ نعيم قاسم الى وكالة "أسوشيتد برس" بتوقيته ومضمونه، وقد تزامن مع مجموعة محطات ومواقف دولية ترتبط في شكل وثيق بالوضع في جنوب لبنان والجهود الدولية الرامية إلى سحب فتيل التفجير، وقال "إذا كان ما يحدث في غزة مزيج بين وقف النار وعدمه والحرب وعدمها، فلا يمكننا الإجابة كيف سيكون رد فعلنا الآن، لأننا لا نعرف شكله ونتائجه وآثاره".
وقد اعتبر كثيرون أن كلام الشيخ قاسم، وهو المعروف عنه تصدّره مجموعة الصقور داخل "الحزب"، يؤشر إلى إمكانية فتح الباب أمام التفاوض، لكنه حرص على عدم إعطاء جواب رسمي في هذا الشأن قبل أن تتضح النيات الإسرائيلية ومدى التزام حكومة نتنياهو بوقف جدي للنار. وهذا يعني بحسب أوساط سياسية متابعة أن أي وقف جدي للعمليات من جنوب لبنان يجب أن يأتي ضمن سلة الحل الكامل الذي يلحظ الاتفاق على النقاط الجاري التفاوض عليها ضمن ما بات يعرف بآليات تطبيق القرار الدولي ١٧٠١ وتثبيت الحدود مع إسرائيل.
فمواقف الشيخ قاسم تزامنت مع الحديث عن التنسيق القائم بين واشنطن وباريس من خلال كل من آموس هوكشتاين وجان إيف لودريان، والمهمة التي قام بها الموفد الألماني في الضاحية الجنوبية، وما يمكن أن يسفر عنها لجهة نزع فتيل الانفجار في الجنوب اللبناني. المصدر: خاص "لبنان 24"
المصدر: لبنان ٢٤
كلمات دلالية: هذه الحرب
إقرأ أيضاً:
ماذا وراء دعوة بنغلاديش لتنشيط منظمة آسيوية تقاطعها الهند؟
بنغلاديش – جدد رئيس حكومة بنغلاديش محمد يونس دعوته إلى إعادة تنشيط منظمة "رابطة جنوب آسيا للتعاون الإقليمي"، التي لا تزال مجرد حبر على ورق دون تنفيذ فعلي، حسب قوله.
وكرر يونس دعوته عدة مرات، آخرها كان الأسبوع الماضي حيث شدد على أن "المشاكل بين البلدين (الهند وباكستان) لا ينبغي أن تؤثر على بقية دول جنوب آسيا"، إذ تقاطع نيودلهي قمم المنظمة منذ 2016، متهمة إسلام آباد بدعم "المتمردين الكشميريين".
وتأتي دعوة بنغلاديش في ظل تصاعد التوتر مع الهند بعد الإطاحة بحكومة الشيخة حسينة واجد نتيجة للاحتجاجات الطلابية الشعبية في أغسطس/آب الماضي، وفي سياق التقارب النسبي بين داكا وإسلام آباد.
وتأسست رابطة جنوب آسيا للتعاون الإقليمي عام 1985، وهي منظمة حكومية دولية تضم جميع بلدان جنوبي آسيا، وتهدف لتوسيع نطاق التعاون، وتشمل النمو الاقتصادي والتقدم الاجتماعي والتنمية الثقافية، وتجمع بلدان جنوب آسيا الثمانية في منصة واحدة.
يونس دعا لتنشيط منظمة "رابطة جنوب آسيا للتعاون الإقليمي" في ظل تصاعد التوتر بين داكا ونيودلهي (الفرنسية) تشكيك ومنافسةوتُعتبر التوترات التاريخية بين الهند وباكستان حول كشمير -ذات الأغلبية المسلمة- العقبة الكبرى أمام عمل المنظمة، إذ ألقت النزاعات المستمرة بين الدولتين النوويتين بظلالها على جميع محاولات تعزيز التعاون الإقليمي.
إعلانوكان وزير الخارجية الهندي سوبرامانيام جايشانكار علّق، خلال مؤتمر صحفي، على دعم باكستان المزعوم "للمتمردين" متسائلا: كيف يمكنكم الجلوس معا والتعاون في وقت يستمر فيه "الإرهاب" بهذا الشكل؟ معتبرا أن هذا بمثابة "تحد حقيقي لنا، فهل يمكنكم ببساطة تجاهله والمضي قدما؟ إن فعلتم ذلك، فأنتم تقبلونه كأداة مشروعة للحكم".
ويرى قمر الحسن، الأستاذ في قسم الحكومة والسياسة في جامعة جهانجيرناجار في بنغلاديش، أن الهند تستغل قضية كشمير ذريعة لعزل باكستان، وأن مقاطعتها قمم المنظمة لا تستند إلى مبررات كافية، رغم إشارتها إلى قضية المتمردين في كشمير.
وقال للجزيرة نت إن الهند تُظهر رغبة في الهيمنة على الدول الأعضاء الأخرى، التي تُعد أصغر حجما وأقل تأثيرا من جميع النواحي، مما يسمح لها بالتعامل معها بشكل ثنائي وبعيدا عن الإطار الإقليمي الجماعي.
واعتبر الحسن أن هذا النهج قد يؤدي إلى تقويض أهداف المنظمة، مما يثير تساؤلات عن مستقبلها في ظل هذه السياسات المتعارضة.
من جهته، قال أحمد ناظر رئيس قسم السياسة والعلاقات الدولية بالجامعة الإسلامية العالمية في باكستان، إن بعض قمم الرابطة تأخرت بسبب الإجراءات التي اتخذتها الهند في العقود الماضية، والتي واجهت احتجاجات من سريلانكا ومالديف وبنغلاديش.
واستطرد أن "دول جنوب آسيا يجب أن تجتمع معا للتحدث والحوار من أجل حل مشاكلها".
تقارب وبدائلوفي السياق ذاته، أوضح ناظر، في حديثه للجزيرة نت، أن رئيس وزراء الهند الأسبق إندر كومار طرح عام 1997 "مبدأ جوجرال" الذي تضمن تقديم امتيازات تجارية للدول الإقليمية باستثناء باكستان، وقامت الهند بتأسيس مبادرة خليج البنغال للتعاون الاقتصادي والتقني المتعدد القطاعات، ورابطة حافة المحيط الهندي.
وقال المتحدث إن هذه المبادرات البديلة كانت تهدف إلى تقسيم رابطة جنوب آسيا للتعاون الإقليمي أو عزل باكستان، مشيرا إلى أن الهند تمكنت من تشكيل هذه المنصات بفضل وجود حكومات صديقة بما فيها بنغلاديش.
إعلانأما الحسن فأشار إلى أن كثيرين يعتقدون أن السياسة الخارجية لبنغلاديش خلال 15 عاما الماضية كانت تساير بشكل كبير السياسة الهندية، وأن هناك عدة أدلة تشير إلى أن السياسة الخارجية لحكومة الشيخة حسينة كانت متوافقة بشكل واضح مع المصالح الهندية، على حد تعبيره.
الجلسة الافتتاحية لقمة رابطة جنوب آسيا للتعاون الإقليمي الـ18 في كتماندو عام 2014 بحضور الشيخة حسينة (رويترز) إعادة التنشيطوعن الرابطة، قال ناظر إنه رغم اعتقاد البعض أن رابطة جنوب آسيا للتعاون الإقليمي لم تحقق النجاح المطلوب أو أصبحت قديمة، فإنه يمكن إعادة تنشيطها، وأن الأمر -برأيه- يتطلب من زعماء جنوب آسيا، خصوصا من الهند وباكستان وبنغلاديش، أن يلعبوا دورا بناء في تعزيز التعاون الإقليمي، مما سيساعد في إعادة إحياء الرابطة.
في حين يرى الحسن أن إعادة تنشيط الرابطة قد تكون مهمة معقدة لأن التنافس المستمر بين الهند وباكستان يشكل عقبة رئيسية لا يمكن التغلب عليها بسهولة، حيث تستمر التوترات بين البلدين في التأثير على الدينامية الإقليمية.
ويضيف أن العلاقات "العدائية" بين الهند وبنغلاديش تعد عاملا آخر يعوق جهود إعادة تنشيط الرابطة، وأن الشعب في بنغلاديش ينظر إلى الدعم الهندي المستمر لحكومة الشيخة حسينة السابقة على أنه السبب وراء ظهور "نظام فاشي" قوّض حقوق الشعب.