تستضيف القاهرة ابتداء من اليوم ولمدة يومين مؤتمرًا يحضره مشاركون من كافة القوى السياسية المدنية الفاعلة على الساحة السودانية؛ لمناقشة سبل حلّ الأزمة الراهنة وإيقاف الحرب المستعرة منذ 14 شهرًا بين الجيش وقوات الدعم السريع.

وتشكل التعقيدات القبلية والإثنية واحدة من التحديات الكبرى أمام المؤتمر، حيث سعى البعض خلال جولات المعارك إلى إذكاء الانقسام على أسس قومية أو ثقافية لصالح هذا الفريق أو ذاك.

كما يزيد من التحديات وجود العديد من التعقيدات الإقليمية والدولية التي تحيط بالمشهد السوداني، فبعض الأطراف تأتي إلى المؤتمر متسلّحة بدعم دول أو منظمات أو غير ذلك، ما يقتضي حساسية في إدارة الحوار، سعيًا لإيقاف تلك الحرب التي كلفت السودان أكثر من 15 ألف قتيل، و11 مليون نازح، و1.8 مليون لاجئ فروا إلى دول الجوار، وفقًا لمفوضية الأمم المتحدة للاجئين، إضافة إلى خسائر مادية تقدر بنحو 100 مليار دولار؛ بسبب دمار البنى الاقتصادية والاجتماعية ومؤسسات العمل والتشغيل والإنتاج.

مصر ستسعى بكل جهد لإنجاح المؤتمر، ليس فقط لكونها الداعية له، بل لأنها أيضًا أكثر البلدان تأثرًا بالأزمة السودانية، ومصالحها مع السودان متداخلة بشكل كبير، والنجاح يعني إغلاق أحد الجراح المفتوحة على حدودها.

فعلى سبيل المثال، يمثل الصراع في السودان فرصة لإثيوبيا التي يمثل مشروع السد فيها خطرًا على الأمن المائي في مصر والسودان، ولكن ها هي الحرب تشغل كلًا من مصر والسودان عن خطوات إثيوبيا لاستكمال بناء السد وملء خزاناته، وهو في الأصل قنبلة موقوتة لوقوعه فوق الأخدود الأفريقي العظيم، المعرض للتشقق والنشاط الزلزالي. كما تأثرت مصر بأزمة اللاجئين، فعدد اللاجئين فيها وصل إلى 9 ملايين، أكثر من نصفهم من السودانيين، بعضهم موجود قبل الأزمة الحالية. وهؤلاء جميعًا يشكلون عبئًا ضخمًا على كاهل الموازنة العامة المصرية، إذ يستفيدون من كافة الخدمات والدعم الذي تقدمه الحكومة دون أن يدفعوا الضرائب التي يدفعها المصريون. ثم هناك مشكلة "الإرهاب" التي تزداد استفحالًا مع تفاقم المشكلات الداخلية في الدول المجاورة، فقد واجهته عند حدودها الغربية بين عامي 2015-2020، ثم عند حدودها الجنوبية بعد سقوط نظام البشير في أبريل/نيسان 2019. وتخشى مصر مع تدهور الوضع بفعل الحرب من عودة تنظيم الدولة بكل قوة إلى هذا البلد المجاور، ما يؤثر على استقرارها الداخلي. وتكتمل المخاوف المصرية بإضافة البعد الإقليمي، فقد رأينا كيف حثت إيران جماعة أنصار الله "الحوثيين" في اليمن للانضمام إلى حرب غزة، مما أثر على قناة السويس. وقد طلب الجيش السوداني من إيران إمداده بالطائرات المسيرة لاستخدامها ضد قوات الدعم السريع، وستسعى إيران إلى الحصول على مقابل لذلك. وقد شهدنا مطلع العام محاولات إثيوبيا لخلق موطئ قدم لها على البحر الأحمر عبر أرض الصومال، وكل هذا يضرّ بأمن مصر، وهو ناتج بلا شك عن ضعف السودان.

تنظيم مصر للمؤتمر في ظل تلك الأوضاع، وفي ظل التركيبة المتشعبة للحضور من الداخل والخارج ليس أمرًا سهلًا، إذ إن إرضاء جميع الفرقاء ومَن وراءهم، وإقناعهم بالمشاركة يمثل ذلك تحديًا كبيرًا.

وزارة الخارجية السودانية، على سبيل المثال، رأت في الدعوة المصرية عملًا إيجابيًا بشرط الاعتراف بالحكومة الشرعية القائمة، والحفاظ على المؤسسات، وخاصة الجيش. كما ألمحت إلى أهمية حضور المقاومة الشعبية، وهي مجموعة شبه عسكرية تقاتل إلى جانب الجيش في مواجهة قوات الدعم السريع، عقب سيطرة الأخيرة على ولاية الجزيرة في ديسمبر/كانون الأول الماضي.

الخارجية السودانية كانت أيضًا قد أكدت أنها لن تقبل مشاركة أي من الدول التي ترعى وتسلح قوات الدعم السريع، بما في ذلك دول الجوار التي تسهل نقل الأسلحة عبر تشاد، ومن ثم إلى دارفور. كما تعارض مشاركة أي منظمات إقليمية أو دولية التزمت الصمت عن إدانة جرائم "الدعم السريع"، أو الدول التي أصبحت قواعد لنشاطات "الدعم السريع" السياسية والدعائية. كما اشترطت إعادة عضوية السودان في الاتحاد الأفريقي، وتصحيح موقف الهيئة الحكومية للتنمية (إيغاد)، الذي تعتبره انتهاكًا لسيادة السودان، وذلك قبل أن يسمح لأي من المنظمتين بالمشاركة في المؤتمر.

وفي كل الأحوال، الأرجح أن تتمكن القاهرة رغم كل الصعاب من تنظيم المؤتمر بشكل جيد، فقد سبق أن استضافت أكثر من فعالية للحوار بين الفرقاء منذ اندلاع الحرب، فقد جمعت دول جوار السودان في مؤتمر في يوليو/تموز من العام الماضي، واستضافت لقاءين لقوى الحرية والتغيير التي تصدرت المشهد السياسي قبل اندلاع الصراع المسلح، واستضافت وفد تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم) برئاسة عبد الله حمدوك رئيس الوزراء السوداني السابق.

ولكن يبقى السؤال: هل لدى مصر أجندة لإدارة المؤتمر أو لوضع إطار للتباحث؟

والإجابة أن الأولويات المصرية، هي التالية:

1- البحث عن آلية لدفع الأطراف المتحاربة لوقف إطلاق النار، والبدء في مفاوضات جادة للوصول إلى وقف فوري ومستدام لإطلاق النار.ِ

2- مطالبة الأطراف السودانية بتسهيل وصول المساعدات الإنسانية عبر ممرات آمنة إلى المناطق الأكثر احتياجًا داخل السودان، ووضع آليات لحماية قوافل المساعدات وموظفي الإغاثة.

3- عودة النازحين إلى مدنهم وقراهم واللاجئين إلى وطنهم.

4- تشكيل لجان عمل فرعية تمثل الأطراف السودانية، بمشاركة القوى السياسية والمدنية، وممثلي المرأة والشباب للبدء في عملية سياسية شاملة تلبي طموحات وتطلعات الشعب السوداني في الأمن والرخاء والاستقرار والديمقراطية.

5- السعي لتوحيد منصات الوساطات الإقليمية والدولية، لضمان أن يكون عملها مفيدًا وغير متضارب.

سنرى في الأيام القادمة ما تخبئ الأقدار للجهود المصرية ولمستقبل الأزمة السودانية، في هذه الفرصة التي قد تكون الأخيرة للخروج من ظلام النفق الطويل.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات الدعم السریع

إقرأ أيضاً:

استعدادات "العلوم الصحية" لمعرض ومؤتمر "إيجي هيلث" 10 أكتوبر

تستعد النقابة العامة للعلوم الصحية، برئاسة أحمد السيد الدبيكي، النقيب العام، للمشاركة والرعاية لمعرض ومؤتمر مصر الدولي للصحة "إيجي هيلث" المقرر انعقاده في مركز مصر للمعارض الدولية، في الفترة بين 10 و 12 أكتوبر، برعاية الدكتور خالد عبدالغفار، نائب رئيس الوزراء، وزير الصحة.

 

يشارك في المؤتمر 108 متحدثا، من 16 جامعة مصرية، وجهة بحثية، ومن كلية طب القوات المسلحة، وشخصيات عامة، يشاركون في 20 جلسة، تعرض عدد من المجالات منها الطب المعملي، والأسنان وغيرها، وتشمل كافة الفئات الطبية، حيث يعتبر الأطباء، والأخصائيين، والفنيين فريق عمل واحد متكامل، ويتوقع أن يشارك فيه 22 ألف زائرا.

 

وقال أحمد السيد الدبيكي، النقيب العام للعلوم الصحية، أن النقابة تتعاون مع الجهات منظمي المعرض والمؤتمر، لإخراجه بالشكل اللائق، وتحقيق أهدافه في الشراكات والتعاون ونقل الخبرات في مجال تجهيز المختبرات ومعامل الأسنان وغيرها.

 

وطالب الدبيكي، أبناء العلوم الصحية، المشاركة في فعاليات المعرض والمؤتمر، حيث يثري الحضور بمعلومات مهمة حول مجالات عملهم من خلال الخبراء المصريين والأجانب، ويحصل المشاركين في المؤتمر على شهادات معتمدة دوليا، ومن المجلس الصحي المصري، تتوج تعزيز الاستفادة العلمية والمهنية للحضور، عبر منصة مصرية دولية أفريقية كبرى، وستفيدهم هذه الشهادات في استخراج وتجديد ترخيص مزاولة المهنة، حيث أصبحت مطلبا أساسيا من المجلس الصحي المصري في الفترة المقبلة.

 

وواصل نقيب العلوم الصحية، سوف تعرض النقابة تاريخ إنشاءها، وتأثيرها على أرض الواقع، ودور وفائدة كليات ومعاهد العلوم الصحية.

 

وأشار الدبيكي، إلى أن المؤتمر يضم 14 فئة مهنية، ولكن هناك 4 فئات رئيسية يتم التركيز عليهم، وهم شعب الأجهزة الطبية، والمختبرات الطبية، وتركيبات الأسنان، وهذه الفئات ستشارك في المؤتمر من خلال محاضرات علمية، وورش عمل، بالإضافة إلى عرض أحدث التجهيزات والمعدات المستخدمة في هذه التخصصات ضمن المعرض.

 

وأكد على أن النقابة توفر خصم بنسبة 50% لأعضائها المشاركين في الحدث، كما تم التأكد من المواد العلمية المقدمة في المحاضرات، وأنها تلبي احتياجات الفئات المستهدفة، والتأكد من التقنيات، والفنيات، والمواد التشخيصية والعلمية المقدمة بدقة.

 

وأضاف أن المؤتمر يهدف إلى تثقيف وتوعية أبناء العلوم الصحية، حول حقوقهم المهنية والوظيفية والتعليمية، بالإضافة إلى توعية باقي الفئات الطبية حول دور العلوم الصحية في المنظومة الصحية المصرية، وخدمة المريض.

 

كما أشار إلى أن المؤتمر سيعرض أحدث التقنيات المستخدمة في مجالات الأشعة، والمختبرات الطبية، وتركيبات الأسنان، مع تسليط الضوء على استخدام التكنولوجيا المتقدمة مثل الذكاء الاصطناعي، وخاصة في شعبة الأجهزة الطبية.

مقالات مشابهة

  • البرهان لوفد مجلس السلم والأمن الإفريقي: السودان يواجه “استعمارا جديدا”
  • البرهان لوفد إفريقي: السودان يواجه “استعمارا جديدا”
  • تحرك أفريقي وأميركي لتسريع احتواء الأزمة السودانية
  • وزيرة “القراية” السودانية الحسناء تسخر من “حكامة” الدعم السريع التي خلعت ملابسها الداخلية: (ح استف ليك مية دسته وانا جاية الخرطوم وارسلهم بصابونهم)
  • استعدادات "العلوم الصحية" لمعرض ومؤتمر "إيجي هيلث" 10 أكتوبر
  • إنهيار مليشيا الدعم السريع في الخرطوم ودارفور
  • المتحدث باسم الخارجية الأميركية: المسؤولون الأميركيون في كل المستويات يعملون بلا كلل من أجل حل الأزمة السودانية
  • القوات المشتركة تؤكد سيطرتها على قاعدة بئر مزّة التي تُعد من أهم مواقع التحصين لقوات الدعم السريع بدارفور
  • تدعم الجيش أم الدعم السريع.. أين تصطف دول الجوار في حرب السودان؟ (3)
  • حلفاء للجيش السوداني يعلنون تحقيق انتصار ساحق على قوات الدعم السريع