“راس براس”.. تجربة سعودية جريئة في الكوميديا الدموية
تاريخ النشر: 7th, August 2023 GMT
متابعة بتجــرد: من الضروري عند تقييم تجربة الفيلم السعودي “راس براس” – الذي بدأ عرضه قبل أيام على منصة نتفليكس من كتابة عبد العزيز المزيني وإخراج مالك نجر- العودة إلى سابق تجارب الثنائي نجر والمزيني، خاصة مسلسلهم الكرتوني المعروض على نفس المنصة “محافظة المسامير”.
في المسلسل نحن أمام مكان مُتخيّل، يتموضع في الحاضر السعودي بصورة جريئة- أكثر جرأة من الفيلم- وتتشكل شخصياته بأسمائها الغريبة من أنماط بشرية وحيوانية وكائنات بين بين.
وفي “راس براس” لدينا نفس منطق البيئة الدرامية؛ حيث تدور غالبية الأحداث في مدينة بذيخة القريبة من الرياض، والتي تبدو مثل عالم سفلي لا يُرتكب فيه سوى الجريمة كنشاط إنساني عادي وغير مُستنكر.
صحيح أن الفيلم لا يعتمد كالمسلسل على حيوانات ناطقة أو كائنات غريبة، لكنه يقوم في تشكيل شخصياته على التطرف الكاريكاتوري، في صياغة أبعادها وأسلوب حركتها وظهورها على الشاشة، عبر الصراع العبثي ما بين مجموعة شركة “شوفير الشيوخ” وبين عصابة “الديمن” التي تسيطر على بذيخة، وذلك نتيجة الصدفة العبثية التي جعلت درويش/ الشوفير بالشركة يحضر الديمن الكبير من المطار، بدلاً من صاحب الشركة الأصلي القادم من الخارج.
يذكرنا “راس براس” بجانب من حبكة الفيلم المصري “حملة فريزر”، عندما تم خطف الزعيم المشلول البدرينو بالصدفة من قبل الممثل الفاشل مديح البلبوصي، وبالتالي الدخول مع المافيا الإيطالية في مفاوضات من أجل تحرير الرهائن المصريين، والذين جاؤوا كأعضاء في حملة سرية من أجل اكتشاف سبب تحول المناخ في مصر إلى (ديب فريرز في الشتاء).
نحن أمام نفس الحبكة تقريباً، حيث تحتجز عصابة “الديمن” أبو السرعوب صاحب الشركة والشوفير ومدير الحسابات – الذي أراد أن يمنع السرعوب الابن من بيع الشركة فذهب للمطار وتم اختطافه مع الأب- في مقابل أن يتم تسليمهم “الديمن” الكبير بعد إطلاق سراحه من روسيا – بسبب سرقته لبيضة ذهبية أثرية- ولكن “الديمن” الكبير يموت نتيجة حبة حلوى يعطيها له فياض/ عبد العزيز الشهري أثناء عملية التسليم، وبالتالي يصبح عليهم أن يحصلوا على أبو السرعوب، في مقابل جثة الديمن التي لا يعلم ابنه/محمد القس أنه مات بالفعل.
يعتمد هذا النوع من الأفلام على متاخمة الحدود الفاصلة بين الفيلم الحي وأفلام التحريك، أي يمكن اعتباره فيلم تحريك يتم تقديمه من قبل ممثلين، والفيلم يحتوي بالفعل على مشاهد كاملة منفذة بأسلوب التحريك – مثل سرد تاريخ عائلة الديمن مع بلدة بذيخة- بالإضافة إلى نهاية الفيلم نفسه.
إن “راس براس” كان من الممكن أن يصبح فيلم تحريك أفضل حالاً وتقنية وإيقاع من كونه فيلماً روائياً، بدليل أن مقاطع التحريك جاءت ناضجة الخيال وحيوية الروح ومكثفة ومثيرة، أكثر من عشرات المشاهد الحية التي اعتمدت على اسكتشات أقرب لمدرسة “طاش ما طاش” التمثيلية التي أصبحت موضة قديمة أدائياً.
من السهل لأي متابع أن يدرك المرجعيات الأساسية، التي خفقت في بال صناع الفيلم وهم يصيغون تجربتهم، فلدينا تأثر كبير بعوالم المخرج روبرتو رودريجز، خاصة في فيلم Sin City (مدينة الخطايا) بتلك الأماكن “الديستوبية” السفلية والشخصيات المدرجة على قوائم الشيطان كمثل أعلى.
ولدينا جانب البناء الخاص بكوانتين ترانتينو تحديداً في ثنائية Kill Bill (اقتل بيل)، المقاطع الكرتونية المنفذة على غرار المانجا اليابانية بأسلوبها الساحر، المعتمد على حرية الدم في تلطيخ الوجوه والملابس والمتفرجين على حد سواء.
وثمة أيضاً ما يمكن اعتباره تحية لعوالم ويس أندرسون الملونة بإفراط؛ حيث يظهر المخرج مالك نجر نفسه في دور عامل استقبال الفندق الوحيد ببذيخة، وهو يرتدي الزي البنفسجي الشهير الذي يميز عامل استقبال فيلم The Grand Budapest Hotel (فندق بودابست الكبير) لأندرسون.
كما لا يغيب عن ذاكرتنا البصرية الكثير من أساليب حركة الكاميرا المميزة لصاحب مدينة النيزك، أو الكادر المائل على جانبه الذي يجعل النظرة للعالم غير مستقرة.
بالإضافة طبعاً إلى النوع الرئيسي للفيلم والذي يمكن أن نطلق عليه الكوميديا الدموية، وهي الكوميديا التي تعتمد على تحريك شهية المتلقي من خلال إفيهات لفظية وحركية عنيفة، يلعب فيها الضرب والصفع وإطلاق الرصاص والذبح والشتم والتهشيم والجثث عنصر أساسي ضمن سياق الصورة والخطاب الذهني، فالكوميديا في ميزان النوع الدرامي تخاطب الذهن أكثر مما تخاطب المشاعر؛ فنحن نضحك عندما نفهم الإفيه وليس عندما نشعر به.
والكوميديا الدموية واحدة من أشهر الأنواع التي تفضلها السينما الأميركية، ومن أشهر تجاربها فيلم A Million Ways to Die in the West (مليون طريقة للموت في الغرب)، الذي يسخر من دموية الأصول التي شكلت المجتمع الأميركي الحديث.
وبالتالي يصبح السؤال هنا هو: ما الذي يميز “راس براس” كفيلم سعودي عن أي فيلم أميركي، باستثناء ملابس الشخصيات ولغتها؟، ونشير إلى أن الفيلم أيضا يحتوي على شتائم كثيرة بالإنجليزية.
في الحقيقة فإن الأزمة الأساسية ليست في القصة القائمة على مفارقات عبثية (توصيل الشايب الخطأ من المطار)، أو مفاجأة متوقعة (لطيفة حبيبة السائق درويش المتورط مع فياض مدير الصيانة في إحضار الشايب الخطأ هي نفسها هي ابنة “الديمن” الكبير)، فكلها جزء من متطلبات النوع الذي لا يشترط حبكة قوية أو أحداث مركبة.
وليست المشكلة في محاولة بذل جهد محمود لدمج ما هو كرتوني، مثل أصوات الصفعات وأزيز الطلقات وقطرات الدم، بما هو حي، كضرب الشلاليت ووضع مكياج لجثة، وليست الأزمة بالطبع في النوع نفسه، فلا مانع من تجريب أنواع ليست مطروقة بالنسبة لسينما تحاول أن تضرب بخطواتها الجديدة على طريق قديم.
ولكن الأزمة في أن الفيلم لا ينتمي كبيئة نفسية أو اجتماعية أو ثقافية للمجتمع، الذي من المفترض أنه يتحدث عنه، أو ينطلق منه، الأزمة يلخصها السؤال التالي: ما هو الأصيل في هذا الفيلم؟ ما الذي يجعل منه تجربة سعودية الشكل والمضمون؟ وليس مجرد محاولة جريئة لمحاكاة عوالم وتفاصيل تنتمي لمخيلات إبداعية تخص ثقافتها وبيئتها وفنونها، بل وحتى ألوانها ومناظرها.
ألا يوجد في قصص البيئات السعودية الحاضرة أو التراثية ما يمكن تفعيل الأساليب الحديثة في سرده، ألا يوجد عوالم سفلية في المجتمع السعودي أو جرائم أو معضلات جنائية تثير خيال الصناع، وتشعل حواسهم بما يضمن للفيلم طزاجة مستحقة.
إن “راس براس” ومن قبله “سطار” و”طريق الوادي” و”أغنية الغراب”، يثبتوا أن شباب السينمائيين السعوديين لديهم من خفة الدم والحيوية والطرافة، بجانب الجرأة التقنية والجهد الإنتاجي والدقة في التنفيذ، ما يمكنهم أن يرفعوا عقيرتهم الإبداعية بنبرة صوت مختلفة ضمن أصوات المشهد السينمائي العربي والخليجي، فقط لو أنهم (خرجوا إلى الداخل)، بدلاً من محاولة النظر إلى الخارج وتقليد ما تطوله أعينهم من هياكل بعيدة عن واقعهم وحكاياتهم.
فالتجربة أثبتت أن غالبية الصناعات السينمائية الوليدة استطاعت أن تعلو بقامتها وسط أكتاف الكبار، عبر محاولة تشكيل الأمزجة الدرامية لجمهورها بخلطات جديدة، تخص توابلها المجتمعية والنفسية والقصصية، بدلاً من الخضوع لنفس تراكيب المزاج المستهلك، حتى ولو كان من إنتاج واحدة من أكبر المنصات في العالم.
main 2023-08-07 Bitajarodالمصدر: بتجرد
كلمات دلالية: راس براس
إقرأ أيضاً:
“هآرتس”: صور الحشود التي تعبر نِتساريم تُحطّم وهم النصر المطلق
الثورة نت
أشار المحلل العسكري في صحيفة “هآرتس الإسرائيلية” عاموس هرئيل إلى أن صور الحشود الفلسطينية التي تعبر سيرًا على الأقدام من ممر “نِتساريم” في طريقها إلى ما تبقى من بيوتها في شمال غزة، تعكس بأرجحية عالية أيضًا نهاية الحرب بين “إسرائيل” وحماس، مؤكدًا أن الصور التي تم التقاطها، يوم أمس الاثنين، تحطم أيضًا الأوهام حول النصر المطلق التي نشرها رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو ومؤيدوه على مدى أشهر طويلة، وأكمل بالقول: “معظم فترة الحرب، رفض نتنياهو مناقشة الترتيبات لما بعد الحرب في قطاع غزة، ولم يوافق على فتح باب لمشاركة السلطة الفلسطينية في غزة، واستمر في دفع سيناريو خيالي لهزيمة حماس بشكل تام. والآن، من يمكن الاعتقاد أنه اضطر للتسوية على أقل من ذلك بكثير”.
ورأى هرئيل أن رئيس حكومة العدو، هذا الأسبوع، قد حقق ما أراده، إذ إن حماس وضعت عوائق في طريق تنفيذ الدفعات التالية من المرحلة الأولى في صفقة الأسرى، لكن نتنياهو تمكن من التغلب عليها، على حد تعبيره، موضحًا أنه: “حتى منتصف الليل يوم الأحد، تأخر نتنياهو في الموافقة على عبور مئات الآلاف من الفلسطينيين إلى شمال القطاع، بعد أن تراجعت حماس عن وعدها بالإفراج عن الأسيرة أربيل يهود من “نير عوز””، ولكن بعد ذلك أعلنت حماس نيتها الإفراج عن الأسيرة، وفق زعمه، فعلّق هرئيل: “حماس وعدت، والوسطاء تعهدوا، أن يهود ستعود بعد غد مع الجندية الأخيرة آغام برغر ومع أسير “إسرائيلي” آخر، والدفعة التالية، التي تشمل ثلاثة أسرى “مدنيين” (من المستوطنين)، ستتم في يوم السبت القادم”. لذلك، قاد تعنّت نتنياهو – ومنعه عودة النازحين الفلسطينيين – على تسريع الإفراج عن ثلاثة أسرى “إسرائيليين” في أسبوع، على حد ادعاء الكاتب.
تابع هرئيل: “لكن في الصورة الكبيرة، قدمت حماس تنازلًا تكتيكيًّا لإكمال خطوة استراتيجية، أي عودة السكان إلى شمال القطاع”، مردفًا: “أنه بعد عودتهم إلى البلدات المدمرة، سيكون من الصعب على “إسرائيل” استئناف الحرب وإجلاء المواطنين مرة أخرى من المناطق التي عادت إليها حتى إذا انهار الاتفاق بعد ستة أسابيع من المرحلة الأولى”، مضيفًا: “على الرغم من نشر مقاولين أميركيين من البنتاغون في ممر “نِتساريم” للتأكد من عدم تهريب الأسلحة في السيارات، لا يوجد مراقبة للحشود التي تتحرك سيرًا على الأقدام، من المحتمل أن تتمكن حماس من تهريب الكثير من الأسلحة بهذه الطريقة، وفق زعمه، كما أن الجناح العسكري للحركة، الذي لم يتراجع تمامًا عن شمال القطاع، سيكون قادرًا على تجديد تدريجي لكوادره العملياتية”.
وادعى هرئيل أن حماس تلقت ضربة عسكرية كبيرة في الحرب، على الأرجح هي الأشد، ومع ذلك، لا يرى أن هناك حسمًا، مشيرًا إلى أن هذا هو مصدر الوعود التي يطلقها “وزير المالية الإسرائيلي” بتسلئيل سموتريتش، المتمسك بمقعده رغم معارضته لصفقة الأسرى، بشأن العودة السريعة للحرب التي ستحل المشكلة مرة واحدة وإلى الأبد، ويعتقد هرئيل أن: “الحقيقة بعيدة عن ذلك، استئناف الحرب لا يعتمد تقريبًا على نتنياهو، وبالتأكيد ليس على شركائه من “اليمين المتطرف”، القرار النهائي على الأرجح في يد الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ومن المتوقع أن يستضيف الأخير نتنياهو قريبًا في واشنطن للاجتماع، وهذه المرة لا يمكن وصفه إلا بالمصيري”.
وأردف هرئيل ، وفقا لموقع العهد الاخباري: “ترامب يحب الضبابية والغموض، حتى يقرر، لذلك من الصعب جدًّا التنبؤ بسلوكه”، لافتًا إلى أنه وفقًا للإشارات التي تركها ترامب في الأسابيع الأخيرة، فإن اهتمامه الرئيسي ليس في استئناف الحرب بل في إنهائها، وأكمل قائلًا: “حاليًا، يبدو أن هذا هو الاتجاه الذي سيضغط فيه على نتنياهو لإتمام صفقة الأسرى، وصفقة ضخمة أميركية – سعودية – “إسرائيلية” وربما أيضًا للاعتراف، على الأقل شفهيًّا، برؤية مستقبلية لإقامة دولة فلسطينية”.
وقال هرئيل إن “نتنياهو، الذي أصرّ طوال السنوات أنه قادر على إدارة “الدولة” (الكيان) وأيضًا الوقوف أمام محكمة جنائية، جُرّ أمس مرة أخرى للإدلاء بشهادته في المحكمة المركزية، رغم أنه يبدو بوضوح أنه لم يتعاف بعد من العملية التي أجراها في بداية الشهر، واستغل الفرصة لنفي الشائعات التي تفيد بأنه يعاني من مرض عضال، لكنه لم يشرح بشكل علني حالته الصحية”، مشددًا على أن نتنياهو الآن، من خلال معاناته الشخصية والطبية والجنائية والسياسية، قد يُطلب منه مواجهة أكبر ضغط مارسه رئيس أميركي على رئيس وزراء “إسرائيلي”.