الحرية والكرامة ما زالتا مطلب السوريين
تاريخ النشر: 7th, August 2023 GMT
"أملنا أن نصمد ونصبر حتى نعود إلى بلدنا بالحرية والكرامة والعزة"، بهذه الكلمات اختصر عبد الباسط الساروت قبل 5 أعوام موقع الثورة في نفوس السوريين رغم كل ما تعرّضوا له من اضطهاد وإجرام وتهجير؛ فالثورة كانت وما زالت لأجل الحريّة والكرامة.
تصف مطالب الحرية والكرامة بوضوح النزعة السورية التي لم تتغيّر مع مضي العشرية الأولى والدخول في العشرية الثانية من الثورة.
السوريون في دول الجوار هربوا بإنسانيتهم ومبادئ ثورتهم لكنهم مع دخول العشرية الثانية باتوا يشعرون أكثر من أي وقت مضى بالتضييق على حريّتهم وكرامتهم، مما دفع من يمتلك القدرة والجرأة منهم لاختيار الهجرة نحو أوروبا أو بلدان أخرى.
عبّرت الثورة السورية عن كفاح سياسي لا ديني أو اجتماعي أو اقتصادي، رغم أنّ عوامل الجوع والفقر والاستغلال والاضطهاد شكّلت دوافع إضافية للاحتجاجات الشعبية التي اندلعت تباعا في البلاد لمناهضة ومعارضة نظام الحكم القائم على الإقصاء والقمع والفساد وقابلية الاستعمار.
وراهن النظام خلال نصف قرن من احتكاره السلطة على حصر مطالب السوريين بالحصول على الأمن والوصول للغذاء. وكان الهدف من ذلك منع السوريين من التفكير بأي تغيير سياسي في البلاد يقود بالنهاية إلى تغيير في مختلف جوانب الحياة. لكنّ النظام خسر هذا الرهان منذ اندلاع الثورة عام 2011؛ حيث ظهرت الحرية والكرامة أولوية على الأمن والغذاء بالنسبة للكثير من شرائح الشعب.
صحيح أنّ النظام لم يتخلّ عن مقاربته القائمة على استخدام أعتى وسائل العنف والإجرام لثني السوريين عن المطالبة بالحرية والكرامة ودفعهم للقبول بخيار الأمن والاستقرار الذي يفرضه بالقوة كأمر واقع؛ إلا أنّه لم ينجح في ذلك؛ فهناك الكثير ممن قرّر الحفاظ على حريته والهروب بكرامته وإنسانيته خارج مناطق النظام وسوريا، وهناك من أجبرته الظروف على البقاء وشكّل شبكات حماية اجتماعية له لمنع أجهزة النظام من المساس بكرامته كحال الأهالي جنوب سوريا.
هذا لا يعني أنّ جزءا من السوريين الذين آثروا الحفاظ على كرامتهم وحريّتهم والهروب بهما خارج مناطق النظام لم يضطروا لاختيار الصمت لاحقا لانعدام الخيارات وشعورهم بالتهديد على حياتهم وغياب الدولة التي تُقدّم لهم أدنى الاحتياجات، وبالتالي إعادة تفضيلهم الأمن على أي خيارات أخرى.
ينطبق ذلك أيضا على السوريين في دول الجوار الذين هربوا بإنسانيتهم ومبادئ ثورتهم لكنهم مع دخول العشرية الثانية باتوا يشعرون أكثر من أي وقت مضى بالتضييق على حريّتهم وكرامتهم، مما دفع من يمتلك القدرة والجرأة منهم لاختيار الهجرة نحو أوروبا أو بلدان أخرى.
مع ذلك، ما زال النظام خاسرا للرهان؛ لأنّ تعويله يبدو غير ممكن التحقّق، فيما يخص قبول السوريين في دول اللجوء بالأمر الواقع الذي لم تعد الحرية فيها موجودة لدى أيّ طرف، وأصبحت الحاجة أكثر إلحاحا -من أي وقت- على الاستقرار والأمن والحصول على الغذاء، وأنّه الطرف الأكثر قدرة على توفير ذلك في ظل مساعيه لاستعادة السيطرة على كامل جغرافية البلاد بأدوات القوة والعنف ووسائل الابتزاز.
ولا يُمكن لأي طرف التعويل على كسر إرادة السوريين في الحرية والكرامة. هذا ما أظهرته السنوات الماضية رغم الصمت والقبول المؤقت بالواقع إلى حين تغيّر الظروف أو توفير البدائل، لأنّ السوريين، لاجئين ونازحين وأصليين، ممن رفضوا المذلّة والخضوع، مستعدّون في لحظة الاختيار الإجبارية للبحث مرّة أخرى عن وسائل للحفاظ على إنسانيتهم ومبادئ ثورتهم سواءً بالهجرة من البلد الذي لجؤوا إليه إن أجبرهم على العودة؛ أو المواجهة ضد النظام وعدم الرجوع إلى حكمه السابق.
في الواقع، لا يكفي ولا يجب أن ينتظر السوريون لحظة الاختيار الإجبارية حتى يحافظوا على حريتهم وكرامتهم؛ لأنّ هذا السلوك يحميهم كأفراد لا كجماعة ولا يؤسّس لدولة الحرية والكرامة، ويتيح للنظام وغيره من أطراف محلية إعادة إنتاج السلطة على أساس العنف والقهر. لذلك، لا بدّ على السوريين من أجل تحقيق الحريّة والكرامة أن يجعلوا من نضالهم داخل وخارج البلاد قائما على أساس مشترك وفعّال وموجّه.
وهناك ضرورة لأن تكون الحرية والكرامة سرديةَ الثورة السورية، مثلما لاصقت سردية حق العودة النضال الفلسطيني على مدار العقود الماضية، وأن يكون عمل وبناء المؤسسات قائما على أساس هذه المبادئ نصّا وعملا، بحيث يتم تضمين كل ما يحفظ حق السوري مقيما أو نازحا أو لاجئا في التمتّع بالوصول إلى الغذاء والأمن بدون إذلال أو امتهان كرامته، وبممارسة كل ما يتعلّق بحريّته الشخصية التي لا تضر بمصالح المجتمع.
كل ذلك يتطلّب أن تعمل المعارضة السورية الرسمية وغير الرسمية بما في ذلك المجتمع المدني على حماية اللاجئين والنازحين والمقيمين ودعمهم في مواجهة أي ممارسات تستهدف سلبهم حريتهم وكرامتهم. وبدون اتخاذ هذه الإجراءات وتبنيها في سردية الثورة سيجعل النظام السوري يراهن مجددا على النجاح في استعادة سلطته على المجتمع مثلما كانت عليه قبل عام 2011، أو في أقل تقدير على أولئك الذين ما زالوا مجبرين على البقاء ضمن مناطق سيطرته.
وإن كانت كل الأطراف تتحيّن الفرصة لفرض مزيد من القيود على السوريين وحصر خياراتهم ضمن الأمن والعيش بعيدا عن الحرية والكرامة، لكن التجربة أظهرت أنّه من غير الممكن تكيّف معظم السوريين بشكل دائم إنما بشكل مؤقت، فهم يتحيّنون الفرصة بدورهم؛ من أجل التخلّص من أي قيود يشعرون أنها تمسّ حريتهم وكرامتهم.
أخيرا، تتقدّم الثورة السورية في العشرية الثانية وما زال أكثر السوريين متمسّكين بمطالب الحرية والكرامة داخل وخارج البلاد رغم كل ما يتعرّضون لهم من تقييد وممارسات تجبرهم أحيانا كثيرة على الصمت، ورغم حصول بعضهم على أوراق قانونية جديدة، إلا أنّهم أظهروا استعدادا للبحث عن خيارات جديدة تضمن لهم حقوقهم الإنسانية قبل القانونية. وهم وإن كانوا يفتقرون لشيء فهو العمل المنظّم وبناء السردية الواحدة، التي لم يعد ممكنا اختزالها بمجرّد إسقاط النظام بل بصون حريّة وكرامة المواطن السوري بكل السبل والإجراءات.
aj-logoaj-logoaj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معناأعلن معناوظائف شاغرةترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinerssجميع الحقوق محفوظة © 2023 شبكة الجزيرة الاعلاميةالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: ة والکرامة
إقرأ أيضاً:
ملفات الأسد السرية.. كيف حوّل النظام المواطن إلى مخبر؟
كشفت وثائق سرية عن أساليب تجسس أجهزة الأمن السورية على المواطنين، بما في ذلك اختراق الهواتف ومراقبة العلاقات الشخصية، وأظهرت الوثائق اعتقال أطفال لا تتجاوز أعمارهم 12 عامًا وإجبار السجناء تحت التعذيب على الوشاية بمعارفهم.
نشرت صحيفة "صاندي تايمز" تحقيقا أعدته لويز كالاغان كشفت فيه عن ملفات الأسد السرية والتي تظهر كيف أجبر السوريون التجسس على بعضهم البعض وخان الأساتذة تلاميذهم وتم تعذيب “الخونة" وقتلهم.
وتقول الصحيفة إنها حصلت على ألاف الملفات التي حللتها وتكشف عن الطريقة التي تم فيها إغراء السوريين للتجسس لتقديم معلومات عن أصدقائهم، جيرانهم، اقاربهم لأجهزة الاستخبارات.
كما واخترقت أجهزة الأمن أجهزة الهاتف للمواطنين السوريين وتجسست عليهم ولاحقتهم حتى في علاقاتهم الغرامية. واعتقلت أجهزة الأمن أطفالا لا تتجاوز أعمارهم عن 12 عاما بتهمة إهانة النظام، وأجبر السجناء وتحت التعذيب للكشف عن المتعاونين. وتكشف الملفات عن التنافس الكبير بين أجهزة الأمن للحصول أفضل المعلومات.
وتقول الصحيفة إن الملفات السرية التي سمح لها هذا الشهر بالاطلاع عليها كشفت عن المدى الرهيب الذي ذهبت إليه دولة بشار الأسد في التجسس ومراقبة مواطنيها. فقد كان أفراد الأسرة يتجسسون على بعضهم البعض، بشكل قادت ولو ريبة إلى زج الناس العاديين، وحتى الأطفال، في شبكة من السجون سيئة السمعة بسبب التعذيب والإعدامات، ودفن الضحايا في مقابر جماعية.
وتوضح آلاف الملفات، المكتوبة بقلم حبر جاف أو مطبوعة باللغة العربية الفصحى، الطريقة التي تسلل بها النظام إلى جماعات الاحتجاج والمعارضة المسلحة منذ اندلاع الثورة في عام 2011. وتكشف هذه الملفات تفاصيل عن الشبكة الواسعة من المخبرين الذين كانوا يقدمون التقارير إلى النظام، وكيف أجبرت أجهزة المخابرات الأشخاص الذين اعتقلتهم على الكشف عن أسماء المتعاونين المزعومين لاعتقالهم.
كما وتظهر هذه الوثائق الطريقة التي تعمل بها أجهزة الأمن السورية وتثير الرعب في قلوب الناس وتعمل أحيانا بدون حرفية. وتظهر الشك المستمر في أن جواسيسها هم عملاء مزدوجون، وتسجيل الطريقة التي يتجسس بها المخبرون من أجهزة الاستخبارات المختلفة على بعضهم البعض، واستجواب الأطفال المتهمين بعدم الولاء للنظام، وتدوين الملاحظات بدقة حول علاقات الحب للمشتبه بهم.
وسمح مقاتلو هيئة تحرير الشام التي أسقطت نظام الأسد في بداية الشهر الحالي، مع جماعات أخرى من المعارضة، بدخول أربع قواعد استخباراتية في مدينة حمص التي عرفت أيضا بعاصمة الثورة. وتقول الصحيفة إنه تم تحليل محتويات عدد كبير من التقارير على مدى يومين، وبخاصة فيما يتعلق بالطريقة التي أغرى وأجبر فيها النظام الناس للتخلي عن أصدقائهم وأقاربهم وجيرانهم.
وكشف البحث في المراكز الاستخباراتية عن عدد كبير من السجلات والتقارير الداخلية المتعلقة بالتعامل والتحقيق مع المتعاونين الذي ثارت حولهم الشبهات. وسمح للصحيفة بالبحث في نسخ من الوثائق ونشرها شريطة تغيير الأسماء والتواريخ والأماكن، وبطريقة لا تؤثر على احتمال محاكمة المتعاونين وتقديمهم للعدالة أمام المحاكم.
وكان من الواضح أن خدمات الاستخبارات لم تكن راغبة في الكشف عن ملفاتها، حيث حاول مسؤولو الاستخبارات حرق الملفات قبل هربهم. وامتلأت غرف كاملة بالرماد، ولم تنج إلا قطع صغيرة بكلمات واضحة من النيران. ولم يكن لديهم الوقت الكافي لحرق كل الملفات. فمع انهيار النظام وتراجع قواته وتدفق المقاتلين إلى حمص فاتتهم غرف كانت تحتوي على عشرات الألاف من الملفات ظلت متجمدة في وقت 7 كانون الأول/ديسمبر عندما انتهى حكم عائلة الأسد أخيرا.
وعلى طريقة أجهزة الاستخبارات في ألمانيا الشرقية، سجل نظام الأسد تفاصيل بيروقراطية صارمة عن حياة الأشخاص الذين اشتبه في أنهم أعداء ــ بمن فيهم أشخاص عملوا لصالحه، وفي وثائق مختومة وموقعة ومفهرسة مكدسة بصفوف لا نهاية لها على الأرفف المتربة.
ومن خلال التنصت على الهواتف واختراق أجهزة الكمبيوتر وإرسال عملاء لمراقبة المشتبه بهم شخصيا، جمعت أجهزة الأمن كما هائلا من التفاصيل والمثيرة للملل، حول حياة الأشخاص الذين كانوا تحت المراقبة.
وتضمنت تقارير المراقبة التي أعدها المخبرون روايات شاملة عن موقع "الكراج" الذي كانت والدة المشتبه به تصلح فيه سيارتها وكذا مواعيد الزيارة المنتظمة التي كان يقوم بها مشتبه آخر لأصهاره، وكم عدد البيوت التي يملكها مشتبه ثالث.
وكانت الرقابة المستمرة تثمر في بعض الأحيان، ففي عام 2013، كانت حمص مدينة مقسمة، بين منطقة تسيطر عليها المعارضة المسلحة وأخرى خاضعة للنظام وفي مواجهات مستمرة. ولم يكن أمام المعارضة أي طريق للخروج من منطقتهم سوى الأنفاق التي لا يعرفها سوى المقاتلون أنفسهم. لكن ضابط استخبارات وبعد متابعته امرأة لفترة اكتشف عددا من الكشوف المذهلة التي سجلها في تقريره لرؤسائه.
ولم تكن المرأة المشتبه هي "ارهابية" وحدها لكن زوجها وأبناءها. وكانت "القيادية الإرهابية" على علاقة غرامية مع جندي كان يعمل على نقطة تفتيش عند المنطقة المحاصرة. وكان هذا الجندي عميلا للمخابرات. وجاء في تقرير الضابط عن الجندي: "يعمل كممثل عن فرعكم" و "يقضي معظم وقته عند نقطة تفتيش [الحي] ويقوم أحيانا بتفتيش المركبات بنفسه. يدخل [الحي] مع [زعيمة المسلحين] دون أن يوقفه أي من الإرهابيين هناك، يرجى المراجعة".
وقد وجد النظام نقطة ضعف تسمح لأحد عملائه بالتحرك دون عوائق خلف خطوط العدو وجمع المعلومات من العائلة التي كانت مفيدة في السيطرة على المنطقة. وبعد ثلاث سنوات من كتابة التقرير هذا، سقط الحي في أيدي النظام.
وتضيف الصحيفة أنه ليس من الواضح صحة ما ورد في السجلات المفصلة وإن كانت نتيجة للتعذيب والإكراه أو معلومات كاذبة قدمها العملاء أو اخترعها المحقق. وبحسب معتقلين سابقين، وتقارير جماعات حقوق الإنسان، ومنها أمنستي انترناشونال فإن احتجاز السجناء السياسيين في سوريا كان يتبع عملية متسقة. أولا، كان يتم استقبالهم بـ"حفل ترحيب"، وهو عبارة عن ضرب في طريقهم إلى السجن، وغالبا في الممرات المؤدية إلى الزنزانة. ثم يتم حبسهم في الحبس الانفرادي وسحبهم بشكل منتظم للاستجواب. وتعرض بعضهم للتعذيب.
ففي غرفة صغيرة قبالة الممر الرئيسي في فرع المخابرات الجوية في حمص، أشار رشيد الأبرش، وهو معتقل سابق عمل مع صحيفة "صاندي تايمز" لتحليل الوثائق، إلى صندوق صغير بني اللون من بيكليت يخرج منه سلكان نحاسيان. وكانت نهايتا السلكين مثنيتين بشكل بدائي على شكل حلقات توضع على إصبع كل يد، وتستخدم في صعقهم بالصدمات الكهربائية.
وقال الأبرش إن التهمة التي قد توجه إلى المعتقلين من أنصار المعارضة قد تتزايد أو تتناقص تبعا لعدد أسماء "الإرهابيين" الآخرين الذين يقدمهم للمحققين. وقد احتوت أغلب محاضر الاستجواب التي تم النظر فيها على أسماء متهمين بالتعاون مع النظام قدمها المعتقلون. ويكشف محضر تحقيق مع أحد المشتبه بهم في عام 2015، وبعدما عثر الجنود على فيديو "يسخر من شخص الرئيس" على هاتفه النقال، وتم إعداده على شكل سؤال وجواب وموجه إلى رئيس الفرع المحلي للاستخبارات.
وقدم المشتبه به، وهو مقاتل سابق تفاصيل عن 70 شخص بما في ذلك أعمارهم وطول لحية المقاتلين. وقدم حتى وصفا للون الحذاء الرياضي لوسيط رشاه لوضعه على قائمة المقاتلين السابقين الذين "تصالحوا" مع النظام. وفي نهاية التقرير كتب المحقق في خانة، "رأي المحقق/أقترح" قائلا: "بعد استخدام الإقناع والتخويف اعترف [المشتبه به] بالانتماء إلى جماعة إرهابية وإهانة شخص الرئيس". وأوصى بإحالة المشتبه إلى القضاء العسكري في حمص بتهم الانضمام لجماعة إرهابية مسلحة والتعاون مع الإرهابيين، ويجب ضم الأسماء التي قدمها المتهم إلى "قائمة المطلوبين".
ولم يكن أحد بعيدا عن يد النظام، ففي الربيع الماضي، كتبت ملاحظة في سجل الأشخاص الذين اعتقلتهم المخابرات السياسية في حمص، وتشير لاعتقال ولد عمره 12 عاما، اعتقل لأنه مزق ورقة تحمل صورة الرئيس. وبحسب تقرير المحقق " إنه في "[التاريخ] وعندما كان [المتهم] في فصله الدراسي، مزق ورقة وعثرت تحت مقعده الدراسي. وتحمل الورقة صورة الرئيس. ورماها [ الولد] في سلة المهملات. وتم إعلام مدرسه الذي قام بدوره بإخبار المشرف التربوي في [المدرسة] والذي أبلغ الشرطة"، والتي حولت القضية للمخابرات السياسية.
ورغم تأكيد المدرس الذي استدعي للتحقيق أن التلميذ هادئ ولا تاريخ لعائلته في السياسة إلا أنه استدعي بعد أيام للمحاكمة. وكل هذا رغم تأكيده أنه مزق الورقة بدون وعي ولم ينتبه لوجود صورة الرئيس عليها.
ولم يفلت المفرج عنهم من ملاحقة الأمن. فعندما أفرج عن فتاة في بداية العشرينات من عمرها، اعتقلت عام 2017، أمر الأمن بملاحقتها. وجاء في تقرير "تحقق من مصادرك وممثليك بعد الإفراج القضائي عنها، وإن لاحظت إشارات سلبية تتعلق بها، واتخذ الإجراءات المناسبة ضدها وبمطابقة مع المعايير".
ولم يكن البعض محظوظين بالخروج من السجن، ففي تقرير عن رجل في متوسط العمر، أعد عام 2016، وكان يعمل منسقا للعمليات الإنسانية. ركز على عائلته وأخويه اللذان فرا بمساعدة مهرب، ودخل منطقة المعارضة المحاصرة. ويركز التقرير على المعلومات التي تم جمعها من صفحته على فيسبوك وملاحقته شخصيا. وطالب معد التقرير باعتقاله. وتأكدت الصحيفة من أنه اعتقل وتعرض للتعذيب ومات في السجن.
واستخدم الناس في سوريا كلمات مشفرة أو سرية للحديث عن العملاء "عصافير"، حيث تظهر السجلات كيف كان يعمل هؤلاء. وكان بعضهم جزءا من انتفاضة عام 2011، فيما اخترق آخرون جماعات المعارضة المسلحة. وبلغ الكثيرون منهم عن أصدقائهم وجيرانهم وأقاربهم.
وفي تقرير كتب عام 2016 وموجه إلى رئيس شعبة المخابرات السياسية في حمص، ورد فيه أن فتاة كانت تتجسس على أفراد عائلتها. وجاء فيه أن "المخبرة قدمت بنا عددا من المعلومات والتي تم التحقيق فيها والتأكد من صحتها. وأخبرتنا عن عدم قدرتها لزيارة فرعنا خوفا من اكتشاف عائلتها والتي تعتقد أنه سيعرض حياتها للخطر".
وقد تطوع آخرون للتعاون، وكتب امرأة من عائلة متوسطة في ملاحظة للمخابرات بأن لديها مصدر داخل حركة المعارضة ولديه " معلومات ثمينة عن الإرهابيين" و "آمل أن يكون عملي مفيدا للبلد وبخاصة الرئيس". وتعطي الملفات السرية صورة عن الفساد، داخل مؤسسات الأمن، ففي تقرير كشف سجين عن مخبر يدفع أموالا لضباط المخابرات ومساعدته على تهريب الناس من مناطق المعارضة حتى يخرجوا من البلد. وقال إن عدد الأشخاص الذين تم تهريبهم يصل إلى 100 وتلقى الضابط المتهم ما بين 800- 1,000 دولارا عن كل شخص.