لا يخفى على أحد المعاناة التى يعيشها البرازيلى روجيرو ميكالى، المدير الفنى للمنتخب الأولمبى، بسبب رفض الأندية الأوروبية الموافقة على انضمام لاعبيه المصريين للمشاركة فى أولمبياد باريس 2024، وتحديداً الخماسى محمد صلاح ومحمود حسين تريزيجيه ومصطفى محمد وأحمد حجازى وحمدى فتحى.
وحتى على المستوى المحلى، تحفظت بعض الأندية، مثل الأهلى وبيراميدز، على التخلى عن نجومها للمنتخب الوطنى، ولهذه الأندية بعض وليس كل العذر، فتلك الأزمة صنعها الاتحاد الدولى لكرة القدم «فيفا» الذى انبطح أمام ضغوط أندية القمة فى أوروبا لأى محاولة لإدراج منافسات كرة القدم بالدورات الأولمبية ضمن أجندة المباريات التابعة للاتحاد الدولى للعبة (فيفا)، لمنع انضمام لاعبيها إلى هذه البطولة.
تُعتبر هذه الأزمة كبرى الأزمات التى تواجه أى مدير فنى يقود منتخباً فى بطولة عالمية، حتى ولو كان هذا المنتخب هو الأفضل بين منتخبات العالم، فحرمانك من أفضل لاعبيك الذين يصنعون الفارق ليس من العدل فى بطولة تُعتبر ثانى أكبر حدث فى العالم وأكبر تجمع رياضى على مستوى العالم.
ولكن بالنظر إلى أغلب إنجازاتنا المصرية، سواء فى الأولمبياد أو منافسات الرياضة بشكل عام، نجد أن أغلبها جاءت بصعوبة للغاية ووُلدت من رحم المعاناة ولم تكن سهلة على الإطلاق، وإنما فاجأ المصريون الجميع ببسالتهم وقوتهم وصراعهم لإثبات أنفسهم أمام العالم أجمع، فعلى سبيل المثال حصد هشام مصباح برونزية أولمبياد بكين بعد صعوبات كثيرة واجهها ولم يكن أحد يتوقع التتويج بها بعد أن كانت الأنظار تتجه للاعبين آخرين.
تتويج منتخب مصر الأول بثلاث كئوس لبطولة الأمم الأفريقية 2006، 2008، 2010، كان بمثابة الإعجاز والذى وقفنا أمامه طويلاً ووقف كبار أفريقيا إجلالاً لنا، لم يكن سهل المنال، فأتذكر جيداً أن حسن شحاتة، المدير الفنى فى تلك الفترة وصاحب هذا الإنجاز، لم يكن الشارع الرياضى المصرى يثق أنه سينافس على البطولة وليس الفوز بالكأس الأفريقية.
ليس من الحكمة إلقاء اللوم على الاتحاد الدولي لكرة القدم «فيفا» على عدم إدراج الأولمبياد ضمن الأجندة الدوليةقبل البطولات الثلاث كان منتخب مصر يصعد بشق الأنفس، ومباريات ودية لم تُظهر أى مستوى يدل على أن مصر ستُبهر الجميع فى هذا العُرس الأفريقى الأكبر داخل القارة السمراء، وستفوز بالكأس. فى المقابل كانت منتخبات مثل الكاميرون وكوت ديفوار وغانا تعج بنجوم أوروبا الذين كانوا ملء السمع والبصر فى أوروبا بأكملها.
ليس من الحكمة إلقاء اللوم على الاتحاد الدولى لكرة القدم «فيفا» على عدم إدراج الأولمبياد ضمن الأجندة الدولية، وهو الأمر الذى أتاح للأندية الأوروبية عدم السماح للاعبينا بتمثيل المنتخب الأولمبى فى الأولمبياد، فهذا ليس وقته، خاصة أن منتخبات كبيرة مثل فرنسا ستفقد لاعباً بحجم كيليان مبابى مع منتخبها الأولمبى فى هذه البطولة بعد رفض ريال مدريد، ناديه الجديد، مشاركته رغم تدخل زعماء وجهات سيادية، ولكن الريال رفض انضمام «مبابى»، كما منع تشيلسى كلاً من إنزو فرنانديز وميخائيلو مودريك من تمثيل الأرجنتين وأوكرانيا فى أولمبياد باريس.
كما أنه ليس من العقل أن نرمى بالمسئولية على أندية مثل الأهلى أو بيراميدز، فكل نادٍ أو منظومة تبحث عن النجاح والفوز بالبطولات، فهذه الأندية لم تُقصر فى دعم المنتخبات الوطنية، ولكن إقامة الأولمبياد تصعّب الأمر عليهم فى ظل المنافسة الشرسة بينهم على لقب الدورى.
ومن العقل أن يقف الجميع خلف منتخب مصر الأولمبى، بالمجموعة التى ستشارك، خاصة أن القوام الأساسى من المنتخب هم من صعدوا وحققوا الإنجاز بالصعود للأولمبياد، ولديهم القدرة على أن يرفعوا اسم مصر عالياً فى باريس ويحققوا نتائج جيدة للغاية بالصعود لمنصات التتويج وحصد ميدالية.
ورغم كل هذه الصعوبات التى يواجهها أبناء «ميكالى» قبل أيام قليلة من انطلاق الأولمبياد، فإننى لدىَّ ثقة كبيرة فى الفراعنة الصغار أن يقدموا مستويات جيدة أمام منتخبات إسبانيا وأوزبكستان والدومينيكان التى سنواجهها فى الأولمبياد؛ فالمجموعة متوسطة، والصعود للدور التالى فى الإمكان بشكل كبير، ومواصلة المشوار وتحقيق ميدالية أولمبية قريب للغاية، ويحتاج فقط الثقة بهؤلاء الشباب ودعمهم لإخراج أقصى ما عندهم وعدم إثارة أزمة اختيار الثلاثى الكبير الذى سيتم اختياره للمشاركة فى الأولمبياد، وأتذكر دائماً أن من رحم المعاناة يولد الأمل، ومن قلب المأساة يولد الإبداع، ومنتخب مصر الأولمبى ومجموعة اللاعبين التى ستشارك ستكتب التاريخ فى أولمبياد باريس
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: أولمبياد باريس 2024 بعثة مصر فريال أشرف كرم جابر أشرف صبحي فى الأولمبیاد لیس من
إقرأ أيضاً:
كريم وزيرى يكتب: حكايات القوادم.. عندما كتبت كوكب الشرق مقالًا عن الحب
فى ستينيات القرن الماضى، وتحديدًا فى العدد رقم ١٤٤ من مجلة «آخر ساعة»، نشرت أم كلثوم مقالًا بعنوان «الحب فى الحقيقة والفن»، حيث خرجت كوكب الشرق عن إطار الأغانى والكلمات الموزونة لتخاطب قراءها مباشرة عبر قلمها، متناولة مفهوم الحب بين الواقع والفن.
المقال كان بمثابة نافذة جديدة لجمهورها، إذ أتاح لهم رؤية جديدة للفنانة التى ما دام عبرت عن مشاعرهم بأغانيها.
جاء المقال فى وقت كانت فيه مصر تمر بمرحلة سياسية واقتصادية استثنائية، إذ كانت البلاد تعيش أجواء ما بعد ثورة ٢٣ يوليو، حيث سادت الروح القومية وشهدت حركة التصنيع القومية وبناء السد العالى، رغم التحديات الاقتصادية التى فرضها التوتر السياسى فى المنطقة وحرب اليمن، وكانت هذه الحقبة مليئة بالأحداث الكبرى التى شكلت وعى المصريين ومواقفهم تجاه القيم الإنسانية الأساسية مثل الحب والتضحية والانتماء.
فى هذا السياق، قررت أم كلثوم أن تكتب عن الحب، ليس فقط بوصفه شعورًا إنسانيًا، بل كقيمة مركزية فى حياتنا اليومية وعلاقاتنا، وهذا القرار لم يكن غريبًا على فنانة عُرفت بدورها الوطنى والاجتماعى، حيث سخرت فنها ليكون صوتًا للوطن والمواطن وجعلت أغانيها يعبر عن مكنونات ما يشعر به المواطن فى وقت حزنه وفرحه وحتى انتصاراته.
وتناولت أم كلثوم فى مقالها الحب كقيمة إنسانية شاملة، مؤكدة أن الحب ليس مجرد كلمات معسولة أو مشاعر مؤقتة، بل هو كما كتبت «فعل مستمر يتطلب الصبر والإخلاص»، وطرحت تساؤلًا مهمًا «هل الحب الذى نراه فى الأفلام والأغانى يشبه الحب الذى نعيشه فى حياتنا؟».
وبواقعية شديدة، أجابت بأن الفن غالبًا ما يقدم صورة مثالية للحب، قائلة «الحب فى الفن قد يكون حلمًا ورديًا، لكنه لا يعكس كل جوانب الحقيقة، بل يلبى رغبة الإنسان فى الهروب من قسوة الواقع»، وهذا التصور الواقعى يتماشى مع فلسفتها الفنية، حيث كانت دائمًا تسعى لتقديم فن يمس القلوب ولكنه يعكس الحياة بمصداقية.
على الجانب الآخر، رأت أم كلثوم أن الحب الحقيقى فى الحياة اليومية «ليس مجرد مشاعر عابرة، بل تجربة مليئة بالتحديات تتطلب التفاهم والتضحية»، ورأت أن الحب الواقعى يتمثل فى قبول الآخر بعيوبه قبل مميزاته، وهو علاقة تقوى مع الزمن رغم الصعوبات.
ولربما يعكس التحليل العميق لكوكب الشرق فى مقالها نضجًا كبيرًا فى فهم العلاقات الإنسانية، وربما جاء نتيجة لتجاربها الشخصية والفنية الكثيرة التى خاضتها خلال رحلتها الفنية والإنسانية، حيث عاشت حياة مليئة بالتحديات والنجاحات التى جعلتها أكثر قدرة على فهم جوهر المشاعر الإنسانية.
ولم تنس أم كلثوم فى مقالها أن تربط مفهوم الحب بالوطن، معتبرة أن حب الوطن هو النموذج الأسمى للحب الحقيقى وكتبت وقالت «حب الوطن هو أصدق أنواع الحب وأكثرها تضحية، إنه حب يتطلب الإيمان بالقضية والعمل من أجلها مهما كانت التحديات»، وشددت على أن الوطن يستحق التضحية والصبر، فهو الحب الذى يربط الإنسان بجذوره وهويته.
ولا يخف على أحد ما قدمته أم كلثوم لمصر وللقوات المسلحة، من دعم معنوى ومادى فى أحلك الظروف التى مرت بها مصر أثناء نكسة ١٩٦٧ والكم الهائل من الحفلات التى وهبت أرباحها للمجهود الحربى، والتى انعكست بصورة واضحة فى كلماتها الصادقة فى مقالها.
وفى سياق الحديث عن حبها لمصر، ذكرت أم كلثوم قائلة «لم يكن صوتى يغنى لمصر فقط، بل كان ينبض بحبها، هى ملهمتى ووطنى الذى أعطيته كل ما أملك»، وتأتى هذه الكلمات كتعبير عن ارتباطها العميق بوطنها، الذى انعكس فى كل أغنية قدمتها، سواء كانت «إنت عمري» أو «مصر التى فى خاطرى».
وكتبت أم كلثوم مقالها بأسلوب بسيط، لكنه مشحون بالمعانى العميقة، ولم تستخدم لغة معقدة أو فلسفية، بل لجأت إلى أسلوبها المعتاد الذى يمزج بين الحكمة والدفء، لتصل إلى جمهورها بطريقة تشبه حديثها معهم على المسرح.
ومن خلال هذا المقال، وجهت أم كلثوم عدة رسائل مهمة حول مفهوم الحب، أولها أن الحب ليس مثاليًا، مؤكدة أن الحب الواقعى ليس قصة خيالية أو حلمًا ورديًا، بل هو علاقة تتطلب بذل الجهد والإخلاص.
كما أشارت إلى أن الحب فى الأغانى والأفلام قد يكون مبالغًا فيه، لكنه يظل وسيلة للتعبير عن أحلام الناس ورغباتهم، ودعت إلى ضرورة التمييز بين الحب كما يُقدم فى الأعمال الفنية والحب كما يُعاش فى الحياة.
ولو قرأنا مقال أم كلثوم اليوم، لوجدناه لا يزال يحمل رسائل صالحة لكل زمان، ففى العصر الحالى، يواجه الحب تحديات مختلفة، من ضغوط الحياة إلى تأثير التكنولوجيا على العلاقات وأصبحت وسائل التواصل الاجتماعى تؤثر بشكل كبير على كيفية فهم الناس للحب وتوقعاتهم منه، وأصبحت العلاقات أكثر سطحية فى كثير من الأحيان، مما يجعل كلمات أم كلثوم تذكيرًا بأهمية التركيز على جوهر الحب الحقيقى الذى ينبع من القلب ويُثبت نفسه بالأفعال.
اختتمت أم كلثوم مقالها برسالة تدعو القراء إلى التفريق بين الحب المثالى الذى قد يظهر فى الفن والحب الواقعى الذى يعيشونه وقالت، «الحب ليس قصة مثالية، بل هو علاقة حقيقية تثبت نفسها بالأفعال»، مشيرة إلى أن التحديات اليومية هى ما يجعل الحب واقعيًا ومستمرًا.