أسامة فهمي يكتب: حكومة ما بين الأولويات والتحديات
تاريخ النشر: 5th, July 2024 GMT
فى الظروف العادية فى التنمية الاقتصادية نذكر دائماً أن دقة الاتجاه أهم من سرعة التحرك، حيث الوصول إلى الهدف الصحيح أهم من توقيت الوصول، ولكن فى الظروف الاستثنائية نحتاج دقة الاتجاه مع سرعة التحرك، وهو من أهم أولويات الحكومة الجديدة فى مهمتها الاستثنائية.
تعلمنا أيضاً فى المهام الكبيرة أن تكون هناك خطة استراتيجية واضحة بأهداف واضحة معلنة وبعض الأهداف أحياناً غير المعلنة بخطط عمل واضحة بجدول زمنى محدد ومحطات زمنية معروفة لتقييم الأداء وأيضاً خطط العمل لها تكتيكات فرعية وطرق تنفيذ معلنة وفقاً للجدول الزمنى المحدد.
نعلم جميعاً أن فى وقت الأزمات الاقتصادية والتحديات الكبيرة تحتاج الحكومة لظهير شعبى يساندها ويشاركها المسئولية والتحدى، لذلك يجب تفعيل الثقة ما بين الشعب والحكومة ومشاركة الشعب الخطط وجدولها الزمنى ومتابعة ذلك بشكل مستمر، ما يضمن للحكومة العمل فى أجواء غير مشحونة والعمل فى جو يعمه الأمل فى غد أفضل.
هناك عدة ملفات خطيرة على الطاولة المستديرة للحكومة الجديدة التى نتمنى من الله أن تحقق ما نتمناه جميعاً لوطننا الحبيب، أبرزها ملف الإيرادات، ذلك الملف الأكثر أهمية، حيث التوسع الرأسى والأفقى فى إيرادات الدولة، ووجود خطط أساسية وخطط بديلة وخطط أزمات ونظرة مستقبلية وأهداف قصيرة المدى وأهداف بعيدة المدى.
مصر لديها القدرة على زيادة إيراداتها من روافد استراتيجية فى الدخل القومى المصرى كالسياحة والصناعة والزراعة والتصدير والاستثمار واللوجيستيات وعمل هوية دولية للمنتج والخدمة التى يتم صنعها فى مصر، ولن يتم ذلك إلا بتعاون محترف بين الحكومة والقطاع الخاص والتفكير خارج الصندوق وتفعيل البحث العلمى المحترف فى القطاعات المذكورة.
ملف الموارد البشرية.. الاستثمار فى الإنسان هو أحد أهم عوامل نجاح أى خطة اقتصادية وخلق الكوادر المؤهلة التى تساعد الحكومة على الإنجاز وتحويل الزيادة السكانية إلى ثروة بشرية تزيد من الإنتاج والدخل القومى من خلال تأهيلها بشكل مناسب لسوق العمل المحلى والدولى والاستفادة من تصدير الكوادر المؤهلة لتصبح قوى ناعمة منتشرة عالمياً تخدم مصالحنا الاقتصادية والدخل القومى بشكل مباشر.
ملف الإنفاق والمشروعات.. أحد أهم الملفات التى يجب السيطرة عليها من خلال وضع خطط إنفاق واضحة تتسق مع السياسات المالية والالتزامات الحالية والمستقبلية ودراسة كاملة للمشروعات الحالية والمستقبلية وتفعيل الرقابة وعمل تدرج رقابى يضمن نجاح تلك المشروعات ويضمن العائد من تلك المشروعات وإنجازها بالتكلفة المثلى وتحقيق العائد الأفضل.
لا أستطيع ذكر كل الملفات المهمة فى مقال واحد، فلدينا الكثير من التحديات والأولويات على المستويين المحلى والدولى، ولدينا العديد من الملفات التى يجب أن تتضافر فيها الجهود من أجل تنمية اقتصاد هذا الوطن العظيم.
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: الإصلاح الاقتصادى القطاع الخاص مصلحة المواطن تحسين المسار
إقرأ أيضاً:
الدستور الانتقالي السوداني لعام 2025 ما بين التأسيس الجديد والتحديات الراهنة
في خطوة تعكس طموحات قوى سياسية واجتماعية نحو إعادة تشكيل المشهد الدستوري في السودان، وقعت الأطراف المكونة لتحالف السودان التأسيسي على الدستور الانتقالي لجمهورية السودان لعام 2025. هذا الدستور، الذي يلغي الوثيقة الدستورية لعام 2019 وجميع القوانين والقرارات والمراسيم السابقة، يمثل قطيعة قانونية وسياسية مع تجارب الحوكمة السابقة، ويؤسس لنظام سياسي جديد يقوم على الديمقراطية، العلمانية، واللامركزية، مما يعكس رؤى القوى الموقعة في إعادة هيكلة الدولة على أسس مختلفة عن تلك التي سادت لعقود.
أحد أبرز ملامح هذا الدستور هو تكريسه لمفهوم فصل الدين عن الدولة، وهو طرح ظل مثار جدل كبير في المشهد السوداني الذي ظل تاريخياً متأرجحاً بين الدولة الدينية والمدنية. بالإضافة إلى ذلك، سعى الدستور إلى إزالة الهوية العرقية والجهوية من مؤسسات الحكم، مع التأكيد على أن المواطنة المتساوية هي أساس الحقوق والواجبات. في هذا السياق، يمكن مقارنة هذا النموذج بالنموذج الهندي الذي تبنى دستوراً علمانياً عقب الاستقلال رغم التنوع الديني والعرقي الكبير، ما ساعد في استقرار النظام السياسي على المدى الطويل، على الرغم من التحديات التي واجهته.
أما من حيث نظام الحكم، فقد أقر الدستور الانتقالي اللامركزية السياسية، الإدارية، القانونية، والمالية، حيث أُعيد تقسيم السودان إلى ثمانية أقاليم، لكل منها صلاحيات دستورية دون المساس بوحدة الدولة. ويعكس هذا التوجه مزيجاً بين النموذج الفيدرالي كما هو معمول به في الولايات المتحدة وألمانيا، والنظام اللامركزي كما في بلجيكا، حيث تتعايش الأقاليم المتعددة داخل كيان وطني واحد مع سلطات موسعة. غير أن تحديات التطبيق في السودان تظل معقدة، لا سيما في ظل غياب تقاليد راسخة للحكم اللامركزي، ووجود صراعات عسكرية وجهوية قد تعرقل هذا النموذج.
حدد الدستور الفترة الانتقالية بمرحلتين، تبدأ الأولى من تاريخ سريانه حتى الإعلان الرسمي عن إنهاء الحروب، ثم تعقبها مرحلة انتقالية تأسيسية تمتد لعشر سنوات، وهي مدة طويلة مقارنة بالتجارب الانتقالية في دول ما بعد النزاعات مثل جنوب إفريقيا والبوسنة والهرسك، حيث تراوحت الفترات الانتقالية بين ثلاث إلى خمس سنوات. ويعكس هذا الخيار وعياً بمدى تعقيد المشهد السوداني، إلا أنه يثير تساؤلات حول إمكانية الحفاظ على الاستقرار السياسي طيلة هذه المدة دون نشوب أزمات جديدة.
هياكل السلطة التي نص عليها الدستور تعكس رؤية تتجاوز الأنظمة العسكرية والمدنية الهشة السابقة، إذ تتكون السلطة التشريعية من مجلسين، مجلس الأقاليم ومجلس النواب، مما يعكس محاولة لتحقيق توازن بين التمثيل الشعبي والتمثيل الجهوي. كما تم تحديد نسبة تمثيل النساء بـ 40%، وهو توجه مشابه لما تم تطبيقه في بعض الدول الإفريقية مثل رواندا التي نجحت في تحقيق مشاركة نسائية واسعة في البرلمان، مما أسهم في تحقيق استقرار اجتماعي وسياسي ملحوظ.
في الجانب التنفيذي، نص الدستور على تشكيل مجلس رئاسي يتكون من 15 عضواً يمثلون الأقاليم، مع صلاحيات تعيين وإقالة رئيس الوزراء والقيادات الدستورية. كما أقر بتشكيل حكومة انتقالية بلا محاصصة حزبية، في محاولة للابتعاد عن نظام المحاصصة الذي أثبت فشله في تجارب ما بعد الثورة، كما حدث في العراق ولبنان. غير أن السؤال المطروح هو: هل يمكن فعلاً تجاوز تأثير الأحزاب السياسية في ظل تاريخ طويل من التدخلات السياسية في التعيينات الحكومية؟
أما في ما يتعلق بإعادة هيكلة المؤسسات النظامية، فقد نص الدستور على تأسيس جيش وطني جديد بعقيدة عسكرية غير أيديولوجية، وهو طرح شبيه بالنموذج الجنوب أفريقي بعد نهاية الأبارتيد، حيث تم دمج قوات الفصائل المسلحة السابقة في جيش وطني موحد. لكن تحدي التطبيق في السودان سيكون أكثر تعقيداً بسبب تعدد الفصائل المسلحة واختلاف أجنداتها السياسية. كما نص الدستور على تأسيس قوات شرطة وجهاز أمن جديدين، مع ضمان عدم ولائهما لأي تيارات سياسية أو قبلية، وهو أمر مثالي نظرياً، لكنه في الواقع يتطلب تحولات جوهرية في الثقافة المؤسسية لهذه الأجهزة.
من النقاط المثيرة للجدل في هذا الدستور أنه جعل قوات الدعم السريع والجيش الشعبي لتحرير السودان وحركات الكفاح المسلح نواةً للجيش الجديد، بينما نص على حل مليشيات المؤتمر الوطني والحركة الإسلامية وجميع المليشيات الأخرى. هذا التوجه يعكس انحيازاً واضحاً لبعض القوى المسلحة دون غيرها، مما قد يؤدي إلى مشكلات تتعلق بالعدالة الانتقالية وتوازن القوى بين الفصائل المختلفة، خصوصاً في ظل تجربة السودان مع الصراعات المسلحة التي غالباً ما يعقبها ظهور حركات تمرد جديدة رداً على الإقصاء.
بالمجمل، فإن هذا الدستور يعكس رؤية طموحة لإعادة هيكلة الدولة السودانية بعيداً عن التجارب السابقة التي اتسمت بالمركزية المفرطة والاضطراب السياسي. لكن نجاحه مرهون بمدى قدرة القوى السياسية والعسكرية على الالتزام بمبادئه، وتجاوز العقبات البنيوية التي حالت دون استقرار السودان في العقود الماضية. كما أن المقارنة مع تجارب دولية مشابهة تشير إلى أن أي مشروع تأسيسي بهذا الحجم يحتاج إلى توافق واسع، وإدارة دقيقة للمرحلة الانتقالية، حتى لا يتحول إلى مجرد وثيقة أخرى تُضاف إلى سجل المحاولات الدستورية الفاشلة في السودان.
zuhair.osman@aol.com