بين قيود العادات والتشريع الديني، تواجه ما يسمى بـ "الموديلز" أو عارضات الأزياء في اليمن، صداما مع مجتمع لم يألف هذا النوع من المهن، ويوصف بالمحافظ، ويراها مخالفة للدين والشرع والأعراف والتقاليد.

 

رغم الرفض المجتمعي المطلق تحت مسمى الشرع والعادات والتقاليد لمثل هكذا مهنة، إلا أن هناك فتيات بعدد الأصابع بدأن بكسر تلك القيود في مزاولة تلك المهنة والظهور في جلسات تصوير محلية والعمل مع مصممي أزياء يمنيين، لكنهن وجدن أنفسهن في مواجهة المجتمع وقمع السلطات ففي مختلف المناطق اليمنية، كان آخرها "خلود باشراحيل" (20 عاما)، التي اعتقلتها السلطات الأمنية في حضرموت ثاني أيام عيد الأضحى بعد نشرها صورا لها بذكرى زفافها مع زوجها.

 

وظهرت باشراحيل معلنة رغبتها في التحول للعمل كموديل وعارضة أزياء، ونشرت عدة مقاطع فيديو مصورة تظهرها في جلسات تصوير، وهي بدون الحجاب، وتنتقد من يهاجمها، وتدعو إلى التحرر من الأفكار المتطرفة، كما وصفت المجتمع بالمتخلف والمنافق، قبل أن تعتقلها السلطات الأمنية.

 

انتصار الحمادي، مريم ناظم، سالي فؤاد، جور الشوافي، خلود باشراحيل، ديانا ضبعان، أريج السيد، هن أبرز عارضات الأزياء اليمنيات، بعضهن غادرن اليمن ويمارسن عملهن من الخارج خوفا من قيود المجتمع والسلطات، والبعض الأخر تعرضن للاعتقال والسجن وتخشى أخريات أن يكن مصيرهن مشابه لما سبقهن.

 

آخر فصول القمع ما تعرضت له الموديل "باشراحيل" في إحدى سجون مدينة المكلا التابعة للحكومة اليمنية، وقبلها ما حدث للموديلز "انتصار الحمادي" من انتهاكات من قبل جماعة الحوثي وصفتها منظمات حقوقية بالخطيرة.

 

كانت الشابة اليمنية انتصار تحلم بأن تصبح عارضة أزياء، لكنّها وجدت نفسها محتجزة في سجن في العاصمة صنعاء الخاضعة لسيطرة الحوثيين، في بلد تعاني فيه المرأة من صعوبات جمة فاقمتها الحرب.

 

في شباط/فبراير 2021 اعتقلت السلطات الأمنية التابعة لجماعة الحوثي في صنعاء عارضة انتصار الحمادي، بتهمة ارتكابها فعل فاضح ومخالف للشريعة الإسلامية وأصدرت المحكمة الابتدائية التابعة للجماعة حكما بالسجن خمس سنوات.

 

أفكار طوباوية

 

الدكتور عبدالكريم غانم، الباحث في علم الاجتماع، يرى أن خلود باشراحيل وقبلها انتصار الحمادي، وغيرهن هن التعبير الواضح عن حال من الفئات الحداثية التي لديها أفكار طوباوية تتجاوز الواقع الذي لم يعترف بالحريات الاجتماعية والشخصية، في ظل ما هو سائد من تابوهات دينية وأخرى أخلاقية يتم تجسيدها من خلال النصوص القانونية.

 

 

في حديث لـ "الموقع بوست" يرى غانم أن باشراحيل والحمادي ليستا حالة فردية، بل ظاهرة اجتماعية عفوية عبرت عن نفسها بشكل واضح في الحراك الثوري الذي شهده اليمن منذ 2011 عبر تجليات مختلفة، منها ممارسة الحرية الشخصية وحرية المعتقد والحرية الجنسية وغيرها.

 

وأضاف "الأمن الذي يفترض أن يوجه لمنع وقوع جرائم من اختلاس ونهب المال العام قد يجد ضالته بالقبض على مشاهير السوشال ميديا، أو ملاحقة متبرجة، لأن مثل هذه القضية تسترعي اهتمام المجتمع التقليدي أكثر من اهتمامه بقضايا الفساد.

 

وعن الرفض المجتمع لمثل هذه الظاهرة، يقول غانم إن "المجتمع يغلب عليه الطابع التقليدي المحافظ ويعتقد أن هذه الظواهر الرافدة تشكل تهديدا لسلطته، لا سيما أن فرص تمكين المرأة اقتصاديا وسياسيا في ظل الحرب والحصار تبدوا ضئيلة ومن منظور مجتمعي لا جدوى من تقديم تنازلات كهذه دون تقاضي فوائد ملموسة".

 

وأكد الخبير في علم الاجتماع اليمني أن العوائق التي يمكنها أن تواجه تلك الفئات من النساء هو المزاج الشعبي الموغر بالأصولية.

 

ويرجع الباحث غانم أسباب نشاط هذه التوجهات حاليا إلى أن السلطات الحاكمة سواء في شمال البلاد أو جنوبه أخفقت في خدمة المجتمع وتحقيق التنمية والاستقرار وتقديم الرعاية الاجتماعية، الأمر الذي يتم تحديها عبر نوع من هذا التمرد، كظهور جماعات الموضة ومجتمع "الميم" وغيره.

 

وأفاد أن القوانين اليمنية تكفل بعض الحريات ولكن عندما يتعلق الأمر بجسد المرأة يتم لي نصوص القانون ليّاً وتفسيرها على هوى السلطات المعنية، مشيرا إلى أن الذي يحكم توجهات الناس هو العيب وليس الحرام، فالمجتمع لا يكترث من حرمان النساء من الميراث ويقيم الدنيا ولا يقعدها إذا خرجت خصلة شعر من الحجاب.

 

وأكد الباحث غانم أن السلطات (الحكومة وجماعة الحوثي) تعاملتا مع توجه الفتاتين باشراحيل والحمادي بما يمليه المزاج الشعبي الأصولي المتشدد، فالبلد في حالة حرب وسط الجماعات المتطرفة التي تستطيع الحشد لجبهات القتال تحت مسمى الجهاد هو المسموع. لافتاً إلى أن نظرة المنظمات الدولية لقضية "إنتصار الحمادي" بأنها عنف رسمي قائم على النوع الاجتماعي.

 

ولفت إلى أن علم الاجتماع ينظر إلى هذا السلوك أو الظاهرة من خلال ما يسمى الاحتكاك الثقافي وتأثيرات العولمة الثقافية التي جعلت الاتجاهات الاجتماعية للمجتمعات الإنسانية أكثر تقاربا، ومن هذه الاتجاهات الحريات الشخصية وحركات الموضة ومجتمع "الميم"، إلا أن الاختراق الثقافي للمجتمعات التقليدية المتدينة يبدوا أكثر صعوبة، لا سيما عندما يتعلق الأمر بمجتمع عربي مسلم مثل اليمن يدرك أن الدول التي تدعي أن مناصرة الحريات هي من تدعم جيش الاحتلال الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني.

 

وبشأن تناقض المجتمع بالتأييد والرفض لتوجه تلك الفتيات، يؤكد غانم أن هناك فئات حداثية وفئات تقليدية تعيشان صراعا أزليا ليس فقط في اليمن بل في مختلف دول العالم ومنها على سبيل المثال الولايات المتحدة الأمريكية وغيرها من الدول.

 

وحول نتائج ومخاطرة الظهور بهذا الشكل، يقول إن "حركات التمرد النسوية وغيرها لا تخشى المجازفة، لأنها تعلم أنها تتحدى النظام القائم والمجتمع وإن كان في حالة مد أصولي كبير، لكنه يحمل في أحشائه جنينا متمردا سيولد ويمشي على قدمين عندما تصبح الفرصة سانحة".

 

قوانين مجحفة وقيم متشددة

 

المحامية والحقوقية، هدى الصراري، تقول إن الرفض المجتمعي لأي امرأة تمتهن عرض الأزياء او أن تكون موديلز لعمل الإعلانات والتصوير أو تعمل في الشأن الفني، ناتج عن خصوصية المجتمع اليمني الذكوري المحافظ الذي تقيده العادات والتقاليد والموروثات الثقافية اليمنية".

 

في حديثها مع "الموقع بوست" ترى الصراري أن "هذه المهن تعتبر جديدة على مجتمعنا وتواجه برفض وعدم تقبل لما للمهنة من تحرر مفرط لحساسية المجتمع القبلي اليمني الذي مازالت تحكمه عادات وتقاليد وقيم إسلامية نوعا ما متشددة، بالرغم من الانفتاح المهول حول اليمن، إلا أن الحرب في البلاد وانغلاق اليمنيين على أنفسهم حتى أولئك الذين خرجوا وشاهدوا التطور والتقدم وفي أدق تفاصيل الحياة والمهن ومواكبة التطور العالمي المحيط بنا، ومجرد رجوعه لليمن تعاوده تلك العادات والتقاليد والممارسات على بنات ونساء مجتمعه انطلاقا من التنشئة الأسرية والتعاليم الدينية والمجتمعية المتوارثة جيلا عن جيل".

 

وأفادت أن "تخلف التشريعات الوضعية عن غيرها من دول العالم والاقليم ساهم في وضع نصوص قانونية تتحكم بما يصدر من النساء من أقوال وأفعال وتكيفها حسب تلك المواد القانونية المجحفة، بينما هذه المواد لم تطبق أبدا على الرجال، لكن المرأة اليمنية عادة ما يكون وضعها المجتمعي والأسري والقانوني في اليمن ضعيف جدا".

 

تضيف المحامية القانونية "للأسف القوانين اليمنية لم تتواكب مع أي تغييرات، فما زالت هي تلك النصوص العامة الفضفاضة التي يستطيع المتصيد في المجتمع أو الأمن تكييفها طالما والضحية أنثى".

 

وتابعت أن "القوانين اليمنية لم تعطِ حق المرأة من الأساس، فتشريعاتنا الخاصة بالأحوال الشخصية، وهناك نصوص في قانون الجرائم والعقوبات والجنسية أهملت حقوق النساء واجحفت حقهن، فالمُشرّع رجل والقاضي رجل والأمن أغلبه رجال، ومجتمعنا الذكوري ينظر بازدراء إلى أي مهنة تعمل بها النساء منطلقا من قاعدة أن مكان المرأة بيتها، فما بالك بمهن تتعلق بالأزياء والتصوير والعروض".

 

وأردفت الصراري "ساهم في تردي حماية النساء أيضا اهمال الدولة بموائمة الاتفاقيات الدولية مع التشريعات الوطنية وعدم تخصيص قانون يجرم العنف ضد النساء، مع أن محيطنا الاقليمي من دول عربية عمدت على انشاء تشريعات قانونية خاصة تجرم أي عنف ضد النساء والفتيات، إلا اليمن، وزاد الوضع سوءا بعد الحرب حيث تراجعت حقوق النساء للوراء وانعدمت آليات حمايتهن وأصبحت مجردة من أي حماية أسرية ناتج عن عنف أسري وحماية مجتمعية وحماية مؤسسية".

 

بالنسبة لإجراءات السلطات الأمنية المتخذة بحق "الحمادي وباشراحيل" قالت المحامية الصراري إن "تلك التحركات جاءت وفق تحريض ممنهج سابق لشخوص الفتاتين، حتى أولئك الذين يعملون في الشأن العام والمجتمعي، وبالتالي تم تكييف مواد قانونية لإضفاء طابع الشرعية أثناء الاعتقال والتحقيق مع باشراحيل ومن ثم ابتزازهما لمحو كافة ما جاء في حساباتها من مقاطع مصورة وصور ومنشورات، ولربما سوف تمضي على تعهد لعدم العودة، هذا في أحسن الأحوال، أو سيتم احالتها للمحاكمة وإصدار حكم ضدها كما حدث مع انتصار الحمادي".

 

مجتمع ذكوري

 

الناشطة الحقوقية فاطمة الأغبري أرجعت الرفض المجتمعي لتوجه الموديلات وعارضات الأزياء في اليمن بسبب العقلية التي تربى عليها المجتمع، حيث يرون أن النساء اللاتي يحملن هذه التوجهات هن سيئات وقمن بخرق العادات والتقاليد والدين.

 

في حديثها لـ "الموقع بوست" تقول الأغبري إن المجتمع يريد من المرأة أن تكون فقط ربة بيت تعمل خلف جدران المنزل، وإذا أرادت العمل عليها الالتزام بالمعايير التي رسمها المجتمع، مالم ستحارب بشكل سيء جدًا".

 

وأكدت أن العوائق التي تواجه تلك الفتيات هي عقلية المجتمع ورجال الدين ومن تبعهم". مستدركة بالقول إن "القانون لم يحدد ما الذي يجب أن تعمله المرأة ومالا تعمله، وبالتالي من الصعب عليا أن أتعمق أكثر فيما يتعلق بالقانون كون القانون له ناسه".

 

وبشأن تعامل السلطات قالت الحقوقية الأغبري إن "السلطات زجت بكلاهما (باشراحيل والحمادي) في المعتقل، بحضرموت طلب منها حذف الصور التي نشرت مع جلسة مناصحة لها وتم الافراج عنها، ولكنهم في الوقت نفسه أحالوا ملفها إلى النيابة، وفي صنعاء بقت انتصار في المعتقل تقضي الخمس سنوات رغم الافراج عن بقية من اعتقلوهن في القضية ذاتها وتم اتهامها بالفعل الفاضح".

 

تضيف أن "السلطات يُسيّرها المتطرفون المتدينون، وما حدث هو انتهاك للحقوق، فعن أي فعل فاضح يتحدثون ونحن كنا قبل سنوات نرى على خشبة المسارح الراقصات الشعبيات وما من أحد قال إنهن يعملن فعل فاضح".

 

فيما يتعلق بتضامن البعض معهن وهجوم البعض، ترى الأغبري أن ما يحصل هو مواجهات بين المتشددين والوسطيين ولأن المرأة كانت ولا زالت هي محور هذه المواجهات بينهما وأكثر من يتعرض للانتهاكات".

 

واختتمت الحقوقية الأغبري حديثها بالقول إن "نتائج مثل هذا التوجه للنساء ومخاطرة الظهور بهذا الشكل واضحة وهي الصدام مع المجتمع وتحديدا من يزعجهم مثل هذا التوجه، على الرغم من أنه لا يضر أحداً وكل إنسان مسؤول عن نفسه، والمخاطر هو التحريض ضدهم ومحاربتهم واعتقالهم ومحاكمتهم بتهم جاهزة في أدراجهم".

 

موجات تغريب

 

الدكتور فضل مراد، أستاذ الفقه والقضايا المعاصرة بجامعة قطر، قال إن "الموديلز أو عارضات الأزياء من القواطع الشرعية النهي عنه، لأنه تبرج لا يختلف فيه اثنان من أهل العلم، بل هي من المعلومات من الدين بالضرورة". واسترشد مراد بقول الله تعالى "ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن، ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفورا رحيما". وقوله تعالى أيضا "قل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن، ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن أو آباء بعولتهن".

 

في تصريح لـ "الموقع بوست" أضاف مراد أن "ما يسمى بالموديلز أو عارضات الأزياء فهي تظهر ما نهى الله سبحانه عن إظهاره إلا للزوج ومن ذكرهم في الآية من المحارم، مدللا بقول الله تعالى عن النساء الكبيرات في السن التي قد يئسن من النكاح "والقواعد من النساء اللاتي لا يردن نكاحا، فليس عليهن أن يضعن ثيابهن غير متبرجات بزينة"، وطبقا لمراد فإن هذا شرط بمعنى ألا تلبس الجلباب، فإذا كان المنهي عن المرأة الكبيرة في السن التي أجاز لها عدم لبس الجلباب بدون التبرج بالزينة فكيف بالشابة، حد قوله.

 

وبحسب أستاذ الفقه والقضايا المعاصرة، فإن هذه نصوص واضحات صريحات ولا يختلف فيها أهل العلم، لا سلف الأمة من المتقدمين أو المتأخرين ولا من المعاصرين، وهذا من الأمور المعلومة عن كل مسلم بالضرورة، فلا يمكن لمسلم أو مسلمة أن يقول لك التبرج حلال أم حرام، لأنه معلوم بالضرورة لا يسأل عنه ولا يسأل إلا عما يجهل، ولا يمكن من يأتي ويسأل هل الربا حلال أم حرام، هل الظلم حلال أم حرام وغيرها، مؤكدا أن التبرج والتعري وإظهار المفاتن محرم.

 

  ويرى الشيخ مراد أن الرفض المجتمعي نابع من المعلوم بالدين بالضرورة، فالمجتمع اليمني مسلم، وكل المجتمعات المسلمة ليس في اليمن فقط ترفض هذا، مشيرا إلى أن للمجتمع اليمني خصوصية بأنه محافظ أيضا، وكذلك من العادات والتقاليد الأسرية والقبلية التي وافقت الدين وراعاها الدين، فكل عادة وافقت التشريع في الدين فهي عادة حسنة، ويقول الله تعالى "وأمر بالعرف" الذي وافق الشرع، فكل عادة حسنة توافق الشرع أو لا تخالف الشرع فهي مقرة شرعا، فلذلك المجتمع رفض مثل هذه الأشياء".

 

وختم أستاذ الفقه والقضايا المعاصرة مراد بالقول "هناك موجات التغريب التي غزت العالم الإسلامي، وهناك مواجهة لها، بالإضافة إلى أن هناك نشاط من منظمات وجهات تدعم وتمول هذه التوجهات، لأن تقديم الشهوات والأهواء على الشريعة مذموم ذمه الله سبحانه وتعالى وحذر منه".


المصدر: الموقع بوست

كلمات دلالية: اليمن عارضات الازياء نساء المجتمع حقوق العادات والتقالید السلطات الأمنیة عارضات الأزیاء الموقع بوست فی الیمن إلى أن

إقرأ أيضاً:

تقرير دولي: اليمن تواجه مخاطر متزايدة ناجمة عن تغير المناخ

يمن مونيتور/قسم الأخبار

أكد تقرير حديث أن اليمن التي تعاني بالفعل من عقد من الصراع، تواجه مخاطر متزايدة ناجمة عن تغير المناخ، مما يؤدي إلى تكثيف التهديدات القائمة مثل ندرة المياه وانعدام الأمن الغذائي.

ويسلط تقرير المناخ والتنمية في اليمن الصادر حديثًا عن مجموعة البنك الدولي الضوء على الحاجة الماسة للاستثمارات المستجيبة للمناخ لمعالجة التحديات العاجلة المتعلقة بالمياه والزراعة وإدارة مخاطر الكوارث، مع مراعاة الظروف الهشة والمتأثرة بالصراع في البلاد.

ويواجه اليمن ارتفاع درجات الحرارة وأنماط هطول الأمطار غير المتوقعة وأحداث الطقس المتطرفة بشكل متكرر، مع تأثيرات كبيرة على السكان الأكثر ضعفاً وآفاقهم الاقتصادية. نصف اليمنيين معرضون بالفعل لخطر مناخي واحد على الأقل – الحرارة الشديدة أو الجفاف أو الفيضانات – مع تأثيرات مركبة على انعدام الأمن الغذائي والفقر.

ومن المتوقع أن تشتد هذه المخاطر دون اتخاذ إجراءات فورية وقد ينخفض ​​الناتج المحلي الإجمالي السنوي لليمن بمعدل 3.9٪ بحلول عام 2040 في ظل سيناريوهات مناخية متشائمة، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى انخفاض الإنتاجية الزراعية وتلف البنية التحتية.

وعلى الرغم من هذه التحديات، يحدد التقرير فرصاً استراتيجية لتعزيز القدرة على الصمود، وتحسين الأمن الغذائي والمائي، وإطلاق العنان للنمو المستدام. على سبيل المثال، يمكن للاستثمارات المستهدفة في تخزين المياه وإدارة المياه الجوفية، إلى جانب تقنيات الزراعة التكيفية، أن تؤدي إلى مكاسب إنتاجية تصل إلى 13.5% في إنتاج المحاصيل في ظل سيناريوهات مناخية متفائلة للفترة من 2041 إلى 2050. ومع ذلك، لا يزال قطاع مصايد الأسماك في اليمن عرضة للخطر، مع خسائر محتملة تصل إلى 23% بحلول منتصف القرن بسبب ارتفاع درجات حرارة البحر.

وقال ستيفان جيمبرت، مدير البنك الدولي لمصر واليمن وجيبوتي: “يواجه اليمن تقاربًا غير مسبوق للأزمات – الصراع وتغير المناخ والفقر.

وقال إن اتخاذ إجراءات فورية وحاسمة بشأن القدرة على الصمود في مواجهة تغير المناخ هو مسألة بقاء لملايين اليمنيين”.

وأضاف: “من خلال الاستثمار في الأمن المائي والزراعة الذكية مناخيًا والطاقة المتجددة، يمكن لليمن حماية رأس المال البشري وبناء القدرة على الصمود وإرساء الأسس لمسار التعافي المستدام”.

وقال إن كافة السيناريوهات المتعلقة بالتنمية المستقبلية في اليمن سوف تتطلب جهود بناء السلام والتزامات كبيرة من جانب المجتمع الدولي. وفي حين أن المساعدات الإنسانية من الممكن أن تدعم قدرة الأسر على التعامل مع الصدمات المناخية وبناء القدرة على الصمود على نطاق أوسع، فإن تأمين السلام المستدام سوف يكون مطلوباً لتوفير التمويل واتخاذ الإجراءات اللازمة لبناء القدرة على الصمود في مواجهة تغير المناخ على المدى الطويل.

ويؤكد التقرير أن إدارة مخاطر الكوارث أمر بالغ الأهمية، وخاصة مع زيادة وتيرة الفيضانات المفاجئة. والمناطق الحضرية والبنية الأساسية الحيوية معرضة للخطر بشكل خاص، وبدون تدابير التكيف، فإن الصدمات الاقتصادية ستؤثر بشكل غير متناسب على المجتمعات الهشة بالفعل.

وقد تكلف القضايا الصحية المتعلقة بالمناخ البلاد أكثر من 5 مليارات دولار أمريكي في تكاليف صحية زائدة بحلول عام 2050، مما يزيد من تكاليف الرعاية الصحية والضغط على أنظمة الصحة الهشة بالفعل.

ويتطلب معالجة هذه التحديات دمج المرونة المناخية في تخطيط الصحة العامة، مع التركيز على الفئات الضعيفة مثل النساء والأطفال.

كما تتمتع اليمن بإمكانات هائلة في مجال الطاقة المتجددة، والتي يمكن أن تشكل عنصراً أساسياً في استجابتها لتغير المناخ والتعافي منه.

ولا يوفر تسخير موارد الطاقة المتجددة مساراً للحد من الاعتماد على الوقود الأحفوري فحسب، بل يتيح أيضاً إنشاء بنية تحتية أكثر مرونة للطاقة.

وسيكون هذا ضرورياً لدعم الخدمات الحيوية مثل الرعاية الصحية وإمدادات المياه وتوزيع الغذاء، وخاصة في المناطق المتضررة من الصراع.

وقال خواجة أفتاب أحمد، المدير الإقليمي لمؤسسة التمويل الدولية في الشرق الأوسط: “إن القطاع الخاص يلعب دوراً حاسماً في معالجة تحديات التنمية الملحة في اليمن. إن تسخير إمكاناته من خلال آليات التمويل المبتكرة وأدوات الضمان وخلق مناخ استثماري موات يمكن أن يساعد في حشد التمويل الموجه للمناخ الذي تحتاجه البلاد بشكل عاجل لبناء مستقبل أكثر اخضراراً ومرونة”.

ويؤكد التقرير على أهمية اتخاذ القرارات المرنة المستندة إلى المخاطر لتكييف إجراءات المناخ مع المشهد السياسي غير المؤكد في اليمن. ويتيح النهج القائم على السيناريوهات في التقرير تخصيص استثمارات مناخية مخصصة اعتمادًا على تقدم اليمن نحو السلام أو تصعيد الصراع. وفي ظل سيناريو “السلام والازدهار”، يمكن تنفيذ مستوى أعلى من التكيف، مما يؤدي إلى تحقيق فوائد اقتصادية واجتماعية أكبر.

 

مقالات مشابهة

  • النساء في الفن.. هل يصنعن ثورة أم يقعن في فخ التمثيل الزائف؟
  • نادى به الرئيس.. أمينة خيري: المجتمع يحتاج تطوير محتوى الخطاب الديني ومفهوم التدين
  • بنات الإمارات في «COP29».. نماذج ملهمة في صناعة القرار المناخي
  • ثلاث فتيات وامرأة غامضة.. ننشر الفصل الأول من رواية «البوشّيه»
  • تقرير دولي صادم: مخاطر تهدد مستقبل اليمن!
  • تقرير دولي: اليمن تواجه مخاطر متزايدة ناجمة عن تغير المناخ
  • قومي المرأة يشكر الداخلية لفتح مستشفياتها للكشف بالمجان على النساء
  • قومي المرأة: الاستراتيجية الوطنية 2030 تعزز قدرات النساء للتعامل مع المخاطر البيئية
  • ماذا فعل القضاء الإيراني مع الطالبة التي خلعت ملابسها بجامعة طهران؟
  • اليوم العالمي لمكافحة العنف ضد المرأة.. البلجيكيات يتعرضن للعنف بشكل مفرط