معركة «النفس الأخير» لماكرون ضد اليمين المتطرف.. «الوحدة الأوروبية في خطر»
تاريخ النشر: 5th, July 2024 GMT
في ظل صعود اليمين المتطرف بأوروبا، حذّر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مؤخرا من أن القارة العجوز اليوم «أصبحت فانية.. ويمكن أن تنهار»، ورغم أنه كان يلمح إلى التهديدات الخارجية مثل غزو روسيا لأوكرانيا والتزام أمريكا المتذبذب تجاه حلفائها الأوروبيين، فإن الخطر الأكثر إلحاحا الذي يهدد رؤيته لأوروبا يأتي من داخل بلاده نفسها.
وحسبما ذكرت مجلة «Responsible statecraft» الأمريكية فأن أوروبا منقسمة بشدة في ظل تهديد النزعة القومية المتزايدة والتشكك بتآكل أسس مشروع الوحدة الذي قامت عليه بعد الحرب العالمية الثانية، ولا يوجد مكان يتجلى فيه هذا الانقسام أكثر من فرنسا، إذ تتعارض رؤية ماكرون لأوروبا القوية الموحدة مع السخط المحلي المتزايد والحركة اليمينية المتطرفة الصاعدة.
فوز اليمين المتطرف بالانتخابات الفرنسيةفي وقت سابق من هذا الشهر، حل ماكرون الجمعية الوطنية الفرنسية ودعا إلى انتخابات مبكرة بعد أن تلقى حزبه ضربة موجعة من حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف بزعامة مارين لوبان في انتخابات البرلمان الأوروبي، ليمهد عن غير قصد احتمالية تشكيل أول حكومة يمينية متطرفة في فرنسا منذ الحرب العالمية الثانية.
أسفرت الجولة الأولى يوم الأحد عن فوز آخر لحزب التجمع الوطني، الذي فاز بثلث الأصوات، وجاء التحالف اليساري، الجبهة الشعبية الجديدة، في المركز الثالث بنسبة 28%، بينما جاء ائتلاف ماكرون الوسطي في المركز الثالث بنحو 20%.
وفي الجولة الثانية، المقرر إقامتها في السابع من يوليو، يتطلع اليمين المتطرف إلى الفوز بـ 289 مقعدًا المطلوبة للأغلبية المطلقة، وتشير التوقعات الحالية إلى فوز التجمع الوطني بما يتراوح بين 230 و300 مقعد.
وفي ظل محاولات ماكرون لحشد الدعم الكافي للحفاظ على الأغلبية الحاكمة دون خسارة البرلمان والحكومة، فإن النتائج حتى الآن تظهر أنه فشل.
أسباب ارتفاع أسهم اليمين المتطرف في فرنسالقد أدت السياسات غير الشعبية على الإطلاق، من زيادة الضرائب على الوقود وإصلاح نظام التقاعد، إلى تحول جزء كبير من البلاد ضد ماكرون، فقد هبطت نسبة تأييده إلى أدنى مستوى لها منذ عام 2018، عندما أشعل المتظاهرون ذوو السترات الصفراء النار في شوارع باريس.
وفي مواجهة استياء داخلي هائل، حول ماكرون انتباهه إلى السياسة الخارجية على أمل أن يعزز الدعم لأوكرانيا صورته كزعيم قوي ومدافع عن الديمقراطية.
ولكن البيانات أظهرت أن موقف ماكرون المتشدد من الحرب بين روسيا وأوكرانيا لم يلق صدى لدى ناخبيه، بل أنه اقترح إرسال قوات غربية إلى المعركة، وهو الاقتراح الذي رفضته بسرعة دول أخرى في حلف الناتو.
وأكدت استطلاعات الرأي أن أغلبية الفرنسيين حريصون على إنهاء الحرب، حتى من دون انتصار أوكراني واضح، فيما كان رأي أغلبية الأوروبين الذي جرى استطلاع رأيهم أن الحرب يجب أن تنهي بتسوية دون تأجيج الصراع من قبل حلف الناتو والغوص أعمق في إحتمالية المواجهة المباشرة.
كما أنه من أحد أسباب، فشل ماكرون، تراجع ماريان لوبان زعيمة حزب التجمع الوطني، عن دعواتها لإقامة علاقات أوثق مع روسيا وسحب فرنسا من القيادة العسكرية لحلف الناتو خلال حملتها الرئاسية في عام 2022 الماضية، وكان هذا أحد المجالات التي كان ماكرون يأمل في التفوق فيها على لوبان، الذي اتهمها بالتبعية لفلاديمير بوتين.
لكن «لوبان» خففت منذ ذلك الحين من موقفها وضبطت بمهارة منصة حزبها للرأي العام، في حين أن التشكك في أوروبا لا يزال جوهر أجندتها القومية، يدعم التجمع الوطني الآن تقديم المساعدات المادية لأوكرانيا، باستثناء الإجراءات التي قد تؤدي إلى حرب أوسع نطاقا.
مقامرة ماكرون الأخيرةأما الجانب المشرق في موقف ماكرون هو أنه يتماشى مع المشاعر العامة بشأن الدفاع الأوروبي على نطاق أوسع، إذ تشير استطلاعات الرأي أن خطابه بشأن الاستقلال الأوروبي الاستراتيجي عن التبعية لأمريكا يتردد صداه لدى أغلبية كبيرة من الأوروبيين الغربيين الذين يعتقدون أن أوروبا يجب أن تتحمل المسؤولية الأساسية عن دفاعها مع الحفاظ على العلاقات العسكرية مع الولايات المتحدة من خلال حلف الناتو.
ورغم هذه التحديات، لا يزال ماكرون يملك أوراقاً ليلعب بها، فحزب الشعب الأوروبي من يمين الوسط، الذي يشغل أكبر عدد من المقاعد في البرلمان الأوروبي، يتفق مع رؤيته، كما أن حماس زعيم حزب الشعب الأوروبي، مانفريد فيبر لتوسيع المظلة النووية الفرنسية عبر أوروبا يوفر مساراً محتملاً للمضي قدماً في خطة ماكرون للوحدة الأوروبية.
ومن الممكن أن يعمل التحالف الاستراتيجي الذي يركز على قضايا مشتركة مثل الأمن كحصن ضد نفوذ اليمين المتطرف على مستوى الاتحاد الأوروبي.
وإذا اضطر ماكرون إلى ترشيح رئيس وزراء من حزب لوبان على الأرجح جوردان بارديلا رئيس الحزب البالغ من العمر 28 عامًا فسوف يتم تقليص نفوذه المحلي بشدة، ومع ذلك، فإن هذا القيد قد يوفر فرصة، مع وجود السياسة الخارجية في نطاق اختصاصه، فإن ماكرون لديه فرصة لترسيخ إرثه وتأثيره على مستقبل قارته.
إن مقامرة ماكرون قد تؤدي إما إلى إعادة تنشيط المشروع الأوروبي أو تسليم السلطة لأولئك الذين يريدون تفكيكه، والمفارقة هنا هي أن الخطوة الجريئة التي اتخذها ماكرون لإنقاذ رؤيته للوحدة الأوروبية والاستقلال الاستراتيجي قد تكون السبب في تدميرها، وذلك وفق لما نشرته مجلة «Responsible statecraft» الأمريكية.
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: فرنسا اليمين المتطرف الفرنسي أوروبا الاتحاد الأوروبي الیمین المتطرف التجمع الوطنی
إقرأ أيضاً:
المحللون يستخدمون الذكاء الاصطناعي لرسم صورة نفسية للاعبي كرة القدم
يعد العامل النفسي أمرا جوهريا في مباريات كرة القدم، وبدون معنويات قوية لن يكون هناك فوز وما كنا لنرى أي "ريمونتادا" في كرة القدم، ومن هذا المنطق لجأ ياو أمانكواه، المدافع السابق في الدوري النرويجي والدانماركي والمحلل الرياضي، إلى التكنولوجيا لتحسين التقييم النفسي للاعبين، حيث قال "عندما تُبعد نظرك عن الكرة ستجد كنزا من المعلومات، وستعرف ما إذا كان اللاعبون واثقين جدا من أنفسهم أو عدوانيين أو منعزلين". وفقا لصحيفة الغارديان.
وقرر أمانكواه التعاون مع أستاذ علم النفس جير جورديت واستثمار تقنيات الذكاء الاصطناعي في رسم صورة نفسية للاعبين بدلا من البرمجة التقليدية التي تستهلك كثيرا من الوقت.
وقال جورديت في أحد تصريحاته "قريبا، لن يكون لدينا حد أقصى لعدد الفرق التي يمكن تحليلها في أي وقت، وعندها يمكننا البدء في إعلام الأندية بالتعاقدات الجديدة المحتملة، وتسليط الضوء على لاعب لم يكونوا على دراية به من قبل أو تأكيد أو اعتراض أي قرار ناشئ"، وأضاف "يمكننا القول، نعم هذه الصفقة جيدة، أو من وجهة نظرنا وبالاعتماد على المقاييس التي ولدها الذكاء الاصطناعي هناك خط أحمر عريض هنا، وهذا أمر قد ترغبون بالنظر إليه".
إعلانوجاءت هذه الخطوة في عصر تعتمد فيه كرة القدم بشكل متزايد على البيانات لإظهار الصفات البدنية للاعبين، إذ إن الإحصائيات التي تقدم مؤشرات دقيقة عن الصفات النفسية للاعب، مثل التحكم العاطفي والقيادة، أصبح الحصول عليها صعبا، ولكن أندية الدوري الإنجليزي الممتاز بما في ذلك برايتون تستخدم تقنية تهدف إلى المساعدة في هذا الصدد خلال عملية الاختيار والتوظيف.
يُذكر أن تحليل المدرب توماس توخيل تصدر عناوين الصحف في نهائي يورو 2024، حيث نصح اللاعبين بالتواصل أكثر مع بعضهم بعضا، مشيرا إلى أن عدد المرات التي يشير فيها اللاعبون أو يتحدثون مع بعضهم على أرض الملعب لا تكفي لفهم الصورة كاملة، لأن هناك صراعا نفسيا داخليا يحدث بين اللاعبين لا يمكن قياسه بمجرد عد الكلمات أو الإيماءات.
أهمية تحليل نفسيات اللاعبينليوضح أمانكواه فكرته استخدم مثالا للاعب يسدد كرة من مسافة 18 مترا نحو المدرجات، وبعد 45 ثانية يتلقى تربيتة على كتفه من زميله في الفريق، إنها لحظة عابرة قد يغفل عنها المشجعون ووسائل الإعلام وحتى فرق التدريب، ولكن بالنسبة للاعب محترف سابق فإنها تعطي إحساسا بالقيادة، وقال أمانكواه: "أنا أعرف الإشارات والسلوكيات الصغيرة التي يجب تعلمها لكي تعمل بفعالية على أرض الملعب".
وعلى مدى السنوات الست الماضية قام أمانكواه بالتعاون مع جورديت بتحليل آلاف الساعات من لقطات المباريات في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك مقاطع فيديو لكل لاعب في الدوري الإنجليزي الممتاز ودوري السوبر للسيدات والنتيجة هي مجموعة بيانات تحتوي على أكثر من 100 ألف ملاحظة فريدة، وتمكن الثنائي من خلال شركتهما "إنسايد آوت أناليتيكس" (Inside Out Analytics) من إنشاء تصنيف بديل للاعبين عبر أنواع مختلفة من السلوك.
ويمكن لهذه البيانات أن توضح التأثير النفسي على أداء اللاعب، فمشروع أمانكواه وجورديت لا يقتصر فقط على جمع المعلومات، بل يوفر للأندية معيارا لمقارنة لاعبيها مع لاعبي الخصم في المركز نفسه، مثلا يمكن للأندية معرفة ما إذا كان لاعبهم يتمتع بسيطرة عاطفية أفضل من 95% من المدافعين الآخرين في الدوري. وهذا المعيار مهم لأنه يضع سلوكيات اللاعبين في سياقها الصحيح، ويمنح الأندية فهما أعمق لأداء لاعبيها مقارنة بالخصم، بدلا من مجرد النظر إلى عدد المرات التي يقوم فيها اللاعب بسلوك معين دون فهم دلالته الحقيقية.
إعلانويُعد فريق بايرن ميونخ من بين الأندية الرائدة التي جربت المنصة مستخدمة التقنية خلال فترة تولي جوليان ناغلسمان منصب المدرب الرئيسي، ويقول ماكس بيلكا عالم النفس السابق في بايرن ميونخ والذي يعمل الآن مع فريق برايتون: "كل قسم في النادي يُقدم بياناته، لكن علم النفس لا يفعل ذلك. هناك جوانب في علم النفس يمكن قياسها وهناك العديد من التشخيصات المعرفية ولكنها ليست قريبة مما يحدث على أرض الملعب".
يُذكر أن بيكا عمل مع أمانكواه وجورديت لتحليل حوالي 25 مباراة لبايرن ميونخ خلال النصف الثاني من موسم 2022-2023، وكان يُلخص ملاحظاته التفصيلية عن وضعية كل لاعب وحركات رأسه وإيماءاته.