في ظل صعود اليمين المتطرف بأوروبا، حذّر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مؤخرا من أن القارة العجوز اليوم «أصبحت فانية.. ويمكن أن تنهار»، ورغم أنه كان يلمح إلى التهديدات الخارجية مثل غزو روسيا لأوكرانيا والتزام أمريكا المتذبذب تجاه حلفائها الأوروبيين، فإن الخطر الأكثر إلحاحا الذي يهدد رؤيته لأوروبا يأتي من داخل بلاده نفسها.

وحسبما ذكرت مجلة «Responsible statecraft» الأمريكية فأن أوروبا منقسمة بشدة في ظل تهديد النزعة القومية المتزايدة والتشكك بتآكل أسس مشروع الوحدة الذي قامت عليه بعد الحرب العالمية الثانية، ولا يوجد مكان يتجلى فيه هذا الانقسام أكثر من فرنسا، إذ تتعارض رؤية ماكرون لأوروبا القوية الموحدة مع السخط المحلي المتزايد والحركة اليمينية المتطرفة الصاعدة.

فوز اليمين المتطرف بالانتخابات الفرنسية

في وقت سابق من هذا الشهر، حل ماكرون الجمعية الوطنية الفرنسية ودعا إلى انتخابات مبكرة بعد أن تلقى حزبه ضربة موجعة من حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف بزعامة مارين لوبان في انتخابات البرلمان الأوروبي، ليمهد عن غير قصد احتمالية تشكيل أول حكومة يمينية متطرفة في فرنسا منذ الحرب العالمية الثانية.

أسفرت الجولة الأولى يوم الأحد عن فوز آخر لحزب التجمع الوطني، الذي فاز بثلث الأصوات، وجاء التحالف اليساري، الجبهة الشعبية الجديدة، في المركز الثالث بنسبة 28%، بينما جاء ائتلاف ماكرون الوسطي في المركز الثالث بنحو 20%.

وفي الجولة الثانية، المقرر إقامتها في السابع من يوليو، يتطلع اليمين المتطرف إلى الفوز بـ 289 مقعدًا المطلوبة للأغلبية المطلقة، وتشير التوقعات الحالية إلى فوز التجمع الوطني بما يتراوح بين 230 و300 مقعد.

وفي ظل محاولات ماكرون لحشد الدعم الكافي للحفاظ على الأغلبية الحاكمة دون خسارة البرلمان والحكومة، فإن النتائج حتى الآن تظهر أنه فشل.

أسباب ارتفاع أسهم اليمين المتطرف في فرنسا

لقد أدت السياسات غير الشعبية على الإطلاق، من زيادة الضرائب على الوقود وإصلاح نظام التقاعد، إلى تحول جزء كبير من البلاد ضد ماكرون، فقد هبطت نسبة تأييده إلى أدنى مستوى لها منذ عام 2018، عندما أشعل المتظاهرون ذوو السترات الصفراء النار في شوارع باريس.

وفي مواجهة استياء داخلي هائل، حول ماكرون انتباهه إلى السياسة الخارجية على أمل أن يعزز الدعم لأوكرانيا صورته كزعيم قوي ومدافع عن الديمقراطية.

ولكن البيانات أظهرت أن موقف ماكرون المتشدد من الحرب بين روسيا وأوكرانيا لم يلق صدى لدى ناخبيه، بل أنه اقترح إرسال قوات غربية إلى المعركة، وهو الاقتراح الذي رفضته بسرعة دول أخرى في حلف الناتو.

وأكدت استطلاعات الرأي أن أغلبية الفرنسيين حريصون على إنهاء الحرب، حتى من دون انتصار أوكراني واضح، فيما كان رأي أغلبية الأوروبين الذي جرى استطلاع رأيهم أن الحرب يجب أن تنهي بتسوية دون تأجيج الصراع من قبل حلف الناتو والغوص أعمق في إحتمالية المواجهة المباشرة.

كما أنه من أحد أسباب، فشل ماكرون، تراجع ماريان لوبان زعيمة حزب التجمع الوطني، عن دعواتها لإقامة علاقات أوثق مع روسيا وسحب فرنسا من القيادة العسكرية لحلف الناتو خلال حملتها الرئاسية في عام 2022 الماضية، وكان هذا أحد المجالات التي كان ماكرون يأمل في التفوق فيها على لوبان، الذي اتهمها بالتبعية لفلاديمير بوتين.

لكن «لوبان» خففت منذ ذلك الحين من موقفها وضبطت بمهارة منصة حزبها للرأي العام،  في حين أن التشكك في أوروبا لا يزال جوهر أجندتها القومية، يدعم التجمع الوطني الآن تقديم المساعدات المادية لأوكرانيا، باستثناء الإجراءات التي قد تؤدي إلى حرب أوسع نطاقا.

مقامرة ماكرون الأخيرة

أما الجانب المشرق في موقف ماكرون هو أنه يتماشى مع المشاعر العامة بشأن الدفاع الأوروبي على نطاق أوسع، إذ تشير استطلاعات الرأي أن خطابه بشأن الاستقلال الأوروبي الاستراتيجي عن التبعية لأمريكا يتردد صداه لدى أغلبية كبيرة من الأوروبيين الغربيين الذين يعتقدون أن أوروبا يجب أن تتحمل المسؤولية الأساسية عن دفاعها مع الحفاظ على العلاقات العسكرية مع الولايات المتحدة من خلال حلف الناتو.

ورغم هذه التحديات، لا يزال ماكرون يملك أوراقاً ليلعب بها، فحزب الشعب الأوروبي من يمين الوسط، الذي يشغل أكبر عدد من المقاعد في البرلمان الأوروبي، يتفق مع رؤيته، كما أن حماس زعيم حزب الشعب الأوروبي، مانفريد فيبر لتوسيع المظلة النووية الفرنسية عبر أوروبا يوفر مساراً محتملاً للمضي قدماً في خطة ماكرون للوحدة الأوروبية.

ومن الممكن أن يعمل التحالف الاستراتيجي الذي يركز على قضايا مشتركة مثل الأمن كحصن ضد نفوذ اليمين المتطرف على مستوى الاتحاد الأوروبي.

وإذا اضطر ماكرون إلى ترشيح رئيس وزراء من حزب لوبان على الأرجح جوردان بارديلا رئيس الحزب البالغ من العمر 28 عامًا فسوف يتم تقليص نفوذه المحلي بشدة، ومع ذلك، فإن هذا القيد قد يوفر فرصة، مع وجود السياسة الخارجية في نطاق اختصاصه، فإن ماكرون لديه فرصة لترسيخ إرثه وتأثيره على مستقبل قارته.

إن مقامرة ماكرون قد تؤدي إما إلى إعادة تنشيط المشروع الأوروبي أو تسليم السلطة لأولئك الذين يريدون تفكيكه، والمفارقة هنا هي أن الخطوة الجريئة التي اتخذها ماكرون لإنقاذ رؤيته للوحدة الأوروبية والاستقلال الاستراتيجي قد تكون السبب في تدميرها، وذلك وفق لما نشرته مجلة «Responsible statecraft» الأمريكية.

المصدر: الوطن

كلمات دلالية: فرنسا اليمين المتطرف الفرنسي أوروبا الاتحاد الأوروبي الیمین المتطرف التجمع الوطنی

إقرأ أيضاً:

الرزوقي يرحب بالمشاركين في الدوري العالمي للكاراتيه

 
علي معالي (أبوظبي)

أخبار ذات صلة «مونستر جان» يشعل الأجواء الحماسية في مهرجان ليوا الدولي «مجدي» يدافع عن لقب كأس «مجلس التعاون»


رحب اللواء «م» ناصر عبدالرزاق الرزوقي، رئيس الاتحادين الإماراتي والآسيوي، نائب رئيس الاتحاد الدولي للكاراتيه، بلاعبي ولاعبات العالم للشباب، قبل المشاركة في «النسخة الثالثة» لبطولة الدوري العالمي بالفجيرة من 20 إلى 23 فبراير 2025.
وقال الرزوقي: «أرحب بالجميع في دوري شباب الكاراتيه 2025، حيث نجتمع معاً في الفجيرة بدولة الإمارات، ذلك المكان الذي اكتسب بجدارة سمعته عاصمة لألعاب الدفاع عن النفس في إمارة تعتبر مثالاً على التزامنا بتعزيز فنون ورياضات الدفاع عن النفس».
وأضاف: «فخورون بأن تكون النسخة الجديدة أيضاً من الحدث العالمي برعاية سمو الشيخ محمد بن حمد الشرقي، ولي عهد الفجيرة، وأسهم دعم سموه الثابت وتفانيه في رياضات الدفاع عن النفس، في رفع مكانة البطولة، وتعزيز ثقافة فنون الدفاع عن النفس في الدولة والمنطقة، وإن رؤيته وتشجيعه يمثلان مصدر إلهام لنا جميعاً، ويعززان مساحة الإبداع، حيث يمكن للرياضيين الشباب السعي للتميز».
وقال الرزوقي: «ندعوكم للاستمتاع بجمال وكرم الدولة، ممثلاً في ضيافة الفجيرة، والطقس مثالي في هذا الوقت من العام، مع سماء صافية ونسمات منعشة، وأدعو شباب العالم لاغتنام الفرصة لاستكشاف كل ما تقدمه الفجيرة والدولة من جبال مذهلة وسواحل هادئة، والثقافة النابضة بالحياة في إماراتنا الأخرى، وأتمنى أن تكون التجربة غنية خارج الساحة كما هي داخلها».
وأضاف: «بطولة الشباب هذه ليست مجرد منافسة؛ إنها احتفال بالوحدة والمهارة والروح الرياضية، إنها فرصة للاعبي الكاراتيه الشباب من جميع أنحاء العالم للالتقاء والتعلم والنمو وتجسيد القيم التي تحدد الكاراتيه (الشرف والاحترام والانضباط)، وتدرب كلاً منكم بلا كلل ليكون هنا، وكل مباراة وكل (كاتا) تمثل الالتزام الذي قطعتموه على أنفسكم تجاه هذا الفن النبيل».
وقال: «دعونا نجعل دوري شباب الفجيرة للكاراتيه حدثاً لا يُنسى وناجحاً يستمر في البناء على إرث الفجيرة قلب رياضات الدفاع عن النفس في الإمارات».

 

مقالات مشابهة

  • الرزوقي يرحب بالمشاركين في الدوري العالمي للكاراتيه
  • ملك الأردن لماكرون: ندعم سوريا في بناء دولة حرة مستقلة ذات سيادة كاملة تلبي طموحات الشعب بكل مكوناته
  • اشتباك بين ماسك وأنصار ترامب من اليمين المتطرف بخصوص فيزا عمل الأجانب
  • النفس البشرية مليئة بالاضطراب والتخيل
  • تنظيم المونديال/التعديل الحكومي/الفيضانات/زيارة ماكرون/ هذه أبرز الأحداث التي شهدها المغرب خلال سنة 2024
  • معركةُ الوعي
  • مطالب باستقالة الرئيس الفرنسي ماكرون ورئيس الوزراء بايرو
  • لا تسدوا على الناس”طاقة” الترويح الحلال عن النفس
  • دعاء بعد الفجر لتحصين النفس من الحسد.. ردده يحفظك
  • ألمانيا تحذر اليمين المتطرف من استغلال هجوم ماغدبورغ