بوابة الوفد:
2024-07-08@17:09:38 GMT

إنسان العصر المغترب عن ذاته

تاريخ النشر: 5th, July 2024 GMT

من الفلاسفة الذين تشدنى كتاباتهم وآراؤهم  جان جاك روسو فيلسوف القرن الثامن عشر الشهير سواء فيما كتبه فى كتابه الشهير عن «العقد الاجتماعى» أو فى بحثه الأشهر «مقال عن الفنون والآداب» الذى كتبه قبل «العقد الاجتماعى» بعشرين عاما، وكم كان ملهما ورائعا حينما قال فى ذلك البحث بلغة فلسفية رائقة وشفافة تكشف عن رؤيته التنويرية المختلفة عن لغة معاصريه من فلاسفة عصر التنوير « انه لمنظر جليل وجميل أن ترى الانسان يرفع نفسه من العدم بجهده الخاص، ويبدد بنور عقله تلك الظلمات التى لفته بها الطبيعة، انه ليرفع نفسه فوق نفسه، وينفذ بروحه الى أطباق السماء وينطلق كالشمس بخطوات جبارة عبر الفضاء الشاسع للكون، وأما الامر الذى يبقى هو الأعظم وهو الأصعب فهو أن يعود الى نفسه ليدرس الانسان ويعرف طبيعته وواجباته وغايته»!
انه فى ختام هذا النص البديع يلمح الى اغتراب الانسان عن ذاته رغم التقدم العلمى والصناعى والتكنولوجى الهائل الذى الذى حققه منذ أن خلقه الله على الأرض، وهو يضيف اليه يوما بعد يوم انجازات جبارة جعلته يكاد يطال عنان السماء ويكتشف أسرار الكون الشاسع!، ان نفس الانسان الذى حقق كل هذا التقدم اغترب عن ذاته فى النهاية ولم يعد يعرف حقيقة ذاته وغايتها فى هذا الوجود  وماذا عليه أن يفعل حتى يعود اليها من جديد ؟! وكم كان روسو صادقا فى ذلك وواعيا بأن هذا التقدم التكنولوجى والصناعى الذى يحققه الانسان سيقوده فى النهاية الى أن يخسر ذاته ويغترب عنها! 
وبالفعل ها نحن وبعد أكثر من قرنين من الزمان نعيش عصرا طغت فيه الآلية والمادية على كل شيء ولم يعد ثمة قيمة للإنسان فى ذاته، عصرا مليئا بالتناقضات السافرة ؛ فنحن ندعو للعودة الى الطبيعة بغرض التقليل من الآثار والمخاطر البيئية المدمرة  وفى ذات الوقت نواصل وندعم التقدم الصناعى وخاصة صناعات الأسلحة الفتاكة التى لا أعرف كم الذعر الذى كان سيتملك هذا الفيلسوف الانسان لو أنه سمع عنها !، وندعو الى الحب ونحلم بالرومانسية فى الوقت الذى انكشفت فيه العورات وذاعت العلاقات الجنسية الشائنة ولم يعد للحب قدسية ولم يعد للجسد حرمة ! وشاعت الجنسية المثلية بل وتم تقنينها وأبيح الزواج المثلى ! ويا لغرابة تعدى الانسان على الطبيعة وتكسيره لقوانينها التى يعرفها ويحترمها ويطيعها الحيوان بالغريزة، بينما يتمرد عليها الانسان العاقل بدعوى أنه «حر» وأن الشعور بالحرية أهم من احترام تلك التقاليد الأخلاقية المتخلفة  البالية! وكم كان روسو صادقا أيضا وهو يصف انسان عصره وكأنه أيضا يصف انسان القرن الحادى والعشين حينما قال « ان الصداقة الخالصة، والتقدير الحق، والثقة الكاملة، قد انمحت من نفوس الناس، أما الغيرة والشك والخوف واللامبالاة والتكتم والخداع والكراهية فقد بقيت باستمرار متخفية تحت ذلك اللباس والحجاب الخادع للأدب الذى ندين به الى نور هذا العصر»!، إن روسو ينتقد معاصريه فى ذلك النوع من النفاق الاجتماعى الذى ساد عصره حيث كان يُظهر الناس من القيم النبيلة والخلق الرفيع مالا يؤمنون به  فعلا، انه يتهمهم بالنفاق الاجتماعى  حيث يظهرون عكس ما يبطنون ويقولون غير ما يفعلون! 
لكن مازاد الطين بلة فى عصرنا الحالى أن الناس تجرأوا على القيم والمبادئ العليا لدرجة أنهم أصبحوا يتباهون بعكسها، وكلما ازدادت اخلاق المرء وضاعة وتدنيا كلما كان ذلك مثار الفخار والاعجاب !! لقد انقلب سلم القيم رأسا على عقب ـ ولم يعد هناك اهتمام يذكر من جانب البشر الا بكل ما يزيد من ثرائهم المادى أيا كانت الوسيلة !، الا بكل ما يشبع غرائزهم الحيوانية بصرف النظر عن العاطفة والجمال ! ولا عزاء للحب الصافى والعشق النبيل والإنسانية الحقة ! اننا فى عصر اغترب فيه الانسان عن ذاته وعن انسانيته وتناسى طبيعته الأصيلة! والسؤال هو : هل يمكن أن يكون هناك طريقا للعودة ؟!

.

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: نحو المستقبل عن ذاته ولم یعد

إقرأ أيضاً:

وفد من «المجلس الأعلى الدولة» يشارك بجلسة حوارية في جنيف

شارك وفد من أعضاء المجلس الأعلى الدولة، في جلسة حوارية نظمتها البعثة الليبية الدائمة في جنيف على هامش الدورة السادسة والخمسون لمجلس حقوق الانسان.

وشارك في الحوارية مندوبة ليبيا لدى الأمم المتحدة في جنيف الدكتورة “لمياء أبوسدرة” وأعضاء من البعثة الليبية ومندوبين عن مجلس الوزراء و مكتب النائب العام ووزارة العدل الليبية، وضم الوفد الليبي، “فوزية كروان” و”آمال الصلابي” و”فتح الله السريريّ” و”لمياء الشريف”.

وكانت الجلسة تحت عنوان “جهود السلطات الليبية في حماية وتعزيز حقوق الانسان، تأملات في تنفيذ قرار مجلس حقوق الانسان بشأن تقديم الدعم الفني وبناء القدرات لدولة ليبيا”.

الجمعة، 05 يوليو 2024 شارك وفد من أعضاء المجلس الأعلى الدولة مكون من السيدة "فوزية كروان" والسيدة "آمال الصلابي" والسيد…

تم النشر بواسطة ‏المكتب الإعلامي للمجلس الأعلى للدولة‏ في الجمعة، ٥ يوليو ٢٠٢٤

مقالات مشابهة

  • وجدي الكردي: حاكموا برمة بمواقفه، لا بعمره
  • الخبير المعين لحالة لحقوق الإنسان بالسودان يصل البلاد
  • الكشف عن عملية بسيطة تحسن البصر لدى الانسان
  • حلو الكلام.. مساء الخير يا عم!
  • ضبط لص سرقة متعلقات مواطن من داخل مسجد بالأقصر
  • مجلس الدولة يشارك بجلسة حوارية من تنظيم البعثة الليبية الدائمة في جنيف
  • القومي للمرأة يستقبل وفد حقوق الانسان الكويتي للاطلاع على ملف تمكين المرأة المصرية
  • وفد من «المجلس الأعلى الدولة» يشارك بجلسة حوارية في جنيف
  • تفاصيل الأعمال المسرحية في الدورة الثانية من مهرجان العلمين
  • إطلاق مبادرة: «مجتمع جنسيتي إنسان»