بقلم: محمد أبو سبحة

(زمان التركية)- تثير أزمة الاعتداء العنيف على السوريين وممتلكاتهم، التي اندلعت شرارتها في قيصري، التساؤلات حول الدوافع وراء إشعال هذه القضية، في هذا التوقيت الذي ترسل فيه حكومة الرئيس رجب طيب أردوغان، إشارات قوية أكثر من أي وقت مضى، بشأن التطبيع مع حكومة الرئيس السوري بشار الأسد، بعد عداء لأكثر من عقد من الزمان، مع الحليف القديم الذي استعاد عرينه من جديد، بفضل دعم الدب الروسي.

ويظهر الغضب الشعبي التركي المنصب على اللاجئين السوريين، بعد تضخيم قضية تحرش مواطن سوري بطفلة سورية، قالت الشائعات في البداية إنها تركية، صورة غير متناسقة، تقول إن المواطن التركي الرافض لوجود اللاجئين في تركيا، يبحث عن الانتقام لطفلة عربية لاجئة، لا يقبلها هو في بلاده!

إن تضخيم قضية التحرش بالطفلة رغم مسارعة السلطات بكشف هويتها، وعدم ترك الأتراك مجالا للسوريين للتعبير حتى عن غضبهم من الجاني الذي أساء لطفلة من نفس جنسيته، ومعاملتهم جميعًا على أنهم جناة، يجب معاقبتهم بمن فيهم أسرة المجني عليها، مسألة تثير الكثير من الغرابة، وليس فيها شيء من المنطق، عدا رد الفعل في الشمال السوري على تركيا، الذي انتقده أردوغان وتوعد بالرد عليه، قائلا “نعرف كيف نكسر الأيادي القذرة التي تطال علمنا”، وأضاف “نعلم أيضا كيف نكسر تلك التي تمتد إلى المظلومين اللاجئين في بلادنا”، ومن المثير هنا أن أردوغان استخدم لفظ “الأيادي القذرة” حينما تحدث عن ما حدث خارج الحدود، ما يزيد من حنق حلفائه في جماعات المعارضة بالشمال السوري الذين يشعرون بطعنة قاسية في الظهر، ويؤكد الرئيس أن الخطاب هنا موجه لاسترضاء الداخل التركي، حتى وإن كان في ظاهره تهديد لمن يعتدي على اللاجئين السوريين.

بجانب المفارقة غير المنطقية، نجد حكومة العدالة والتنمية على غير العادة، لا تسعى فعليا لاحتواء أزمة الغضب المتصاعد والغير مسبوق ضد اللاجئين، بقدر سعيها الأكبر نحو استعادة العلاقات مع نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وهي خطوة تحرك نحوها أردوغان منذ البداية للتخلص من عبء اللاجئين السوريين، بعدما فشلت جهوده في إقناع الدول الأوروبية بتمويل مخطط المنطقة الآمنة في شمال سوريا لنقل اللاجئين إليها.

لطالما كان الأتراك ينظرون إلى اللاجئين السوريين الذين يزيد عددهم عن ثلاثة ملايين، باعتبارهم المسئولين عن تراجع اقتصاد تركيا، متناسين الدعم الأوروبي الذي تحصل عليه الحكومة التركية مقابل استضافة الجيران الذين مزقت الحرب بلادهم على أراضيها، ومنعهم من الهجرة إلى البلدان الأوروبية، وهي ورقة لطالما استخدمتها تركيا لترهيب الكتلة الأوروبية.

الإعلام التركي الذي سلط الضوء بشكل كبير على حادثة التحرش وجعلها قضية رأي عام، أظهر لاحقا لقطات تظهر نقل “مجرمين” كما وصفتهم صحيفة “يني شفق”، بالشاحنات إلى الحي الذي شهد اندلاع شرارة العنف في قيصري، حيث تم إشعال النار في المركبات وأماكن العمل السورية، ووصلت الاعتداءات حد قتل شاب سوري طعنا بالسكين.
وأكد بيان وزير الداخلية علي يرليكايا أن الـ 474 شخصا الذي تم اعتقالهم بسبب أعمال العنف، من بينهم 285 لديهم سوابق جنائية في جرائم مختلفة، منها “تهريب المهاجرين، المخدرات، النهب، السرقة، إتلاف الممتلكات، التحرش الجنسي، الاحتيال، تزوير الأموال..”.

ولطالما كانت هناك حوادث اعتداء على اللاجئين السوريين في تركيا، تحركها على الأغلب شائعات، دون أن يكون هناك تعاطف فعلى مع الضحايا الذين يعانون من عنصرية البعض، ودون اهتمام إعلامي حقيقي، لكن أكثر ما يخشاه السوريون حاليا، هو تخلي الحكومة عنهم، بعد السعي لتطبيع العلاقات مع الحكومة السورية، إذ يخشى اللاجئين السوريين من حتمية ترحيلهم من تركيا، إلى بلادهم التي مزقتها الحرب وترزخ تحت عقوبات اقتصادية خانقة.

إن رغبة أردوغان في تجاوز خلافات الماضي، وتطبيع العلاقات مع الأسد، مستذكرا “الزيارات العائلية” بينهما، مغامرة تفتح أمامه الباب واسعًا لترحيل اللاجئين السوريين من جهة، وتتلاقى مع رغبة طيف كبير من الأتراك الرافضين لاستمرار اللاجئين في تركيا وخاصة السوريين، وهي القضية التي تبناها أردوغان قبل الانتخابات الرئاسية، بعد أن كانت على رأس أجندة المعارضة لسنوات، كما يسمح التطبيع مع دمشق للرئيس التركي من جهة أخرى بالقضاء على النفوذ الكردي في شمال وشرق سوريا، وهذه رغبة يتشارك فيها أردوغان والأسد الذي يرفض الوجود الكردي المسلح المدعوم أمريكيا، وفي نفس الوقت لا يستطيع جيشه المنهك في الحرب الأهلية التصدي له، فسيكون التدخل العسكري التركي هو الخيار الأمثل أمام الأسد لتدمير (روج آفا) والقضاء على حلم الإدارة الذاتية، بعدما ضعفت كذلك الجماعات السورية المعارضة في الشمال السوري، منذ أن تحولت بوصلتها من قتال جيش الأسد، إلى قتال الكرد، فخاضوا مع جيش أردوغان معارك درع الفرات وغصن الزيتون ونبع السلام، ومن المتوقع أن يكون مصيرهم في النهاية “مرتزقة” يقاتلون خارج الحدود تحت مظلة مؤسسة “صادات” شبه العسكرية، التي تعمل على غرار “فاجنر” الروسية.

Tags: احداث قيصرياردوغانالطفلة السوريةتحرش بطفلة سوريةترحيل السوريينشمال سوريا

المصدر: جريدة زمان التركية

كلمات دلالية: احداث قيصري اردوغان الطفلة السورية ترحيل السوريين شمال سوريا اللاجئین السوریین

إقرأ أيضاً:

الاعتداءات على السوريين في تركيا.. من المستفيد؟

ربما لم تكن هي المرة الأولى التي تشهد بعض المناطق التركية، اعتداءات يتعرض لها السوريون ذات صبغة عنصرية.

لكن الهجمات الأخيرة التي شهدتها ولاية قيصري، وسط الأناضول بشكل أساسي، وبعض الولايات الأخرى، كانت هي الأوسع والأشد تأثيرا إنسانيا وإستراتيجيا واقتصاديا.

إذ تكفلت إشاعة معتادة بشأن اعتداء جنسي من صبي سوري على طفلة تركية (اتضح لاحقا أنها سورية أيضا) بانطلاق المئات لتكسير وحرق ممتلكات السوريين المقيمين في الولاية، ثم ما لبثت أن امتدت إلى ولايات أخرى وإن بحجم أقل.

لكن قبل الحديث عن التداعيات، لابد من تسجيل بعض الملاحظات، التي قد تضئ المشهد أكثر أمام القارئ

ملاحظات مهمة أولاً: هذه الاعتداءات وقعت في مدينة في قلب الأناضول حيث قوة وتمركز المحافظين الأتراك، كما شملت مدنا أخرى مثل قونيا وغازي عنتاب، وكلها مدن تعد خزانات انتخابية لحزب العدالة والتنمية الحاكم. ثانيا: لم تكن هذه الاعتداءات عفوية، حتى وإن بدت كذلك، فالتخطيط لها لا تخطؤه العين، سواء بمتابعة الفيديوهات المنشورة، أو الشرائح الأساسية التي اشتركت في الهجمات، والتي كان أغلبها من الفئات العمرية الأقل من 18 سنة، حيث تم الدفع بهم إلى واجهة الأحداث لضمان عدم المساءلة القانونية. ثالثا: مما يقوي الفرضية السابقة، ما كشفه بيان وزارة الداخلية ، عن دور المسجلين جنائيا، في هذا الاعتداءات، حيث لعبوا دورا بارزا في تجنيد وشحن الأفراد إلى أماكن وجود السوريين. رابعا: حرص المحرضون على بث مقاطع مصورة، على مواقع التواصل الاجتماعي، لاعتداءات مماثلة من ولايات مختلفة، نفذتها مجموعات صغيرة من الصبية، لخلق شعورعام بوجود حالة من الفوضى في البلاد خارجة عن سيطرة السلطات. خامساً: سجل معظم المثقفين والصحفيين الأتراك، على اختلاف توجهاتهم السياسية والإيديولوجية، موقفا إنسانيا مشرفا، بإدانة ورفض الهجمات، حتى وإن اختلف بعضهم مع سياسة الدولة تجاه ملف اللاجئين. تحديات إنسانية خلفتها الهجمات

لم يكن اليمين المتطرف خيارا مفضلا للشعب التركي في أي انتخابات خلال الفترة الماضية، رغم تركيز دعايته على ملف اللاجئين.

ففي انتخابات عام 2023 الرئاسية والتشريعية، حصل سنان أوغان، المرشح الرئاسي حزب الظفر، على 5.1% أي حوالي مليوني و800  ألف صوت، من مجموع قرابة 61 مليون ناخب.

أما حزب الظفر فقد حصل على 2.4%، وهذه النسبة لم تمكنه من دخول البرلمان.

ثم واصل الحزب هبوطه، فحصل في الانتخابات البلدية التي جرت في مارس الماضي، على نسبة 1.7% فقط.

هذه الأرقام تؤكد بجلاء أن المزاج العام للشعب التركي ليس منسجما مع الأفكار اليمينية المتطرفة المعادية للأجانب، وذلك في لحظات الاختيار العقلانية.

كما أن التركيبة العرقية للمجتمع (أتراك – أكراد – عرب – ألبان – بوشناق – لاظ ) إضافة إلى التنوع الديني وإن بنسبة قليلة ( مسلمون – مسيحيون – يهود)، والتنوع المذهبي (سنة – علويون)، كلها أمور رسخت فيه قبول التنوع، والتسامح مع الآخر المختلف عرقيا أو دينيا أو مذهبيا، شريطة أن يترك المجتمع دون تأثيرات سلبية من السياسيين والإعلام.

لكن وبالرغم من ذلك فإن الذاكرة الجمعية للمجتمع التركي، لا زالت تحتفظ بحوادث مماثلة، تركت ندوبا في الضمير العام للمجتمع حتى الآن.

نذكر منها على سبيل المثال، الاعتداء على الأتراك من أصول يونانية في إسطنبول في سبتمبر/أيلول عام 1955، عقب نشر الصحف أنباء تفيد باستهداف منزل مؤسس الجمهورية، مصطفى كمال أتاتورك، في مدينة سالونيك باليونان.

تلك الشائعة قادت إلى استهداف الأحياء التي يقطنها ذوو الأصول اليونانية، ما أدى إلى سقوط قتلى وجرحى، وتدمير ممتلكات خاصة، وصولا إلى هجرة شبه جماعية خارج تركيا.

من هنا فإن التحدي الماثل أمام العيان، والذي يحذر منه كتَّاب ومثقفون، ألا تتدحرج الأحداث، لتعيد إنتاج ما حدث في 1955 مرة أخرى.

خاصة وأن المجتمع التركي يعيش حالة من الاحتقان نتيجة الأزمة الاقتصادية، التي أثرت سلبيا على المزاج العام.

فالسنوات الأولى للثورة السورية شهدت ترحيبا واسعا بالسوريين، وانتشر مفهوم "المهاجرون والأنصار" على نطاق واسع، لكن حالة من التبدل والتغير لا يمكن إنكارها، يأتي المتغير الاقتصادي في قمة أسبابها.

بالطبع فثمة أسباب أخرى لا يمكن إنكارها، منها تزايد أعداد المهاجرين، وطول أمد الثورة السورية مع عدم وجود حل في المدى القريب، إضافة إلى عدم التصدي للدعايات السوداء بحق اللاجئين، والكثير منها يدخل في إطار الشائعات الممنهجة، وللأسف فإن الذي يتولى كبر نشرها بعض الساسة والإعلاميين المعروفين!

كل هذه العوامل قادت إلى الاعتداءات الأخيرة، والتي ستخصم دونما شك من الصورة الحقيقية لتركيا باعتبارها دولة لا تزال حتى الآن تستضيف ملايين المهاجرين على أراضيها، وتوفر لهم الرعاية والخدمات المختلفة.

لذا فإن مؤسسات الدولة الرسمية والأهلية عليها أن تكثف جهدها لمعالجة هذه التداعيات الإنسانية، خاصة وأن شهادات المواطنين الأتراك بشأن ما حدث ليلة الاعتداءات التي طالت جيرانهم السوريين مروعة ومفزعة

التداعيات الأمنية والإستراتيجية

أعلنت وزارة الداخلية التركية، اعتقال أكثر من ألف شخص على خلفية تلك الاعتداءات، فيما صدرت أوامر الرقابة القضائية بحق العشرات.

هذه الإجراءات رغم أهميتها، إلا أنها ليست كافية، إذ يجب الوصول إلى العقل المدبر والمخطط لها.

فإذا كان هناك منفذون يتحركون على الأرض لدوافع عنصرية، فإن ثمة عقل سياسي يختبئ خلفهم، يخطط جيدا لاستخدام ورقة اللاجئين لتحقيق مآرب سياسية.

فخلال الفترة الماضية تعالت أصوات في المعارضة تطالب بإجراء انتخابات مبكرة، وحيث أن المعارضة لا تملك العدد الكافي برلمانيا لتمرير هذا القرار، فثمة مسلك أخير وهو دفع البلاد إلى الفوضى، أملا في أن يقود ذلك إلى التعجيل بخيار الانتخابات المبكرة.

فالذاكرة الوطنية التركية لا تزال تذكر كيف قاد اقتتال الشوارع بين اليمين واليسار إلى انقلاب 12 سبتمبر 1980 بقيادة الجنرال كنعان إيفرين.

والتداعيات لن تتوقف على الداخل، بل امتدت خارجيا إلى سوريا وخاصة مناطق الشمال، والتي تمثل عمقا إستراتيجيا وأمنيا مهما لتركيا، وقد تابعنا حجم التوتر الأمني الذي ساد تلك المناطق في اليوم التالي مباشرة لهجمات قيصري، ما ولد انطباعا أوليا بوجود تنسيق بين الحدث الأصلي وتوابعه!

في الشمال السوري يمثل الحاضنة الشعبية للمناطق التي تشهد عمليات الجيش التركي ضد تنظيم حزب العمال وفروعه في سوريا مثل وحدات الحماية الكردية.

ومن مصلحة أنقرة إبقاء العلاقة بينها وبين سكان تلك المناطق على استقامتها. في ظل وجود جماعات وتنظيمات مثل تنظيم الدولة "داعش"، وحزب العمال "PKK" من مصلحتها تفخيخ هذه العلاقة.

كما أن الجيش التركي الذي يستعد لعملية عسكرية كبيرة في شمال العراق، وربما الشمال السوري أيضا، ليس في حاجة إلى مثل هذه الأزمات التي قد تشتت تركيزه ومجهوده العسكري الأساسي.

أيضا التداعيات لم تتوقف عند ذلك، بل امتدت إلى الاقتصاد، وخاصة مجالات السياحة والاستثمار والصناعة.

فالهجمات العنصرية في مدينة قيصري الصناعية، حالت دون خروج حوالي 30 ألف عامل سوري من منازلهم، والالتحاق بالمصانع التي يعملون فيها.

من هنا فإن المعالجة المرتقبة للأزمة، يجب أن تشمل حزمة من الإجراءات الناجزة والفاعلة، على جميع المستويات القانونية والأمنية والحقوقية والإنسانية.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية

مقالات مشابهة

  • أردوغان: سنوجه دعوتنا للأسد وقد تكون في أي لحظة على أمل عودة العلاقات إلى ما كانت عليه
  • أردوغان: قد ندعو الأسد إلى زيارة تركيا في أي وقت
  • الاعتداءات على السوريين في تركيا.. من المستفيد؟
  • تحدث عن وساطتين لإعادة العلاقات.. أردوغان: قد ندعو الأسد لزيارة تركيا في أي وقت
  • أردوغان: نريد إعادة العلاقات التركية السورية لسابق عهدها
  • أردوغان:وساطة عراقية لعودة العلاقات التركية السورية
  • إردوغان يرحب بالأسد بتركيا في أي وقت
  • بدعم أتراك برلين وحضور الرئيس أردوغان… تركيا تخوض ربع نهائي يورو 2024 على أرضها
  • أردوغان يلمح لاحتمال دعوة الأسد مع بوتين إلى تركيا