إن التأمل الهادئ في مسيرة التطور الحضاري للبشرية، وبشكل خاص الحضارة الغربية المعاصرة يكشف عن حقيقة كبيرة، هي أن انسداد الأفق أمام هذه الحضارة، على الرغم من تقدمها المذهل في مجال العلوم التكنولوجية والكشوف العلمية إنما هو تأكيد جديد للحكمة الربانية من بعث نبي أمي في مجتمع بسيط وسط حضارتي الفرس والروم، هذه الحكمة هي أن تستيقن البشرية أن عقل الإنسان لا يستطيع وحده أن يعي معنى وجوده على الأرض ورسالته فيها ومآله بعد الموت، لأن ذلك كله من شأن الخالق وحده مدبر الكون ـ سبحانه وتعالى ـ.



إن الوجود والعدم وسر الخلق والغاية منه هي المسائل التي شغلت الفكر البشري وشكلت على مر العصور مادة الفلسفة البارعة في إثارة الأسئلة، لكن ليس في تقديم الإجابات الشافية عنها. وسيظل فكر الإنسان عاجزا عن تقديم هذه الإجابات الشافية؛ لأن المسائل التي تدور حولها يستقل بخبرها وحي السماء، أي أن بيانها لا يكون إلا عن طريق الدين، فهو وحده القادر على تقديم نسق عام موحد محكم وشامل لهذه المعاني والمسائل جميعها.

فمعنى وجود الإنسان على الأرض هو أن يعمل متعبدا، ويتعبد عاملا، ليحقق معنى الاستخلاف؛ وهذا ما يحدد مكانته من الكون والطبيعة. فهو سيد في هذا الكون، وهو في الوقت نفسه عبد الله الذي سخر له هذا الكون بما فيه، ومن هذه المعادلة الكبرى يتفرع كل شيء؛ في تناسق ونظام، وأول ذلك أن هذا الإنسان السيد لا منافس له في هذا المحيط المادي العام الذي سخر له؛ وهذه السيادة يحققها بالعقل الذي كرمه الله به ليوظفه في مجال اختصاصه؛ أي استكشاف عوالم المادة عن طريق العلم الذي يؤدي حسب هذا النسق العام وظيفتين متلازمتين متكاملتين؛ الأولى هي اتخاذ الأسباب للانتفاع بنعمة التسخير؛ والثانية هي تعميق الإيمان بالخالق بالنظر في سننه الماضية في خلقه وصنعه.

من الحقائق التي أفرزها التقدم العلمي المذهل الذي شهده الظرف الحضاري الأخير للقرن العشرين، وهذا الربع الأول من القرن الواحد والعشرين أن العلم أصبح يقتفي آثار الدين بعد أن تأكد لهذا العلم أنه ليس هناك معرفة يقينية إلا في الدين، وأن العلم بعد أن صحا من غروره عرف أنه لا يستطيع تجاوز الوصف إلى التفسير؛ وأنه لا يزيد على توسيع دائرة التساؤل والبحث، وهي وظيفته أصلي.إن اهتزاز هذا النسق العام الموحد في منظور الحضارات المتعاقبة عبر التاريخ هو سبب تعثرها واضطرابها دائما، لأنها لم تستطع تجاوز إشكالية عالم الغيب وعالم الشهادة؛ وهو ما لم تشهده الحضارة الإسلامية لأنها أخذت بذلك النسق القرآني العام القائم على التعدد والتميز والتنوع في إطار الوحدة، فالله، سبحانه واحد والكون واحد والإنسان واحد، القرآن كون ناطق والكون قرآن صامت الدين وحيه والكون صنعه، ولا يمكن أن يعارض وحيه صنعه، وعالم الغيب حق نهتدي إليه من خلال عالم الشهادة؛ فالثاني دليل على الأول، وإن كانت لكل منهما أدوات خاصة يدرك بها؛ فلا تعارض ولا تناقض بينهما، إذ لا تعارض ولا تناقض بين الدين الصحيح والعلم الصحيح.

ومن الحقائق التي أفرزها التقدم العلمي المذهل الذي شهده الظرف الحضاري الأخير للقرن العشرين، وهذا الربع الأول من القرن الواحد والعشرين أن العلم أصبح يقتفي آثار الدين بعد أن تأكد لهذا العلم أنه ليس هناك معرفة يقينية إلا في الدين، وأن العلم بعد أن صحا من غروره عرف أنه لا يستطيع تجاوز الوصف إلى التفسير؛ وأنه لا يزيد على توسيع دائرة التساؤل والبحث، وهي وظيفته أصلي.

لقد حقق العلم التجريبي في العشرية الأخيرة وحدها ما حققته البشرية في عمرها الطويل كثافة وحجما وخطورة، ولقد تميزت هذه العشرية كذلك بتقدم علوم الاتصال التي جعلت الكرة الأرضية قرية إلكترونية؛ فأصبح الإنسان أيا ما كان موضعه فيها، يعلم بهذا الاكتشاف العلمي الجديد إبان تحققه.

هذه الحقائق التي عرضناها لها ارتباط وثيق بهذا الموضوع الذي نقدمه، لأنه ينطلق منها جميعا ليساهم في تحقيق الهدف الإنساني البعيد الذي ينشده كل ضمير حر، ألا وهو الإقناع والتمكين للحوار والتعايش المتكامل بين الديانات والثقافات والحضارات؛ وأساس ذلك كله هو تصحيح نظرة الناس للإسلام وهدايتهم إليه، بلغة العصر، لغة العلم لغة الإعجاز العلمي في القرآن الكريم.

إن من الحقائق الكلية التي يخبر عنها القرآن الكريم أن الناس في كل عصر وجيل ثلاثة أصناف في موقفهم من الدين الحق:

الصنف الأول: هم أولئك الذين أوتوا نضجا عقليا وفكرا مفتوحا وحظا وافرا من المعرفة تؤهلهم للتمثل والإدراك، وتمكنهم من البحث والمقارنة والتحليل المنطقي، إلى جانب فطرة سليمة تجعلهم في حالة استعداد دائم لتقبل الحق، وإتباعه والإذعان إليه متى حصحص، وامتثال أوامره بمجرد أن يبصروا به أو يظفروا بمن يدلهم عليه.

هؤلاء يخاطبون بالحكمة، أي بما يناسب مستواهم ذاك، بالعلم، والمنطق والحوار القائم على الحجة والبرهان.

الصنف الثاني: هم الذين تغلب عليهم العاطفة الجياشة والذهنية البسيطة غير المركبة، يتعاملون مع الحقيقة الدينية بفطرتهم السليمة، إذ لا يقدرون على التمثل والتجريد والبحث والتحليل والتفكير المنطقي والقياس العقلي، بل يتغذى إيمانهم بالموعظة الحسنة القوية المجسدة، ويتأثرون بالذكرى والعبرة التي تدور حول الترغيب والترهيب.

الصنف الثالث: هم ذوو الفطرة الملوثة والذهنية المريضة، هؤلاء ک الهون للحق ضالون عن سبيله، عنادا ومكابرة؛ يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا، وهم غير مستعدين للإذعان للحق ولو رأوه وعرفوه، هؤلاء غير معنيين بالحكمة ولا الموعظة الحسنة، بل يجادلون بالتي هي أحسن، لا طمعا في هدايتهم فهم لا يهتدون في الغالب، ولكن لدحض دعواهم وفضح تناقضهم وهشاشة منطقهم اتقاء لشرهم وتحصين الخلق منهم!؟!؟

هذه الأصناف الثلاثة هي التي عنتها الآية الكريمة التي يخاطب الله سبحانه بها رسوله الكريم ﷺ "ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين) (النحل/ 125).

والصنف الأول هو الذي يعنينا هنا في المقام الأول، وهو الذي نتوجه إليه بالدرجة الأولى هذا الصنف من البشر، السليم الفطرة، الباحث عن الحقيقة المقدر للإنسانية؛ إذا ما استطاع المعنيون بالأمر من أهل العلم والفكر أن يثيروا فيه قلقه الوجودي وحسه المعرفي وفضوله الفلسفي، وهديه بالتالي إلى دين الحق إلى الإسلام، عن طريق هذا الإعجاز العلمي في القرآن. وإذا ما أيقن أن هذا الكتاب حق، ووحي من الله سبحانه، وأنه مكمل ومصحح للكتب السماوية المنزلة قبله ومهيمن عليها، فإن إيمانه هذا سيدفعه حتما إلى معرفة جوانب الإعجاز الأخرى في القرآن التشريعية منها والاقتصادية والبيئية والصحية والاجتماعية والحضارية وإلى بيان أسس علاقة الإنسان بذاته، وبالآخر، وبالكون والطبيعة؛ فيتأكد بعد ذلك من أن هذا الدين منهاج رباني شامل كامل جاء ليسعد الإنسان في الدارين، ويتأكد من أنه رسالة حضارية إنسانية عالمية وسلام وأمن على البشرية.

وإن هذا العمل الدعوي في سبيل الله، قد انطلق من تدبر آياته المتعلقة بالعلم والخلق والكون... في كتاب الله المقروء (القرآن الكريم) التي يفوق عددها الألف آية! والتي لم يوجد أي مثيل لأية آية منها في الكتب السماوية السابقة، التي يقال (زورا وبهتانا) إن النبي الأمي محمدا (ص) قد اقتبس القرآن الكريم منها، مع العلم أن العدد القليل من الإشارات العلمية الواردة في هذه الكتب "المحرفة"(كما أخبرنا عنها القرآن) هي في عمومها خاطئة علميا ومناقضة لما هو موجود في النص القرآني، كما أثبت ذلك العالم الفرنسي الدكتور "موريس بوكاي" في كتابه الشهير حول هذا الموضوع في السبعينيات من القرن الماضي، وهو بعنوان: "الإنجيل والقرآن والعلم".

والغريب أن أهل الكتاب الذين يدعون أن القرآن الكريم مقتبس كليا أو جزئيا من كتبهم... كأنهم ينكرون على منزل التوراة والإنجيل أن ينزل كتابا جديدا على نبي جديد، رغم اعتقادهم أن المنزل واحد والخالق واحد، مع الملاحظة أن هذه الآيات القرآنية المعجزة علميا- كما سنرى والموجودة حصريا في القرآن الكريم وحده دون سواه من الكتب السماوية والوضعية قد غطت في مجملها كل مجالات الحياة جمادا ونباتا وحيوانا وإنسانا، وقد استعنا في ذلك بكتب التفسير المختلفة والمتعاقبة على امتداد التاريخ الإسلامي، كل حسب اجتهاده في عصره وإمكانات مصره، ومطابقة بعض ذلك كله على ما توصل إليه العلماء والباحثون التجريبيون في عصرنا الحاضر من اكتشافات مهمة في مختلف مجالات الكون المنظور، مما لم يكن يخطر على بال بشر قبل قرن من الزمان!

ومن الطبيعي هنا أن نلاحظ بأن معظم المفسرين المعاصرين وكل المفسرين القدامى يجهلون ما توصل إليه التقدم العلمي في المخابز المتطورة من اكتشافات وحقائق مذهلة تفسر العديد من الآيات القرآنية التي حيرت هؤلاء المفسرين قرونا عديدة، وعجزوا عن إدراك حقيقتها التي لم يكن أمر الله قد حان بعد ليتجلى في تسخير أعداء الإسلام والقرآن أنفسهم في الغرب إلى اختراع الأدوات الدقيقة والوسائل المتطورة جدا التي تغزو الفضاء وتسبر أغوار المادة وتستكنه مجاهيلها المرئية، والاعتراف أحيانا، بما هو غير مرئي منها(...) بدءا بالذرة والإلكترون والكورك ، إلى مكونات الخلية الحية، وأخيرا (سنة 2000) فك بعض طلاسم وألغاز الشفرة الوراثية للكائن البشري المركبة والمرتبة داخل النواة بكيفية تحبس أنفاس كل إنسان له ذرة من عقل سليم قادر على التفكر والتدبر!!

وقد أثبت هؤلاء العلماء والباحثون التجريبيون في مختلف المجالات والتخصصات من حيث يدرون أو لا يدرون أن القرآن سبقهم إلى ذلك بقرون (مثلما وقع لعالم الأجنة الكندي كيث مور في مؤتمر الإعجاز العلمي المنعقد في جدة في 1980 الذي كان سببا في إسلامه بعد أن وجد ما اكتشفه من أطوار الجنين قد سبقه إليه خالق الكون بأوصاف مذهلة في الدقة منذ14 قرنا خلت قبل اكتشاف الكهرباء فصلى عن الأجهزة العصرية المعقدة كالسونار والأشعة وغيرها...، وأن نبي الإسلام محمد الأمي الأمين مرسل من ربه وان القرآن بالتالي منزل عليه من لدن حكيم خبير، كمعجزة خالدة تعيش معنا بعد وفات الرسول الخاتم وكأنه معنا قائم!؟!!

وهذه المعجزات القائمة والمسايرة لتطور حياتنا تتحدى الكبرياء والغرور البشري إلى يوم القيامة. كما عبر عن ذلك الخالق ـ عز وجل ـ بقوله: "قتل الإنسان ما أكفره، من أي شيء خلقه، من نطفة خلقه فقدره، ثم السبيل يسره، ثم أماته فأقبره، ثم إذا شاء أنشره..." (عبس/ 7 1-22) و "يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم الذي خلقك فسواك فعدلك في أي صورة ما شاء ركبك... (الانفطار 6 ـ 8).

ومثلما ثبت خطأ المفسرين في فهم بعض الآيات المذكورة في القرآن الكريم قبل أن يتوصل التطور العلمي إلى اكتشاف حقيقتها، وفك ألغازها مؤخرا كما يتبين ذلك بكل جلاء في كل حين... يثبت كذلك جهل هؤلاء العلماء والمكتشفين المعاصرين (من غير المسلمين) بهذه الحقائق القرآنية القاطعة المطابقة حرفيا لما اكتشفوه من أمور في فضاءات الكون المنظور وفي الإنسان ذاته كما أوضحنا في المثال السابق لعالم الأجنة المهتدي إلى دين الحق على أيدي المهتدين من عباد الله المخلصين في الدعوة الصادقة إلى هذا الدين!! مصداقا لقوله تعالى: "سنریهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق" (فصلت (53).

وعندما يواجه هؤلاء العلماء والمكتشفون بذلك من بعض المسلمين العارفين يتعجبون وينكرون ذلك على القرآن لأول وهلة، ثم لا يلبثون أن يصدموا بالحقيقة الناطقة، فيدخل بعضهم في الإسلام، وهم من كبار العلماء في مختلف الجامعات ومراكز البحث في كل القارات!!

لقد حقق العلم التجريبي في العشرية الأخيرة وحدها ما حققته البشرية في عمرها الطويل كثافة وحجما وخطورة، ولقد تميزت هذه العشرية كذلك بتقدم علوم الاتصال التي جعلت الكرة الأرضية قرية إلكترونية؛ فأصبح الإنسان أيا ما كان موضعه فيها، يعلم بهذا الاكتشاف العلمي الجديد إبان تحققه.ويظل البعض الآخر منهم على كفره وتعصبه ضد حقائق التنزيل الحكيم متذرعين بحجة "استحالة" إخضاع الأمور الغيبية "الميتافيزيقية" كالوحي والتنزيل (باللغة العربية..). لاختبار أدواتهم المخبرية..! وساد الجهل بين هؤلاء وهؤلاء واستفحل العداء بين العلماء الذين يؤمنون بالغيب ويتفكرون في خلق السماوات والأرض... ويقدرون على البحث العلمي، ولكنهم لا يتوفرون على وسائله المتطورة التي تتطلب أموالا طائلة وإمكانات لا قبل لهم بها، كأفراد في العالم الإسلامي.. وبين أولئك "الدنيويين" في العالم المتقدم، الذين يقدرون على البحث، ويتوفرون على الدعم المعنوي والمادي من دولهم المتقدمة ماديا والتي ترصد ميزانيات خيالية للبحث العلمي، وهم إذ يفعلون ذلك فبعضهم بدافع حب الاستكشاف والرغبة في معرفة المجهول لغاية المعرفة والتقدم وغزو الفضاء، والبعض الآخر لغرض معرفة أصل الكون وأسرار الخلق بهدف التوصل إلى إزاحة رعب "البعث ووجود الخالق عز وجل، أملا في التخلص أو التملص من تبعات مسؤولية الإيمان باليوم الآخر والحساب والعقاب... التي تنغص عليهم حياتهم البهيمية، وتكبح جماح غرائزهم الدنيا التي لا تعرف الحدود في هذه الحياة التي لا يرضون عنها بديلا، ولا يريدون لها فناء، ولا لمتعها زوالا!

هذا عن الكفار والملاحدة الأجانب الذين لا يعرفون القرآن نصا، ولا يعترفون به تنزيلا، أما الدنيويون" من المنتسبين اسميا وجغرافيا إلى خريطة العالم الإسلامي، والناطقين بلغة التنزيل المبين لسانا، فلما أدركوا الخطر المحدق بهم نتيجة الإعجاز القرآني والفتح الرباني والإيماني العظيم المحقق للمسلمين عن طريق الاكتشافات المذكورة الصادمة لهم والمخيبة لآمالهم في حياة بلا مسؤولية وحساب وعقاب حتمي لا ريب فيه وجدناهم يبتكرون أسلوبا جديدا في الدعوة إلى الكفر والتضليل بادعائهم الغيرة على القرآن وإطلاق دموع التماسيح على قدسية النص القرآني الثابت الذي أصبح في زعمهم مهددا بربطه بمجال نتائج العلوم والاكتشافات المتلاحقة والمتغيرة باستمرار وذلك بدعوى الخوف على مصيره (في نظرهم نتيجة ما قد يخبئه المستقبل من بطلان لتلك النظريات التي يربطها العلماء المسلمون بالنص القرآني في إطار البحث عن صور الإعجاز العلمي ومحاولة فهم القرآن وتفسيره على ضوئها، فيما يخص تلك الإشارات العلمية التي ظلت مستعصية على فهون أسلافهم طوال قرون (كما قلنا،) وهذا يتماشى تماما مع ما قاله الرسول الكريم عن القرآن الحكيم بأنه: "لا تنقضي عجائبه ولا يخلق عن كثرة الرد"، وأن الشيئين الأساسيين الكفيلين بتفسيره عبر العصور المتعاقبة مستقبلا هما: "لسان العرب ولسان الزم".. وهكذا ننبه إلى أن هذه الخدعة التي ابتكرها هؤلاء "الحداثيون" الصالون المصلون لا تنطلي على أصحاب النهى والبصيرة من دعاة الأمة، وهي تدل دلالة قطعية على أن ما اكتشفه العلم من حقائق تنطبق على نص آيات القرآن هي صحيحة بدليل إسلام المئات من كبار العلماء من مختلف المستويات والتخصصات كما تفاجئنا الأخبار في وسائل الإعلام طوال العام في السنوات الأخيرة!؟

وأننا نجزم أنه لو وجد أولئك الضالون المضلون في هذه الاكتشافات العلمية والحقائق الكونية التي أثبتها العلم الحديث أي تناقض، ولو بسيط، مع أية آية من آيات الذكر الحكيم لكانوا أول السباقين إلى الإشارة إليها تشنيعا وتشهيرا بالقرآن وتشفيا في أهله، كما عهدناهم دائما في مواقفهم المخزية مع الإسلام في غير هذا السياق، كما تدل تلك الخدعة المفضوحة أيضا على مدى ما أصيب به هؤلاء العدميون من صدمة وإحباط في أعماق نفوسهم المهزومة والمهزوزة، لما تبين لهم أن التقدم العلمي الذي يجادلون به بغير علم ويراهنون عليه للدفاع عن طروحاتهم المضللة...

يأتي في كل نتائجه القطعية المتقدمة التي ثبتت صحتها بالتجريب والمشاهدة كحقيقة علمية مسلمة ومقرة علميا وعالميا (مثل كروية الأرض وقوة الجاذبية وأطوار خلق الجنين في الرحم، وعملية التمثل الضوئي وتميز الشفرة الوراثية للإنسان عن بقية الحيوان وتفرد كل إنسان في الوجود بشفرته الخاصة التي تختلف عن شفرة أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه).

كل هذه الحقائق العلمية أتت مسفهة لأحلامهم ومحبطة لمخططاتهم بإثباتها القطعي للمعجزة الخالدة ووقوفها حجة قوية ودعامة راسخة في صف الدعاة إلى دين الحق، ونشر الإيمان بوحدانية الخالق وربوبيته المطلقة للكون بشكل غير مسبوق في تاريخ البشرية، بفضل شبكة الاتصال العالمية والفضائيات التي صيرت الكون قرية صغيرة في فضاء فسيح كما يقر العامة فصلى عن الخاصة من أصحاب العقول المفكرة!!

ومع ذلك، وعلى الرغم من ذلك، فإن التعصب ما يزال يعمي أبصار وبصائر كل هؤلاء المتعالمين المرجفين الضالين عن كبر وتعصب وسبق إصرار، ولم يكفوا عن الكيد للإسلام وكتابه المقدس، بدليل كل هذه المناورات والمؤامرات والمغالطات والصفحات المفتوحة لهم على شبكات التواصل الاجتماعي بالمئات للتحليل وترويج الشبهات والأموال المرصودة لهم بالمليارات من كل الأعداء في الداخل والخارج على حد سواء والتي تستبيح كل الطرق والوسائل للتشكيك في صحة النص القرآني ومصداقيته العلمية بالدس فيه والتقول عليه، لإبعاد الناس عنه بالتجهيل والتدجيل والتضليل، أو إبعاده عنهم بالتشويش على كبار الدعاة إليه، ومحاولة تشويه سمعتهم، ومحاربتهم بكل الوسائل حتى بالسجن والنفي والتصفية الجسدية أو الإقامة الجبرية في أحسن الأحوال!! ومع ذلك يحبط الله كيد أعضائه جميعا في كل حين ويجعلهم حجة لصالح دين الحق وإظهاره على الدين كله في العالمين ولو كره كل الظالمين.. وليس حجة عليه كما يخططون ويفترون لأن الله قد يعمي أبصارهم ويطمس على قلوبهم ويتخذ من بعضهم جنودا لضرب الأعداء ولشفاء صدور قوم مؤمنين بخسران الكافرين مصداقا لقوله تعالى ((لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء. وهو أعلم بالمهتدين..)) (القصص 56) وهذا ما يجعلنا نرى الآلاف والملايين من الكفار العقلاء يهتدون ومثلهم من المسلمين الجهلاء يضلون بملكهم في الاتجاه المعاكس ويشركون ويكفرون وما يعلم جنود ربك إلا هو وقد يكون من جنوده السفه والبله والإملاء والجهل والكبر والتعصب والغباء!؟.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي أفكار كتب تقارير الدين الانسان حريات رأي دين أفكار سياسة سياسة أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الإعجاز العلمی التقدم العلمی القرآن الکریم فی القرآن أن العلم دین الحق عن طریق أنه لا بعد أن

إقرأ أيضاً:

في محاضرته الرمضانية الثانية والعشرين قائد الثورة: حاجة المسلمين إلى الاهتداء بالقرآن الكريم تجاه المخاطر التي تستهدفهم مهمة جداً

 

الثورة /

أَعُـوْذُ بِاللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيْمِ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ المُبين، وَأشهَدُ أنَّ سَيِّدَنا مُحَمَّداً عَبدُهُ ورَسُوْلُهُ خَاتَمُ النَّبِيِّين.
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، وَبارِكْ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، كَمَا صَلَّيْتَ وَبَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَارضَ اللَّهُمَّ بِرِضَاكَ عَنْ أَصْحَابِهِ الْأَخْيَارِ المُنتَجَبين، وَعَنْ سَائِرِ عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ وَالمُجَاهِدِين.
الَّلهُمَّ اهْدِنَا، وَتَقَبَّل مِنَّا، إنَّكَ أنتَ السَّمِيعُ العَلِيم، وَتُبْ عَليَنَا، إنَّكَ أنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمْ.
أيُّهَا الإِخْوَةُ وَالأَخَوَات:
السَّـلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛
في سياق الحديث على ضوء الآيات المباركة من (سورة الشعراء)، التي قدَّم الله فيها قصة نبيه إبراهيم «عَلَيْهِ السَّلَامُ»، في مقامٍ من مقاماته لتبليغ الرسالة الإلهية، ودعوة قومه إلى عبادة الله تعالى، وإلى توحيده، والإيمان به، ونبذ الشرك، كُنَّا في سياق الحديث عن قوله: {الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ}[الشعراء:78]، وعنوان الهداية عنوانٌ مهمٌ جدًّا، يترتب عليه:
• إمَّا فوز الإنسان، وفلاحه، وسعادته، ومستقبله السعيد في الآخرة.
• أو يكون لموقف الإنسان السلبي تجاه الهدى، التأثير الكبير على حياته في الدنيا بالشقاء، وكذلك الخسران الأبدي في الآخرة والعياذ بالله.
لأهمية هذا الموضوع؛ أتى الحديث عنه واسعاً جدًّا في القرآن الكريم من جوانب متعددة.
تحدثنــــا في المحاضـــــرة الماضيــــــة:
• أن هدى الله تعالى واكب مسيرة البشرية منذ بداية وجود الإنسان؛ فكان آدم «عَلَيْهِ السَّلَامُ» نبيّاً، واسْتَمَرَّت المواكبة بالرسل، والأنبياء، وكتب الله، وكذلك من بعد الرسل ورثة الكتب الإلهية، من جهة المهتدين، الهادين بها وفق سُنَّة الله في هداية عباده، وخَتَم الله النُّبوَّة والأنبياء بخاتم النَّبِيِّين، رسول الله محمد «صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ»، وختم الله كتبه بالقرآن الكريم، الذي هو مُصَدِّق لما بين يديه من كتب الله، وكذلك مهيمن، {وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ}، {مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ}[المائدة:48]، القرآن الكريم هو لهداية المجتمع البشري إلى قيام الساعة، في الحقبة الأخيرة من الحياة والوجود على الأرض.
• تحدثنا عن بعضٍ من مميزات القرآن الكريم في المحاضرة الماضية؛ لأن مميزات القرآن الكريم كثيرةٌ جدًّا وواسعة؛ ولـذلك المقام مقام اختصار، تحدثنا باختصار عن هذا الموضوع.
• تحدثنا عن جانب من جوانب الهداية في القرآن الكريم، وهو: حاجة المسلمين إلى الاهتداء بالقرآن الكريم، تجاه المخاطر التي تستهدفهم من جهة أعدائهم، وهذا موضوعٌ مهمٌ، وموضوع مُلِحٌّ؛ لأن المسلمين في معاناة قائمة وموجودة، وفي خطرٍ رهيبٍ؛ والسبب الأول هو: غياب الرؤية الصحيحة لكيفية التعامل مع هذا الخطر، وما هو الموقف الصحيح، وهذه المسألة مؤثِّرة تأثيراً كبيراً على المسلمين، مؤثرةٌ تأثيراً كبيراً عليهم فعلاً.
هناك قاعدتان مهمتان في القرآن الكريم، تُبيِّن لنا كيف أن الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» لم يتركنا من الهداية فيما يتعلق بهذا الموضوع المهم:
• القاعدة الأولى: عبَّرت عنها في النصوص القرآنية، بقول الله تعالى: {وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعَالَمِينَ}[آل عمران:108]:
هذا شيءٌ مهمٌ، هو جزءٌ من إيماننا بالله، وأن نَعِيَهُ جيداً؛ لأن الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» هو الرحيم بنا، لا يمكن أن يتركنا للتظالم من دون هداية إلى ما يقينا من ذلك، ومن دون جزاء، ومن دون رعاية، هذه قاعدة مهمة جدًّا؛ ولهـذا أكَّد الله عليها في القرآن الكريم: {وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعَالَمِينَ}[آل عمران:108]، وفي آيةٍ أخرى: {وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعِبَادِ}[غافر:31].
ولـذلك فالله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» في هدايته، في تشريعه، في سنته في رعاية عباده وشؤونهم، لا يريد لهم الظلم، لا يظلمهم، ولا يريد لهم أن يُظلموا؛ فهـو يُقَدِّم ما يقيهم من الظلم، ما فيه المَنَعَة، والعِزَّة، والحماية لهم من الظلم، ويُقَدِّم أيضاً في إطار المسؤوليات الإيمانية، التي رسمها لعباده، ما يُحَقِّق العدل في الحياة، ويكون فيه التَّصدِّي للظلم.
فالله هو القائم بالقسط، وجعل إقامة القسط هدفاً من الأهداف الأساسية لرسالاته؛ ولـذلك يقول الله في القرآن الكريم: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ}[آل عمران:18]، وقال عن كونه هدفاً أساسياً لرسالاته إلى الناس: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ}[الحديد:25]، فالله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» هو القائم بالقسط، ولا يريد لعباده أن يظلموا، فقدَّم لهم الهداية الكاملة، وقدَّم في تشريعه، وفي المسؤوليات التي رسمها لعباده، ما يكافح الظلم، ما يساعد على تحقيق العدل، وإقامة العدل في الحياة.
• القاعدة الثانية في القرآن الكريم هي: قول الله تعالى: {وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ}[النساء:45]:
الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» هو الأعلم بأعدائنا (من هُمْ)، على مستوى تحديد من هو العدو، هو الأعلم بمن هو العدو، الذي هو عدوٌ لنا، ويُشَكِّل خطورةً علينا، وعلينا أن نتَّخذه عدواً، والمسلمون يعانون من الضلال حتى في تشخيص من هو العدو، والاشتباه تجاه العدو الكبير، الذي عدائه في غاية الوضوح، (هل هو عدو، أو صديق؟)، يريد البعض أن يُقدِّمه صديقاً. كيف هم هؤلاء الأعداء؟ كيف هي خطورتهم؟ ما هي الطريقة الصحيحة لدفع شرِّهم… وغير ذلك، الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» قال في القرآن الكريم عندما حدَّد لنا من هم الأعداء: {وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ وَكَفَى بِاللَّهِ وَلِيًّا وَكَفَى بِاللَّهِ نَصِيرًا}[النساء:45]، يعني: لم يكتفِ «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» بأن يخبرنا من هو العدو، كيف هي خطورته، كيف هي أساليبه العدائية، أين هو مصدر شَرِّه الذي يُشَكِّل خطورةً علينا؛ وإنما أيضاً عرض لنا هدايته، ونصرته، أن يهدينا كيف نواجه هذا العدو، وأن ينصرنا ضد هذا العدو، {وَكَفَى بِاللَّهِ وَلِيًّا وَكَفَى بِاللَّهِ نَصِيرًا}[النساء:45].
الشيطان هو العدو الأول للإنسان، وهو على رأس خط الضلال، المناوئ لطريق الهداية وللصراط المستقيم، هو على رأسهم (الشيطان الرجيم)، وهو يريد أن يوقع الإنسان في أكبر شَرّ، وأن يوجِّه له أكبر ضربة، عداؤه للإنسان عداء شديد جدًّا؛ ولـذلك هو لا يكتفي بمستوى عادٍ من الضرر؛ هو يريد أن يلحق بالإنسان أكبر الضرر، وأن يوقعه في أكبر الخطر، وأن يجعله يتَّجه في طريق الخسران الدائم، هذا ما يركِّز عليه الشيطان: أن يوقع الإنسان في العذاب الأبدي الرهيب، أن يَصُدَّه عن سبيل الخير، والفوز، والفلاح، والسعادة، والسمو النفسي.
وتكررت قصته في القرآن الكريم كثيراً، في إطار تلك السنة الإلهية: أن الله أعلم بأعدائنا، ويبيِّن لنا:
• من هو العدو.
• ما هي خطورته.
• كيف نقي أنفسنا من شرِّه.
• وعن سبب عداوته للإنسان، تشخيص دقيق ما هو السبب.
• عن مستوى عدائه للإنسان.
• متى بدأ هذا العداء، وإلى متى سيستمر.
كل هذا أتى الحديث عنه تفصيلياً في القرآن الكريم.
• ما هي خطَّته العدائية.
• كيف يريد أن يستهدف الإنسان.
تفاصيل كثيرة في القرآن الكريم.
• وما هي الطريقة الصحيحة لمواجهته، والحماية منه.
والله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» بيّن لنا في القرآن الكريم، في قوله: {قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (82) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ}[ص:82-83]، هو يعتمد على الإغواء، لماذا؟ لأن الإغواء عن طريق الهداية هو تضييعٌ للإنسان، هو الذي من خلاله ينحرف بالإنسان عن الصراط المستقيم، الذي كان سيوصله إلى الغاية الكبرى، في الفوز، والفلاح، والسعادة الأبدية؛ وإلى أداء مهامه في هذه الحياة، في إطار توفيق الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، ورعايته، وهدايته، بنجاح؛ فهـو يسعى للإغواء، الإغواء في كل المجالات للإنسان: الإغواء على المستوى العقائدي، على المستوى الأخلاقي… على كل المستويات.
{وَلَأُضِلَّنَّهُمْ}، في آيةٍ أخرى: {وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ}[النساء:119]، يسعى للإضلال، الإضلال هو: طريقة خطيرة وجامعة للانحراف بالإنسان عن طريق الهداية، والتضييع له بذلك.
قال عنه أيضاً: {لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (16) ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ}[الأعراف:17]، يعني: أن يُصَدَّهم عن صراط الله المستقيم، ويصرفهم عنه، من أجل ماذا؟ من أجل غوايتهم، إضلالهم، من أجل خسارتهم وشقائهم.
وتكرر في القرآن الكريم كيف بدأ استهدافه للإنسان، بدايةً بما عمله مع آدم «عَلَيْهِ السَّلَامُ»، وكيف سعى لإخراجه من الجنَّة ليشقى.
ومع كل ما أتى من الحديث عنه في كتب الله، والتحذير عنه من أنبياء الله، ورسل الله، وأولياء الله، هم يُحَذِّرون الناس منه، وَيُبَيِّنُون للناس سوءه، وشرَّه، وخطره، وعداءه، وحقده، وما يسعى من خلاله لإشقاء الإنسان، للاتِّجاه به في طريق الخسران؛ مع كل ذلك- وللأسف الشديد- انخدع به أكثر البشر، وأطاعوه، وتولوه، وهذه قضية عجيبة في واقع البشر! وقضية خطيرة.
ولهـذا يُبَيِّن الله لنا في القرآن الكريم عن هذه الخسارة للمجتمع البشري، نتيجة التَّولِّي للعدو، التَّولِّي لعَدُوِّهم، الذي حذَّرهم الله منه، الطاعة له في معصية الله، الانصراف عن هدى الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، والاتِّجاه في طريق الغواية، التي يدعوهم إليها الشيطان:
• في يوم القيامة، يوجِّه الله نداءه للمجتمع البشري: {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (60) وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (61) وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا كَثِيرًا أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ}[يس:60-62].
• في الحديث أيضاً في القرآن الكريم عن حجم الخسارة لكثيرٍ من الناس؛ بسبب توليهم للشيطان عَدُوِّهم، وطاعتهم له: {لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ}[ص:85]، تمتلئ جهنم، تمتلئ بالبشر، بالبشر الذين كانوا في هذه الدنيا مُتَوَلِّين لعَدُوِّهم، عَدُوِّهم الحاقد عليهم، الذي كان هدفه الرئيسي هو: أن يوصلهم إلى جهنم، إلى أشد عذاب؛ لأن هذا بالنسبة له هو الذي يُلَبِّي رغبته في العقدة، والحقد، والعداء لبني آدم: أن يوصل الإنسان إلى أَشَدِّ العذاب، إلى نار جهنم للأبد؛ لأن هذه أكبر ضربة يمكن أن يوجهها للبشر، وأن يعمل بهم ما لا يمكن أن يكون هناك أَشَدّ منه، ولا خسارة أكبر.
فلـذلك الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» أقام حُجَّته، وَنَبَّه، وبَيَّن، وقَدَّم حتى التفاصيل، حتى فيما يتعلق بالمستقبل في الآخرة.
• الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» حينما يقول في القرآن الكريم، وهو يُحَذِّرنا من الشيطان، بعد أن بيَّن لنا أنه رفض السجود لآدم، وحَقِد بسبب أمر الله له بالسجود: {إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا}[الكهف:50]، {بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا}، هذه هي الخسارة: التَّولِّي للعدو الحقود، الذي يسعى لأن يتَّجه بك إلى الشقاء الأبدي، إلى الخسران الرهيب العظيم، إلى الخسارة الكبيرة، إلى نار جهنم، هذه مشكلة كبيرة على الواقع البشري.
الارتباط بالشيطان خسران؛ لأنه كما بيَّن الله لنا: يسعى لإضلال الناس، لإغوائهم، لإفسادهم؛ ثم تحريكهم في طريق الغواية؛ لتتحوَّل مسيرة حياتهم إلى مسيرة إضلال، وإفساد، وشرّ، وإجرام، وطغيان، ومفاسد، ومظالم؛ فيتَّجه بهم لتسخير كل إمكاناتهم، وقدراتهم، وطاقاتهم، في الاتِّجاه الشيطاني، في اتِّجاهه هو، الذي هو هذا الاتِّجاه السيء جدًّا، من إضلال، وإغواء، وإفساد، وشرَ وإجرام، وظلم، وفساد… وغير ذلك؛ فالارتباط به خسارة، ومن يرتبط به، يتولاه، يطيعه، يعبده؛ يعبده بإيثاره لطاعته فوق طاعة الله، بانصرافه على نهج الله، واتِّجاهه في طاعته، وطاعة وساوسه، والاتِّجاه في الطريق التي هي طريقه، طريق الشر، طريق الإجرام، طريق الضلال والفساد.
أولياء الشيطان الذين يتولونهم، يتحولون هم- كذلك- إلى مصدر شرّ، مصدر للجريمة، للفساد، للظلم، ويُحَرِّكهم الشيطان في نفس تلك الاتِّجاهات؛ ولـذلك يكون نشاطهم في هذه الحياة كمجرمين، جرائم، أنواع الجرائم تصدر منهم، فاسدين مفسدين، ضالِّين مُضِلِّين، يتحرَّكون بالشَّرّ في حياة الناس؛ ولـذلك يتجلَّى على أيديهم- هم أيضاً- ما يسعى له الشيطان في إشقاء المجتمع البشري؛ لأنهم هم من أساؤوا إلى هذه الحياة، الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» رسم للبشرية منهج الهداية، الذي يكفل لهم السعادة والخير؛ لكن نتيجةً لأولئك الذين قاموا بالتولِّي للشيطان، والعبادة للشيطان، والاتِّجاه في طريقه الإجرامي، المُضِلّ، الذي فيه الشَّرّ والفساد، هم من سَوَّدوا وجه الحياة، من ملأوا الحياة بظلمهم، بفسادهم، بطغيانهم، من جلبوا الشقاء على المجتمع البشري؛ فتحوَّلوا هم إلى مصدر للشر، مصدر للجريمة، للظلم، للمفاسد؛ ولـذلك يُعَبَّر عنهم في القرآن الكريم بأولياء الشيطان، الذين قاموا بِالتَّوَلِّي له، بمختلف فئاتهم، وعناوينهم، وأسمائهم: فاسقين، كافرين، مجرمين، منافقين… هم يجمعهم هذا العنوان: التَّولِّي للشيطان، أولياء الشيطان، سَمَّاهم أولياء الشيطان.
في القرآن الكريم، القائمة التي تضمن عناوينهم- يعني: في آيات كثيرة في القرآن الكريم- بمواصفاتهم بشكلٍ واضح، يُعَرِّفهم تعريفاً واضحاً وجليّاً، كل فئة من أولياء الشيطان: كيف هي مواصفاتهم، أعمالهم، تصرفاتهم، نفسياتهم، توجهاتهم، مواقفهم…إلخ. والأنشطة التي يتحرَّكون فيها هي نفس الأنشطة الشيطانية:
• هو قال: {وَلَأُضِلَّنَّهُمْ}[النساء:119]، يتحرَّك مِنَ الذين يتولونه من هم مُضِلُّون في هذه الحياة، نشاطهم هو الإضلال.
• الشيطان يسعى للإفساد والإغواء؛ هم يتحركون لإفساد الناس، وبالفساد، الفساد بالنسبة لهم ممارسة في حياتهم؛ لأنهم أصبحوا فاسدين، ومع ذلك يسعون لنشر الفساد في الأرض، وإفساد الآخرين.
• وهكذا بالنسبة للظلم؛ الظلم ممارسة وسلوك بالنسبة لهم، يَتَعَدُّون حدود الله، يظلمون عباد الله، وفي نفس الوقت من يتولَّاهم، من يسير في دربهم؛ يسير في طريق الظلم.
وهكذا أصبحوا هُمْ من يتَّجهون ويتحرَّكون بالشَّرّ في واقع الحياة؛ فالشيطان يُحَرِّكهم، وهم أصبحوا شبكات كبيرة في المجتمع البشري، ينشطون في أنشطته الشيطانية العدوانية، التي تستهدف المجتمع البشري. الشيطان منذ البداية كان سيعتمد عليهم بشكلٍ أساسي، في أن يتحوَّل واقع الحياة لدى الناس إلى واقع سيء بفعلهم.
{قَالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ جَزَاءً مَوْفُورًا}[الإسراء:63]، يستحق جهنم من يَتَّبع عدوه الشيطان، الرجيم، الخسيس، السيء، الحقود، المستكبر، الضال، المفسد، الشرير؛ ويترك التولِّي لله ربِّ العالمين، المنعم، الكريم، العظيم، الذي له الأسماء الحسنى، الذي هو ولي كل نعمة على الإنسان، ربُّ العالمين.
{وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا}[الإسراء:64]؛ لـذلك فكل فئات أولياء الشيطان الذين يتحركون في واقع الحياة، بمختلف فئاتهم، وأصنافهم، وأنواعهم؛ هم امتداد للشيطان، لشرِّه، لضلاله، لفساده، لعدوانيته، لحقده، لإجرامه، تحوَّلوا إلى أداة شيطانية للشيطان.
القائمة التي وردت في القرآن الكريم هي قائمة واضحة- كما قلنا- تُحَدِّدهم بمواصفاتهم، على رأس تلك القائمة، التي حَذَّرنا الله منها في القرآن الكريم، وبَيَّن سوءها وشرها وخطرها: فريق الشر من أهل الكتاب، (اليهود، والموالون لهم من النصارى) هم على رأس القائمة في ما يُعَبَّر به في القرآن الكريم، ما يُستفاد منه أنهم هم الأكثر ضلالاً، والأشدُّ ظلماً، يعني: هم من أخطر أولياء الشيطان، ومن أسوأ أولياء الشيطان، ومن أكثر البشر عملاً في الاتِّجاه الشيطاني، والأنشطة الشيطانية في المجتمع البشري؛ فهم مصدر شر كبير على المجتمع البشري وخطير، وهم امتدادٌ للشيطان، في إجرامهم، وفسادهم، وظلمهم، وعدوانيتهم.
ولـذلك حينما يشرح لنا القرآن الكريم عنهم، ويخبرنا الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» عنهم، ماذا يريدون بنا؟
• يقول: {وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ}[النساء:44]، نفس الإرادة الشيطانية، ماذا يريد الشيطان من البشر؟ أن يَضِلُّوا السبيل في كل المجالات، وأن يكونوا تائهين في هذه الحياة في كل شيء: في معتقداتهم، في انتمائهم الديني، في مختلف مسارات حياتهم، في المجالات كافَّة، أن يَضِلُّوا كُلَّ سبيل خيرٍ، وفلاحٍ، وعِزٍّ، ونجاحٍ، وصلاح، وأن يتَّجهوا إلى الاتِّجاه الخاطئ، الذي هو اتِّجاه السقوط والضياع.
• يقول عنهم: {وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ}[المائدة:64]، وهذا هو نفسه من أهم الأنشطة الشيطانية، التي يسعى لها الشيطان، ويحرص عليها الشيطان، فهم يشتغلون في نفس الاتِّجاه الشيطاني.
• يقول عنهم: {إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ}[آل عمران:100]، وهذا أيضاً ما يسعى له الشيطان: لارتداد حتى بمن اتَّجهوا في طريق الإيمان، أن يرتد بهم عن نهج الإيمان وطريق الإيمان، إلى الكفر.
بيَّن القرآن الكريم عداءهم وحقدهم الشديد على المؤمنين، وهذه هي عقدة شيطانية، الشيطان هو حقود جدًّا على المؤمنين: {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا}[المائدة:82].
بَيَّن مستـــوى حقدهــــم:
• بقوله: {وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ}[آل عمران:118]، هذا يُبَيِّن حقدهم الشديد، يودُّون لكم العنت، أي عنت، ويسعون لذلك، ما فيه الضرر البالغ عليكم، برغبة شديدة، برغبة شديدة لذلك.
• يقول عنهم: {قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ}[آل عمران:118].
• يقول عنهم: {وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ}[آل عمران:119].
• يقول عنهم: {مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ}[البقرة:105]، كم في القرآن الكريم من آيات كثـــيرة جدًّا عنهم، هذه نماذج فقط من الآيات القرآنية.
فالله قدَّم في القرآن الكريم تشخيصاً دقيقاً لهم، وماذا يريدون، وكيف هم، وماذا يمكن أن يعملوا، وماذا يهدفون إليه، وكيف سيكون مصير الناس إذا لم يتحرَّكوا لمواجهة شرهم؛ وبيّن كيف يجب أن نكون في مواجهتهم.
بيَّن حتى مشاعرهم، مشاعرهم الداخلية نحو الناس، نحو المؤمنين، حديث القرآن الكريم عنهم واسعٌ جدًّا وتفصيلي، بالتفصيل في آيات كثيرة جدًّا، وعن سبيل مواجهتهم، كذلك الطريقة الصحيحة، التي تحمي الأمة من شرِّهم وخطرهم.
بيّن كذلك أساليبهم، سواءً على مستوى حربهم الناعمة، المفسدة، المُضِلَّة، وهي حرب خطيرة على الأمة، وهي- تلك الحرب- قائمة على قدمٍ وساق.
يعني: قد يتصوَّر البعض- مثلاً الآن- وهو يرى واقع العالم الإسلامي، فيرى- مثلاً- أن هناك حرب عسكرية، بالقتل، والدمار، والقنابل، والصواريخ؛ على غزَّة، على اليمن، على لبنان، في بعض سوريا؛ ثم يتصوَّر أن واقع بقية الأمة هو واقعٌ هادئ ومستقر، وأن الخطر من اليهود في عدوانهم، ونشاطهم العدائي، وتَحَرُّكهم العدواني، هو في هذا المستوى: استهداف لبلدان معيَّنة محدَّدة بالصواريخ والقنابل؛ إذاً كيف يعمل لكي يتخلَّص من ذلك.
حربهم قائمةٌ على قدمٍ وساق بما هو أخطر حتى من القنابل والصواريخ، على بقيَّة العالم الإسلامي، على بقيَّة البلدان العربية، يعني مثلاً: حربهم على دول الخليج، على مصر، على دول المغرب العربي، على بقيَّة العالم الإسلامي، هي حرب ساخنة جدًّا في اتِّجاهها الآخر: الحرب الناعمة، المفسدة، المُضِلَّة، يعني: لهم برامج وأنشطة عدوانية، خطيرة، قائمة، مشتغلة، ماشية، ماشية؛ لأن هناك تجاوب معهم فيها، استجابة- كما يفعل الناس في الاستجابة للشيطان- استجابة للعدو فيما يخدمه، ويُحَقِّق أهدافه، وهناك مسار لهم:
• للإضلال: التأثير والتغيير في الخطاب الديني، في المناهج الدراسية، في التَّوَجُّهات السياسية… في مختلف الأمور.
• الإفساد اللاأخلاقي: عمل مستمر، برامج، أنشطة متحركة.
لو يتأمل الإنسان ما يجري- مثلاً- في المملكة العربية السعودية، هناك عمل كبير لليهود، وهو عمل عدواني، لكن الناس هناك، (مثلاً: النظام، ومن يواليه، ومن يخضع له، ومن يستجيب له ويتَّبعه)، يتصوَّرون- لغبائهم المفرط، لضلالهم الرهيب، لابتعادهم عن هدى الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»- يتصوَّرون أنهم يتَّجهون الاتِّجاه الصحيح، في استجابتهم لكل المساعي اليهودية لإضلالهم وإفسادهم، كما هو الحال عندما يتَّجه الإنسان مع الشيطان براحة، وهو يتصوَّر أنه يُلَبِّي شهوات نفسه، رغبات نفسه، وهو يتَّجه إلى ما فيه الخسارة له.
فاليهود هم يشتغلون بأنشطتهم التي هي عدوانية، هي خطرٌ وشَرٌّ كبيرٌ جدًّا على الناس، وهي تتحرَّك في أوساط الآخرين على قدم وساق، وتحقق النتائج، وهي تُهَيِّئ- في نهاية المطاف- للشقاء الكبير، يعني: تُهَيِّئ لاستحكام السيطرة- فيما بعد- على تلك البلدان بشكلٍ كامل وبكل بساطة، بكل سهولة، بدون عناء؛ لأنها عندما تصل بهم على مستوى الإفساد النفسي، والتمييع اللاأخلاقي، إلى الحضيض، إلى أحطّ مستوى، كيف يمكن أن يكونوا في يومٍ من الأيام- بعد أن يصلوا إلى تلك الحالة- في مقام التصدِّي للعدو، ما يستلزمه ذلك من مبادئ، من أخلاق، من قيم، من غَيرة، من عِزَّة، من كرامة، من شرف… تكون قد فُقِدَت كل المقومات المعنوية للموقف، أصبح أمامك وضع لمنحطين، فاسدين، مائعين، تافهين، ضائعين، لا يمتلكون المبادئ، ولا القيم، ولا الأخلاق، ولا العقائد الصحيحة، ولا المبادئ الصحيحة، ولا التَّوجُّهات الصحيحة، فُرِّغ الإنسان من محتواه الإنساني، والإيماني، والأخلاقي؛ فيصبح- كما يتصوَّره اليهود- مُجَرَّد حيوان بصورة إنسان، يستغلونه كما يشاؤون، يقتلون من أرادوا، ويستغلون من يريدون، بحسب ما يريدون.
فهم يتحركون في الاتِّجاهات بكلها، والله حَذَّر منهم، وحَذَّر من أن مسلكهم في تلك الاتِّجاهات؛ لإضلال الناس، لإفسادهم، للارتداد بهم عن مبادئ الدين، عن قِيَمه، لإغوائهم ثقافياً وفكرياً؛ هي كلها أعمال عدائية خطيرة جدًّا، وهي تُمَثِّل شَرّاً كبيراً جدًّا على الأمة، يضيع بها من ضاع بسببها وتأثَّر بها في الدنيا والآخرة، يخسر مستقبله حتى في يوم القيامة.
الله قَدَّم في القرآن الكريم الهداية الكافية، في سبيل حماية المؤمنين والمسلمين، وعِزَّتهم، ومَنَعَتِهِم، ووقايتهم من شَرِّهم، مع التأييد من الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، هداية ومعها تأييدٌ ورعاية، وليس فقط هداية فقط، على قاعدة: {وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا}[الفرقان:31]، يهدي وينصر، عندما تتَّجه وفق ما هداك إليه.
لــو لـم يكــن للمسلمـــين إِلَّا:
• ما ورد في (سورة آل عمران) في صفحة ونصف في (سورة آل عمران)، هو قَدَّم لنا فيها برنامجاً متكاملاً:
• بيّن فيه ما يريدون أن نصل إليه كمسلمين، كيف يريدون أن نكون أمة مطيعةً لهم، وفي هذا الإطار نفسه يرتدوا بنا إلى حالة الكفر، والخروج عن نهج الإيمان، الكفر بمبادئ الإسلام، بقيمه، سواءً الكفر بالكامل، بالخروج من المِلَّة؛ أو مع بقاء الانتماء: الكفر بالمبادئ، الرفض لها، التَّنَكُّر لها، عدم القبول بها، واستبدالها ببدائل أخرى.
• ثم عرض لنا ما فيه الوقاية لنا، يهدي إلى ما يحمي هذه الأمة؛ لتكون في موقع العِزَّة والمَنَعَة.
في صفحة ونصف، من قوله: {إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ}[آل عمران:100]، في آخر الصفحة، ما قبل تلك الصفحة، وصولاً إلى النتيجة التي يمكن أن تصل إليها الأمة، إذا اتَّجهت وفق ذلك البرنامج الإلهي، التي بَيَّنها الله بقوله تعالى: {لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ}[آل عمران:111].
• في صفحة كذلك في (سورة المائدة)، صفحة:
• بيّن فيها خطورتهم.
• حرّم الولاء لهم.
• بيّن خطورة التولِّي لهم؛ لأنه تولٍ لعدوك؛ يُمَهِّد له أن يُحَقِّق أهدافه فيك بكل بساطة، ولن يُغَيِّر من موقفه العدواني تجاهك؛ إنما هو تمكينٌ له منك، بيّن خطورة الولاء لهم.
• فَنَّد التبريرات، التي يَتَذَّرع بها الموالون لهم.
• كشف حقيقة الموالين لهم، والسبب الحقيقي الذي يدفعهم إلى الولاء لهم.
• بَيَّن السبيل الصحيح لمواجهة شَرِّهِم وخطرهم.
بدءاً من قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ}[المائدة:51]، إلى قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ}[المائدة:54]، إلى النتيجة التي بَيَّنها بقوله: {فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ}[المائدة:56].
لو لم يكن إلا هذا في القرآن الكريم، لكان فيه الهداية الكافية، ما بالُك والحديث واسعٌ جدًّا، الهداية الواسعة الكافية، التي ترتقي بالأمة إلى مستوىً عظيم في المَنَعَة، والعِزَّة، والقوة؛ لإبطال شَرِّهم، ودفع شَرِّهم، على المستوى العالمي، وليس فقط في تحصين الأمة في وضعها هي، على مستوى واقعها هي؛ بل حتى إنقاذ بَقِيَّة المجتمع البشري من شَرِّهم.
ويُبَيِّن الله في القرآن الكريم أنه يُقَدِّم الهداية والرعاية، والعون، والنصر، والتأييد، وهو «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» من له ملك السماوات والأرض:
• يَعِد بالنصر: {إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ}[محمد:7].
• يَعِد بالهداية الدائمة، التي تأتي إلى كل التفاصيل، إلى كل المواقف، من خلال كتابه ونوره: {يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ}[المائدة:16]، {وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}[آل عمران:101].
• يُقَدَّم لنا مشروعاً منتصراً، يَعِدُ بنصره: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ}[الصف:9].
ولـذلك فالأمة تكبَّدت خسائر رهيبة جدًّا؛ لتفريطها في الاهتداء بالقرآن الكريم، في شتى مجالات حياتها، وأيضاً فيما يتعلق بهذا الجانب: جانب كيف نواجه المخاطر التي تستهدفنا من جهة أعدائنا؛ وإلَّا لكان نصّاً واحداً من القرآن الكريم كفيل بأن يرتقي بالأمة إلى أعلى مستوى، يعني: لو لم يكن لنا في القرآن الكريم إلَّا قول الله تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ}[الأنفال:60]، لو اتَّجهت الأمة هذا التَّوَجُّه، واسْتَمَرَّت عليه؛ لكان واقعها مختلفاً تماماً عمَّا هي عليه.
هدى الله يواكب مسيرة الحياة، هو مسيرة متكاملة، عطاؤه متجدِّد في إطار سنة الله تعالى في هداية عباده، ولأهمية هذه المسألة عَلَّمنا الله أن نقول في كل صلاة: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ}[الفاتحة:6-7]؛ لأننا بحاجة دائمة إلى الهداية الإلهية، وبحاجة متجدِّدة في مسيرة حياتنا، وفيما يَسْتَجِدّ في حياتنا هذه، والله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» لا يترك عباده من دون هداية، يُقِيم عليهم الحُجَّة: {وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ}[الرعد:7]، لا يتركهم بدون هداية.
واقع العالم اليوم، بالرغم من كل ما قد وصل إليه من تَقَدُّم مادي، يشهد على الحاجة إلى الهدى:
• واقع الغرب مأزوم، إمكاناتهم، تَقَدُّمهم المادي، لم يرتقِ بهم إنسانياً وأخلاقياً؛ إنما توحَّشوا أكثر، سخَّروا إمكاناتهم لنشر الفساد، يعيشون أزمات اجتماعية كبيرة جدًّا، وهناك مشاكل كثيرة جدًّا في العالم؛ نتيجةً للانصراف عن الهدى.
• واقع المسلمين أيضاً واقع مأساوي، ومحزن، ومؤسف؛ نتيجةً لإعراضهم وغفلتهم، عمَّا قد منَّ الله به عليهم من الهدى، وهم بحاجة إلى الرجوع إليه.
نكتفي بهذا المقدار.
وفي ختام هذه الكلمة، لا يفوتنا أن نُشِيد بالمؤتمر الدولي الثالث (فلسطين قضية الأمة المركزية) في صنعاء، الذي هو بعناية رسمية، وفيه مشاركات من بلدان كثيرة؛ بل من مختلف القارات: سواءً بالكلمات عبر الفيديو؛ أو من خلال الحضور، من تهيأ لهم الحضور.
هذا المؤتمر المهم، هو يأتي- كما قلنا- برعايةٍ رسمية، في إطار الاهتمام الجادّ والصادق بالقضية الفلسطينية، والمناصرة للشعب الفلسطيني، فيه مشاركات مفيدة، نحن نَتَوَجَّه بالشكر للإخوة القائمين على هذا المؤتمر، والذين بذلوا جهوداً كبيرة في إقامته، وإن شاء الله تكون مخرجاته مفيدة، ومثمرة، وفي إطار هذا التَّوَجُّه الصادق لنصرة القضية الفلسطينية.
نَسْألُ اللَّهَ «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» أَنْ يُوَفِّقَنَا وَإِيَّاكُم لِمَا يُرْضِيهِ عَنَّا، وَأَنْ يَرْحَمَ شُهْدَاءَنَا الأَبْرَار، وَأَنْ يَشْفِيَ جَرْحَانَا، وَأَنْ يُفَرِّجَ عَنْ أَسرَانَا، وَأَنْ يَنْصُرَنَا بِنَصْرِه، إِنَّهُ سَمِيعُ الدُّعَاء.
وَالسَّلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛

مقالات مشابهة

  • الرئيس السيسي: الأزهر منارة العلم والإرشاد.. وأتمنى الشفاء للإمام الطيب
  • السيسي: بناء الأوطان لا يتحقق إلا ببناء الإنسان
  • وكيل أوقاف الفيوم: حفظة القرآن الكريم هم النماذج المضيئة التي يجب أن يحتذى بها
  • في محاضرته الرمضانية الثانية والعشرين قائد الثورة: حاجة المسلمين إلى الاهتداء بالقرآن الكريم تجاه المخاطر التي تستهدفهم مهمة جداً
  • أمين عام البحوث الإسلامية لـ«البوابة نيوز»: نعمل فى إطار الرسالة الشاملة للأزهر.. نركز على كل القضايا التي تمس الإنسان بشكل مباشر.. والخطاب الديني المستنير يراعي واقع المجتمع
  • جامعة السويس تكرم الفائزين في مسابقة القرآن الكريم بجائزة عبد الرحمن عز الدين
  • حيث الإنسان يبعث الحياة في سكن الطالبات بجامعة تعز ويتكفل بكل إحتياجاته حتى  زهور الزينة .. تفاصيل العطاء الذي لن يندم عليه أحد
  • 75 يوما على اعتقاله.. ناشطون يطالبون بالإفراج الفوري عن عبد الرحمن القرضاوي
  • نص المحاضرة الرمضانية الـ21 للسيد عبد الملك بدر الدين الحوثي 23 رمضان 1446هـ
  • مرايا الوحي: المحاضرة الرمضانية (21) للسيد القائد 1446