مفتي الجمهورية لـ «الأسبوع»: من حق المرأة تولي منصب الإفتاء إذا توافرت فيها هذه الشروط (حوار)
تاريخ النشر: 5th, July 2024 GMT
د.شوقي علام: استمرارية الاجتهاد «ضرورة».. وهو حق مكفول للعلماء المؤهلين على استيعاب النصوص وتطبيقها على الواقع المعاصر
◄ ترويج الإشاعات والأكاذيب ضد الوطن «خيانة».. والإسلام يحرم كل ما يُسبب الضرر للأفراد أو المجتمعات◄ العالم الإسلامي متنوع ثقافيا واجتماعيا وكل بلد لديه تقاليده وعاداته.. ومحاولة جمع الناس على مذهب فقهي واحد أمرٌ معقد◄ أدعو مؤسسات الفتوى في مختلف البلدان الإسلامية إلى العمل معا لتقديم حلول فقهية مناسبة للقضايا المعاصرة◄ المسلمون يواجهون تحديات تتطلب من علماء الدين أن يكونوا على قدر كبير من الكفاءة والفهم للشريعة والواقع الذي يعيشون فيه◄ مجابهة الفكر المتطرف والقضاء عليه يتطلب تكاتف جميع الجهات.. وهي جهود تحتاج إلى وقت طويل لكي تُرى ثمار نجاحها◄ الاجتهاد جزء لا يتجزأ من الديناميكية والتجدد في الفقه الإسلامي.. وبابه مفتوح لمن يملك الأدوات والمؤهلات اللازمة◄ استئجار الأرحام ممنوع ومحرم شرعا.. ولا مانع من الإنجاب بواسطة وضع لقاح الزوج والزوجة في أنابيب◄ تجارة العملة حرام شرعا ومجرم قانونا.. المال المكتسب منها كسبٌ غير طيب.. من يفعل هذا يرتكب إثمًا كبيرًا◄ احتكار السلع جريمة وأكل لأموال الناس بالباطل.. تعطيش الأسواق من أعظم المعاصي.. والمحتكر ملعون وعذابه شديد◄ معاملات البنوك جائزة شرعا ولا علاقة لها بالربا.. ويجب أن ندرك الفارق بين الشخصية الاعتبارية والفردية◄ إرتداء الحجاب واجب شرعي.. ولا مانع أن ترتدي المرأة الملابس الملونة بشرط ألا تكون لافتة للنظر أو مثيرة للفتنةمفتي الجمهورية في حواره لـ «الأسبوع»
قال فضيلة الدكتور شوقي علام، مفتي الديار المصرية، رئيس الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم: إن التجار الذين يحتكرون السلع بقصد حجبها عن أيدي الناس إضرارًا بهم حتى يصعب الحصول عليها وترتفع قيمتها هم تجار «منعدمو الضمير»، لأن هذا الفعل من أشدِّ أبواب التضييق والضرر.
وأوضح مفتي الجمهورية، في حواره لـ «الأسبوع»، أن المعاملات البنكية جائزة ولا يوجد في الشرع ما يحرمها، وقد استقرت الفتوى في دار الإفتاء المصرية، بعد دراسات مستفيضة، أن السحب والإيداع في البنوك هو من باب عقود التمويل المستحدثة لا القروض التي تجر النفع المحرَّم، ولا علاقة لها بالربا.. وإلى نص الحوار:
◄ الدراما التليفزيونية في رمضان الماضي ناقشت عدة قضايا هامة، أبرزها مسألة «تأجير الأرحام»، فما هو الرأي الشرعي في هذه المسألة؟- أولًا ينبغي الإشادة بالجهات المختصة والمعنية والرقابية المسؤولة عن مراقبة المحتوى الفني فهي لا تسمح بأي تجاوز يخالف الدين أو يهدد تقاليد وثقافة المجتمع.
وأما الإنجاب بوضع لقاح الزوج والزوجة في أنابيب، ثم إعادة نقله إلى رحم الزوجة لا مانع منه شرعًا، إذا تحقَّق القطع بكون البويضة من الزوجة والحيوان المنوي من زوجها، وتم تفاعلهما وإخصابهما خارج رحم هذه الزوجة، وأعيدت البويضة ملقحةً إلى رحم تلك الزوجة دون استبدالٍ أو خلطٍ بمنيِّ إنسانٍ آخر، وكانت هناك ضرورة طبية داعية إلى ذلك، كمرضٍ بالزوجة أو الزوج، أو أن الزوجة لا تحمل إلا بهذه الوسيلة، وأن يتم ذلك على يد طبيب حاذقٍ مؤتمن في تعامله.
أما استئجار الأرحام فإنه محرَّمٌ وممنوع شرعًا، وقد صدر قرار مجمع البحوث الإسلامية رقم (1) بجلسته بتاريخ 29/ 3/ 2001 م بتحريم تأجير الأرحام، وكذلك أجمع الفقهاء المعاصرون على حرمة ذلك، حيث لا يمكن الجزم مع وجود الطرف الثالث بتحديد الأم الحقيقية لهذا الطفل، هل الأحقُّ به صاحبة البويضة التي تخلَّقَ منها الطفل وحمل كل خصائصها الوراثية، أو الأحقُّ به الأم الحاضنة صاحبة الرَّحم الذي تم فيه نموُّه وتطوُّره وتبدله حتى صار جنينًا مكتملًا؟ ولما يترتب على ذلك من خللٍ وتنازعٍ كبيرين وهو خلاف مراد الشارع من انضباط الأمور واستقرار الأحوال ورفع التنازع أو حصره قدر الإمكان.
مفتي الجمهورية في حواره لـ «الأسبوع»- ما حكم المتاجرة في السوق السوداء، خاصة فيما يتعلق بتجارة العملة وما يسببه هذا من أضرار للاقتصاد الوطني؟- احتكار العملة الأجنبية لبيعها بسعر أعلى، يدخل في الاحتكار المحرم شرعًا، وهو أيضًا مُجَرَّمٌ قانونًا، ومرتكبُ هذا الفعل مرتكبٌ لإثمٍ كبير، لأنه يضيق على عامة الناس من خلال ارتفاع أسعار السلع والخدمات ومتطلبات الحياة بسبب شحِّ العملة، فيلحق الضرر باقتصاد البلاد، ويؤثر سَلْبًا في الاستقرار ومسيرة البناء والتنمية، ويوقع المحتاجين في المشقة والحرج.
ونشدد على أنه لا يجوز التعامل في النقد الأجنبي إلا عن طريق البنوك وشركات الصرافة المعتمدة المرخص لها في هذا النوع من التعامل، والمال المكتسب مما يعرف بـ«تجارة السوق السوداء» كسبٌ غير طيِّبٍ.
- وماذا عن احتكار السلع بهدف «تعطيش السوق» ثم بيع هذه السلع بأسعار مضاعفة؟- لا خلاف بين الفقهاء في أن الاحتكار في الأقوات حرامٌ، حيث إن الشرع الشريف قد نهى عن الاحتكار وحرَّمه، ودَلَّت النصوص الشرعية على أَنَّ الاحتكار من أعظم المعاصي، فقد اشتملت الأخبار على لعن المحتكر وتَوعُّدِه بالعذاب الأخروي الشديد، وكذلك تم وصفه بالخاطئ لقول سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يَحْتَكِرُ إِلَّا خَاطِئٌ» وغيره من الأدلة.
كما أن المحتكر منعدم الضمير وآثم إذا قصد حجب السلع عن أيدي الناس إضرارًا بهم حتى يصعب الحصول عليها وترتفع قيمتها، وبهذا يحصل المحتكرون على الأرباح الباهظة دون منافسة تجارية عادلة، وهو من أشدِّ أبواب التضييق والضرر، والسلع التي يجري فيها الاحتكار هي كل ما يقع على الناس الضرر بحبسها، ولا مانع من اتِّخاذ الدولة لإجراءات تمنع الاحتكار.
والمال المكتسب من الاحتكار بلا شك هو مال مكتسب من حرام وجريمة، لأن الاحتكار جريمة وأكل لأموال الناس بالباطل. وينبغي أن يعلم هذا المحتكر أنه قبل توبته عليه رد أموال الناس التي أخذها منهم بطرق غير مشروعة.
مفتي الجمهورية في حواره لـ «الأسبوع»- ما حكم المعاملات البنكية؟ وهل وضع الأموال في البنوك والحصول على فوائدها أمرٌ محرم شرعًا؟- المعاملات البنكية تُعد من باب العقود المستحدثة التي يبرمها أطرافها بقصد الاستثمار، وليست من باب القروض التي تجر النفع المحرم، ولا علاقة لها بالربا، وهي جائزة شرعًا، أخذًا بما عليه التحقيق والعمل من جواز استحداث عقود جديدة إذا خلت من الغرر والضرر.
ولا صحة للادعاءات التي يرددها البعض بأن هناك ازدواجية في التفريق بين حكم ما تقوم به البنوك وبين ما يقوم به القائمون على توظيف الأموال من الأفراد، لأن البنوك شخصيات اعتبارية تختلف أحكامها عن الشخصية الفردية عند التعرض لقضية الربا وغيرها، ومن الأدلة على هذا هو نظام الوقف الذي تختلف أحكامه عن التعاملات الفردية، كعدم حصول الزكاة في أموال الوقف بعكس الأموال الأخرى المملوكة للأشخاص، وذلك وفق الضوابط الشرعية.
ويجب أن ندرك الفارق بين الشخصية الاعتبارية كالبنوك والدولة، وبين الشخصية الفردية في المعاملات المالية، إذ أن القرض المُحرَّم هو الذي يقوم على التربح والخروج بعقد القرض عن طبيعته، ولهذا صنفه الفقهاء على أنه من عقود الإرفاق، أما البنك فلا، لأن عمل البنوك لا يقوم على الاقتراض من الناحية الاستثمارية، وإنما القصد الوكالة عن المودع في استثمار ماله، فالعلاقة ليست علاقة قرض بين البنك والمودع، بل هي علاقة استثمار، فما يأخذه العميل هو في إطار الربح الحلال.
والعلاقة بين البنوك والمتعاملين معها يتم تصويرها على أنها من باب «التمويل»، وإذا كانت تمويلًا ففوائدها ليست حرامًا، لأنها ليست فوائد قروض، وإنما هي عبارة عن أرباح تمويلية ناتجة عن عقود تحقق مصالح أطرافها، ولا علاقة لها بالربا المحرم الذي وَرَدَت حُرْمته في صريحِ الكتابِ والسُّنة، وأجمَعَت الأمةُ على تحريمه.
كما أن أغلب العلماء اتفقوا في السنوات الأخيرة -بعد بحث ودراسة- على أن المعاملات البنكية لا حرمة فيها، وهذا الاجتهاد المنضبط قد درج عليه العلماء والفقهاء، مثلما أوجب الفقهاء قديمًا الضمان على الصنَّاع أصحاب الحرف، اجتهادًا، حماية لأموال الناس، حتى لا يتسلَّط الصنَّاع على أموالهم أو أغراضهم قيد التصنيع عندهم والتي يزعمون ضياعها أو سرقتها أو تلفها، وقد رأى الفقهاء أنهم غير ضامنين، خلافًا لما كان يراه الصحابة والتابعون من أنهم ضامنون، فهذا اجتهاد تطلَّبه تغيُّر الحال وتبدل النيات، حيث إن تغيير الفتوى يكون نتيجة فهم جديد للواقع وليس تحولًا عن الشرع.
والذي استقرت عليه الفتوى في دار الإفتاء المصرية، بعد دراسات مستفيضة، أن السحب والإيداع في البنوك هو من باب عقود التمويل المستحدثة لا القروض التي تجر النفع المحرَّم، ولا علاقة لها بالربا.
البنك المركزي المصري- ما حكم إرتداء الحجاب؟ وهل هو فرضٌ تأثم أي سيدة لا ترتديه أم أنه من المستحبات التي يُخير النساء في فعلها من عدمه؟- من المقرر شرعًا أن الحجاب من الواجبات الشرعية، وقد ورد الأمر به في القرآن الكريم في قوله تعالى: »وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فَرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ « )النور: 31(، وفي قوله تعالى: »يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَحِيمًا« (الأحزاب: 59)، وفي حديث السيدة عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا عند أبي داود وغيره: أَنَّ أَسْمَاءَ بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنهما دَخَلَتْ عَلَى سيدنا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ وَعَلَيْهَا ثِيَابٌ رِقَاقٌ، فَأَعْرَضَ عَنْهَا سيدنا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ وَقَالَ: «يَا أَسْمَاء، ُ إِنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا بَلَغَتْ الْمَحِيضَ لَمْ تَصْلُحْ أَنْ يُرَى مِنْهَا إِلَّا هَذَا وَهَذَا» وَأَشَارَ إِلَى وَجْهِهِ وَكَفَّيْهِ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم.
والزِّيُّ الشرعي المطلوب من المرأة المسلمة هو كل زِيٍّ لا يصف مفاتن الجسد ولا يشف عما تحته، ويستر الجسم كله ما عدا الوجه والكفين، وكذا القدمين عند بعض الفقهاء، ولا مانع كذلك أن تلبس المرأة الملابس الملونة بشرط ألا تكون لافتة للنظر أو مثيرة للفتنة، فإذا تحققت هذه الشروط على أي زي جاز للمرأة المسلمة أن ترتديه وتخرج به.
مفتي الجمهورية في حواره لـ «الأسبوع»- هل يحق للمرأة تولي منصب الإفتاء في أي دولة من دول العالمين العربي والإسلامي، أم أن هذا أمرٌ غير جائز شرعًا؟- لا مانع من ذلك إذا توافرت فيها الشروط العلمية والفنية اللازمة لتولّي هذا المنصب، شأنها شأن الرجل، فلا بد من الكفاءة، وإدراك الواقع، والقدرة على فهم الأحكام الشرعية، وأن تتوفر الـمَلَكَةُ، لتنزيلها على الواقع المتغير، علاوة على التخصص.
وبفضل الله لدينا في دار الإفتاء المصرية باحثات شرعيات مؤهلات يتصدرن للفتوى تأكيدًا على أهمية دور المرأة والعمل على تمكينها ومنحها الفرص وفقًا لكفاءتها، حيث إن المرأة شريك أساسي في تحقيق البناء والتنمية في الدولة، وأن دورها في العمل والبناء والقيادة لا يمكن لأحد أن ينكره، كما أن الشريعة الإسلامية تحتفي بالمرأة وتمنحها كافة حقوقها المشروعة.
برنامج العلوم الشرعية التأهيلية للباحثات- هناك الكثير من القضايا المعاصرة، أو ما يمكن أن نطلق عليه «المسائل الفقهية المستحدثة»، التي باتت تؤرق حياة المسلمين في وقتنا الراهن، فلماذا لا يتوافق علماء المسلمين المعاصرين وينتجوا مذهبًا فقهيًا خامسًا يُفصلون فيه الرأي الفقهي في هذه القضايا المعاصرة؟- الشريعة الإسلامية تتسم بالثراء والتنوع، وقد أثبتت عبر التاريخ قدرتها على التكيف مع التغيرات الزمانية والمكانية مع الحفاظ على جوهرها وأصولها.
والاختلاف بين علماء المسلمين ليس بالضرورة دليلًا على التفرقة أو الضعف، بل يمكن أن يُظهر سعة الشريعة ومرونتها في التعامل مع مختلف الظروف والأحوال. والشريعة الإسلامية قائمة على مبادئ عريضة وقواعد كلية تسمح بتوليد أحكام فقهية تتناسب مع مستجدات الحياة والتطورات الحديثة، مع الحفاظ على ثوابت الدين وأسسه.
ومن جهة أخرى، العالم الإسلامي متنوع ثقافيًا واجتماعيًا ويضم مجموعة واسعة من التقاليد والعادات، مما يجعل الأمر معقدًا بعض الشيء عند التفكير في إنشاء مذهب فقهي واحد يغطي كل القضايا المعاصرة. فكل بلد أو مجتمع قد يواجه تحديات فريدة تتطلب تفسيرات وحلول فقهية خاصة تتناسب مع سياقها الخاص.
ولا شك أن إنشاء مذهب فقهي جديد قد يبدو فكرة جذابة لتوحيد الرأي حول قضايا معينة، ولكن في الواقع، الفقه الإسلامي يقدم بالفعل أدوات مرنة مثل الاجتهاد المشترك (الاجتهاد الجماعي) ومجالس الفتوى التي تضم علماء متخصصين يتناولون المسائل المعاصرة ويصدرون فيها فتاوى تراعي ظروف العصر ومتطلباته.
وبدلًا من السعي نحو إنشاء مذهب فقهي جديد، يمكن التركيز على تعزيز التواصل والتعاون بين علماء المسلمين ومؤسسات الفتوى في مختلف البلدان لتبادل المعرفة والخبرات والعمل معًا على تقديم حلول فقهية متوازنة ومناسبة للقضايا المعاصرة، مع الاحتفاظ بالتنوع والغنى الذي يميز الفقه الإسلامي.
- ما دامت المذاهب الفقهية هي نتاج فهم العلماء السابقين للنص القرآني وصحيح السنة النبوية، فلماذا يصر بعض المشايخ على القول: إن باب الاجتهاد أغلق بنهاية القرن الرابع الهجري؟ أليس من حق علماء الدين المعاصرين القيام بنفس المهمة التي قام بها علماء القرون الأربعة الأولى؟- الفهم الشائع بأن باب الاجتهاد قد أُغلق بنهاية القرن الرابع الهجري هو فهم غير دقيق، لأن الواقع يثبت أن الاجتهاد مستمر في الإسلام ويُعد جزءًا لا يتجزأ من الديناميكية والتجدد في الفقه الإسلامي. والاجتهاد هو جهد فكري يبذله العلماء المؤهلون لاستنباط الأحكام الشرعية من النصوص القرآنية والحديثية في مواجهة مسائل جديدة لم تكن معروفة في العصور السابقة.
وعبر التاريخ الإسلامي، واصل علماء الشريعة الإسلامية الاجتهاد في مواجهة التغيرات الاجتماعية والعلمية والتكنولوجية، مستخدمين أدوات الفقه الإسلامي لتقديم حلول تتوافق مع مبادئ الشريعة وتلبي احتياجات المسلمين في عصرهم.
ولا شك أن المسلمين -في الوقت الحاضر- يواجهون تحديات جديدة تتطلب من علماء الدين المعاصرين أن يكونوا على قدر كبير من الكفاءة والفهم للشريعة وللواقع الذي يعيشون فيه، ليتمكنوا من القيام بالاجتهاد بشكل صحيح.
والأهم أن باب الاجتهاد، لم ولن يغلق، بل هو مفتوح لمن يملك الأدوات والمؤهلات اللازمة لذلك، وهذا يشمل إتقان العلوم الشرعية، وفهم اللغة العربية، والقدرة على فهم النصوص الدينية وسياقها التاريخي والثقافي، إضافة إلى الإلمام بالواقع المعاصر والتحديات التي تواجه المسلمين.
وهناك علماء كُثر في العصر الحديث اجتهدوا -وما زالوا يجتهدون- في مختلف القضايا المستجدة، من النوازل الطبية والأخلاقية إلى القضايا الاقتصادية والمالية، مثل المعاملات المالية الحديثة والتكنولوجية وقضايا البيئة وغيرها. وجميع هذه الجهود تُظهر حيوية الفقه الإسلامي وقدرته على التكيف مع المتغيرات دون التفريط في أسس الدين ومبادئه الأخلاقية.
وما نود التأكيد عليه هو أن الاجتهاد في الإسلام ضرورة مستمرة تعكس الديناميكية والتجدد في فهم الشريعة، وهو مكفول للعلماء المؤهلين الذين يملكون القدرة على استيعاب النصوص وتطبيقها على الواقع المعاصر بفهم عميق ووعي بمقاصد الشريعة.
مفتي الجمهورية في حواره لـ الأسبوع- نجحت قواتنا المسلحة في هزيمة الإرهاب والقضاء عليه عسكريًا، والمؤسسة الدينية بمختلف أفرعها تؤدي دورًا هامًا في مجابهة الإرهاب فكريًا، إلا أن لوثة الإرهاب الفكرية ما زالت متلبسة بكثير من العقول، فما السبب وراء صعوبة القضاء على المتطرف كفكر؟ ومتى نستطيع القول إننا تخلصنا بالفعل من هذا الفكر؟- مجابهة الفكر المتطرف والقضاء عليه تحدي يتطلب استراتيجية شاملة تجمع عدة محاور، مع الأخذ بعين الاعتبار أن هذه الجهود تحتاج إلى وقت طويل لكي ترى ثمار نجاحها، ولا يمكن قياس نجاحها بشكل مباشر، مما يجعل القضاء النهائي على الفكر المتطرف هدفًا مستمرًا يتطلب تكاتف جميع الجهات التي يهمها أمر القضاء على التطرف.
مفتي الجمهورية في حواره لـ الأسبوع- ما حكم الشرع في المواطنين الذين يتعمدون ترويج الإشاعات والأكاذيب ضد بلدهم؟- في الإسلام، يُعد ترويج الإشاعات ونشر الأكاذيب، خاصةً تلك التي تضر بالمجتمع والوطن، من الفعال المُحرمة والتي تتنافى مع تعاليم الدين الحنيف. والإسلام يدعو إلى الصدق والأمانة والتحلي بالمسؤولية في التعامل مع الأخبار والمعلومات. قال تعالى: »يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ« (الحجرات: 6).
وترويج الإشاعات ضد الوطن يُعدّ خيانة للأمانة وإساءة للمجتمع، حيث يُسهم في نشر الفتنة والبلبلة ويضعف الثقة بين أفراد المجتمع ويُعرقل مسار التنمية والاستقرار. الشريعة الإسلامية تُحرّم كل ما يُسبب الضرر للأفراد أو المجتمعات، وترويج الإشاعات يقع ضمن هذا الإطار.
اقرأ أيضاًمفتي الجمهورية لـ «الأسبوع»: عادات رمضان تغيرت بسبب التطور التكنولوجي والتأثيرات الخارجية
مفتي الجمهورية يروي لـ «الأسبوع» كيف كان يقضي رمضان في مسقط رأسه بـ البحيرة (خاص)
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: الدكتور شوقي علام حكم إرتداء الحجاب محمد أبو العيون مفتي الجمهورية مفتي الديار المصرية الشریعة الإسلامیة المعاملات البنکیة الفقه الإسلامی ن الاحتکار لا مانع من الفتوى فی ولا مانع ما حکم على أن من باب ى الله التی ی
إقرأ أيضاً:
مفتي الجمهورية: ارتفاع معدلات الطلاق يهدد استقرار المجتمع.. فيديو
حذر الدكتور نظير عياد، مفتي الجمهورية ورئيس الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، من انتشار ظاهرة التنصل من المسئولية في المجتمع، سواء بين الأزواج أو الأبناء، مشيرًا إلى أنها باتت سمة شائعة في حياتنا اليومية وتعد تهديدًا لاستقرار الأسرة والمجتمع.
وخلال لقائه مع الإعلامي حمدي رزق في برنامج "اسأل المفتي" على قناة صدى البلد، أوضح الدكتور عياد أن غياب التربية السليمة أسهم بشكل كبير في تفاقم هذه الظاهرة، مما أدى إلى تصدّع العلاقات الأسرية والاجتماعية.
وأشار المفتي إلى أن المجتمع يعاني أزمة أخلاقية عميقة، حيث تداخلت المفاهيم وفُقدت معايير الرجولة والأنوثة نتيجة الفوضى التي فرضتها بعض وسائل الإعلام الحديثة. وعلى الرغم من أن هذه الوسائل تشكل نعمة في كثير من الجوانب، إلا أنها تحولت في بعض الأحيان إلى أدوات لنشر أفكار وسلوكيات غريبة على المجتمعات العربية والإسلامية.
وأوضح أن تأثير وسائل التواصل الحديثة لم يكن عشوائيًا، بل قد يكون موجهًا، حيث تحاول بعض الأطراف التأثير على الخصوصية الثقافية والدينية للمجتمعات الشرقية من خلال بث أفكار تتعارض مع قيمها.
وأضاف الدكتور عياد أن الأسرة تظل "الكتلة الصلبة" التي تضمن استقرار المجتمعات العربية والإسلامية، على عكس المجتمعات الغربية التي شهدت تراجعًا ملحوظًا في دور الأسرة. وأكد أن الأسرة في المجتمعات الشرقية ما زالت تحتفظ بمكانتها كمؤسسة مقدسة ومحورية في بناء المجتمع.
وأشار إلى أن أهمية الأسرة لم تقتصر على الثقافات الإسلامية والعربية، بل كانت ركيزة أساسية في الفلسفات القديمة مثل الفلسفة المصرية والهندية، مما يؤكد دورها الحيوي في استقرار المجتمعات على مر العصور.
وشدد مفتي الجمهورية على ضرورة التمسك بالقيم الأساسية التي تدعم استقرار الأسرة وتحافظ على تماسك المجتمع، محذرًا من أن غياب هذه القيم قد يؤدي إلى تفكك المجتمعات وانتشار الظواهر السلبية.