انتظروا الفاتيكان بعد احتفالية تطويب البطريرك الدويهي
تاريخ النشر: 5th, July 2024 GMT
قد يكون التنافس السياسي بين حزب "القوات اللبنانية" و"التيار الوطني الحر" مفهومًا في الأيام العادية، ولكن أن يصل بهما الأمر إلى مرحلة التهشيم السياسي في الزمن الاستثنائي، الذي يمر به الوطن عمومًا، ومن ضمنه المكّون المسيحي، والذي يتعرّض فيه لأسوأ ما يمكن أن يصل إليه وطن يحتاج إلى التضامن أكثر من أي وقت مضى، فهو ما لا يمكن فهمه أو استيعابه.
وعلى رغم الجو الديمقراطي والتعددي السياسي، الذي تعيشه الساحة المسيحية، فإن تبادل الحملات الاعلامية بين "معراب" و"ميرنا الشالوحي"، وإن لم يكن جديدًا، فإنه يساهم من حيث لا يدري هذا الفريقان المسيحيان ، في تعاظم الشعور بـ " القرف" لدى الفئات المسيحية، التي تحملانهما جزءًا كبيرًا من وصول الأزمة الحالية إلى ما وصلت إليه، وما يتسبّبان به وبطرق مختلفة باستمرار الفراغ الرئاسي.
وهذا الشعور عكسه موفد البابا أمين سر حاضرة الفاتيكان الكاردينال بيترو بارولين خلال زيارته الأخيرة للبنان، حيث أبدى امتعاضًا لاحظه جميع الذين التقوه في العلن أو بعيدًا من الاعلام لجهة ما تكّون لديه من شعور كان موجودًا لديه في الأساس، وهو المولج الاطلاع على التقارير، التي تصل إلى الدوائر الفاتيكانية المختّصة بالشأن المسيحي في منطقة الشرق، وبالأخصّ في لبنان، والتي تتمحور بمجملها على ما أصاب الوجود المسيحي من تقهقر تعود أسبابه في الدرجة الأولى إلى عدم عيش المسيحيين، اكليروسًا وعلمانيين، تعاليم الانجيل، فضلًا عن الترهّل الذي أصاب رجال الدين، وبالأخص من يُفترض بهم قيادة القطيع إلى حظيرة الرب، بالتعليم والإرشاد والقدوة والمثل الصالح.
لم يخفِ الكاردينال الرسول استغرابه من عدم قدرة البطريرك الماروني مار بشاره بطرس الراعي على جمع الأقطاب الموارنة الأربعة تحت سقف بكركي، مع ما تركه موقفه الأخير مما يحصل في الجنوب من بلبلة سياسية، خصوصًا بعد محاولات التراجع عنه في شكل غير مباشر. وهذا ما أحدث "نقزة" لدى الفاتيكان، الذي يحاول بما لديه من ثقل روحي انقاذ ما يجب أو ما يمكن إنقاذه في وطن – الرسالة قبل أن تضيع هويته. وهذه مسؤولية المسيحيين قبل غيرهم من شركائهم في المواطنة.
فإذا كانت بكركي، في رأي الفاتيكان، عاجزة عن ترميم الجسور بين المسيحيين أنفسهم فمن غيرها يستطيع ذلك، وهي التي لعبت في السابق أدورًا وطنية جامعة من دون أن تضطّر لتقديم أي تنازل له علاقة بالثوابت الوطنية. وقد سُمع الكاردينال بارولين يردّد أمام محدّثيه كلام الانجيل "إن لم يبنِ رب البيت فعبثًا يتعب البناؤون"، في إشارة منه إلى المسؤولية الروحية والأدبية لبكركي عمّا آلت إليه حال المسيحيين، الذين تراجع دورهم الريادي بسبب خلافاتهم الداخلية والعبثية، وقد تكون النتيجة الحتمية المزيد من تشرذمهم وانقسامهم فيما الوطن ينساب من بين أيديهم كحبات الرمل.
ولا يخفي الرجل الثاني في الفاتيكان سرًّا عندما يشير إلى أن قداسة البابا فرنسيس، الذي يحرص على لبنان بكليته كحرصه على كل واحد من أبنائه المسيحيين، سيكون له تحرّك في اتجاه الوطن الذي يعني له الكثير في أكثر من اتجاه، وبالأخص في ما له علاقة مباشرة بالسلطة الروحية والرعوية المعطاة له لإدارة شؤون كنيسته، مع الأخذ في الاعتبار رأي بعض رجال الدين – القدوة، والذين يستمع إلى رأيهم ومشورتهم في ما يمكن اتخاذه من خطوات إنقاذية داخل الكنيسة التابعة مباشرة للسلطة البابوية، وهو الذي قد أصبحت لديه ما يكفي من المعطيات المستندة إلى وقائع واثباتات عن الكثير من ملفات الفساد من داخل التركيبة الهرمية للسلطة الكنسية.
ووفق بعض المعطيات فإن الكاردينال بارولين لم يستلطف كثيرًا ما قال له بعض زواره عندما تطرق الحديث عن الخلافات المسيحية – المسيحية "فالج لا تعالج"، وكاد يقول لهؤلاء "يا قليلي الايمان".
فما بعد احتفالية تطويب البطريرك اسطفان الدويهي لن يكون بالنسبة إلى الفاتيكان كما كان عليه الوضع المسيحي منذ فترة حتى الآن. المصدر: خاص "لبنان 24"
المصدر: لبنان ٢٤
إقرأ أيضاً:
رسالة ميلادية من البطريرك روفائيل بيدروس الحادي والعشرون ميناسيان: لتعمّ المحبّة بين أبناء الوطن
وجه البطريرك روفائيل بيدروس الحادي والعشرون ميناسيان كاثوليكوس بطريرك بيت كيليكيا للأرمن الكاثوليك رسالة ميلادية جاء فيها: "المجد لله في العلى، وعلى الأرض السلام، وللناس المسرة". بهذه البشارة السماوية أضاءت السماء، وملائكة الرب نزلت معلنةً للعالم إنّ النور قد أشرق في الظلمة، وإنّ الله تجسّد بيننا ليمنحنا الرجاء والخلاص.
ميلاد المسيح ليس مجرد حدث تاريخي أو احتفال عابر، بل هو فعلٌ إلهيّ غيَّر وجه البشرية إلى الأبد، وأعطاه رونقًا ومعنًا، كما وحمل معه رسالة المحبة والتضحية: "إن أردتم أن يعرفونكم أنّكم تلاميذي فاحببوا بعضكم بعضًا". رسالة المحبة التي توجهنا إلى الطريق الذي يُختصر بكلمته "أنا هو الطريق" ومن سلك هذا الطريق نال السلام فلذا يبقى هو الهدف الوحيد في حياتنا، ومع التضحية يثبّتا سرّ الحياة. في تلك الليلة المقدّسة، قرّر الله أن يأتي إلينا لا كملك متوَّج، بل كطفلٍ وُلد في مذود بسيط، ليُظهر لنا أن القوّة الحقيقية تكمن في التواضع، وأن العظمة الحقيقية تبدأ بخدمة الآخر. في واقعنا اليوم، المليء بالصراعات والانقسامات والتحديات، ميلاد المسيح يذكّرنا أن الله يقترب منّا دائمًا ليعيد بناء ما تهدّم، وينير قلوبنا بحقيقة السلام، ولكن علينا أن نبدأ بأنفسنا أولاً وإن امتثلنا به، وتبنينا مبادئه حينئذٍ نكون قد شاركنا نوره وشعاعه الذي سيضمّ لبناننا الجريح، حيث الأزمات تخنق المؤسسات والشعب، فلذا نحتاج اليوم إلى عودة الروح الوطنية التي تعكس رسالة الميلاد. انتخاب رئيسٌ للجمهورية ليس مجرّد استحقاق دستوري، بل هو عمل مقدّس يعبّر عن مسؤولية عميقة تجاه الوطن وشعبه. نحن بحاجة إلى قائد يعمل بروح المسؤولية التي تُجسّد رسالة المسيح الذي فدى نفسه لخلاص الشعوب من عبوديتهم، أي أعطاهم الحرية والسلام، هكذا هذا الرئيس سيضع مصالح الوطن فوق كلّ شيئ، ويحمل في قلبه همّ الناس ومعاناتهم ويعيد للمؤسسات حيويتها، وللشعب ثقته بمستقبل أفضل. هذه هي رسالة الميلاد ميلاد ملك التآخي والسلام وهذه هي صورة القائد أن لا تكون محصورة في شخص أو منصب، بل في مسؤولية تبدأ في كلّ واحدٍ منّا. وحدها بالمحبة والتضحية التي تجسّدها يسوع، قادرة على أن تجمع المفرقين، وتعيد البناء من رماد الخلافات لأنّ الحروب والصراعات، سواء كانت سياسية أم اجتماعية، لا تصنع وطناً. الميلاد هو لحظة نعود فيها إلى ذواتنا، لنطهّر قلوبنا ونستقبل فيها نور المسيح. الميلاد هو دعوة لأن نصبح أدوات سلام، نعمل على دفن الانقسام، ونُحيي روح المحبة والتسامح ليس فقط في وطننا الحبيب لبنان وفي حياتنا اليومية لا بل في جميع أنحاء الشرق الأوسط الذي يتألم في انشقاقاته وتحدياته. هكذا نضيء حياتَنا كما أضاءت السماء ليلة الميلاد بنورٍ لا يخبو. فلتكن ليلة الميلاد، ولادة للنور. في هذه الليلة ليلة الميلاد، يزدهر الرجاء. في ليلة الميلاد، تُدفن الحروب وتشرق شمس السلام وتعمّ المحبّة بين أبناء الوطن.