بعد رد حزب الله على اغتيال أبو نعمة.. ما السيناريوهات المتوقعة؟
تاريخ النشر: 5th, July 2024 GMT
بيروت- شهدت الجبهة الجنوبية اللبنانية تطورات لافتة وتصعيدًا كبيرًا في إطار رد حزب الله على اغتيال القيادي محمد نعمة ناصر، المعروف بـ"أبو نعمة"، المسؤول عن وحدة "عزيز" في الجنوب، والذي يعادل في منصبه القيادي طالب سامي عبد الله الحاج "أبو طالب" الذي اغتالته إسرائيل في يونيو/حزيران الماضي.
وردا على عملية الاغتيال، أطلق حزب الله نحو 200 صاروخ وشن هجومًا جويا بالطائرات الانقضاضية على مواقع في الجليل الأعلى والأدنى والغربي والجولان ومنطقة عكا، ومنها مقر قيادة الفرقة 91 المستحدث في ثكنة "إييلايت"، ومركز استخبارات المنطقة الشمالية في قاعدة "ميشار" الإسرائيلية، وقاعدة "إيلاينا" للفرقة 143 على بُعد 35 كيلومترًا من حدود لبنان الجنوبية.
وفيما تعتبر هذه الهجمات هي الأكبر والأوسع بين حزب الله وإسرائيل منذ اندلاع الحرب في غزة، أكدت وسائل إعلام إسرائيلية وقوع إصابات خطيرة بين الجنود بعد استهداف مركبة عسكرية، وقالت القناة الـ13 الإسرائيلية إنه تم رصد إطلاق مئات من القذائف الصاروخية والطائرات المسيّرة خلال الساعة الأخيرة.
وصرح رئيس المجلس التنفيذي لحزب الله هاشم صفي الدين أثناء تأبين القائد أبو نعمة أن "سلسلة الردود ما زالت متتالية إلى ساعتنا هذه، وستبقى هذه السلسلة تستهدف مواقع جديدة لم يكن يتخيل العدو أنها ستصاب".
وفي قراءة لتداعيات اغتيال القيادي "أبو نعمة"، اعتبر الباحث السياسي هادي قبيسي أن ما حدث اليوم يمثل تقدما كبيرا من قبل حزب الله من حيث حجم العمليات والأهداف، بالإضافة إلى العمق الجغرافي، وذلك بعدما دخلنا في الفترة الماضية في مرحلة الرد الروتيني المعتاد، والتوازن النسبي بين الطرفين.
وبالنسبة لسيناريوهات الرد بعد تطورات اليوم، يعتقد أن هناك احتمالا لرد إسرائيلي في مكان ما، ولكن بشكل مدروس، "إذا تحول الأمر إلى تدحرج ورد مكافئ بالسعة والحجم والعمق، فقد نكون أمام نوايا متأججة لدى الإسرائيليين للتصعيد إلى حد ما والدخول في مسار جديد".
ويشير قبيسي إلى أن المقاومة ستذهب باتجاه الاستمرار في الرد، وقد تكون بنفس الوتيرة التي حصلت اليوم أو بأشكال وطرق أخرى، وبجدول زمني مختلف، وليس بالضرورة يوميا.
من جهته، وصف العميد المتقاعد هشام جابر عملية الاغتيال بـ"الضربة الموجعة للحزب"، مضيفا أن الرد جاء سريعا مثلما حدث عندما اغتيال "أبو طالب"، ويقول للجزيرة نت "إذا سُئلنا اليوم عما إذا كان هذا الرد كافيا، ستكون إجابتي أنه لا يزال هناك جزء ثان إذا رأى حزب الله أن الرد الأول لم يكن كافيا ولم يكن موجعا، فهو سينتظر تأثيراته الميدانية".
وفيما يتعلق بالسيناريوهات المحتملة لتوسيع الحرب، يضيف العميد المتقاعد أن الاحتمالات مفتوحة، وستشمل توسيع نطاق العمليات العسكرية من حيث الكم والنوع والجغرافيا.
وبحسب جابر، فإن إسرائيل ستواصل عمليات الاغتيال دون تردد، وهو ما يدفع لطرح سؤال عما إذا كانت ستخرق خطوطًا حمراء معينة أو تنفذ عملية كبرى تُعتبر جزءًا من إطار "الحرب الواسعة"، أو ستكون "عملية محدودة" كما تم الإشارة إليها سابقًا، سواء كانت برّا أو بحرا أو جوا.
وفي جوابه عن سؤال إذا ما كان حزب الله سيعتبر العملية محدودة إن تمت؟ أو أنه سيعتبر أن العدو قد فتح الجبهة الواسعة وسيبدأ بالرد خلال أقل من ساعة؟ فأجاب جابر أنه يعتقد أن "الحرب الواسعة لن تفتح حاليًا، خاصةً بعدما صرح خبراء إسرائيليون ورئيس الموساد السابق والجنرالات السابقون بأن الجيش الإسرائيلي يعاني من التعب، ويحتاج إلى عامين لإعادة التأهيل والتنظيم".
ويشير العميد المتقاعد إلى استمرار الحرب النفسية والتهديدات، وكذلك الحرب الأمنية والاستخباراتية، بما في ذلك عمليات الاغتيال، مع وجود احتمالية أن الحرب النفسية والضغط على حزب الله قد يسهمان في تجنب الحرب الميدانية، وفقا لجابر.
مستويات غير مسبوقةيؤكد المحلل السياسي فيصل عبد الساتر أن حزب الله ضاعف من ضرباته اليوم بعد اغتيال القيادي أبو نعمة، ووُصف هذا التصعيد بغير المسبوق على كل المستويات، سواء من حيث عدد الصواريخ التي أُطلقت، أو عدد المواقع التي استُهدفت، "حتى أن العدو الإسرائيلي اعترف بحدوث شيء ما في عكا، مما يشير إلى أن حزب الله يمتلك زمام المبادرة".
ويوضح عبد الساتر للجزيرة نت أن الإسرائيليين يدركون تمامًا أن أي معركة أو حرب واسعة يشنونها على حزب الله ستكون تكلفتها كبيرة جدا عليهم، بحُكم القدرة والخبرة القتالية والقيادة لدى حزب الله وضباطه وعناصره، بالإضافة لقدراته التسليحية التي بات الجميع يعترف بقوتها.
ومن وجهة نظره، فإن "الإسرائيلي معدوم الخيارات في هذا الإطار، وأن كل ما كان يروج له يعكس رغبته في إشراك الأميركيين والحلف الغربي معه في أي حرب واسعة على حزب الله، لأنه يدرك تماما أن هذه الحرب لن تكون نزهة على الإطلاق".
ويشير إلى أن الإسرائيليين يحاولون تقبل هزيمة جيشهم وقوتهم الأمنية والعسكرية في مواجهة حزب الله تحت مسميات متعددة، مثل رغبتهم في عودة سكان المناطق الشمالية إلى بيوتهم التي تم إخلاؤهم منها.
ويعتقد عبد الساتر أنه سيكون هناك سيناريو "الضربة الكبيرة"، تليه محاولة الذهاب إلى مفاوضات غير مباشرة، ولكن ليس من المؤكد أن يتغاضى حزب الله عن هذا الأمر، خاصة إذا تجاوز الأمر اغتيال بعض القادة أو الشخصيات الميدانية إلى ما هو أكبر من ذلك، أو في حال وُجّهت ضربة كبيرة إلى قيادة حزب الله، وهو ما قد يؤدي إلى الانزلاق نحو حرب شاملة.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات حزب الله أبو نعمة
إقرأ أيضاً:
الرد على الوليد آدم مادبو- بين أزمة الخطاب وامتحان العقل
في لحظات المفصل التاريخي، حين تتبدل المصائر ويُعاد تشكيل الوعي الجماعي، يكون للعقلاء والتاريخ كلمتهم، وهي كلمة قد تأتي متأخرة، لكنها تحمل قسوتها التي لا ترحم. غير أن هذه الكلمة ليست بالضرورة صرخةً في الميادين أو خطبةً على منابر الجدل، فقد تكون صمتًا مدويًا في وجه الخطاب الشعبوي، أو تأملًا باردًا في مسرح العواطف الملتهبة. والعقل، في صورته الأصيلة، ليس نزاعًا بين الذوات، بل سيرورةٌ لفهمٍ أعمق، حيث لا يكون العقل مجرد سلطةٍ إجرائية تحكم المواقف، بل معيارًا يزن المقولات في ميزان الحقيقة.
كتب الدكتور الوليد مادبو مقاله الأخير في نقد الأستاذ شوقي بدري، مستخدمًا لغةً مشحونةً بالتقريع، تتداخل فيها الذاتية مع الموضوعية، والنقد مع الاستعداء. غير أن الأزمة هنا ليست في حدّة اللغة فحسب، بل في الطبيعة الاستدلالية التي أسس عليها مقاله، والتي تستدعي وقفةً نقدية تتجاوز الشخصي إلى الكلي، من حيث طبيعة التفكير ومنهجية التحليل.
المغالطة المنهجية الخطاب بين الشخصي والتاريخي
ليس من الحكمة أن يُقرأ الواقع بمسطرة الذات، فتُختزل التناقضات المركّبة في ازدواجية "المهرّج والعالم"، أو "المؤدلج والمستقل". فالفكر في جوهره ليس مجرد تراكم أسماء أو انتماء أكاديمي، بل هو ميدانٌ مفتوحٌ للجدل الحر والتفاعل المعرفي. حين يجعل الكاتب من ذاته معيارًا للفرز بين "المتطفلين" و"الجادين"، فإنه يقع في مأزق فلسفي عميق: كيف يمكن للعقل أن يكون حكمًا وهو طرفٌ في الخصومة؟
يتخذ مادبو في طرحه موقفًا يتأرجح بين المدافع عن القيم والمحلل البارد، لكنه في جوهر خطابه يستخدم لغةً معياريةً أخلاقية تحاكم الآخر من منطلق ذاتي. وهنا يظهر التناقض: كيف يمكن استدعاء معايير الفكر النقدي، بينما يُمارس الإقصاء والتهكم في ذات اللحظة؟ إن النقد الفلسفي، كما صاغه فلاسفة مثل هابرماس أو ألتوسير، ليس خطابًا يعتمد على الشخصنة، بل هو تفكيكٌ لبنى التفكير وإعادة بناء المفاهيم وفق منطقٍ متماسك، لا وفق انفعالات اللحظة.
إشكالية السلطة المعرفية والاستعراض الخطابي
حين يلجأ الكاتب إلى تعداد الشخصيات التي تتلمذ على أيديها – من طه عبد الرحمن إلى الجابري – فإنه يسعى إلى تأسيس سلطةٍ معرفية قائمة على الانتماء أكثر من البرهان. لكن العلم، كما أشار إليه غاستون باشلار، لا يُكتسب بالانتساب إلى الأسماء، بل بالقدرة على مساءلة الأفكار دون تحصينها بهالةٍ من القداسة. فالسؤال الفلسفي الحقيقي ليس "مع من درست؟"، بل "كيف تفكر؟"، وهذا ما لم يقدمه المقال.
إن استدعاء المرجعيات الفكرية لا يصنع معرفة، بل قد يكون مجرد تمرينٍ خطابي لإضفاء الشرعية على موقفٍ مسبق. ولذلك، فإن الوعي الفلسفي يقتضي تفكيك المسلّمات بدلًا من إعادة إنتاجها في قوالبَ جديدةٍ لا تخرج عن النسق نفسه.
قراءة التاريخ: بين السردية الخطية والتعقيد البنيوي
يتحدث مادبو عن التهميش كمسارٍ امتد لقرنين من الزمان، مصورًا التاريخ بوصفه خطًّا مستقيمًا من القهر والاستعلاء العرقي. غير أن قراءة التاريخ من هذا المنظور تعكس اختزالًا شديدًا لجدلية السلطة والمجتمع، حيث تُختصر الصراعات السياسية والاقتصادية في ثنائية "مضطهِد ومضطهَد".
إن تحليل التاريخ لا يمكن أن يكون فعلًا انتقائيًا يستدعي فقط ما يخدم موقفًا آنيًا، بل هو عملٌ بنيوي يُعيد تشكيل الوعي وفق تعقيد العلاقات الاجتماعية والسياسية. وكما أشار ميشيل فوكو، فإن السلطة لا تعمل ككيانٍ أحادي، بل تتجلى في أنماطٍ متغيرةٍ من الهيمنة والتفاوض والمقاومة، مما يجعل من أي تفسيرٍ أحادي للتاريخ نوعًا من التبسيط الأيديولوجي الذي يفقده قيمته التحليلية.
ازدواجية الخطاب ومشكلة المعيارية الانتقائية
إن وصف الجيش السوداني بأنه "غير قومي وغير مهني" مع الدعوة لمقاومته، في الوقت الذي يُنتقد فيه الدعم السريع باعتباره فاقدًا للمشروعية، يكشف عن مشكلةٍ معيارية في الخطاب. فإذا كان الجيش يعاني من أزمةٍ بنيوية، فإن الدعم السريع لا يخرج عن كونه تجلّيًا أكثر فجاجةً لنفس الإشكاليات، مما يجعل من غير المنطقي انتقاد أحدهما باعتباره "إرثًا يجب مقاومته"، بينما يُعامل الآخر بوصفه "خطأً تكتيكيًا يجب تصحيحه".
هنا تبرز إشكاليةٌ فلسفية تتعلق بازدواجية المعايير في الخطاب السياسي: كيف يمكن رفض منظومةٍ كاملة، ثم التعامل مع أحد منتجاتها على أنه "حالة استثنائية" تستحق المراجعة بدلًا من الإدانة المطلقة؟ إن النقد المتماسك لا يكون بالانتقاء، بل بالقدرة على الاحتفاظ بثبات المعايير بغض النظر عن الظرف السياسي.
في البدء كان العقل حاجة السودان إلى خطابٍ متزن
إن الأزمة السودانية اليوم ليست أزمة أشخاص، بل أزمة وعي، حيث يُستبدل النقد العقلاني بالهجوم الشخصي، ويُستبدل التحليل العميق بالسرديات التبسيطية. فحين يتنادى البعض بالألقاب، متناسين جوهر القيم التي يدّعون الدفاع عنها، يكون التاريخ في موقف الحكم، حتى وإن تأخر في النطق بكلمته.
لكن السؤال الذي يظل معلقًا في الهواء- هل ننتظر أن يحكم التاريخ أم نحاول أن نحكم عقولنا قبل أن تصدر الأحكام؟ إن وعي اللحظة يقتضي الخروج من دائرة الشخصنة إلى فضاء النقد الفلسفي، حيث تُختبر الأفكار لا الأشخاص، وتُناقش الخطابات لا الذوات. فالتاريخ قد يكون قاسيًا، لكن العقل أحيانًا يكون أشد قسوة، حين يُطالبنا بأن نكون على مستوى ما ندّعيه من قيمٍ ومبادئ
zuhair.osman@aol.com