انا برّي وبحلاش عالرص... لماذا لا تفرض الدول الخمس عقوبات على المعرّقلين؟
تاريخ النشر: 7th, August 2023 GMT
حتّى الساعة، لا يُمكن القول إنّ فرنسا نجحت في إقناع اللبنانيين بالذهاب للحوار لمناقشة الأزمة الرئاسيّة، لأنّ هناك ملاحظات كثيرة على برنامجه، في وقتٍ، لوّحت فيه الدول الخمس في آخر إجتماع عقدته حول لبنان، بفرض عقوبات على معرقلّي الإنتخابات. وسريعاً رأى البعض وخصوصاً في المعارضة، أنّ الضغط على فريق الثامن من آذار يُعتبر الحلّ الأبرز لإنجاز الإستحقاق الرئاسيّ، بينما رفضت القوى "الممانعة" منطق العقوبات، ورأت فيه تدخّلا في شؤون اللبنانيين.
ولعلّ البيان الخماسيّ صدر لمصلحة المعارضة، إذ دعا الأفرقاء إلى ضرورة إنتخاب الرئيس إنطلاقاً من إحترام الدستور، أيّ دعوة مجلس النواب إلى الإنعقاد، والإقتراع في دورات متتاليّة لاختيار إحدى الشخصيّات المرشّحة. وحتّى الآن، يبدو أنّ رئيس مجلس النواب نبيه برّي لن يدعو لجلسة إنتخاب جديدة، بانتظار الإتّصالات الداخليّة، وعودة الموفد الفرنسيّ جان إيف لودريان إلى بيروت في أيلول المقبل.
وإذا لم يتترجم التقارب بين "التيّار الوطنيّ الحرّ" و"حزب الله" إلى اختيار إسمٍ موحّد للرئاسة، وبقي الإنقسام النيابيّ بين داعمٍ لوزير الماليّة السابق جهاد أزعور، ومؤيّدٍ لرئيس تيّار "المردة" سليمان فرنجيّة، فإنّ العقوبات ستكون سلاح الدول الخمس ضدّ جميع النواب الذين لا يقومون بواجبهم الدستوريّ. ويُشير المراقبون إلى أنّ لا شيء يُوحي حتّى اللحظة بحلحلة في الملف الرئاسيّ، على الرغم من أنّ برّي أعلن بعد لقائه بلودريان أنّ هناك تقدّماً، علماً أنّ موقف النائب جبران باسيل لا يزال رافضاً لفرنجيّة، بينما قدّم شروطه لـ"الثنائيّ الشيعيّ"، وأعلن أنّه يُريد ضمانة لإقرار المجلس النيابيّ لقانونيّ اللامركزيّة الإداريّة والصندوق الإئتمانيّ، لانتخاب رئيس "المردة" أو أيّ أحد سواه.
وبالعودة إلى موضوع العقوبات، يقول المراقبون إنّ الدول الغربيّة لم تُبدِ جدّية في فرضها سابقاً، ويُذكّرون أنّ وزارة الخزانة الأميركيّة وضعت على سبيل المثال النائب علي حسن خليل على لائحة العقوبات، بينما لا تزال سفيرة واشنطن لدى لبنان دوروثي شيا تتواصل مع برّي للبحث معه في مواضيع مختلفة، أكانت رئاسيّة، أم حول ترسيم الحدود البحريّة التي جرت منذ أقلّ من سنة، حيث أنّ الإدارة الأميركيّة أرادت التضييق على رئيس المجلس من خلال العقوبات على حسن خليل، بينما رأت أنّه من دون برّي كان يستحيل إنجاز ملف الترسيم مع العدوّ الإسرائيليّ، لأنّه صلة الوصل بينها وبين "حزب الله".
ويُدرك "الثنائيّ الشيعيّ" مدى حاجة الدول الخمس للبنان، وخصوصاً بعدما أصبح دولة نفطيّة، بانتظار بدء التنقيب عن الغاز في البلوكات اللبنانيّة. فالعقوبات تعني أنّ الولايات المتّحدة والمملكة العربيّة السعوديّة وفرنسا وقطر ومصر لن تتعامل مع أيّ شخصيّة يتمّ إدراجها في لائحة العقوبات، فيما يُعتبر برّي ممرّاً إلزاميّاً لكلّ زائر لبيروت. ففي عين التينة يبدأ أيّ مسؤول عربيّ أو دوليّ جولته إلى لبنان. من هنا، يرى المراقبون أنّه إذا كان رئيس المجلس يُعتبر أحد أبرز المعطّلين للانتخابات الرئاسيّة، فإنّ "معاقبته" تعني أنّ الدول الخمس ستعزل نفسها عن فريقٍ لبنانيّ وازن، يتخطّى "حركة أمل"، ليشمل "حزب الله" وغيره من مكوّني "الثامن من آذار".
ويُضيف المراقبون أنّ كافة المساعي الفرنسيّة أو الخارجيّة، على الرغم من أنّ أوليّات أميركا والسعوديّة ليست لبنان، تقوم على مساعدة اللبنانيين في إنجاز الإستحقاقات وليس فرض العقوبات. وكما يبدو، فإنّ الدول الخمس تُلوّح بالعقوبات ولا تُنفّذ تهديداتها، لأنّها تعلم أنّ هذه الخطوة ستدفع المعطّلين إلى التمسّك أكثر بخياراتهم، وما يقوم به لودريان بعدما أدرك أنّه يستحيل تفضيل أيّ طرفٍ على الآخر بعد فشل المبادرة الفرنسيّة الأولى، هو محاولة تقريب وجهات النظر بين المتخالفين، لانتخاب رئيسٍ للجمهوريّة.
وتوقفت الاوساط المراقبة عند قول بري امس ان الموفد الفرنسي جان إيف لودريان "تكلم معه نقلا عن اللقاء الخماسي طارحا الحوار الوطني وليس الحوارات المتفرقة". وحول العقوبات ووصفه بأنّه امتداد لـ"حزب الله" قال بري: "انا امتداد لكل شيء ومتل ما قلت قبل "انا بريّ وبحلاش عالرص".
وأشار الى انه "مستمر بترشيح فرنجية حتى النهاية ولما يصير في نتائج بموضوع الحوار بين الحزب والتيار سألوني اذا كنت مرتاح".
ويختم المراقبون قولهم إنّ موضوع العقوبات جاء لحثّ وتشجيع اللبنانيين على التوافق، ولبنان مهمّ بالنسبة لفرنسا، وهي لم ولن تتخلى عنه في أصعب ظروفه، من العام 2019 إلى انفجار مرفأ بيروت، وصولاً إلى الإنتخابات الرئاسيّة. المصدر: خاص "لبنان 24"
المصدر: لبنان ٢٤
كلمات دلالية: الدول الخمس حزب الله
إقرأ أيضاً:
سوريا.. هل سيتعلّم الغرب من الدروس المستفادة هذه المرّة؟
في ديسمبر الماضي، نجحت المعارضة السورية المسلّحة في الإطاحة بنظام الأسد بعد صراع دام لأكثر من 13 سنة. ويجمع كثير من الخبراء والمراقبين على أنّ هذه اللحظة التاريخية تعدّ علامة فارقة في تاريخ المنطقة، وقد تفتح الباب واسعاً أمام تحوّلات جيو ـ سياسية وتغيير في موازن القوى الإقليمية، وتدشّن مرحلة جديدة من التفاعلات الإقليمية.
المفارقة أنّ التحوّل الذي حصل في سوريا يعطي الغرب فرصة تاريخية لتغيير صورته السيئة ودوره المشؤوم ليعيد ترتيب حساباته وعلاقاته مع العالم العربي والإسلامي على أرضية مناسبة تحقق مصالح الطرفين. لكن ما نسمعه الآن من تصريحات من بعض المسؤولين الأمريكيين والأوربيين وما يتم تداوله من شروط وضغوط لا يتناسب مع مثل هذا التصوّر المتفائل.
النقاشات الحقيقية في الأوساط الغربية لا يدور حول أهمّية إعادة بناء سوريا أو رفع العقوبات لتمكينها من تحقيق الاستقرار وإطلاق عملية إعادة اعمار البلاد، وإنما حول أشياء أخرى أقل أهمّية بالنسبة للشعب السوري والمنطقة، وتتعلّق بصراع الهويات والأيديولوجيات والأقليات وإسرائيل. أولى المقابلات الإعلامية الغربية على سبيل المثال مع الرئيس أحمد الشرع ركّزت على موضوع ما إذا كان سيتم السماح ببيع المشروبات الكحولية في سوريا، أخرى ركّزت على موضوع الحجاب..
التحوّل الذي حصل في سوريا يعطي الغرب فرصة تاريخية لتغيير صورته السيئة ودوره المشؤوم ليعيد ترتيب حساباته وعلاقاته مع العالم العربي والإسلامي على أرضية مناسبة تحقق مصالح الطرفين. لكن ما نسمعه الآن من تصريحات من بعض المسؤولين الأمريكيين والأوربيين وما يتم تداوله من شروط وضغوط لا يتناسب مع مثل هذا التصوّر المتفائل.وبالمثل، فإنّ أولى الزوبعات الإعلامية المصاحبة للزيارات الرسمية الغربية إلى الإدارة السورية الجديدة كانت ترتبط بزيارة وزيرة خارجية ألمانيا إلى دمشق. كان التركيز حينها داخل ألمانيا وخارجها على طريقة مصافحة أو عدم مصافحة الرئيس الشرع لها. وبالمثل، فإنّ انشغال المسؤولين الغربيين هو عمّا إذا كان الشرع قد تحوّل بالفعل، وكيف بإمكانهم أن يدفعوا التغيير باتجاه يتناسب معهم بدلا من أن يتناسب مع السوريين!
الأوروبيون على سبيل المثال يسوّقون لضرورة أن يقوم النظام الجديد بتنفيذ لائحة من الشروط قبل أن يحاولوا اقناع دوائر صنع القرار في أوروبا بضرورة رفع العقوبات عن سوريا. أهم ما تضمّه هذه اللائحة من الشروط هو تشكيل حكومة جامعة قد تنتهي إلى ما نعرفه باسم المحاصصة، وأن يكون للميليشيات الكردية المسلّحة وضعها الخاص (يسمّونهم تعميماً الأكراد وذلك لإعطائهم الشرعية وحصرية تمثيل الأكراد، وهو مسمى غير صحيح ومضلّل)، بالإضافة إلى قضايا أخرى تتعلّق بالمعايير الأوروبيّة غير المتّفق عليها حتى غربيّاً!
الأمريكيون يريدون كذلك أن يدفعوا التغيير باتجاههم، فتارةً يعطون قطعة من الأرض السورية إلى إسرائيل، وطوراً يضعون شرطاً مبطّناً حول التطبيع، وبين هذا وذلك الدعم الكامل لإسرائيل ومساعي تفجير الملف الفلسطيني مجدداً، مع التلويح بورقة العقوبات والإرهاب للسوريين. وبالرغم من تفاؤل البعض بالرفع الجزئي للعقوبات، إلا أنّ ذلك لا يعكس بالضرورة الخطوات القادمة، ولا يمكنه في جميع الأحوال تحسين الوضع في سوريا.
ما يجب قوله للأمريكيين والأوروبيين هو أنّهم قبضوا الثمن مقدّماً، فلا مخدرات تغرق أسواقهم اليوم، ولا ملايين اللاجئين والنازحين الهاربين إليهم، ولا إيران وروسيا في دمشق. هذه كلّها مكاسب استفادوا ويستفيدون منها، وعليهم أن يعووا أنّ الكرة في ملعبهم اليوم، فإذا أرادوا الحفاظ على المكتسبات سيكون هناك حاجة لاتخاذ الخطوات الأولى برفع العقوبات بدلاً من الإنخراط في لعبة البيضة والدجاجة، ولعبة "لا رفع للعقوبات قبل أن تنفذ الإدارة الجديدة ما نريد من لائحة الشروط الطويلة".
سوريا تحتاج اليوم كل الدعم التي تستطيع أن تقدّمه كل الدول، كما تحتاج من كل الدول الامتناع عن التدخل في الشأن الداخلي. الإخلال بأي منهما، سيؤدي إلى الفشل الذي ستكون تداعياته أكبر من أن يتحمّلها أي لاعب إقليمي أو دولي. رفع العقوبات هو المدخل الأساسي، وتقديم الدعم لتحقيق الاستقرار سيعود بالنفع على الجميع. هل سيعي الغربيون الدرس هذه المرّة؟إذا ما فشلت الإدارة الجديدة في تحقيق الاستقرار والأمن وبسط السيطرة على كامل الأراضي السورية وإطلاق عملية إعادة إعمار البلاد بسبب العقوبات المفروضة على البلاد ومحاولة الدول الغربية ابتزاز الوضع السوري لغايات ليس لها علاقة بسوريا أو حتى بمصالحهم المباشرة فيها، فإنّ تداعيات هذا الأمر ستكون كارثية. صحيح أنّ سوريا ستكون أولى المتضرّرين ومن ثمّ لبنان والأردن وتركيا والعراق، لكن الأمر سيمتد سريعا ليشمل هذه الدول الغربية ومصالحها في المنطقة.
هل ستتعلّم الدول الغربية من أخطائها السابقة وتتدارك هذا الأمر؟ التجربة تقول إنّهم إذا ما عبثوا بقضيّة ما فستنتهي إلى الأسوء. بعض التصريحات الصادرة مؤخراً عن مسؤولين أمريكيين وأوروبيين لا توحي بالخير. وضعهم لقوائم طويلة من المطالب والشروط، وربطهم هذه الشروط بأجنداتهم الخاصة مقابل تخفيف العقوبات سيقوّض من الوضع في سوريا لاحقاً، وقد يخسر الجميع كل المكتسبات التي تمّ تحقيقها مع الإطاحة بنظام الأسد.
سوريا تحتاج اليوم كل الدعم التي تستطيع أن تقدّمه كل الدول، كما تحتاج من كل الدول الامتناع عن التدخل في الشأن الداخلي. الإخلال بأي منهما، سيؤدي إلى الفشل الذي ستكون تداعياته أكبر من أن يتحمّلها أي لاعب إقليمي أو دولي. رفع العقوبات هو المدخل الأساسي، وتقديم الدعم لتحقيق الاستقرار سيعود بالنفع على الجميع. هل سيعي الغربيون الدرس هذه المرّة؟