تسعى إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى الموازنة بين التأكيد على دعم الولايات المتحدة اللامتناهي لإسرائيل، كحليف استراتيجي في منطقة الشرق الأوسط، وانتقاد حكومة تل أبيب الأكثر يمينية في تاريخ إسرائيل، ولا سيما بعد تصميم رئيسها بنيامين نتنياهو على اتخاذ إجراءات للإصلاح القضائي الإسرائيلي التي أثارت موجة غضب شعبي إسرائيلي، ورسمي أمريكي.

هكذا يمكن وصف العلاقات الثنائية بين الحليفين، وسط حالة من التوتر غير المسبوق تشهده الدولتين منذ عقود، حسب تحليل لمركز "الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية"، لافتا إلى أن نتنياهو، يتبنى، وفقاً للرؤية الأمريكية، بعض السياسات الداخلية والخارجية، التي من شأنها التأثير على قوة وروابط العلاقات التاريخية، والقيم والمبادئ التي يُؤسس عليها التحالف الاستراتيجي بين الولايات المتحدة وإسرائيل منذ أكثر من 7 عقود.

فعلى عكس الإدارات الأمريكية الديمقراطية والجمهورية السابقة التي كانت تُقدم لرؤساء الحكومات الإسرائيلية الجديدة حيال انتخابها دعوة لزيارة البيت الأبيض، للتعبير عن دفء وعمق العلاقات الأمريكية-الإسرائيلية، تأخر بايدن في توجيه الدعوة لنتنياهو، لزيارة واشنطن.

وتتعدد القضايا الخلافية بين إدارة بايدن وحكومة نتنياهو، التي أحدثت فتوراً غير معهود كثيراً في العلاقات الثنائية.

اقرأ أيضاً

بضربة الكنيست للقضاء.. هل انتهت علاقة نتنياهو بإدارة بايدن؟

وعلى الرغم من عمل المسئولين الأمريكيين والإسرائيليين على حلها، مثل سماح تل أبيب للمواطنين الأمريكيين من أصول فلسطينية بدخول أراضيها بدون تأشيرات، فإنه لا تزال هناك قضايا خلافية متأزمة بين البلدين.

ومن أبرز هذه الخلافات، هو الرفض الأمريكي للإصلاحات القضائية الإسرائيلية، والتي تحد من صلاحيات المحكمة العليا، وتثير انقساماً حاداً واحتجاجات غير معهودة في إسرائيل.

ويرى المعارضون الإسرائيليون، أن نتنياهو الملاحق قضائياً في تهم فساد، يسعى لإقرار تلك الإصلاحات بهدف إلغاء أحكام محتملة ضده.

وانتقد البيت الأبيض، إقرار الكنيست الإسرائيلي بأغلبية ضئيلة بنداً رئيسياً في خطة الإصلاح القضائي المثيرة للجدل منذ أشهر.

ومن بين القضايا الخلافية أيضا، هو اتهام الحكومة اليمينية بـ"تدمير الديمقراطية"، فكثيراً ما كانت الإدارات الأمريكية الجمهورية والديمقراطية تروج لإسرائيل على أنها "واحة الديمقراطية" في منطقة الشرق الأوسط التي تفتقد إليها، وأن تلك الديمقراطية التي تتشارك فيها تل أبيب مع واشنطن تعمل على توطيد العلاقات الأمريكية-الإسرائيلية.

ولذلك فإن الإدارة الأمريكية، حسبما أشار توماس فريدمان في مقاله بصحيفة "نيويورك تايمز"، بعنوان "بايدن فقط يمكنه إنقاذ إسرائيل الآن"، ترى أن تقويض الحكومة الإسرائيلية اليمنية الديمقراطية الإسرائيلية سيهدم شيئاً ما في العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية، والتي ربما لم تنجح تل أبيب في استعادتها مجدداً.

اقرأ أيضاً

فريدمان: بايدن طلب من نتنياهو وقف التعديلات القضائية فورا.. ومسؤول إسرائيلي ينفي

كما تُثير خطة الحكومة الإسرائيلية، التي تضم أعضاء قوميين متطرفين، لتوسيع المستوطنات الإسرائيلية في جميع أنحاء الضفة الغربية، وتغيير الوضع الراهن في الأماكن المقدسة، في وقت يتصاعد فيه العنف الإسرائيلي في الأراضي المحتلة، غضب الإدارة الديمقراطية في البيت الأبيض، لكونها تشكل عائقاً أمام حل الدولتين الذي تتبناه الإدارة لحل الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي.

وفي مؤشر على الغضب الأمريكي من التوسع الاستيطاني الإسرائيلي، أخطرت الإدارة الأمريكية إسرائيل في أواخر يونيو/حزيران الماضي، بأنها ستعيد فرض حظر، رفعته إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في عام 2020، على استخدام تمويل دافعي الضرائب الأمريكيين في أي مشاريع بحث وتطوير أو تعاون علمي تُجرى في المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة، والقدس الشرقية، ومرتفعات الجولان.

ويتوقع بعض المراقبين الأمريكيين أنه مع استمرار التوتر في العلاقات الأمريكية الإسرائيلية، ومضي نتنياهو في مخططاته التي تهدد الديمقراطية الإسرائيلية، فإن بايدن قد لا يقابل رئيس نتنياهو في البيت الأبيض، ولكن قد يكون اللقاء على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة السنوية في سبتمبر/أيلول المقبل.

ووفق التحليل، فإن هذا "لا يمثل إنجازاً لرئيس الوزراء الإسرائيلي، ولكنه يحمل نوعاً من عدم التقدير الأمريكي للحكومة الإسرائيلية الحالية ورئيسها".

ويضيف: "الخلافات الأمريكية الإسرائيلية المتصاعدة راهناً سيكون لها جملة من التداعيات على الداخل الأمريكي، ولا سيما مع بدء الحملات الانتخابية للحزبين الجمهوري والديمقراطي للانتخابات الرئاسية المقرر لها في نوفمبر/تشرين الثاني 2024".

وتتمثل أبرز تلك التداعيات، في انقسام حزبي حول دعم إسرائيل، لا سيما قضية الإنفاق الحكومي والضرائب.

اقرأ أيضاً

نتنياهو يهاجم رافضي الخدمة العسكرية في إسرائيل.. وبايدن يدخل على الخط

ويروج الحزب الجمهوري لنفسه على أنه الطرف الأمريكي الوحيد الذي يدعم إسرائيل بحزم في مواجهات "الأخطار الوجودية" لإسرائيل التي تتراوح من الإرهاب إلى تهديدات إيران نووية.

وكثيراً ما يعتبر الانتقادات الديمقراطية للسياسات الإسرائيلية بأنها "معادية للسامية"، ويعمل الجمهوريون على تسييس مواقف الديمقراطيين من السياسات الإسرائيلية.

وكشفت نتائج لاستطلاع للرأي لمؤسسة "جالوب" في مارس/آذار الماضي، عن الانقسام الحزبي حول دعم إسرائيل، أن هناك تزايداً في دعم الديمقراطيين للفلسطينيين في مقابل انخفاض نسب تأييدهم للإسرائيليين، والتي وصلت إلى 49% مقابل 38% على الترتيب.

ولكن لا تزال نسب تأييد الجمهوريين لإسرائيل مرتفعة، حيث وصلت إلى 78%، في مقابل تأييد 11% للفلسطينيين.

ومن تداعيات هذا الخلاف أيضا، هو استهداف المرشحين الجمهوريين لبايدن، الساعي للفوز بفترة رئاسية ثانية، وتصويره على أنه غير داعم لإسرائيل، وهو ما قد يفقده دعم الأمريكيين اليهود، الذين يعدون قوة تصويتية مهمة في الانتخابات الرئاسية، ويُنفِّر المانحين اليهود، أكبر المتبرعين في الانتخابات الأمريكية، من تقديم التمويل لحملة إعادة انتخابه.

ويثير هذا أيضا، تصاعد التيار الداعي لوقف المساعدات العسكرية الأمريكية لإسرائيل، وألا تكون "شيكاً على بياض"، في وقت أضحت الحكومة الإسرائيلية تعمل فيه ضد مصالح الولايات المتحدة علناً.

ودعا السفيران الأمريكيان السابقان لدى إسرائيل دان كورتزر ومارتن إنديك، لخفض المساعدات العسكرية لتل أبيب، لأنها لا توفر أي نفوذ أو تأثير للولايات المتحدة على القرارات الإسرائيلية.

اقرأ أيضاً

تصريحات بايدن حول حكومة نتنياهو انعكاس آخر للشرخ المتعمق.. كيف؟

كما يدعوان لنهج جديد للعلاقة بين الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل لا يركز على المساعدات الخارجية.

لكن الإدارة الأمريكية تعارض تلك الدعوات، حيث أعلنت وزارة الخارجية في 25 يوليو/تموز، أنه لن يكون هناك أي قطع أو توقف للمساعدات العسكرية لإسرائيل بعد تصديق الحكومة الإسرائيلية على التغييرات القضائية الأوّلية التي يخشى المنتقدون أن تُعرِّض استقلال المحاكم للخطر.

وأمام ذلك، تتعرض الإدارة الأمريكية لانتقادات متعددة لإخفاقها في ردع الحكومة الإسرائيلية عن اتخاذ سياسات تهدد الديمقراطية الإسرائيلية، وسياساتها العدوانية المتزايدة ضد الشعب الفلسطيني، خاصة أن بايدن وضع منذ اليوم الأول له في البيت الأبيض الدفاع عن الديمقراطية في الداخل والخارج على أجندة إدارته.

ورغم كل هذه الخلافات، يشير التحليل إلى أن بايدن الذي أعلن ترشحه لفترة رئاسية ثانية، لا يسعى إلى خوض معركة مكلفة سياسياً مع نتنياهو في وقت تتراجع فيه نسب تأييده بين الناخبين الأمريكيين، والانتقادات التي توجه له داخلياً.

ويضيف: "لذلك كانت تصريحات مسئولي الإدارة المنتقدة للسياسات الإسرائيلية مرتبطة باستمرار الالتزام الأمريكي القوي بدعم تل أبيب".

ويتابع: "كما أن بيان الإدارة الأمريكية للتعليق على تصويت الكنيست على بند رئيسي في خطة الإصلاح القضائي المثيرة للجدل لم يتضمن أي تلميح إلى أن الحكومة الإسرائيلية يمكن أن تواجه عواقب عملية، وهو الأمر الذي يكشف عن حدود قدرة بايدن على كبح جماح الحكومة الإسرائيلية اليمينية".

اقرأ أيضاً

أزمة جديدة في العلاقة بين بايدن ونتنياهو

المصدر | الخليج الجديد

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: إسرائيل بايدن نتنياهو إصلاح القضاء فلسطين أمريكا الأمریکیة الإسرائیلیة الحکومة الإسرائیلیة الإدارة الأمریکیة الولایات المتحدة البیت الأبیض اقرأ أیضا تل أبیب

إقرأ أيضاً:

هذه هي أهم العوامل التي تُسقط الأنظمة الديمقراطية

تحدث ابن خلدون في نظريته عن تطور المجتمعات عن ثلاث مراحل يمرّ فيها كل مجتمع؛ وهي مراحل تعكس حياة الإنسان نفسه. وربما كانت من أكثر المراحل محاولةً للتحليل، هي مرحلة التراجع وما يعقبها من السقوط.

خلال قرون طويلة، طالما تم التركيز على سقوط الأنظمة ذات الطبيعة الشمولية، ويتم الحديث في كثير من الدراسات عن معايير معينة تكاد تنطبق على كل الإمبراطوريات والدول التي حكمت عبر التاريخ. وتكاد تكون وصفة التراجع ثم السقوط واحدة تقريبًا.

وقد اعتاد المؤرخون وأهل السياسة وأهل الاجتماع على القدرة على التنبؤ، ومحاولة تحليل لماذا تسارع سقوط نظام بعينه، ولماذا لم يحدث في نظام آخر. وتلك أمور تؤخذ حالةً بحالة، وتُدرس أيضًا بتناول تأثيرات الجغرافيا السياسية والبنية المجتمعية والقضايا الاقتصادية والمقدرات العسكرية، إلى غير ذلك.

خلال القرن العشرين، حصل تراجع في أركان النظام الدولي، والكل يعرف ماذا نتج عن الحرب العالمية الثانية، وكيف أن النظام الذي أنتجته الحرب العالمية الثانية، والذي خرج بقطبين وهما الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة الأميركية، لم يستطع أن يستمر إلا أربعًا وثلاثين سنة بالنسبة للاتحاد السوفياتي.

السؤال اليوم، الذي كثيرًا ما يتم طرحه في النقاشات، هو: كيف يمكن الحديث عن تراجع أو سقوط نظام أو أنظمة ديمقراطية في العالم؟ لم يُواجَه مثل هذا السؤال في قرون طويلة؛ لأن النموذج الديمقراطي هو نموذج جديد، وبالتالي مواصفات ومعايير تراجعه أو سقوطه مختلفة تمامًا.

لذلك نجد أنَّ الحديث الذي أخذ يتزايد في العقدين الماضيين بشكل أساسي، يحاول أن يجعل النظام الديمقراطي استثناءً، ولا ينطبق عليه ما ينطبق على الأنظمة الأخرى، والحديث بالتأكيد عن الأنظمة الشمولية.

ولدفع فكرة التراجع والسقوط، يتم طرح "أسطورة الركود"، في محاولة لتفسير التراجع مع تشكيك قوي بأن هناك سقوطًا قد يحصل. وبغض النظر عن طبيعة النقاش الدائر والتشكيك الذي يجري في معاقل تلك الأنظمة الديمقراطية، فإن الحديث عن ركود أو تراجع وسقوط لا يأتي في دول شمولية. ودلالة ذلك أن هناك شعورًا خفيًا حول تغييراتٍ ما حصلت وتحصل، وأن تلك التغييرات هي التي تزج بهذا النقاش حول الركود أو السقوط.

مثل ذلك النقاش دفع بسؤال مهم: هل هناك معايير يمكن من خلالها وصف نظام بعينه أنه ديمقراطي؟ وإذا كانت الإجابة نعم، وهي كذلك، فإن ملاحظة تلك المعايير وما تواجهه من تغييرات، ستساعد في وضع بعض معايير للتراجع أو السقوط، وهذا ما تحاول هذه المقالة تقديمه.

معايير التراجع

من أهم المعايير التي يُنظر لها على أنها تعبير عن حالة التراجع وربما المضي في حالة السقوط، هي حالة الانقسام السياسي المتزايدة وإرهاق البنى السياسية والمجتمع، مع التشكيك في فاعلية المؤسسات التي تمثل العملية الديمقراطية.

كل هذا يحقق نتيجة مزلزلة وهي حالة من عدم اليقين. وبعبارة أوضح، فإن الصراعات الحزبية المتزايدة في النظام، وكيف أن هذه الانقسامات الحزبية، تجعل النظام أكثر هشاشة، والأسوأ من ذلك أنها تضرب صورة النظام الديمقراطي.

كما أن تلك الانقسامات تعمل على تقديم نموذج من القيادات غير المؤهلة، وتؤدي إلى ضعف كامل في النخبة السياسية. وهذا الأمر يحصل عمليًا في كثير من الدول، حيث يستطيع من ينظر إلى تجارب الانتخابات في كثير من الدول الديمقراطية خلال العقدين أو الثلاثة الماضية أن يرى ذلك، وكيف أن هذه الدول لم تستطع أن تقدم قيادات سياسية بالمستوى المطلوب.

بل إن هذه القيادات بدت مرتبكة وغير قادرة على التعامل مع التطورات المتسارعة سواء كانت الاقتصادية أو السياسية أو الاجتماعية. ولعل الإشارة إلى مواجهة وباء كورونا أثبتت أن تلك الأنظمة في أدائها كانت أسوأ من الأنظمة الشمولية، وأن البنى التحتية الصحية وغيرها كانت هشة وضعيفة، وأحيانًا عاجزة عن تقديم ما هو متوقع منها.

الأخطر من ذلك هو أن القيادات أخذت تهرب إلى الأمام عبر نشر ثقافة الخوف من الهجرة والأجانب، مع تراجع واضح في أداء الحكومات ومؤسساتها. من هنا، فإن الاستقطاب السياسي والانقسامات الحزبية تكاد تكون أهم عامل في تحديد معيار التراجع أو السقوط. عندما نتحدث عن التراجع الديمقراطي، نتحدث عن غياب معارضة سياسية، وغياب إعلام مستقل، وسيادة زعامات ونخب سياسية شعبوية بشكل أساسي.

المعيار الثاني الذي يتم الحديث عنه هو حالة ما يُسمى بالاستقطابات الاجتماعية، وما يرافقها من عملية خداع وتضليل لقواعد كثيرة في المجتمع، بحيث يُقدِّم النقاشات والحوارات والخلافات المستمرة على أنها جزء من العملية الديمقراطية وأن هذا مناخ صحي في المجتمع الديمقراطي.

ولكن هذه العملية في حد ذاتها لا تقدم حلولًا، وإنما تبقى عبارة عن نقاشات دون أن تقدم حلولًا لمشاكل الناس. وهذا الأمر يدفع إلى فقدان الأمل وفقدان الإيمان بكل العملية بمجملها. والأهم من ذلك، أنه يحدث أمران في غاية الخطورة:

تعزيز الانقسام المجتمعي: مما يجعل الناس غير مؤمنين بأي شكل من الأشكال بدور هذه المؤسسات الديمقراطية.

تزايد الشكوك حول مشروعية النظام: حيث يبدأ الناس بالتساؤل عن جدوى النظام، ولماذا يشاركون فيه أصلًا. ومن هنا تبدأ دورة جديدة من الانقسامات في المجتمع، ويبدأ حوار حول مدى ضرورة مثل هذا النظام الديمقراطي.

من المهم الإشارة هنا إلى أن قاعدة عريضة من الناس تقبل النظام الديمقراطي؛ لأنه يتكفل لهم بتقديم نوعية حياة أفضل، ويوفر لهم بيئة من الحرية تحترم فيها حرياتهم الخاصة. وعندما يفشل في تحقيق ذلك، يتزايد إحساس قاعدة عريضة من المجتمع بالشك في فاعلية النظام، ويشعرون أن هناك تلاعبًا بالقيم الناظمة للنظام الديمقراطي.

المعيار الثالث مرتبط بمسألة سيادة القانون: عندما تحدث الانقسامات ويحدث فشل في تقديم حلول لمشاكل الناس، تستشري الشعبوية، مما يدفع تدريجيًا إلى حالة من الهشاشة. وعندما تصبح الدولة في حالة من الهشاشة، فإن أول مسألة تتأثر هي مسألة سيادة القانون واحترامه. وبالتالي يدخل المجتمع في مرحلة من الفوضى الحقيقية، بحيث تتراجع ثقة الناس بالنظام بشكل كبير جدًا، وكذلك ثقتهم بالمؤسسات، مما يعزز الفجوة بين الأفراد والنظام وأدواته.

عندما يشعر الكثير من الناس أن هذا المجتمع لا يمثلهم، تبدأ حالة من غياب الأمن المجتمعي الذي من شأنه أن يدفع إلى مزيد من الانقسامات في المجتمع، وبالتالي انهيار الوحدة المجتمعية بشكل كبير جدًا. تلقائيًا، يجبر النظام السياسي الدولة، حتى في النظام الديمقراطي، على أن تصبح دولة تعسفية؛ لأنها لا يمكنها بالخطاب الديمقراطي والحريات أن تواجه هذه الأزمة، فتتجه إلى استخدام القوة، وأحيانًا القوة المفرطة.

خاتمة

إن الحديث عن تراجع النظام أو الأنظمة الديمقراطية حاليًا ليس من قبيل الأمنيات أو انعكاسًا لمشاعر كراهية، بل هي تكاد تكون أشياء ملموسة يمكن مشاهدتها. ومرة أخرى، يجب التذكير بأن الذاكرة الإنسانية والتاريخ الإنساني الحديث لم يشهدا انهيار النموذج الديمقراطي حتى يتم القياس عليه.

من هنا، فإن هذه ستكون أول مرة يتم التفكير فيها على مستوى العالم كله حول المعايير التي ينبغي أخذها بعين الاعتبار للحديث عن هذا النظام الديمقراطي أو ذاك، وهل يتراجع أو يسقط تدريجيًا؟

في هذا السياق، ينبغي التذكير بأن الحديث عن الأنظمة الديمقراطية وكأنها استثناء لا تنطبق عليها السنن الكونية التي مرت على دول وأنظمة عبر التاريخ، هو أمر مضلل ولن يمنع تراجع تلك الأنظمة.

أخيرًا، إن التراجع (decline) ومن ثم السقوط (fall) هما عملية (process) وليسا حدثًا (event) عابرًا. لذلك، عامل الزمن حاسم، وطبيعي أن يأخذ الزمن حقه، خاصة إذا ما كان لدى النظام الديمقراطي آليات ترميم الذات. وهذا من شأنه أن يبطئ عملية التراجع، ومن ثم السقوط.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية

مقالات مشابهة

  • ‏إدارة السجون الإسرائيلية تنقل إيلي فلدشتين المسؤول بمكتب نتنياهو والمشتبه به بتسريب وثائق سرية لموقع مُراقب لمنع انتحاره
  • إعلام إسرائيلي: الإدارة الأمريكية لا تزال تضع العراقيل أمام تزويد تل أبيب بمزيد من السلاح
  • طالبان وترامب.. هل تحقق الإدارة الأمريكية الجديدة حلم الشرعية الدولية للحركة؟
  • ‏الرئاسة الفلسطينية تحمل الإدارة الأمريكية مسؤولية المجازر الإسرائيلية في بيت لاهيا ومناطق قطاع غزة
  • الرئاسة الفلسطينية: نحمل الإدارة الأمريكية مسؤولية المجازر الإسرائيلية
  • الرئاسة الفلسطينية: نحمل الإدارة الأمريكية مسؤولية المجازر الإسرائيلية في بيت لاهيا وغزة
  • السفير حسام زكي: قدرة إدارة بايدن على التأثير في الصراع العربي الإسرائيلي ليست كبيرة
  • هذه هي أهم العوامل التي تُسقط الأنظمة الديمقراطية
  • رئيس القدس للدراسات: تصريحات إدارة بايدن عن ضرورة نفاذ المساعدات لغزة "نفاق وكذب"
  • رئيس القدس للدراسات: تصريحات إدارة بايدن عن ضرورة نفاذ المساعدات لغزة «نفاق وكذب»