غزة - صفا

قال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، إن استهداف "إسرائيل" المتواصل والمنهجي والواسع النطاق لمصادر المياه ومحطات التحلية في قطاع غزة، يظهر أنها تتخذ من التعطيش سلاحًا آخرًا ضد المدنيين الفلسطينيين تتعمد من خلاله تقليص مصادر المياه المتاحة لهم، وبخاصة الصالحة للشرب، وفرض المجاعة والتسبب عمدًا في إهلاك أكثر من 2.

3 مليون نسمة، في إطار جريمة الإبادة الجماعية الحاصلة منذ أكتوبر الماضي.

ووثق الفريق الميداني للأورومتوسطي، أضرارًا شديدة أصابت محطة لتحلية المياه في حي الزيتون جنوبي مدينة غزة يوم الاثنين الأول من تموز/يوليو الحالي، بفعل استهداف إسرائيلي مباشر أدى كذلك إلى استشهاد شاب كان يملأ "جالونه" من الماء وإصابة آخرين بجروح.

وكان جيش الاحتلال الإسرائيلي قد قصف المحطة بصاروخ (GBU) اخترق عدة طوابق وانفجر في الطابق الأرضي، مما أدى إلى أضرار جسيمة في المحطة التي كانت تخدم ما لا يقل عن 50 ألف نسمة في عدة أحياء سكنية متجاورة.

وأبرز الأورومتوسطي في تصريح صحفي وصل وكالة "صفا"، يوم الخميس، أن سكان قطاع غزة في الوقت الذي ترتفع فيه درجات حرارة الصيف فهم يكابدون بشدة من أجل الحصول على المياه، حيث تشير التقديرات إلى أن حصة الفرد في قطاع غزة من المياه قد تراجعت بنسبة 97% منذ أكتوبر الماضي، وسط الدمار الواسع الذي لحق ببنية المياه التحتية، وانخفاض حصة الفرد الواحد من المياه في القطاع إلى ما بين 3-15 لترًا يوميًا في ظل الحرب مقابل معدل استهلاك بنحو 84.6 لترا للفرد يوميا خلال العام 2022.

وتشهد جميع مناطق قطاع غزة شحًا في المياه، وانهيارًا لنظام الصرف الصحي، في ظل استمرار جرائم حرمان السكان من المواد التي لا غنى للبقاء، التي تتضح كذلك من خلال تدمير أكثر من 700 بئر ومحطة تحلية مياه منذ بداية الحرب، في حين تعاني البقية من شح الوقود الذي تمنع "إسرائيل" إدخاله إلى القطاع، بالرغم من ارتفاع عدد الضحايا، بينهم أطفال بفعل انتشار الأوبئة والأمراض المعدية بعد تراكم المياه الملوثة نتيجة استهداف محطات الصرف الصحي.

وأكد الأورومتوسطي أن جيش الاحتلال الإسرائيلي بمواصلته الدمار والخراب يخلق بيئة غير صالحة للحياة في قطاع غزة، وبخاصة عبر تدمير 50% (350 كم من أصل 700 كم) من شبكات المياه، و9 خزانات مياه من أصل 10.

كما أدت الجرائم والسياسات الإسرائيلية التعسفية إلى تعطيل جميع محطات وأنظمة معالجة المياه العادمة (6 محطات)، وتوقف حوالي 65 مضخة للصرف الصحي، وتدمير 70 كم من شبكات الصرف الصحي، ما يدفع للتخلص من مياه الصرف الصحي التي تقدّر بحوالي 130 ألف متر مكعب يوميًا، دون معالجة لتسرب أجزاء منها إلى الطرقات ومراكز إيواء النازحين في جميع مناطق قطاع غزة.

وبحسب الأمم المتحدة، فإن نحو 96% من سكان غزة (2.1 مليون شخص) يواجهون مستويات مرتفعة من انعدام الأمن الغذائي الحاد، كما أظهرت نتائج التصنيف المتكامل لمراحل الأمن الغذائي الذي أظهر أن أكثر من 495 ألف شخص (22% من السكان) على الأقل يصنفون ضمن المرحلة الخامسة (المجاعة الحادة)، التي تواجه فيها الأسر نقصا شديدا للغذاء والتضور جوعا واستنفاد القدرة على المواجهة.

ومطلع العام الجاري، أبرز الأورومتوسطي أن مناطق مدينة غزة وشمال القطاع تواجه مأساة مروعة ناتجة عن الشح الكارثي في مصادر المياه الصالحة الشرب، ومنع وصولها، وأن العطش يغزو مناطق مدينة غزة وشمالها بشكل صادم بسبب قطع إمدادات المياه ونقص الوقود اللازم لتشغيل محطات تحويل وتوزيع المياه.

وجدد الأورومتوسطي تحذيراته، من أن نقص مياه الشرب في قطاع غزة بات مسألة حياة أو موت، في وقت يجبر السكان على استخدام مياه ملوثة أو غير نظيفة من الآبار وتتواصل الهجمات العسكرية ومنع إمدادات الغذاء والماء والوقود وغيرها من الاحتياجات الإنسانية الأساسية.

ونبه إلى أن الإفراط في تناول الماء المالح غير الصالح للشرب، إلى جانب تسببه بأمراض المعدة والنزلات المعوية والقيء والإسهال المستمرين، يسبب إلى زيادة ضغط الدم وأمراض الكلى واحتمال الإصابة بالسكتة الدماغية، ما يؤدي في النهاية إلى الجفاف المفرط لأنسجة الجسم، خاصة المخ.

وفي كانون أول/ديسمبر الماضي، أجرى المرصد الأورومتوسطي دراسة تحليلية شملت عينة مكونة من 1200 شخصًا في غزة للوقوف على آثار الأزمة الإنسانية التي يعانيها سكان القطاع، أظهرت أن 66% من عينة الدراسة؜ يعانون أو عانوا من حالات الأمراض المعوية والإسهال بسبب عدم توفر مياه صالحة للشرب.

ورصدت الدراسة أن معدل الحصول على المياه، بما في ذلك مياه الشرب ومياه الاستحمام والتنظيف، يبلغ 1.5 لتر للشخص الواحد يوميًا في قطاع غزة، أي أقل بمقدار 15 لترًا من متطلبات المياه الأساسية لمستوى البقاء على قيد الحياة وفقا لمعايير (اسفير) الدولية.

وذكّر المرصد الحقوقي، بأن القانون الإنساني الدولي يحظر مهاجمة أو تدمير أو تعطيل الأعيان والمنشآت التي لا غنى عنها لبقاء السكان المدنيين، بما يشمل مرافق مياه الشرب وشبكاتها، كما ويحظر وبشكل صارم استخدام التجويع كوسيلة من وسائل الحرب أو الإجبار على النزوح، واعتبارها انتهاكًا جسيمًا وعقابًا جماعيًا محظورًا، ويشكل كذلك مخالفة للالتزامات المترتبة على عاتق "إسرائيل"، وخرقًا لواجباتها وفقًا للقانون الإنساني الدولي بتوفير احتياجات سكان غزة وحمايتهم.

وينص نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، على أن تجويع المدنيين عمدًا من خلال حرمانهم من المواد التي لا غنى عنها لبقائهم، بما في ذلك تعمد عرقلة الإمدادات الإغاثية، يعتبر جريمة حرب.

وشدد المرصد الحقوقي، على أن الحرمان الشديد والمتواصل للسكان المدنيين في قطاع غزة من المياه الصالحة للشرب وبالكميات الكافية، يعتبر شكلاً من أشكال جريمة الإبادة الجماعية التي ترتكبها "إسرائيل" ضدهم منذ السابع من أكتوبر/ تشرين أول من العام الماضي، كونه يلحق أضرارًا جسيمة بالسكان المدنيين الفلسطينيين في القطاع، ويخضعهم لأحوال معيشية يقصد بها تدميرهم الفعلي، ومن شأنه أن يتسبب بموت مجموعة منهم، وذلك وفقا لاتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها، ونظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، والأحكام القضائية الدولية ذات الصلة.

المصدر: وكالة الصحافة الفلسطينية

كلمات دلالية: الاورومتوسطي مجاعة تعطيش حرب غزة غزة اسرائيل ابادة جماعية جریمة الإبادة الصرف الصحی فی قطاع غزة

إقرأ أيضاً:

لولاها لسقطت في أسبوعين.. أسلحة أميركا التي يهدد ترامب بمنعها عن أوكرانيا

ترامب: لم تكونوا وحدكم. لقد منحناكم -عبر رئيسنا الأحمق- 350 مليار دولار، نحن زودناكم بالمعدات العسكرية… لولا دعمنا العسكري، لكانت الحرب قد حُسمت في غضون أسبوعين.

زيلينسكي: خلال ثلاثة أيام… سمعت ذلك من بوتين، خلال ثلاثة أيام.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2الاستقلال أو الفناء.. هل يمكن لأوروبا مواجهة التحولات الأميريكية الجديدة؟list 2 of 2شرخ في جدار الغرب.. الطلاق بين الولايات المتحدة وأوروباend of list

ترامب: وربما أقل.

قد يصلح الحوار السابق لمقدمة خيالية نبدأ بها هذا التقرير، لكن -كما شاهد العالم أجمع- هذا الحوار السابق حدث فعلًا بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، داخل البيت الأبيض في اليوم الأخير من شهر فبراير/شباط الماضي.

لا يخفى على أحد حجم المساعدات العسكرية الأميركية لأوكرانيا في حربها ضد روسيا.

لكن، ما مدى ونوعية تلك المساعدات الأميركية العسكرية فعلًا؟ وما الذي يقصده ترامب حينما يتحدث بثقة شديدة عن أن أوكرانيا لم تكن لتصمد أسبوعين؟ ما أنواع الأسلحة الأميركية التي صنعت الفَرْق وحافظت على بقاء أوكرانيا على قيد الحياة في الحرب بعد مرور ثلاث سنوات كاملة؟ وهل يمكن لأوروبا تعويض تلك الأسلحة بعد أن قرر دونالد ترامب إيقاف المساعدات العسكرية عن أوكرانيا؟

صواريخ جافلين المضادة للدبابات

في الأيام الأولى للحرب، اندفعت الأرتال المدرعة الروسية إلى داخل أوكرانيا، لكنها واجهت فِرَقًا من المشاة الأوكرانيين المسلّحين بصواريخ موجَّهة مضادة للدبابات محمولة على الكتف، وكان أبرزها صاروخ "جافلين" (FGM-148) الأميركي الصنع، الذي سرعان ما اكتسب سمعته المرعبة في أرض المعركة.

إعلان

يمتاز صاروخ "جافلين" بمسار هجوم من الأعلى وبباحث تصويري متطور يسمح له بضرب الدبابات في أضعف مواضع دروعها. وأظهرت مقاطع مصوّرة من أرض المعركة جنودًا أوكرانيين يستخدمون صواريخ "جافلين" لنصب كمائن للدبابات والآليات المدرّعة، مما خلّف أثرًا مدمرًا على الأرتال الروسية.

يبلغ وزن صاروخ "جافلين" 22 كيلوغرامًا تقريبًا، وقد زُوّد على مر السنين بإلكترونيات متطورة عززت دقته وكفاءته. يعتمد الصاروخ على وحدة إطلاق القيادة، إذ يحدد المشغّل الهدف ويوجه الصاروخ قبل إطلاقه.

وبعد الإطلاق، يُقذف الصاروخ بآلية زنبركية إلى الأعلى، ثم يشتعل محركه لينطلق نحو هدفه بسرعة تصل إلى 140 مترًا في الثانية، معتمدا على باحث يعمل بالأشعة تحت الحمراء لتوجيهه بدقة نحو نقطة إصابة الهدف. ويملك الصاروخ نظام التوجيه "أطلق وانسَ" (Fire&Forget)، الذي يتيح للجنود إطلاقه ثم تغيير موقعهم فورًا لتفادي أي ردّ.

الصاروخ مجهز بشحنتين متفجرتين، تنفجر الشحنة الأولى عند الاصطدام، بعد أن يتفاعل معها الدرع المتفجر للدبابة، فتفتح المجال أمام الشحنة الثانية لاختراق الدرع الرئيسي للدبابة.

وتتمتع رؤوسه الحربية بقدرة اختراق تتراوح بين 60 و80 سنتيمترا من الفولاذ؛ مما يجعله سلاحا مدمرًا للدروع الثقيلة. يمتلك الصاروخ مدى فعالًا يتجاوز 2.4 كيلومتر، لكنه يحتاج إلى مسافة 65 مترا للتسلح بعد الإطلاق.

حصلت أوكرانيا على صواريخ "جافلين" الأميركية بأعداد كبيرة، إذ تشير التقديرات إلى نقل نحو ثلث المخزون الأميركي من هذه الصواريخ -أي ما يعادل 5000 صاروخ- إلى أوكرانيا خلال الأشهر الأولى من الحرب. سمح التدفق الكبير من هذه الأسلحة المضادة للدبابات بعرقلة وإبطاء الهجمات المدرعة الروسية الأولى حول كييف ومدن أوكرانيا الأخرى.

صورة نشرتها صفحة القيادة العامة لهيئة الأركان الأوكرانية على فيسبوك لعمليات تدريب على إطلاق صواريخ جافلين الأمريكية المضادة للدروع. (مواقع التواصل) صواريخ ستينغر للدفاع الجوي

منذ اندلاع الحرب في فبراير/شباط عام 2022، هدد تفوّق موسكو في سلاح الطيران والصواريخ المتطورة بإنهاء الحرب فعلًا في غضون أسبوعين.

إعلان

ومع ذلك، حاولت أوكرانيا منع روسيا من تحقيق التفوق الجوي، ويرجع الفضل في ذلك غالبا إلى الدفاعات الجوية الأرضية القوية والفعّالة، التي وصلت إلى الجيش الأوكراني عبر المساعدات العسكرية الأميركية.

وربما كانت أبرزها صواريخ ستينغر (FIM-92) الأميركية، وهي منظومات دفاع جوي مضادة للطائرات محمولة على الكتف، كانت أساسية في منظومات الدفاع الجوي الأوكراني القصير المدى. بحلول مايو/أيار عام 2022، كانت الولايات المتحدة والناتو قد زوّدا أوكرانيا بأكثر من 1400 صاروخ ستينغر، وقد أثبتت تلك الصواريخ سريعًا قيمتها في ساحة المعركة.

صُمّمت منظومة "ستينغر" ليُطلق الصاروخ من الكتف؛ مما يتيح للجنود التعامل مع التهديدات الجوية القصيرة المدى دون الحاجة إلى معدات ثقيلة. وهو يزن نحو 15 كيلوغرامًا، ويصل مداه إلى 4.8 كيلومترات، وارتفاعه إلى 3.8 كيلومترات.

يستخدم الصاروخ نظام توجيه يعمل بالأشعة تحت الحمراء، ليتمكن من تتبع حرارة عوادم محركات الطائرات المستهدفة، وتوجد نسخة متطورة منه توجّه بالليزر.

استهدفت الفرق الأوكرانية، مستخدمة صواريخ ستينغر، إسقاط المروحيات الهجومية والطائرات الروسية التي تحلّق على ارتفاعات منخفضة خلال الأسابيع الافتتاحية للحرب.

وبحسب بعض التحليلات لخسائر القوات الروسية، فإن جزءًا كبيرًا من الطائرات القتالية الروسية التي أُسقطت كان بسبب منظومات صواريخ سام للدفاع الجوي ومنظومات الصواريخ المحمولة على الكتف ومنها صواريخ ستينغر.

منحت هذه الصواريخ أوكرانيا قدرة فعّالة على حرمان الروس من السيطرة الجوية على الارتفاعات المنخفضة؛ مما أجبر الطيارين الروس على التحليق على ارتفاعات أعلى، وهو ما يقلّل من الفعالية الجوية، والمخاطرة بالتعرض للاستهداف.

منظومات الدفاع الصاروخي

مع انتقال روسيا إلى القصف البعيد المدى، عبر إطلاق صواريخ كروز وصواريخ باليستية والمسيّرات الهجومية على المدن الأوكرانية، ردّت الولايات المتحدة وحلفاؤها بتزويد كييف بأنظمة دفاع جوي أكثر تطورًا للتهديدات على الارتفاعات المتوسطة والعالية.

إعلان

كان من أبرزها منظومة صواريخ سام النرويجية المتقدمة (NASAMS)، وهي منظومة تُطور بصورة مشتركة بين الولايات المتحدة والنرويج. وصلت بطاريات منظومة الدفاع الصاروخي إلى أوكرانيا في أواخر عام 2022، ونُشرت للدفاع عن كييف وغيرها من الأهداف الحيوية في البلاد.

وخلال الأسابيع الأولى من تشغيلها، حققت المنظومة نسبة نجاح وصلت إلى 100% في اعتراض الصواريخ الروسية، وفقًا لوزير الدفاع الأميركي السابق لويد أوستن.

تتميز منظومة صواريخ سام النرويجية المتقدمة بقدرتها على الاستجابة السريعة والقدرة على الاشتباك مع تهديدات متعددة في الوقت نفسه. تحتوي كل منصة إطلاق على ستة صواريخ جاهزة، ويمكن دمج ما يصل إلى 12 منصة إطلاق؛ مما يتيح للمنظومة إمكانية إطلاق 72 صاروخًا.

الصاروخ الأساسي للمنظومة هو "إيه آي إم-120 أمرام" (AIM-120 AMRAAM)، ويتراوح مداه عندما يُطلق من الأرض بين 15 و25 كيلومترًا حسب نوع النسخة.

وفّرت هذه المنظومة درع حماية ضد التهديدات الجوية الروسية التي استهدفت البنية التحتية الحيوية في أوكرانيا، وقد استخدمها الجيش الأوكراني لإسقاط صواريخ كروز مثل صاروخ "خا-101" (KH-101) والطائرات المسيّرة؛ مما حدّ بصورة واضحة من أضرار حملة القصف الاستراتيجي الروسية.

منظومة صواريخ سام النرويجية (مواقع التواصل)

وفي أبريل/نيسان عام 2023، سلّمت الولايات المتحدة لأوكرانيا منظومة الدفاع الصاروخي "باتريوت"، التي تُعدّ من أشهر منظومات الدفاع الجوي في العالم، وطُوِّرت بالأصل بهدف إسقاط الطائرات ثم جرى تعديلها لاحقا لتشمل التصدي للصواريخ الباليستية التكتيكية.

تُستخدم المنظومة لمواجهة التهديدات الجوية القصيرة والمتوسطة المدى، وتُعد عنصرا أساسيا في منظومات الدفاع الصاروخي لعدة دول من حلفاء الولايات المتحدة، وتشتهر بأنها جزء أساسي من شبكة الدفاع الجوي لحلف الناتو، وتوفر الحماية للمنشآت العسكرية والمدنية على حد سواء.

إعلان

اشتهرت أيضا منظومة "باتريوت" بدورها في حرب الخليج عام 1991، إذ برزت فعاليتها في اعتراض صواريخ "سكود" الباليستية التكتيكية. ومنذ ذلك الحين خضعت المنظومة لتحديثات عديدة لمواكبة التهديدات الجوية الأخطر، وشملت تحديثات في اكتشاف الأهداف بالرادار، ويَستخدم الإصدار الأحدث، المعروف باسم "باك-3 (PAC-3)"، نهج "الاصطدام للتدمير"، كما هو الحال في منظومة "ثاد" الأميركية الأكثر تطورًا.

بعد فترة وجيزة من نشرها، حققت أوكرانيا إنجازًا لافتًا تمثل في استخدام بطارية باتريوت لإسقاط صاروخ روسي فرط صوتي من طراز "كنجال"، وهو صاروخ لم يسبق للمنظومة اعتراضه.

ففي مايو/أيار عام 2023، أطلقت القوات الروسية صاروخ "كنجال" الباليستي باتجاه كييف. رصدت رادارات منظومة باتريوت ذلك الصاروخ، ثم اعترضته صواريخها؛ مما أثبت قدرتها في مواجهة أحد أكثر الأسلحة الروسية تطورًا وسرعة.

وفي إحدى الحالات، اشتبكت بطارية باتريوت يديرها الأوكرانيون مع مقاتلة روسية من طراز "سوخوي سو-34" ودمرتها من مسافة تقارب 160 كيلومترًا. وسرعان ما أصبحت منظومة باتريوت محورًا رئيسيًّا في شبكة الدفاع الجوي المتعدد الطبقات لأوكرانيا.

ومع أن المدن الأوكرانية لا تزال تتعرض لضربات صاروخية روسية قاتلة، فإن معدلات الاعتراض تحسّنت بصورة ملحوظة. والأهم أن الإمدادات النوعية الأميركية للدفاع الجوي الأوكراني صعّبت من مهمة الجيش الروسي؛ مما أجبر موسكو على اعتماد ضربات بعيدة المدى مكلفة ويمكن اعتراضها غالبًا.

المدفعية وأنظمة الصواريخ

في مواجهة روسيا التي تمتلك بطاريات مدفعية ضخمة، كانت أوكرانيا بحاجة ماسّة إلى قوة نارية بعيدة المدى. زوّدت الولايات المتحدة أوكرانيا بأنظمة مدفعية وصواريخ ثقيلة أصبحت من أكثر الأسلحة تأثيرًا في ساحة المعركة.

في أبريل/نيسان عام 2022، بدأت واشنطن تسليم مدافع الهاوتزر "إم 777" المقطورة من عيار 155 ملم، التي أضافت تطورًا نوعيًّا مقارنة بالمدافع السوفياتية القديمة التي اعتمد عليها الجيش الأوكراني.

إعلان

وقدمت واشنطن أكثر من 100 مدفع هاوتزر "إم 777″، إلى جانب كميات قذائف ضخمة من العيار ذاته. ووفقًا للبنتاغون، أحدثت تلك المدافع البعيدة المدى أثرًا ملموسًا في ساحة المعركة فور دخولها الخدمة.

بفضل مدى تلك المدافع، الذي يصل إلى نحو 25 كيلومترًا، مع الذخيرة القياسية ودقتها العالية، تمكّن سلاح المدفعية الأوكراني من ضرب المواقع الروسية مع البقاء خارج نطاق معظم مدفعية الجيش الروسي.

وبحلول مايو/أيار عام 2022، بدأت القوات الأوكرانية، المسلّحة بتلك المدافع، تنفيذ هجمات مضادة في بعض المناطق؛ مما ساهم في دفع القوات الروسية إلى التراجع في دونباس وشمال خاركيف.

لكن ظهر التأثير الأقوى مع إدخال راجمة الصواريخ "هيمارس إم 142" (HIMARS M142)؛ في يونيو/حزيران عام 2022، حين وصلت أول دفعة من صواريخ "هيمارس" إلى أوكرانيا لاستخدامها في الجبهة بمنطقة دونباس شرقي أوكرانيا.

ومع وصولها إلى البلاد، بدأت القوات الأوكرانية فورًا استخدامها لتدمير أهداف روسية عالية القيمة خلف الخطوط الأمامية، مثل مخازن الذخيرة ومستودعات الوقود ومراكز القيادة ومحاور السكك الحديدية والجسور الحيوية.

مثلا، خلال صيف عام 2022، استخدمت أوكرانيا منظومة "هيمارس" لتدمير عشرات مخازن الذخيرة الروسية في دونباس والمناطق الجنوبية المحتلة. وخلّفت هذه الضربات انفجارات هائلة دمرت الإمدادات الحيوية للقوات الروسية؛ مما أجبرها على نقل مخازن الذخيرة إلى مواقع أبعد عن الجبهة، وبالتالي تقليل كثافة نيران المدفعية الروسية.

تُصنّف منظومة "هيمارس" على أنها وحدة سلاح متنقلة يمكنها إطلاق عدّة صواريخ دقيقة التوجيه في وقت واحد. تحمل الراجمة الواحدة 6 صواريخ موجهة بواسطة نظام تحديد المواقع العالمي "جي بي إس" بمدى يقارب ضعف مدافع الهاوتزر "إم 777″، ويمكن إعادة تحميلها في غضون دقيقة بطاقم صغير فقط.

إعلان

النسخة الجديدة للمنظومة الصاروخية "هيمارس 60" (HIMARS 60) المُرسلة إلى كييف تتميز بأنها أخف وزنا وأكثر رشاقة، ومثبتة على عجلات ليسهل نقلها دون عناء.

صورة التُقطت لمنظومة هيمارس الصاروخية الأميركية في أوكرانيا عام 2023 (غيتي)

كما أنها مزودة بجراب كبير قادر على حمل صاروخ تكتيكي من نوع "أتاكمز" (ATACMS) الذي يبلغ مداه 300 كيلومتر.

صواريخ أتاكمز الباليستية

في أكتوبر/تشرين الأول عام 2023، سمحت الولايات المتحدة لأوكرانيا باستخدام صواريخ "أتاكمز" الباليستية التكتيكية البعيدة المدى. أطلقت أوكرانيا هذه الصواريخ على أهداف في العمق الروسي؛ مما أدى إلى تدمير أسطول من المروحيات القتالية الروسية، ومستودعات ذخيرة في عمق المناطق المحتلة.

إذ أفادت التقارير الأوكرانية بأن الضربة التي استهدفت مطاري لوهانسك وبريانسك دمرت تسع مروحيات روسية ومستودع ذخيرة وبطارية دفاع جوي.

وفي 19 نوفمبر/تشرين الثاني 2024 نقلت وكالات أنباء روسية، عن وزارة الدفاع في موسكو، أن أوكرانيا شنّت هجوما على منطقة بريانسك الحدودية بستة صواريخ بعيدة المدى من طراز أتاكمز أميركية الصنع.

وأضافت الوزارة أن أنظمة الدفاع الجوي الروسية اعترضت خمسة من الصواريخ ودمرت السادس، مؤكدة أن حطام أحد الصواريخ سقط على منشأة عسكرية في المنطقة؛ مما تسبب في اندلاع حريق. واتهمت الولايات المتحدة بالمشاركة في هذا الهجوم وتوعدت "برد مناسب وملموس".

يبلغ طول صاروخ "أتاكمز" 3.98 أمتار، وقطره 61 سنتيمترا، ويتراوح وزن رأسه الحربي بين 160 و560 كيلوغراما، وتقارب تكلفته 1.5 مليون دولار أميركي. وهو مُصمم لمهاجمة الأهداف القيّمة لقوات الصف الخلفي، مثل المطارات ومواقع صواريخ أرض-جو، وقوات المدفعية ومناطق الإمداد ومجموعات القيادة.

وتزوّد صواريخ "أتاكمز" بعدد كبير من ذخائر "إم 74″، وهي كرة تُلفّ بجدار مجزأ ومحاط بغلاف فولاذي. وتعد الذخائر المستخدمة في "أتاكمز" فعالة في تدمير المنشآت مثل المطارات ومنشآت الدعم، وبعض معدات الاتصال ومعدات الإطلاق.

إعلان

وتستخدم أنظمة "أتاكمز" الوقود الصلب أو الجاف مصدرا للطاقة، ويمكن إطلاقها من مصادر متحركة، مثل راجمات الصواريخ من طراز "هيمارس".

حرب دون واشنطن

بعد التحركات الأخيرة للرئيس الأميركي دونالد ترامب، والمشادة الكلامية التي جرت بينه وبين الرئيس الأوكراني في البيت الأبيض، نقلت صحيفة وول ستريت جورنال عن مسؤولين أميركيين أن إدارة الرئيس دونالد ترامب قررت وقف تمويل مبيعات أسلحة جديدة لأوكرانيا.

وبرغم أن غياب الدعم الأميركي سيشكل ضربة موجعة للأوكرانيين، خاصة مع توقف وصول الأسلحة النوعية، فإن الرئيس الأوكراني زيلينسكي وخبراء عسكريين يرون أن أوكرانيا، مدعومة بحلفائها الأوروبيين، ستتمكن من الصمود والقتال لأشهر قادمة، كما أشارت إليه صحيفة بوليتيكو الأميركية.

وقال دميترو كوليبا، وزير الخارجية الأوكراني السابق، للصحيفة: "أقوى سلاح يمتلكه ترامب ضد أوكرانيا هو التهديد بقطع الإمدادات العسكرية. في رأيي، لدينا ستة أشهر قبل أن نشعر فعليًّا بتداعيات هذا القرار على الخطوط الأمامية".

عمومًا، لولا المساعدات العسكرية الضخمة من الحلفاء، لكانت أوكرانيا قد انهارت فعلًا منذ فترة طويلة في مواجهة الجيش الروسي.

تظهر بيانات معهد كيل الألماني أن الولايات المتحدة أنفقت نحو 64 مليار يورو على المساعدات العسكرية لأوكرانيا منذ فبراير/شباط عام 2022 وحتى نهاية عام 2024، في حين بلغ إجمالي مساهمات أوروبا العسكرية -بما في ذلك المملكة المتحدة والنرويج- نحو 62 مليار يورو.

وقد خُصصت غالبية هذه الأموال لتزويد أوكرانيا بالأسلحة والذخيرة من المخزونات الغربية المتاحة، بجانب الإنتاج الجديد لهذه الأسلحة. كما يظهر توجه متزايد من بعض الدول لعقد صفقات مباشرة مع شركات السلاح الأوكرانية، كما تشير إليه صحيفة بوليتيكو.

وفي عام 2023، زودت أوروبا أوكرانيا بمليون قذيفة مدفعية، برغم أن العملية شهدت تأخيرات استمرت لأشهر. أما هذا العام، فالهدف هو إرسال 1.5 مليون قذيفة إضافية. من جانبها، أرسلت الولايات المتحدة أكثر من 3 ملايين قذيفة مدفعية من عيار 155 ملم إلى أوكرانيا منذ بداية الحرب.

إذن يطرح هذا السؤال نفسه بقوة: ماذا سيحدث لأوكرانيا إذا توقفت المساعدات العسكرية الأميركية؟

إعلان

غياب الدعم الأميركي لن يعني خسارة كييف لنصف ترسانتها العسكرية فحسب، بل سيجردها أيضًا من أكثر أسلحتها فاعلية، وفقًا لبعض الخبراء العسكريين.

بالطبع، يمكن أن تستبدل ببعض المعدات العسكرية الأميركية أخرى أوروبية، كما أن أوكرانيا تحصل على مقاتلات "إف-16" من الدول الأوروبية، إلا أن منظومات الدفاع الجوي المتطورة مثل منظومة "باتريوت" لا تزال دون بديل أوروبي مكافئ، برغم امتلاك أوروبا لمنظومات قوية مثل "أستر 30 سامب/تي" ومنظومة صواريخ سام النرويجية المتقدمة.

يرى وزير الخارجية الليتواني كيستوتيس بودريس أن بعض المعدات العسكرية لا يمكن لأوروبا تعويضها، مشيرًا إلى منظومات الدفاع الجوي وبعض الذخائر البعيدة المدى، موضحًا أن الدول الأوروبية تعمل على إيجاد الحلول، لكن لا توجد بدائل مباشرة أو حلول سريعة.

أكد الرئيس الأوكراني زيلينسكي أن بلاده زادت إنتاجها المحلي من الأسلحة، إذ تصنع حاليا 30% من احتياجاتها، لكن هذا لا يكفي. كما أن الشراكات مع الدول الأوروبية لتطوير الإنتاج المحلي ستستغرق سنوات قبل أن تؤتي ثمارها.

على الجانب الآخر، يرى فرانسوا هيسبورغ، من المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية، أن أوروبا قادرة ماليًّا على تعويض الدعم الأميركي، لكنها قد لا تملك الإرادة السياسية لتنفيذ هذا الأمر، لافتًا النظر إلى أن الدعم المالي الأميركي لأوكرانيا أقل بكثير من الأصول الروسية المجمدة، التي تبلغ 183 مليار يورو، والمحتجزة لدى شركة "يوروكلير" في بلجيكا.

فهل نشهد قريبًا تحوّلًا جذريًّا في الموقف الأوروبي؟ وهل تستطيع القارة العجوز سد الفجوة التي ستخلفها واشنطن؟ الأيام المقبلة وحدها قد تحمل لنا الإجابة.

مقالات مشابهة

  • وزير سلطة المياه الفلسطيني لـ«الاتحاد»: أزمة مياه غير مسبوقة في قطاع غزة
  • «الخارجية» الفلسطينية: إسرائيل تتعمد إطالة أمد الحرب عبر سلاح التجويع
  • مياه طرطوس تتسلم محولتين كهربائيتين لضمان استمرار إمدادات المياه
  • الخارجية الفلسطينية تحذر من مخاطر إطالة أمد الإبادة والتهجير في قطاع غزة
  • لولاها لسقطت في أسبوعين.. أسلحة أميركا التي يهدد ترامب بمنعها عن أوكرانيا
  • بلدية غزة تحذر من أزمة عطش كبرى حال قطعت إسرائيل خط المياه الرئيسي
  • وزير خارجية مصر يكشف الجهة التي ستتولى الأمن في غزة
  • عودة شبح المجاعة بقطاع غزة مع استمرار إغلاق المعابر ومنع المساعدات
  • شبح المجاعة يهدد غزة وإغلاق المعابر يمنع المياه عن 90% من السكان
  • غزة: أبرز مؤشرات عودة شبح المجاعة وانعدام الأمن الغذائي