بوابة الوفد:
2025-03-10@07:12:59 GMT

(واعلموا أنّ فيكم رسول الله)

تاريخ النشر: 4th, July 2024 GMT

العلم بالشيء غير المعرفة به، العلم كرؤية النار، والمعرفة كالاصطلاء بها، وعلمك بالشيء غير معرفتك به. يُعْلمنا القرآن أن رسول الله فينا، لكن مجرد العلم وحده لا يكفى وَصْلتنا برسول الله ما لم نعرفه، وكيف نعرفه، لتتحقق بأنه صلوات الله وسلامه عليه فينا، إذا نحن تحققنا بذلك عرفنا، وإذا توقفنا عند مجرد العلم وكفى بأنه فينا لم نعْرفه، إذ الفرقُ شاسع بين العلم والمعرفة.

المعرفة تحقيقُ يرتد إلى تجربة واختبار، والعلم برانيّ مجرد خبر، والمعرفة جوانيّة يلزمها التحقيق. أعطاك القرآن الخبر فقط، أمّا التحقيق فجهودك نحو العمل والممارسة ومباشرة السلوك للتحقيق من هذا الخبر أو ذاك، إذا تمّ لك ذلك فقد عرفت، كما يقول تعالى (فاعلم أنه لا إله إلا الله)، مجرد خبر، لا يتحقق إلا بالمعرفة، إذ ذاك تعرف الله إذا تمّ لك التحقيق.

 دار حوار بين مريد وشيخه، والشيخ كالمعلم يقسو أحياناً على من يرحم، لكنها قسوة الرحمة تقود نحو المعرفة، وتؤدى إلى التحقيق، فإذا المريد يقول شيخى : إننى أصلى كل يوم بأعدادٍ كبيرةٍ على خير البريّة، ولم أبلغ مُرادى من الدخول على حضرته، فدُلنى كيف الوصول إلى الحضرة المحمديّة؟

الشيخ : الوصول هو أن تنقل نفسك من حكم العادة إلى بحر الأشواق .. كيف؟

الشيخ : أكثر الذين يصلون على النبى كل يوم، صلاتهم تقع تحت حكم العادة، بمعنى أن ألسنتهم اعتادت كثرة الصلاة عليه، وهذا أمر طيب جامع للحسنات ومُذهب للسيئات، وفيه يقول سيدنا رسول الله (أقربكم منى مجلساً يوم القيامة أكثركم عليّ صلاة).

غير أن حكم العادة هذا، هو العلم الذى يفتقر إلى جهود التجربة، ليتحول العلم من مجرّد الخبر إلى يقين المعرفة، ولكن هل ننتظر ليوم القيامة يأتى لكى نعرف حضرته، وماذا عن الدنيا إذن؟ ألا نحتاج الى القرب من حضرته الشريفة فى دنيانا هذه، ثم ماذا عن الذنوب التى نقترفها صباح مساء، وعن الهموم التى تعانقنا كما يعانق السّهاد غسق الليالى الطوال؟

يستمع الشيخ المعلم الى مريده ثم يقول: اتريد قرباً من حضرة النور، فالقربُ يا ولدى يتمُّ عن طريق صلاة الشوق إليه، وهى أن تصلى عليه بأية صيغة تحبها شريطة ألا تكون بتراء، أى مجرّدة عن ذكر الآل عليهم الصلاة والسلام، وبأى عدد حتى لو كان العدد قليلاً، ليس المهم فى العدد بل فى المدد. المهم فيها هو الارتباط، والوصلة، والحضور، والانشغال، ورؤيتك له على الدوام : استحضار شمائله الشريفة وخصاله العفيفة فى مخيلتك على الدوام.

خذ مثلاً: كل يوم مائة مرة فقط صلاة عليه، ولكن استشعر معيته فى كل حال، وأنك تراه معك فى بيتك، معك فى عملك، معك فى الطريق الذى تسير فيه، معك بين الناس، معك فى خلوتك الخاصّة، معك فى كل زمان ومكان، معك عندما تأكل وتشرب وتنام.

أملأ خيالك به واستشعر أنه لا يفارقك أبداً، وأجعله حاضراً فيك، استشعر أنه يعلم كل حركاتك وسكناتك فهو فيك حسّاً ومعنى كما جاء ذلك فى الكتاب العزيز (واعلموا أنّ فيكم رسول الله)، فكر فيه على الدوام، واستشعر أنه ينظر إليك بوجهه الجميل المشرق الوضاء. استشعر أنك تخاطبه ويخاطبك، فهو يرد عليك لأنه كريم الأخلاق يرد على كل من يكلمه، استشعر أنه أقرب الخلق إليك وأكثر الناس خوفاً عليك ومحبّة لك (لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيزٌ عليه ما عنتم، حريصٌ عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم).

مكّن خاطرك منه، واستشعر أنه أمامك، وعلى يمينك، وفى كل اتجاهاتك، وإنك إذا هممت بمعصية لاحظت أنه معك، فتستحى من جنابه الشريف فتمتنع عن فعلها إجلالاً لحضرته وكرامة لحضوره الشريف.

استشعر أنه يراعيك لحظة بلحظة، إذا أخطأت أستغفر لك، وإذا أحسنت حمد الله على إحسانك، لأنه هو الراعى الأعظم فى الكون، فهو الذى قال: (كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته) ونحن رعيته، بل نحن به إمداداً، وهو من الله استمداداً، النبيُّ يستمدُ من الله مباشرة، ونحن نستمدُ منه، هو من الله ونحن بالنبيّ، وهو أولى بك منك، (النبى أولى بالمؤمنين من أنفسهم)، لولاه لم تخرج الدنيا من العدم. استشعر أن جميع الموجودات تخاطبه، (السلام عليك سيدى يا رسول الله)، وهو يسمع، وهو يرد السلام.

صلى عليه بهذه الكيفية دائماً، لتشرق عليك أنوار الشوق إلى جنابه الشريف، ولتصب على قلبك أسرار الاشتياق إليه، وتفيض أعينك بالدمع ممّا عرفت، فتلك هى بدايات معرفة سيدنا محمد وإلا فأنت لا تعرف عنه شيئاً فيما لو كانت أشواقك إليه قليلة أو ضعيفة.

هنالك تعرفك الملائكة ويبلغوا سيدنا رسول الله بك، فيعرفك باسمك ويمدُّك بأنواره وأسراره، ويصدر الأمر من الحبيب الأعظم أن (قرّبوا فلان من حضرتي)، فيتم لك الوصل والاجتماع ويعطيك ما تتمنى من العلم والمعرفة والأنوار والأسرار.

ذلك هو بحر الشوق والغرام الرقيق، فمن صلى على النبيّ بهذه الكيفية ما بين شوق واشتياق، وصل إلى الحضرة المحمديّة فى أقرب وقت ونال السعادة فى الدنيا والآخرة.

 

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: د مجدى إبراهيم صلوات الله وسلامه التحقيق رسول الله

إقرأ أيضاً:

شخصيات إسلامية.. أبو هريرة أكثر الصحابة رواية للحديث

هو الصحابي الجليل عبد الرحمن بن صَخر، كان اسمه في الجاهلية عبد شمس بن صخر، فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الرحمن، وكُنيته أبو هريرة، لأنه وجدَ هِرَّة فحملها في كُمه، فقيل له: أبو هريرة. حَمَلَ عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم عِلماً كثيراً، وحَدَّثَ عنه عدد كبير من الصحابة والتابعين، روى عنه نحو ثمانمئة رجل أو أكثر من أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم والتابعين وغيرهم.. وكان قدومه وإسلامه في أول سنة سبع من الهجرة، عام خيبر. وكان أبو هريرة رضي الله عنه من فقراء المسلمين، فانضمَّ إلى أهل الصُّفَّة في المسجد النبوي، قال أبو هريرة: «لقد رأيتُنِي أصرع بين القبر والمنبر من الجوع، حتى يقولوا: مجنون»، واستغل فراغه في ملازمة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وحفظ سنَّتِه وتبليغها للمسلمين، فكان حفظُ أبي هريرة الخارق من معجزات النُّبوة، وعنه رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال له: «أَلَا تَسْأَلُنِي مِنْ هَذِهِ الغَنَائِمِ الَّتِي يَسْأَلُنِي أَصْحَابُكَ؟»، قلتُ: أسألك أن تعلمني مما عَلَّمَكَ الله. فنزع نمرة كانت على ظهري، فبسطها بيني وبينه، حتى كأني أنظر إلى النمل يدبُّ عليها، فحدثَني، حتى إذا استوعبتُ حديثَه قال: «اجْمَعْهَا، فَصُرَّهَا إِلَيْكَ»، فأصبحت لا أُسْقِطُ حرفاً مما حدَّثَنِي.
وقال: «إنكم تقولون إن أبا هريرة يُكثر الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وتقولون ما بال المهاجرين، والأنصار لا يُحدِّثون عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بِمِثْلِ حديث أبي هريرة، وإن إخوتي من المهاجرين كان يشغلهم صَفْقٌ بالأسواق، وكنتُ ألْزَمُ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على ملءِ بطني، فأشهد إذا غابوا، وأحفظ إذا نسوا، وكان يشغل إخوتي من الأنصار عمل أموالهم، وكنت امرأً مسكيناً من مساكين الصُّفَّةِ، أعي حين ينسون، وقد قال: رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حديثٍ يحدِّثُه: «إِنَّهُ لَنْ يَبْسُطَ أَحَدٌ ثَوْبَهُ حَتَّى أَقْضِيَ مَقَالَتِي هَذِهِ، ثُمَّ يَجْمَعَ إِلَيْهِ ثَوْبَهُ، إِلَّا وَعَى مَا أَقُولُ»، فبسطت نَمِرَةً عليَّ، حتى إذا قضى مقالته، جمعتُها إلى صدري، فما نسيت من مقالة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تلك من شيء» (رواه البخاري). وكان يبتدئ حديثه بأن يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّداً، فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ».
واحتج المسلمون قديماً وحديثاً بحديثه، وفقهه، بل إن ابن عباس رضي الله عنهما كان يتأدَّب معه، ويقول: «أَفْتِ يا أبا هريرة». وأصح الأحاديث: ما جاء عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة.. وما جاء عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة. وما جاء عن ابن عون، وأيوب، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة.
وعن محمد بن عمارة بن عمرو بن حزم أنه قعد في مجلس فيه أبو هريرة، وفيه مشيخة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بضعة عشر رجلاً، فجعل أبو هريرة يحدِّثهم عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالحديث، فلا يعرفه بعضهم، ثم يتراجعون فيه، فيعرفه بعضهم، ثم يحدثهم بالحديث، فلا يعرفه بعضهم، ثم يعرفه، حتى فعل ذلك مراراً، قال: فعرفت يومئذ أنه أحفظ الناس عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
ولقد دعا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأبي هريرة بالمحبة هو وأمّه.

أخبار ذات صلة شخصيات إسلامية.. طلحة بن عبيد الله شخصيات إسلامية: عَبْدُاللهِ بْنُ مَسْعُودِ.. أول من جهر بالقرآن

مقالات مشابهة

  • غربال الثورة الناعم
  • للصائم دعوة لا ترد
  • شخصيات إسلامية.. أبو سعيد الخدري سعد بن مالك الأنصاري
  • أحمد عمر هاشم: هذا هو ما رآه رسول الله في رحلة الإسراء والمعراج
  • صحابيات في عهد الرسول.. تعرف على أم المؤمنين المصطلقية الخزاعية القوامة
  • رمضان والجنة
  • الذكرى تنفع المؤمنين.. هذا هو شهر رمضان
  • أنوار الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم
  • الحياء.. شعبة من الإيمان
  • شخصيات إسلامية.. أبو هريرة أكثر الصحابة رواية للحديث