الرباط- شهدت مساجد المغرب، الجمعة الماضية، الشروع في تنفيذ خطة "تسديد التبليغ" الدينية التي أعدها المجلس العلمي الأعلى ووزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، وتضمنت توحيد خطبة الجمعة بهدف "إصلاحها وتجاوز الاختلالات التي تعتريها".

وخلّف هذا الإجراء جدلا بين رواد المساجد والمهتمين بالشأن الديني. ورأت فئة أنه سيحول الخطيب من شخص له تكوين شرعي يؤهله لاختيار القضايا المناسبة لرواد المسجد لإلقائها بأسلوبه، إلى مجرد قارئ لخطب مكتوبة في ظروف قد لا تكون مواتية.

في حين اعتبرت فئة ثانية أن هذه الخطوة ستسهم في ترشيد عمل الخطباء وستصلح الأعطاب التي تعتري خطب الجمعة بما يحقق مقصد ترشيد التدين.

عدد مساجد المغرب نحو 52 ألفا وفي الصورة مسجد السنة بالرباط (الجزيرة) أسباب

بدأ الأسبوع الأخير من يونيو/حزيران الماضي بتنفيذ خطة "تسديد التبليغ من أجل حياة طيبة" بأول خطبة موحدة تم اعتمادها في عدد من مساجد المملكة وعنوانها "فضل الاستجابة إلى الله ورسوله" إلى حين تعميمها على جميع المساجد.

ويبلغ عدد مساجد المغرب حوالي 52 ألفا، 24 ألفا منها مساجد جامعة والبقية للصلوات الخمس، وتوجد 72% منها في الريف، و28% في المدن.

وأوضح رئيس المجلس العلمي لعمالة الحي الحسني بالدار البيضاء سعيد بيهي أن المجلس العلمي الأعلى وضع هذه الخطة بعدما رصد أن التبليغ لا يحقق مقصود الدين المتمثل في تغيير أحوال الناس، والارتقاء بهم إلى مستوى من التدين تَظهر ثمراته على واقعهم.

ولفت بيهي إلى أن التدين -في الواقع الحالي- تحول إلى "تدين قشري ومظاهر جوفاء وأيديولوجيا" دون أن يتحقق مقصود الدين في تحقيق حياة طيبة للمتدينين. وقال للجزيرة نت إن ذلك اقتضى من المجلس إعادة النظر في خطاب التبليغ لتسديده وتحقيق المقصود منه.

وتابع "تُهدر جهود وأوقات وموارد، ويرتاد المساجد كل جمعة حوالي 9 ملايين شخص ينصتون للخطبة لكنها لا تترك أي أثر في حياتهم، فالانحرافات تزداد وتُكلف الأفراد والأسر والدولة الكثير".

وأضاف أنه سيتم تنفيذ هذه الرؤية من خلال خطب الجمعة ودروس الوعظ والإرشاد في المساجد. وسيلقي الخطباء خطبة موحدة الموضوع يوم الجمعة الذي سيتم عرضه في دروس للوعظ والإرشاد تحتضنها المساجد طيلة الأسبوع.

وأوضح بيهي أن الخطة تقوم على مستويين:

الأول: يتعلق بمرجعيتها وخلفيتها وهو مستوى شرعي لا يجادل فيه إلا من له اصطفافات في مواقع ومرجعيات أخرى مزاحمة لا تستوعب المطلوب من الشرع. الثاني: تدبيري يسعى لتصحيح عدد من الاختلالات التي تعتري خطب الجمعة.

وبرأيه، فإنه بالنظر إلى حجم الانحراف، يحق للمؤسسة العلمية -باعتبارها تابعة للدولة- أن تقيد العام لأن ذلك من الأمور المباحة، إذ يجوز لولي الأمر أن يقيد الأمر المباح "ونحن هنا نتكلم عن اختلالات حاصلة".

ضرر

ويتفق أحمد كافي أستاذ التعليم العالي للدراسات الإسلامية مع ضرورة إصلاح الأعطاب والاختلالات التي تعتري خطبة الجمعة والخطيب إلا أنه يعارض توحيدها لعدة اعتبارات. ويقول للجزيرة نت إن الخطبة الموحدة فيها ضرر بها وبالخطيب معا لأنها عندما تكون جيدة ومؤثرة فذلك بسبب كفاءة الخطيب وإبداعه.

كما يرى أن في هذا أذية للمصلين لأن واقع الناس يختلف من حي لآخر ومن القرية للمدينة، ولا يمكن للخطبة الواحدة أن تعبر عن واقع الجميع وحاجتهم، وأكد أن إصلاحها بعقلانية وتوسط واعتدال لن يتم إلا بإشراك الجميع في تشخيص الاختلالات ومعالجتها، وألا يستبد بهذا الإصلاح مؤسسة أو أفراد أو هيئات لأن الخطبة تعني الجميع.

وحسب كافي، فإن إصلاح خطبة الجمعة ينبغي أن يبدأ من مضمونها وذلك بالاستفادة من طرق التبليغ العصرية والأساليب الحديثة بالمجال التربوي والتعليمي وفي مخاطبة الجماهير والتأثير فيهم.

من جهته، يرى الباحث في الشأن الديني إدريس الكنبوري أن قرار توحيد الخطبة يتناقض مع مشروع إعادة هيكلة الحقل الديني الذي أطلقه المغرب منذ سنوات، وضمنه إنشاء معهد لتكوين الأئمة والمرشدين والمرشدات.

وقال إن تكوين الأئمة يعني تأهيل نخبة من الأئمة والخطباء للتواصل مع الناس في المجتمع والمسجد. وتساءل: فلماذا التكوين والإنفاق من المال العام لكي يتخرج إمام وظيفته قراءة خطبة مكتوبة من لدن جهة أخرى؟

في نظر الكنبوري، فإن توحيد الخطبة يتناقض مع المطلوب منها لأن دور الخطيب التحدث إلى الناس بما يفقهون وبما يهمهم في الوسط الذي يعيشون فيه، ويراعي مستويات الناس، ويحدثهم فيما نزل بهم في الوسط الذي يعيشون فيه.

ويرى أنها حط من قيمة الخطيب ودوره أمام الناس، وتنزع ثقتهم فيه كشخص مؤهل، وهذا أمر لا يعتقد أنه مرغوب فيه لدى الدولة لأن دافعها إلى تكوين الأئمة وإصلاح الحقل الديني هو إيجاد فئة تحظى بثقة الناس.

تحمل المسؤولية

ونشرت وزارة الأوقاف -على صفحتها في فيسبوك– توضيحا حول الخطبة الموحدة. وقالت إن الخطباء والوعاظ كانوا ولا يزالون يتمتعون بحرية تصحبها مسؤولية في إلقاء خطبهم ومواعظهم، باعتبارهم محل ثقة وكفاءة في ذلك، عدا بعض الحالات القليلة جدا التي تشذ أحيانا عن هذا.

وأوضحت الوزارة أن أمر تعميم الخطب مؤقت وليس دائما، ويروم التحسيس العام بهذا المشروع وبناء الاستجابة له والتفاعل الإيجابي معه ومدارسة مواضيع بعينها في دروس وعظ منتظمة في خطة المؤسسة.

ويؤكد بيهي عضو المجلس العلمي الأعلى أن الخطة لا تتهم الخطباء، بل ينبغي أن تكوّن لهم الشجاعة والوعي بضرورة التعاون لإصلاح اختلالات خطب الجمعة، ومنها أن العديد من الخطباء لا يهيئون الخطبة بهدف تحقيق غاية الشرع ولا يحملون جميعهم هم إلقاء خطبة مؤثرة ولا يرون فيها مسؤولية كبيرة.

وتأسف لكون العديد من المتدينين -ونتيجة التأثر بخلفيات أخرى- يذهبون باتجاه المفاصلة بين علماء الأمة وعلماء السلطان وفق تصورهم. لذلك -يضيف بيهي- يحدث لديهم نوع من الرفض المسبق لأي تدبير كان مصدره الدولة ويُنظر إليه على أنه تحكم، في حين أن الأمر يتعلق بخطة مبنية على رؤية شرعية وهندسة إذا تأملها الفرد وجدها معقولة ومطلوبة شرعا.

ودعا بيهي الخطباء إلى التحلي بالأهلية العلمية والنفسية المتمثلة في امتلاك الصدق الذي يجعل الإنسان لا يحتكم لرؤية مزاحمة سواء سياسية أو حركية أو غيرها. وأشار إلى أن بعض الأشخاص لديهم مشاريع خاصة والخطبة بالنسبة لهم وسيلة لاستقطاب الناس من خلال رؤية معينة، في حين أن "همّ الأمة أكبر من الأفراد".

وأكد ضرورة انخراط الوعاظ والخطباء ورواد المساجد في فهم هذه الخطة واستيعابها ليكون لها أثر على واقع الناس وأحوالهم، والعمل على إحياء جماعة المسجد بشكل ينأى به عن التحيزات والطائفيات والانتماءات.

أما أحمد كافي فشدد على ضرورة تحمل وزارة الأوقاف مسؤوليتها في تكوين الخطباء وتدريبهم و"ألا يُتركوا لأقدارهم".

وأشار إلى أن الخطيب لا يخضع لتكوين كما هو الشأن في مجموعة من الدول التي عندها كليات لتكوين وإعداد الدعاة والخطباء، بل يتقدم لاجتياز امتحان في الخطابة والمعلومات الدينية ويصبح بعدها خطيبا دون أن يسبق صعوده المنبر تكوين وتدريب يؤهله لهذه المسؤولية.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات المجلس العلمی خطبة الجمعة خطب الجمعة

إقرأ أيضاً:

اختتام برنامج "تحدي القراءة العربي" بالمغرب في دورته التاسعة... وبرادة: فخورون بالتلاميذ المغاربة

اختتمت، اليوم السبت بالرباط، فعاليات برنامج « تحدي القراءة العربي » بالمغرب في دورته التاسعة، الرامي إلى ترسيخ حب القراءة وتعزيز شغف المعرفة لدى تلاميذ الوطن العربي، في وقت يشهد فيه العالم تراجعا ملحوظا في نسب القراءة.

وفي كلمة بالمناسبة، قال وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، محمد سعد برادة، « نحن فخورون بمشاركة تلاميذ المملكة المغربية في كل الدورات السابقة، (…) والمراتب المتقدمة التي يحصل عليها تلامذتنا في كل دورة، تمنح دفعة قوية لارتفاع نسب المشاركة من سنة إلى أخرى ».

وأشار الوزير إلى أنه خلال هذه السنة شارك زهاء أربعة ملايين ونصف تلميذة وتلميذ، أي ما يعادل 54 في المائة من إجمالي عدد التلاميذ على المستوى الوطني، في حين بلغ عدد المؤسسات التعليمية المشاركة 14 ألفا و236 مؤسسة عمومية وخصوصية ومؤسسات التعليم العتيق.

وأشاد، بهذه المناسبة، بالعمل الجاد والدؤوب الذي قامت به المؤسسات التعليمية والانخراط الجاد والمسؤول لجميع المتدخلين والمشرفين والتلميذات والتلاميذ المشاركين. كما أعرب، عن عميق الامتنان والتقدير للجهود القيمة التي تبذلها دولة الإمارات العربية المتحدة الشقيقة في دعم ورعاية هذه المبادرة في الوطن العربي.

من جانبه، أكد مدير إدارة البرامج والمبادرات بمؤسسة « مبادرات محمد بن راشد آل مكتوم »، فواز الخالدي، أن الحضور المغربي شكل علامة مميزة في جميع دورات تحدي القراءة العربي من خلال معدل المشاركة ومستويات الطلبة، مشيدا بالمؤسسة التعليمية المغربية والمجتمع المغربي الذي يوفر بيئة خصبة للتحصيل الثقافي والمعرفي.

وأوضح الخالدي أن هذا الحضور واصل تسجيل نسق تصاعدي، حيث بلغ عدد المشاركين في الدورة الأولى 85 ألفا و625 طالب وطالبة ليصل العدد إلى أزيد من 4 ملايين و342 ألف طالب وطالبة أي بارتفاع بلغت نسبته 4971 في المائة، مبرزا أن هذا النجاح ما كان ليتحقق لولا التعاون الوثيق بين وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة في المملكة المغربية ومؤسسة « مبادرات محمد بن راشد آل مكتوم العالمية ».

وسيمثل المغرب في تحدي القراءة العربي بدبي في دورته التاسعة، التلميذ آدم الروداني من جهة الرباط-سلا-القنيطرة، يرافقه ثلة من التلميذات والتلاميذ من مختلف جهات المملكة، الذين حازوا بمعيته على المراتب العشر الأولى من برنامج « تحدي القراءة العربي » على مستوى المملكة المغربية.

وتم خلال حفل الاختتام الإعلان عن المتوجين بالدورة التاسعة لتحدي القراءة العربي على مستوى المملكة المغربية في فئات أفضل مدرسة صديقة للقراءة، والمشرف المتميز، وفئة ذوي الهمم.

كلمات دلالية تحدي القراءة العربية، المغرب

مقالات مشابهة

  • الطب الشرعي في المغرب “بلا أطباء”.. وهبي: مَايمكنش نَوْلَدهُم
  • «مدبولي» يؤكد أهمية توحيد مختلف الرسوم الخاصة باستخراج التراخيص بجميع المحافظات
  • باحث: اشتباكات الزاوية تكشف فشل توحيد المؤسسة الأمنية وغياب مشروع الدولة
  • توحيد لغة الإشارة.. لجنة متخصصة من التضامن تعمل على قاموس موحد ومنصة إلكترونية
  • نائب يدعو إلى توحيد أحزاب العرب في كركوك بقائمة انتخابية واحدة
  • خطبة موحدة بمساجد بنين تدين هجمات جماعة نصرة الإسلام
  • منتخب مصر للسيدات يودع كأس أفريقيا لكرة الصالات بعد تعادل مثير مع غينيا
  • اختتام برنامج "تحدي القراءة العربي" بالمغرب في دورته التاسعة... وبرادة: فخورون بالتلاميذ المغاربة
  • ونغرس فيأكل من بعدنا.. الأوقاف تحدد موضوع خطبة الجمعة القادمة
  • القويري: ليبيا في حاجة لحكومة واحدة تعمل على توحيد المؤسسات