توحيد خطبة الجمعة بالمغرب.. تضييق على الخطباء أم ترشيد لوظيفتهم؟
تاريخ النشر: 4th, July 2024 GMT
الرباط- شهدت مساجد المغرب، الجمعة الماضية، الشروع في تنفيذ خطة "تسديد التبليغ" الدينية التي أعدها المجلس العلمي الأعلى ووزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، وتضمنت توحيد خطبة الجمعة بهدف "إصلاحها وتجاوز الاختلالات التي تعتريها".
وخلّف هذا الإجراء جدلا بين رواد المساجد والمهتمين بالشأن الديني. ورأت فئة أنه سيحول الخطيب من شخص له تكوين شرعي يؤهله لاختيار القضايا المناسبة لرواد المسجد لإلقائها بأسلوبه، إلى مجرد قارئ لخطب مكتوبة في ظروف قد لا تكون مواتية.
في حين اعتبرت فئة ثانية أن هذه الخطوة ستسهم في ترشيد عمل الخطباء وستصلح الأعطاب التي تعتري خطب الجمعة بما يحقق مقصد ترشيد التدين.
عدد مساجد المغرب نحو 52 ألفا وفي الصورة مسجد السنة بالرباط (الجزيرة) أسباببدأ الأسبوع الأخير من يونيو/حزيران الماضي بتنفيذ خطة "تسديد التبليغ من أجل حياة طيبة" بأول خطبة موحدة تم اعتمادها في عدد من مساجد المملكة وعنوانها "فضل الاستجابة إلى الله ورسوله" إلى حين تعميمها على جميع المساجد.
ويبلغ عدد مساجد المغرب حوالي 52 ألفا، 24 ألفا منها مساجد جامعة والبقية للصلوات الخمس، وتوجد 72% منها في الريف، و28% في المدن.
وأوضح رئيس المجلس العلمي لعمالة الحي الحسني بالدار البيضاء سعيد بيهي أن المجلس العلمي الأعلى وضع هذه الخطة بعدما رصد أن التبليغ لا يحقق مقصود الدين المتمثل في تغيير أحوال الناس، والارتقاء بهم إلى مستوى من التدين تَظهر ثمراته على واقعهم.
ولفت بيهي إلى أن التدين -في الواقع الحالي- تحول إلى "تدين قشري ومظاهر جوفاء وأيديولوجيا" دون أن يتحقق مقصود الدين في تحقيق حياة طيبة للمتدينين. وقال للجزيرة نت إن ذلك اقتضى من المجلس إعادة النظر في خطاب التبليغ لتسديده وتحقيق المقصود منه.
وتابع "تُهدر جهود وأوقات وموارد، ويرتاد المساجد كل جمعة حوالي 9 ملايين شخص ينصتون للخطبة لكنها لا تترك أي أثر في حياتهم، فالانحرافات تزداد وتُكلف الأفراد والأسر والدولة الكثير".
وأضاف أنه سيتم تنفيذ هذه الرؤية من خلال خطب الجمعة ودروس الوعظ والإرشاد في المساجد. وسيلقي الخطباء خطبة موحدة الموضوع يوم الجمعة الذي سيتم عرضه في دروس للوعظ والإرشاد تحتضنها المساجد طيلة الأسبوع.
وأوضح بيهي أن الخطة تقوم على مستويين:
الأول: يتعلق بمرجعيتها وخلفيتها وهو مستوى شرعي لا يجادل فيه إلا من له اصطفافات في مواقع ومرجعيات أخرى مزاحمة لا تستوعب المطلوب من الشرع. الثاني: تدبيري يسعى لتصحيح عدد من الاختلالات التي تعتري خطب الجمعة.وبرأيه، فإنه بالنظر إلى حجم الانحراف، يحق للمؤسسة العلمية -باعتبارها تابعة للدولة- أن تقيد العام لأن ذلك من الأمور المباحة، إذ يجوز لولي الأمر أن يقيد الأمر المباح "ونحن هنا نتكلم عن اختلالات حاصلة".
ضررويتفق أحمد كافي أستاذ التعليم العالي للدراسات الإسلامية مع ضرورة إصلاح الأعطاب والاختلالات التي تعتري خطبة الجمعة والخطيب إلا أنه يعارض توحيدها لعدة اعتبارات. ويقول للجزيرة نت إن الخطبة الموحدة فيها ضرر بها وبالخطيب معا لأنها عندما تكون جيدة ومؤثرة فذلك بسبب كفاءة الخطيب وإبداعه.
كما يرى أن في هذا أذية للمصلين لأن واقع الناس يختلف من حي لآخر ومن القرية للمدينة، ولا يمكن للخطبة الواحدة أن تعبر عن واقع الجميع وحاجتهم، وأكد أن إصلاحها بعقلانية وتوسط واعتدال لن يتم إلا بإشراك الجميع في تشخيص الاختلالات ومعالجتها، وألا يستبد بهذا الإصلاح مؤسسة أو أفراد أو هيئات لأن الخطبة تعني الجميع.
وحسب كافي، فإن إصلاح خطبة الجمعة ينبغي أن يبدأ من مضمونها وذلك بالاستفادة من طرق التبليغ العصرية والأساليب الحديثة بالمجال التربوي والتعليمي وفي مخاطبة الجماهير والتأثير فيهم.
من جهته، يرى الباحث في الشأن الديني إدريس الكنبوري أن قرار توحيد الخطبة يتناقض مع مشروع إعادة هيكلة الحقل الديني الذي أطلقه المغرب منذ سنوات، وضمنه إنشاء معهد لتكوين الأئمة والمرشدين والمرشدات.
وقال إن تكوين الأئمة يعني تأهيل نخبة من الأئمة والخطباء للتواصل مع الناس في المجتمع والمسجد. وتساءل: فلماذا التكوين والإنفاق من المال العام لكي يتخرج إمام وظيفته قراءة خطبة مكتوبة من لدن جهة أخرى؟
في نظر الكنبوري، فإن توحيد الخطبة يتناقض مع المطلوب منها لأن دور الخطيب التحدث إلى الناس بما يفقهون وبما يهمهم في الوسط الذي يعيشون فيه، ويراعي مستويات الناس، ويحدثهم فيما نزل بهم في الوسط الذي يعيشون فيه.
ويرى أنها حط من قيمة الخطيب ودوره أمام الناس، وتنزع ثقتهم فيه كشخص مؤهل، وهذا أمر لا يعتقد أنه مرغوب فيه لدى الدولة لأن دافعها إلى تكوين الأئمة وإصلاح الحقل الديني هو إيجاد فئة تحظى بثقة الناس.
تحمل المسؤوليةونشرت وزارة الأوقاف -على صفحتها في فيسبوك– توضيحا حول الخطبة الموحدة. وقالت إن الخطباء والوعاظ كانوا ولا يزالون يتمتعون بحرية تصحبها مسؤولية في إلقاء خطبهم ومواعظهم، باعتبارهم محل ثقة وكفاءة في ذلك، عدا بعض الحالات القليلة جدا التي تشذ أحيانا عن هذا.
وأوضحت الوزارة أن أمر تعميم الخطب مؤقت وليس دائما، ويروم التحسيس العام بهذا المشروع وبناء الاستجابة له والتفاعل الإيجابي معه ومدارسة مواضيع بعينها في دروس وعظ منتظمة في خطة المؤسسة.
ويؤكد بيهي عضو المجلس العلمي الأعلى أن الخطة لا تتهم الخطباء، بل ينبغي أن تكوّن لهم الشجاعة والوعي بضرورة التعاون لإصلاح اختلالات خطب الجمعة، ومنها أن العديد من الخطباء لا يهيئون الخطبة بهدف تحقيق غاية الشرع ولا يحملون جميعهم هم إلقاء خطبة مؤثرة ولا يرون فيها مسؤولية كبيرة.
وتأسف لكون العديد من المتدينين -ونتيجة التأثر بخلفيات أخرى- يذهبون باتجاه المفاصلة بين علماء الأمة وعلماء السلطان وفق تصورهم. لذلك -يضيف بيهي- يحدث لديهم نوع من الرفض المسبق لأي تدبير كان مصدره الدولة ويُنظر إليه على أنه تحكم، في حين أن الأمر يتعلق بخطة مبنية على رؤية شرعية وهندسة إذا تأملها الفرد وجدها معقولة ومطلوبة شرعا.
ودعا بيهي الخطباء إلى التحلي بالأهلية العلمية والنفسية المتمثلة في امتلاك الصدق الذي يجعل الإنسان لا يحتكم لرؤية مزاحمة سواء سياسية أو حركية أو غيرها. وأشار إلى أن بعض الأشخاص لديهم مشاريع خاصة والخطبة بالنسبة لهم وسيلة لاستقطاب الناس من خلال رؤية معينة، في حين أن "همّ الأمة أكبر من الأفراد".
وأكد ضرورة انخراط الوعاظ والخطباء ورواد المساجد في فهم هذه الخطة واستيعابها ليكون لها أثر على واقع الناس وأحوالهم، والعمل على إحياء جماعة المسجد بشكل ينأى به عن التحيزات والطائفيات والانتماءات.
أما أحمد كافي فشدد على ضرورة تحمل وزارة الأوقاف مسؤوليتها في تكوين الخطباء وتدريبهم و"ألا يُتركوا لأقدارهم".
وأشار إلى أن الخطيب لا يخضع لتكوين كما هو الشأن في مجموعة من الدول التي عندها كليات لتكوين وإعداد الدعاة والخطباء، بل يتقدم لاجتياز امتحان في الخطابة والمعلومات الدينية ويصبح بعدها خطيبا دون أن يسبق صعوده المنبر تكوين وتدريب يؤهله لهذه المسؤولية.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات المجلس العلمی خطبة الجمعة خطب الجمعة
إقرأ أيضاً:
«صناعة الأمل».. نص خطبة الجمعة غدا 3 يناير 2025
نص خطبة الجمعة.. أعلنت وزارة الأوقاف، موضوع خطبة الجمعة غدا 3 يناير 2025، بعنوان: «فما ظنكم برب العالمين (صناعة الأمل)»، لافتة إلى أن هذه الخطبة تهدف إلى ترسيخ الإيمان بأن الفرج قريب مهما اشتدت الأزمات، وأن الخير دائمًا أقرب مما نتخيل.
وأشارت الوزارة، إلى أهمية تعزيز الثقة بالله والتمسك بالأمل كوسيلة لتحقيق الطمأنينة النفسية والاجتماعية، وتُعد صناعة الأمل من القيم الأساسية التي يحتاجها المجتمع لمواجهة التحديات اليومية.
ويأتي هذا التوجه بالتزامن مع التحديات التي تواجه المجتمع، حيث تسعى الوزارة إلى استخدام المنابر الدينية لتقديم رسائل إيجابية تدفع نحو البناء والعمل.
خطبة الجمعة غدا نص خطبة الجمعة 3 يناير 2025الحمد لله رب العالمين، مالك الملك، الذي إذا قال للشيء كن فيكون، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله. اللهم صلِّ وسلِّم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين.
«فما ظنكم برب العالمين»
«صناعة الأمل»
خطبة الجمعة غداالحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ، اللَّهُمَّ لَكَ الحَمْدُ كَمَا تَقُولُ، وَلَكَ الحَمْدُ خَيْرًا مِمَّا نَقُولُ، سُبْحَانَكَ لَا نُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ، أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ، وأَشهدُ أنْ لَا إلهَ إِلا اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ لَهُ، إلهًا أَحَدًا فَرْدًا صَمَدًا، وأَشهدُ أنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، أَرْسَلَهُ اللهُ تَعَالَى رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ، وَخِتَامًا لِلأَنْبِيَاءِ وَالمُرْسَلِينَ، اللَّهُمَّ صَلِّ وسلِّمْ وبارِكْ علَيهِ، وعلَى آلِهِ وَأَصحَابِهِ، ومَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إلَى يَومِ الدِّينِ، وَبَعْدُ:
فَهَذِهِ رِسَالَةُ أَمَلٍ وَتَفَاؤُلٍ لِكُلِّ إِنْسَانٍ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا مَعَ بِدَايَةِ عَامٍ جَدِيدٍ، وَاسْتِقْبَالِ الأَشْهُرِ الحُرُمِ المُبَارَكَةِ، أَبْشِرْ أَيُّهَا النَّبِيلُ بِأَيَّامِ خَيْرٍ وَبَرَكَةٍ تَشْهَدُ فِيهَا جَمِيلَ اللُّطْفِ الإِلَهِيِّ وَعَجِيبَ التَّدْبِيرِ الرَّبَّانِيِّ، وَإِلَيْكَ هَذِهِ البُشْرَيَاتُ القُرْآنِيَّةُ هِدَايَةً لِنَفْسِكَ وَسَكِينَةً لِرُوحِكَ: {الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ * وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ * وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ}، {اللهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ}، {وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ * فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُون}.
أَيُّهَا النَّاسُ {فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ} كَرِيمٌ، مُنْعِمٌ، بَرٌّ، لَطِيفٌ، لَا يَزْدَادُ عَلَى كَثْرَةِ الحَوَائِجِ إِلَّا جُودًا وَسَخَاءً وَإِكْرَامًا! فَكَمْ مِنْ بَلِيَّةٍ كَشَفَهَا، وَكَمْ مِنْ دَعْوَةٍ أَجَابَهَا، وَكَمْ مِنْ سَجْدَةٍ قَبِلَهَا، وَكَمْ مِنْ كُرْبَةٍ فرَّجَهَا، وَكَمْ مِنْ مِسْكِينٍ أَعْطَاه، وَكَمْ مِنْ فَقِيرٍ أَغْنَاه، وَكَمْ مِنْ يَتِيمٍ آوَاه، وَكَمْ مِنْ مَرِيضٍ شَفَاه، فَتَفَاءَلُوا بِالخَيْرِ تَجِدوُه، وَكُونُوا مِنْ أَهْلِ هَذَا الوَعْدِ الإِلَهِيِّ الَّذِي لَا يَتَخَلَّفُ «أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي».
أَيُّهَا السَّادَةُ، {فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ} هَذِهِ رِسَالَتُهُ سُبْحَانَهُ إِلَيْكُمْ فِي ثَنَايَا سُورَةِ الشَّرْحِ {فَإِنَّ مَعَ العسر يُسْرًا * إِنَّ مَعَ العسر يُسْرًا} وَقَدِ اشْتَمَلَتْ عَلَى المَعِيَّةِ بَدَلًا مِنَ البَعْدِيَّة، وَالتَّأْكِيدِ بَدَلًا مِنَ الانْفِرَاد، تَأَمَّلُوهَا تَنْشَرِحْ صُدورُكُمْ، وَتَسْمُوا أَروَاحُكُمْ، وَيَعْظُمُ يَقِينُكُم بِكَرَمِ رَبِّكُمْ.
وَيَا أَيُّهَا الإِنْسَانُ المُكَرَّمُ، اعْلَمْ أَنَّ الأَمَلَ شَمْسُ الحَيَاةِ، بِهِ سَكِينَةُ القَلْبِ وَطُمَأْنِينَةُ الرُّوحِ، وَرَاحَةُ الفُؤَاد، فَتَقَرَّبْ إِلَى اللهِ بِالأَمَلِ وَالتَّفَاؤُلِ وَحُسْنِ الظَّنِّ، اسْجُدْ لِرَبِّكَ سَجْدَةً، وَأَثْنِ عَلَيْهِ بِصِفَاتِ الجَمَالِ وَالجَلَالِ، وَابْثُثْ فِي دُعَائِكَ آمَالَكَ وَطُمَوحَاتِكَ وَأُمْنِيَّاتِك، فَإِنَّ رَبَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، لَا يُعْجِزُهُ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ، وَانْطَلِقْ مِنْ صَلَاتِكَ لِتُحْيِيَ الأَمَلَ فِي نُفُوسِ النَّاسِ جَابِرًا خَوَاطِرَهُمْ بِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ، وَابْتِسَامَةٍ حَانِيَةٍ، وَرَحْمَةٍ بِالصَّغِيرِ، وَمَسْحَةٍ عَلَى رَأْسِ يَتِيمٍ، وَدَعْوَةٍ لِمَرِيضٍ، وَرِقَّةٍ لِمُصَابٍ، وَلُطْفٍ بِمَحْزُونٍ، لِيَسْرِيَ الأَمَلُ فِي تِلْكَ النُّفُوسِ كَمَا يَسْرِي المَاءُ فِي الوَرْدِ. مِنْ هُنَا تُصْنَعُ الحَضَارَةُ، وُيُبْنَى الإِنْسَانُ.
لِيَكُنْ عُنْوَانُكَ أَيُّهَا الكَرِيمُ فِي هَذِهِ الحَيَاةِ الأَمَلَ وَالتَّفَاؤُلَ وَاليَقِينَ فِي الجَبْرِ والرِّزْقِ وَالعَافِيَة، فَمِنَ المِحَنِ تَأْتِي المِنَحُ، وَمِنَ الشِّدَّةِ يَخْرُجُ الفَرَجُ، وَمِنَ الظُّلْمَةِ يُشْرِقُ النُّورُ، فهَا هُوَ الجَنَابُ الأَنْوَرُ -صَلَوَاتُ رَبِّي وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ- الذي عَاشَ اليُتْمَ بِكُلِّ مَرَاحِلِهِ وَأَطْوَارِهِ، وَفَقْدَ الأَحِبَّةِ بِكُلِّ جَوَارِحِهِ وَآلَامِهِ، وَأُخْرِجَ مِنْ وَطَنِهِ الَّذِي أَحَبَّهُ بِكُلِّ كَيَانِهِ، قَادَهُ الأَمَلُ وَاليَقِينُ فِي مَدَدِ رَبِّ العَالَمِين لِيَدْخُلَ مَكَّةَ فَاتحًا مُنْتَصِرًا قَدْ تَزَيَّنَ بِالعَفْوِ وَالمَرْحَمَةِ، لِيَفْتَحَ بَابَ الأَمَلِ لِلْبَشَرِ وَقَدْ حُصِّنَتْ دِمَاؤُهُمْ، وَأَعْرَاضُهُم، وَأَمْوَالُهُمْ، لِيَمْنَحَ البَشَرِيَّةَ الأَمَلَ وَالحَيَاة.
وَإِذَا كَانَ شَهْرُ رَجَبٍ الأَصَبّ بِدَايَةَ الأَشْهُرِ الحُرُمِ المُقَدَّسَةِ فَاجْعَلْهُ بِدَايَةَ أَمَلٍ جَدِيدٍ لِلتَّقَرُّبِ إِلَى الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ - سُبْحَانَهُ- بِصُنُوفِ الخَيْرِ مِنَ الصِّيَامِ وَالقِيَامِ وَالصَّدَقَةِ وَبِرِّ الوَالِدَيْنِ وَصِلَةِ الأَرْحَامِ وَجَبْرِ الخَوَاطِرِ وَسَائِرِ الصَّالِحَاتِ، وَالبُعْدِ عَنْ كُلِّ عَمَلٍ يُغْضِبُ اللهَ -جَلَّ جَلَالُهُ-، {وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا}، وَلْيَكُنْ حَادِيكَ قَوْلَ اللهِ -سُبْحَانَهُ-: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ القَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ}.
الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى خَاتَمِ الأَنبِيَاءِ وَالمُرْسَلِينَ، سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، وَبَعْدُ:
فَإِنَّ الإِنْسَانَ غَالٍ عِنْدَ رَبِّهِ، عَزِيزٌ عِنْدَ نَفْسِهِ، لَا يَحْمِلُهُ طَلَبُ الرِّزْقِ أَنْ يُورِدَ نَفْسَهُ المَهَالِكَ، فَإِذَا كَانَ اللهُ - سُبْحَانَهُ- أَمَرَ عِبَادَهُ بِالسَّعْيِ فِي الأَرْضِ طَلَبًا لِلرِّزْقِ، فَقَالَ سُبْحَانَهُ: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ}، فَإِنَّهُ -جل جَلَالُهُ- نَهَى نَهْيًا شَدِيدًا مُؤَكَّدًا عَنْ تَعْرِيضِ النَّفْسِ لِلْهَلَاكِ وَالإِتْلَافِ، فَقَالَ - سُبْحَانُهُ-: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ}.
أَيُّهَا الشَّبَابُ، كَيْفَ يَقْبَلُ إِنْسَانٌ لِنَفْسِهِ أَنْ يُرَخِّصَهَا أَوْ يُذِلَّهَا أَوْ يُعَرِّضَهَا لِلْمَهَالِكِ، فَيُقْدِمُ عَلَى الهِجْرَةِ غير الشَّرْعِيَّةِ مِنْ وَطَنِهِ، يَسْبَحُ بِقَوَارِبِ المَوْتِ بَحْثًا عَنْ ثَرَاءٍ مَوْهُومٍ، وَقَدْ حَفَّ نَفْسَهُ بِمَخَاطِرِ الغَرَقِ وَإِزْهَاقِ الرُّوحِ وَإِذْلَالِ الكَرَامَةِ المُقَدَّسَةِ الَّتِي أَمَرَهُ الإِسْلَامُ أَنْ يَصُونَهَا وَيُحَافِظَ عَلَيْهَا؟! وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لَا يَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يُذِلَّ نفسَهُ، قَالُوا: كيف يُذِلُّ نَفْسَهُ؟ قَالَ: يَتَعَرَّضُ مِنَ البَلَاءِ لِمَا لَا يُطِيقُ».
أَيُّهَا الشَّابُّ النَّبِيلُ، تَفَكَّرْ- قَبْلَ أَنْ تُقَرِّرَ هِجْرَةً إِلَى الهَلَاكِ- فِي أُمِّكَ وَأَبِيكَ إِذَا احْتَرَقَتْ قُلُوبُهُمَا بِفَقْدِكَ! ضَعْ أَمَامَ عَيْنَيْكَ قَوْلَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ ﷺ: «إِنَّ رُوحَ القُدُسِ نَفَثَ فِي رُوعِي أَنَّ نَفْسًا لَنْ تَمُوتَ حَتَّى تَسْتَكْمِلَ أَجَلَهَا وَتَسْتَوْعِبَ رِزْقَهَا، فَاتَّقُوا اللهَ وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ، وَلَا يَحْمِلَنَّ أَحَدَكُمُ اسْتِبْطَاءُ الرِّزْقِ أَنْ يَطْلُبَهُ بِمَعْصِيَةِ اللهِ، فَإِنَّ اللهَ -تَعَالَى- لَا يُنَالُ مَا عِندَهُ إِلَّا بِطَاعَتِهِ»، أَيُّهَا الشَّابُّ، اعْتَزَّ بِنَفْسِكَ، فَأَنْتَ فَرْحَةُ أَهْلِكَ، وَأَمَلُ وَطَنِكَ.
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ بقُوَّةِ تَدْبِيرِكَ وَعِظيمِ عَفْوِكَ وَسَعَةِ حِلْمِكَ وَفَيْضِ جُودِكَ وَكَرَمِكَ أن تُفِيضَ عَلَى حَيَاتِنَا الرِّزْقَ وَالخَيْرَ وَالبَرَكَةَ.
اقرأ أيضاً«صناعة العقول وأثرها في بناء الإنسان».. نص خطبة الجمعة غدا 13 ديسمبر 2024
«الحياء خير كله».. نص خطبة الجمعة غدا 29 نوفمبر 2024
«وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ اللَّهِ».. نص خطبة الجمعة غدا 4 أكتوبر 2024