الجزء الأول.

تتجلَّى عدوانية استثمار اللفظ القرآني ﴿وَاضرِبوهُنَّ﴾ [النساء: 34] في تقديمه دليلًا قاطعًا على العنف الممارس ضد المرأة، والتمييز العنصري الأسري الإسلامي بحق النساء، وشيء من التورط المقصود في مضامين ودلالات النص الكريم.

ضخ دعائي كبير يتحدث عن منح الرجل سوطًا شرعيًا للاعتداء على مجتمع النساء كلما أراد واشتهى في عملية صيد فكري يلقي في روع المرأة هذه الدعاية وينثر حولها الضباب.

وحتى لا تستمر تلك العصابات (الملثمة) في الاعتداء على النص القرآني لابد من توضيح الحمولة الدلالية الناظمة للنص، التي تداولها المشتغلون بأروقة الفقه والتفسير، وعلى ضفافها حررت الألفاظ فانداحت المعاني.

ثم إني اطلعت على محاولات بحثية قلقة وقعت تحت ضغط تلك الدعاية الحقوقية المعاصرة، ووطأة ذلك الضغط والإكراه الذي مورس على الوحي الشريف عند حدود هذه اللفظة، كبحث الدكتور عبد الحميد أبو سليمان ومن سبقه أو لحقه في ذات المسار؛ إذ لجأ إلى جلب معان مجازية لمدلول (الضرب) محاولًا بها الهروب من المدلول الحقيقي الفاعل في مادة (ض ر ب) ودلالتها المعجمية، وذهب يستدعي بعض الاستخدامات القرآنية للفظ (الضرب) مثل: ﴿أَن يَضرِبَ مَثَلًا ما﴾ [البقرة: 26]، ﴿وَيَضرِبُ اللَّهُ الأَمثالَ﴾ [إبراهيم: 25]، ﴿وَاضرِب لَهُم مَثَلًا رَجُلَينِ﴾ [الكهف: 32] وغيرها. ثم الاتكاء على إملاءات المقاصد الشرعية الداعية إلى حفظ ذات الإنسان واحترام كرامته. وخلص إلى أن المقصود بالضرب في هذه الآية هو «مفارقة الزوج زوجته وترك دار الزوجية والبعد الكامل عن الدار». «ضرب المرأة» ص (36)، وهي محاولة خائفة مستلبة لا تخدمها الأداة اللسانية ولا يسندها النظام اللغوي، ولا تسعفها مسلمتا المقاصد والسياق، فإذا تتبعنا انتشار اللفظة في الاستعمال القرآني سنجدها فاعلة في معنييها الحقيقي والمجازي بحسب السياق المعبر عن مفعولها ومدلولها في سلك الجملة القرآنية الحاملة للفظ، فأين نذهب بقول الله تعالى: ﴿فَقُلنَا اضرِبوهُ بِبَعضِها﴾ [البقرة:73]، ﴿فَقُلنَا اضرِب بِعَصاكَ الحَجَرَ﴾ [البقرة:60]، ﴿فَاضْرِبُواْ فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُواْ مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ﴾ [الأنفال: 5012]، ﴿المَلائِكَةُ يَضرِبونَ وُجوهَهُم وَأَدبارَهُم﴾ [الأنفال: 50]، ﴿أَنِ اضرِب بِعَصاكَ البَحرَ﴾ [الشعراء:63]؟ وحمل اللفظ على مدلوله الحقيقي هو المقدم على الطاولة الأصولية لاسيما مع دعم السياق له.

وقد تمكن أستاذ المفردات القرآنية في القرن الخامس الهجري الإمام الراغب الأصفهاني (ت:502) من جمع تلك السياقات القرآنية الناظمة لمفردة الضرب في ضوء شخصية الكلمة وبنيتها اللغوية، فعرَّف الضرب بأنه: «إيقاع شيء على شيء»، «المفردات». ص (505). ومن مدلوله ذهب يُنزِّل كلا المعنيين الحقيقي والمجازي بحسب السياق ذي المكانة المرموقة في الحكم على اللفظ، الكاشف لحمولته الدلالية المختبئة في نظم الكلام. «فإذا كان التركيب يوجد داخل النص فإن الدلالة توجد داخل السياق» العروي، «دور السياق» ص (11)، فالوظيفة السياقية للخطاب «تتمثل في حجب تعدد المعاني في الكلمات، وتقليص الاستقطاب في أقل عدد ممكن من التأويلات» «الخطاب وفائض المعنى»، ص (45)، وهو يُعبِّر عن دور اللفظة القرآنية في أداء المعنى مع بقية اللفظات، وما يود ذلك الكلام المنظوم أن يقول، أو بوصف الدكتور أبو موسى «السياق قوة تحرك التركيب فينبعث من إشعاعاته ما يلائم». «دلالات التركيب»، ص (112).

إذن بات السياق معتمدًا رئيسًا عند المشتغلين بالنص القرآني لجلب المعنى القصدي الذي تتغياه الآيات القرآنية؛ إذ الاقتصار على اللفظ المجرد دون السياق الذي ورد فيه يمنعه التعبير عن دلالته الأصلية، ففاعلية السياق تتمثل في إنتاج الدلالة التي هي لب اللفظ والمقصود النهائي منه.

ثم إن المدلول المقاصدي لا يتم بهكذا افتعال، وإنما ينطلق من بين ثنايا المدلول اللغوي والسياقي، فالمعنى بعد إقرار حقيقته اللغوية ودلالته السياقية يتم تمريره وفق المقاصد الشرعية الداعية إلى تحويله من مادة للتأنيب إلى مادة للتأديب، ومن أداة للتنكيل إلى ذكر المقصود النبيل. كما سنبينه فيما بعد على لسان القاضي أبي بكر بن العربي (ت:543).

يتبع.... الجزء الثاني

⇧ موضوعات متعلقة موضوعات متعلقة مقالاتالأعلى قراءةآخر موضوعات آخر الأخبار وَاضرِبوهُنَّ .. خلل الفهم وعدوانية الاستثمار أول تعليق لوالد الطفلة حنين البكري بعد صدور... القبض على مزور عملات فار من وجه العدالة... عاجل: صدور الحكم النهائي بشأن قاتل الطفلة حنين... مقالات وَاضرِبوهُنَّ .. خلل الفهم وعدوانية الاستثمار جبل الرَّب السامعي! (1-2) سلسة تفكيك الركائز الفكرية للإمامة (3) آية المودة لايمكن أن تتخيل بأن عبدالملك ومحمد علي ذات... اخترنا لك عاجل: صدور الحكم النهائي بشأن قاتل الطفلة حنين... خبير عسكري: إطاحة وشيكة باللواء البحسني بعد تحديه... فيديو يجتاح منصات التواصل بالسعودية لطفلة يمنية تشجع... ميليشيا الحوثي تحتجز الآف الدراجات النارية بصنعاء لرفع... الأكثر قراءةً عاجل: صدور الحكم النهائي بشأن قاتل الطفلة حنين... خبير عسكري: إطاحة وشيكة باللواء البحسني بعد تحديه... فيديو يجتاح منصات التواصل بالسعودية لطفلة يمنية تشجع... ميليشيا الحوثي تحتجز الآف الدراجات النارية بصنعاء لرفع... شابة يمنية بصنعاء تطلب فسخ النكاح وحينما سألها... الفيس بوك ajelalmashhad تويتر Tweets by mashhadyemeni الأقسام المشهد اليمني المشهد المحلي المشهد الدولي المشهد الرياضي المشهد الثقافي المشهد الاقتصادي المشهد الديني الصحف علوم وصحة مقالات حوارات وتقارير منوعات المشهد اليمني الرئيسية من نحن رئيس التحرير هيئة التحرير الخصوصية الشروط اعلن معنا اتصل بنا جميع الحقوق محفوظة © 2021 - 2023
⇡ ×Header×Footer

المصدر: المشهد اليمني

كلمات دلالية: الطفلة حنین

إقرأ أيضاً:

“مشروع أمديست”.. هذا هو الدور الحقيقي لمعهد أمديست وهكذا كان يتم استهداف الشباب واستقطابهم وما هي “الأشياء الإلزامية” التي كانت تفرض على الطلاب والطالبات لكسر الحواجز بينهم (صور+فيديو)

يمانيون../

“مشروع أمديست”.. هذا هو الدور الحقيقي لمعهد أمديست وهكذا كان يتم استهداف الشباب واستقطابهم وما هي “الأشياء الإلزامية” التي كانت تفرض على الطلاب والطالبات لكسر الحواجز بينهم (صور+فيديو)

https://www.yamanyoon.com/wp-content/uploads/2024/06/مشروع-اميدست.mp4 #الاستهداف الثقافيً#اليمن#شبكة التجسس الأمريكية الإسرائيلية‎#صنعاء#معهد أمديستالأجهزة الأمنية

مقالات مشابهة

  • نجم منتخب مصر يكشف السبب الحقيقي لانسحاب الزمالك أمام الأهلي
  • حول الرواية التاريخيّة.. محاولة في الفهم والتحليل
  • السياق اليمني لعيد الغدير
  • مسؤول حكومي: هذا هو السبب الحقيقي لذهاب الحوثيين إلى مفاوضات مسقط!
  • نائب يؤكد تصاعد في أعداد المتعاطين بالمخدرات وتزايد انتشارها
  • اقتصاد عجمان يرتفع إلى 36 مليار درهم في 2023 بنمو 6.25%
  • “مشروع أمديست”.. هذا هو الدور الحقيقي لمعهد أمديست وهكذا كان يتم استهداف الشباب واستقطابهم وما هي “الأشياء الإلزامية” التي كانت تفرض على الطلاب والطالبات لكسر الحواجز بينهم (صور+فيديو)
  • محافظة صنعاء تُحيي ذكرى رحيل العلامة الرباني بدر الدين الحوثي
  • من هو الرئيس الحقيقي؟ تفاصيل غريبة في سلوك بايدن خلال تجمع حاشد بعد المناظرة (فيديو)
  • إنفاق المليارات لتلميع صورتها عالميًا.. وإخفاء الوضع الحقيقي لحقوق الإنسان