ملايين الدولارات.. ما تأثير وقف المساعدات الدولية على الوضع في النيجر؟
تاريخ النشر: 7th, August 2023 GMT
قررت دول غربية وأفريقية وهيئات دولية وقف مساعداتها المالية للنيجر، والمقدرة بنحو ملياري دولار، وفق البنك الدولي، بسبب الانقلاب الذي نفذه الجيش للإطاحة بالحكم المدني في أحد أفقر دول العالم وأكثرها نموا سكانيا.
وفي وقت سابق، أعلن وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن وقفا مؤقتا لبعض برامج المساعدة الأمريكي المقدمة لحكومة النيجر، مشيرا إلى أن هذا الوقف المؤقت لن يؤثر على جميع برامج المساعدة الخارجية الأميركية في هذا البلد.
وإذا فرضت الولايات المتحدة وفرنسا ومعها دول إيكواس حصارا اقتصاديا على النيجر، فإن الأخيرة قد تجد نفسها في وضع لا يحسد عليه.
لكن الحقيقة التي تغيب عن كثير من المتابعين والمحللين أن الصين (وليس فرنسا) الممون الأول للبلاد، وفق "مرصد التعقيد الاقتصادي" (oec) الأمريكي، الذي يتضمن بيانات التجارة العالمية.
والصين لم تعلن بعد انخراطهما في أي عقوبات ضد قادة الانقلاب العسكري في النيجر الذي أطاح بحكم الرئيس محمد بازوم.
تعتبر النيجر من أفقر دول العالم، إذ يعيش أكثر من نصف سكانها (50.6 بالمئة)، تحت مستوى خط الفقر (1.9 دولار يوميا).
حيث لا يتجاوز الناتج الفردي الخام 610 دولارات في عام 2022، لكنه ارتفع قليلا مقارنة بعام 2020، حيث لم يتجاوز حينها 550 دولارا، وفق بيانات البنك الدولي.
واحتلت البلاد المرتبة 175 عالميا من حيث الناتج الفردي الخام (مؤشر الغنى والفقر) في عام 2021، والمرتبة 124 عالميا من حيث الناتج الداخلي الخام (مؤشر حجم الاقتصاد).
ورغم معدل الفقر المرتفع، فاالزيادة السكانية من بين الأعلى دوليا، وتبلغ 3.9 بالمئة سنويا. إذ ارتفع عدد السكان من قرابة 20 مليون نسمة عام 2016 إلى 26.2 مليون نسمة في عام 2022.
واحتلت البلاد المرتبة الأخيرة بين 188 بلدا في مؤشر الأمم المتحدة للتنمية البشرية، لعام 2015.
وما فاقم الوضع أكثر أن 80 بالمئة من مساحتها صحراء قاحلة، وتعاني من تغير المناخ والفيضانات الفجائية والجراد الصحراوي الذي يأتي على محاصيل البلاد المحدودة، خاصة على ضفتي نهر النيجر، وبحيرة تشاد المهددة بالجفاف.
نمو اقتصادي
على الرغم من صغر حجم اقتصاد النيجر (المرتبة 124 عالميا)، إلا أنه سجل نسبة نمو عالية بلغت 7 بالمئة عام 2022، وفق مسؤولين محليين.
بل إن البنك الدولي قدر نسبة نمو الناتج الداخلي بـ11.5 بالمئة في ذات العام، وهي نسبة مرتفعة جدا وقلة من الدول من وصلت إليها.
ويمكن إرجاع هذا النمو المرتفع إلى عدة أسباب أبرزها بداية تصدير كميات قليلة من النفط المكرر، وارتفاع قيمة الصادرات، التي قفزت من 1.25 مليار دولار في عام 2016 إلى 3.78 مليارات دولار في عام 2021، وفق مرصد OEC، بالإضافة إلى ارتفاع أسعار اليورانيوم في السوق الدولية.
حيث شكل الذهب الخام 71.4 بالمئة من صادرات البلاد (2.7 مليار دولار)، يليه البذور الزيتية (344 مليون دولار)، والمواد الكيميائية المشعة مثل اليورانيوم (297 مليون دولار)، والبترول المكرر (235 مليون دولار)، وفق ذات المصدر.
وتستحوذ الإمارات، وفق المرصد الأمريكي، على معظم صادرات النيجر بقيمة 2.68 مليار دولار، أو ما يعادل 70.8 بالمئة، تليها الصين (344 مليون دولار) ثم فرنسا (197 مليون دولار)، وتأتي حليفتا انقلابيي النيجر بوركينا فاسو (123 مليون دولار) ومالي (110 ملايين دولار)، في المرتبتين الرابعة والخامسة على التوالي.
وبلغت واردات النيجر في نفس العام 2.33 مليار دولار، أهمها الأرز (275 مليون دولار) والسيارات (113 مليون دولار)، والتبغ (نحو 70 مليون دولار).
وأبرز الموردين للنيجر هم: الصين (441 مليون دولار) وفرنسا (193 مليون دولار) والولايات المتحدة (185 مليون دولار) ونيجيريا (180 مليون دولار) والهند (175 مليون دولار)، وفق مرصد OEC.
مساعدات معلقة
بالنظر إلى وضعها المتميز كحليف رئيسي لفرنسا والولايات المتحدة، واحتضانها لقواعد عسكرية للبلدين، استفادت النيجر من عدة مساعدات في شكل قروض ومنح ومشاريع تنموية ومساعدات إنسانية، قدرها البنك الدولي بنحو ملياري دولار سنويا.
حيث حصلت النيجر على نحو 100 مليون دولار مساعدات من "وكالة التنمية الفرنسية" في 2021، وخصص الاتحاد الأوروبي نحو 500 مليون يورو لدعم النيجر بين عامي 2021 إلى 2024، ناهيك عن مئات ملايين الدولارات من المساعدات سنويا من الولايات المتحدة.
ناهيك عن المؤسسات الدولية مثل البنك الدولي، التي تقدم قروض وتمويلات لمشاريع تنموية، أو المنظمات التابعة للأمم المتحدة التي تقدم مساعدات إنسانية للمجتمعات الفقيرة في البلاد، والتي تعاني من سوء التغذية وضعف الخدمات التعليمية والصحية خاصة الأطفال والنساء.
وإجمالي هذه المساعدات يمثل نحو 86 بالمئة من واردات البلاد، وفق حسابات الأناضول، ما يجعل البلاد بحاجة ماسة لهذه المساعدات، خاصة الفئات الهشة من السكان.
وعلى المدى المتوسط والطويل، من شأن توقف المساعدات الدولية أن يؤثر على قدرة قادة الانقلاب على الصمود أكثر، أمام حاجة أكثر من نصف السكان إلى الغذاء والعلاج..
لكن في المرحلة الأولى يمكن للانقلابيين في النيجر تحمل عبء العقوبات الدولية على غرار حلفائهم في مالي، خاصة وأن النسبة الأكبر من الصادرات تذهب إلى الإمارات التي تشتري معظم الذهب الخام للبلاد، ولم تعلن أنها ستفرض عقوبات على النيجر.
فضلا أن مالي وبوركينا فاسو، زبونين رئيسيين للنيجر، خاصة بالنسبة للبذور الزيتية، وموقفهما داعم للانقلابيين.
يبقى أن فرنسا المستورد الرئيسي لليورانيوم الذي يمثل أقل من 9 بالمئة من صادرات النيجر، التي تعد من كبار المنتجين له، ويغطي ربع احتياجات القارة الأوروبية، حيث تستخدمه فرنسا في تشغيل المفاعلات النووية لإنتاج الطاقة الكهربائية.
فحاجة فرنسا ليورانيوم النيجر أكثر من حاجة الانقلابيين له، على الأقل في المدى القصير، لذلك قاموا بتعليق صادرات اليورانيوم والذهب، للضغط على باريس لتليين موقفها تجاه الانقلاب، والتراجع عن فكرة دعم التدخل العسكري الذ تلوح به إيكواس.
يبقى أن النيجر تنتج كمية قليلة من النفط لا تتجاوز 6 آلاف برميل يوميا، يستهلك الجزء الأكبر منه محليا، كما ينقل منه جزء إلى نيجيريا، وشرعت البلاد في مد أنبوب لنقل النفط إلى ميناء "سيم" في بنين، بغية التحول إلى دولة إقليمية مصدرة للنفط رغم أن احتياطاتها تتراوح ما بين مليار وملياري برميل فقط، لكنها بمساعدة الصين والجزائر تسعى لمضاعفة الإنتاج والصادرات.
لكن هذا الأنبوب، الذي أعلنت نيامي في آذار/ مارس الماضي، إنجاز 75 بالمئة منه، مهدد بالتعليق إذا ما قررت بنين وقف أشغاله على أراضيها، للضغط على الانقلابيين.
نقطة أخرى موجعة للانقلابيين في النيجر وجهتها لهم نيجيريا بعد قطعها الكهرباء عن البلاد، والتي تمثل70 بالمئة من الطاقة الإجمالية للنيجر، التي لا يحصل فيها سوى نحو 18.6 بالمئة من السكان على الكهرباء، وفق بيانات البنك الدولي (2021).
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي اقتصاد اقتصاد دولي اقتصاد عربي اقتصاد دولي الانقلاب النيجر عقوبات مساعدات انقلاب النيجر أفريقيا مساعدات عقوبات اقتصاد دولي اقتصاد دولي اقتصاد دولي اقتصاد دولي اقتصاد دولي اقتصاد دولي سياسة اقتصاد اقتصاد اقتصاد اقتصاد اقتصاد اقتصاد اقتصاد سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة البنک الدولی ملیون دولار ملیار دولار فی النیجر بالمئة من فی عام
إقرأ أيضاً:
تداعيات واسعة لقرار تعليق المساعدات الأمريكية على اليمن.. هذه ملامحها
قال مسؤولون في مجال الإغاثة وسلطات حكومية في اليمن إن قرار تعليق المساعدات الخارجية المقدمة عبر الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية يهدد بشكل كبير حياة ملايين اليمنيين ويزيد من تفاقم الأزمة الإنسانية في بلد يصنف كأحد أفقر البلدان العربية.
ويتخوف اليمنيون ومنظمات الإغاثة من حدوث نقص حاد في مخزون السلع والمواد الغذائية في وقت يعاني ملايين السكان من سوء التغذية وارتفاع أسعار الغذاء وتدني الخدمات جراء الصراع المستمر منذ 10 سنوات والذي تسبب في واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية بالعالم بحسب تقدير الأمم المتحدة.
ويعمل برنامج الأغذية العالمي منذ 2015 على تقديم المساعدات لليمن لمنع وقوع مجاعة اعتمادا على المساعدات التي يتلقاها البرنامج التابع للأمم المتحدة من المؤسسات والدول التي تأتي في مقدمتها الولايات المتحدة.
وقالت وزارة الخارجية الأمريكية في شباط/ فبراير 2023 إن حجم المساعدات الأمريكية لليمن منذ بدء الصراع هناك عبر الوكالة الأمريكية للتنمية ومكتب السكان واللاجئين والهجرة بلغ أكثر من 5.4 مليار دولار.
لكن في ظل تدهور الأوضاع المعيشية وجهت الأمم المتحدة نداء للمانحين الشهر الماضي لتقديم 2.47 مليار دولار لدعم خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن خلال عام 2025 مشيرة إلى أن نحو 20 مليون شخص هناك يحتاجون للدعم الإنساني بينما يعاني الملايين من الجوع ويواجهون خطر الإصابة بأمراض تهدد حياتهم.
وجاء توقيع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في 20 كانون الثاني/ يناير على أمر تنفيذي بتعليق تمويل المساعدات الخارجية لمدة 90 يوما لحين مراجعة سياسات التمويل ليربك حسابات العديد من المؤسسات الخيرية والإغاثية العاملة في اليمن.
ويأتي وقف المساعدات الأمريكية في وقت يدخل قرار ترامب بإعادة إدراج حركة الحوثي اليمنية على قائمة "المنظمات الإرهابية الأجنبية" حيز التنفيذ، ليزيد الأمور تعقيدا في بلد يعاني بالفعل من تردي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية وانهيار العملة وانعدام الخدمات وحرب أوصلت واحدة من أفقر الدول العربية إلى حافة المجاعة.
تداعيات واسعة
صرح مسؤولون في وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل في عدن لوكالة "رويترز" بأن تداعيات القرار الأمريكي بدأت تظهر تباعا إذ تلقت الوزارة خلال الأيام القليلة الماضية عشرات الخطابات من منظمات إغاثية وتنموية محلية تفيد بوقف أو تقليص أنشطتها وتسريح المئات من موظفيها.
وأضاف المسؤولون أن غالبية هذه المنظمات تعمل في مناطق سيطرة جماعة الحوثي في شمال ووسط وغرب البلاد ذات الكثافة السكانية العالية.
وأحجم المسؤولون عن الإدلاء بمزيد من التفاصيل، لكنهم أكدوا أن توقف أنشطة المنظمات وتسريح المئات من الموظفين سيساهم في ارتفاع معدلات البطالة بالبلاد المرتفعة أصلا.
ويشعر عبد الله سامي بالحسرة والحزن من قرار تسريحه من منظمة إغاثة محلية تتلقى تمويلا من الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، ومثله كثير من زملائه فقدوا وظائفهم وأصبحوا بلا مصدر للدخل في ظل توقف الحكومة اليمنية عن توظيف الشبان منذ اندلاع الحرب قبل سنوات.
وقال سامي (32 عاما)، ويسكن مدينة عدن، إنه لم يخطر بباله قط أن توقف الولايات المتحدة تمويلاتها في اليمن، ويفقد بسبب هذا القرار دخلا جيدا كان يحصل عليه من عمله في تكنولوجيا المعلومات والتكنولوجيا ويعينه على إعالة أسرته الصغيرة المكونة من زوجة وطفلين.
وتشير تقارير محلية وأخرى للأمم المتحدة إلى أن الأزمة الاقتصادية الخانقة في اليمن قفزت بمعدل البطالة بين الشبان لنحو 60 بالمئة مقارنة مع 14 بالمئة قبل الحرب، ورفعت معدل التضخم إلى نحو 45 بالمئة والفقر إلى نحو 78 بالمئة.
وحذر رئيس منظمة إغاثية محلية في العاصمة صنعاء، طلب عدم ذكر اسمه، من أن وقف مساعدات الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية لن يؤثر على المستفيدين من برامج الإغاثة فحسب لكنه سيضر بالعاملين في القطاع والذين يقدر عددهم بالمئات.
مناطق الحوثي
يرى الباحث الاقتصادي في مركز اليمن والخليج للدراسات وفيق صالح أن توقف برامج المساعدات الإنسانية الأمريكية في اليمن ينذر بمزيد من تدهور الأوضاع واتساع رقعة الجوع في البلاد.
وقال إن مخاطر هذه الخطوة على الوضع الإنساني تتضاعف لأنها تتزامن مع أوضاع إنسانية متردية، وتقلص برامج مساعدات دولية أخرى تقدم لليمن، إلى جانب تدهور الاقتصاد الكلي، وتفاقم العجز في مالية الدولة وتشتت الموارد المحلية.
لكن بعض سكان صنعاء، التي يسيطر عليها الحوثيون، لا يعيرون الأمر الكثير من الاهتمام ويعتقدون أن تراجع أو توقف نشاط الوكالة الأمريكية "لن يكون له تأثير يذكر في ظل الوضع الإنساني الصعب الذي تعيشه البلاد".
وقال مهدي محمد البحري، أحد سكان صنعاء، إن "حضور الوكالة الأمريكية يكاد يكون منعدما على مستوى علاقتها المباشرة بالناس، فهي تشتغل على منظمات المجتمع المدني الحقوقية وهي في الغالب ليست منظمات إنسانية".
ويتفق معه في الرأي زيد الحسن الذي يقيم أيضا في صنعاء ويقول "القرار الأمريكي الجديد لم يعنينا لأن وضعنا صعب للغاية ولم نتلق خلال الفترة الماضية أي إغاثة من الوكالة الأمريكية أو أي منظمات إغاثية أخرى".
وتقول الأمم المتحدة إن أكثر من 80 بالمئة من سكان اليمن يحتاجون إلى مساعدات، ويقف ملايين على شفا مجاعة واسعة النطاق.
ويقول برنامج الأغذية العالمي إنه قدم المساعدة إلى 15.3 مليون شخص أو 47 بالمئة من السكان في اليمن البالغ عددهم 35.6 مليون نسمة في عام 2023.