في ذكرى 30 يونيو | مصطفى بكري يرصد أسرارَ أخطر عشرة أيام في تاريخ مصر (6).. حان وقت الرحيل
تاريخ النشر: 4th, July 2024 GMT
كانت مصر فى الثلاثين من يونيو على فوهة بركان، حالة الغضب واضحة على الوجوه، لقد أدرك المصريون أن هذا اليوم سيكون فاصلًا فى التاريخ، إنها المعركة الأخيرة مع جماعة الإخوان ومندوبها فى القصر الرئاسى.
منذ الصباح الباكر، بدأت الحشود تتدفق باتجاه ميدان التحرير والميادين الأخرى بطول مصر وعرضها، وسائل الإعلام كانت تمهد لهذا اليوم، وتطالب المصريين بالخروج لإسقاط حكم الإخوان.
خرجت من بيتى فى هذا اليوم فى وقت مبكر من الصباح، ربما لم أعرف طعم النوم فى الليلة الماضية، كنت أتجول بين الفضائيات، أناشد المصريين المشاركة فى تظاهرات الغد.
كان لدىَّ يقين بأن المظاهرات ستقتلع الإخوان من جذورهم، وكنت على ثقة بأن ملايين المصريين سيتدفقون فى الشوارع لرسم لوحة الانتصار المدوى على الذين سعوا إلى طمس هوية الوطن وإسقاط مؤسساته.
كان المعتصمون بميدان التحرير قد استعدوا لاستقبال مئات الآلاف الذين بدأوا يحتشدون فى الميدان وغيره من الميادين الأخرى، كانت معنوياتهم عالية، وإيمانهم بالانتصار أكيدًا، رفعوا الأعلام، وانطلق الهتاف يدوِّى من كل مكان تطالب برحيل مرسى.
مضيت فى الثانية من ظهر هذا اليوم إلى نقابة المحامين، حيث بدأ المحامون ومعهم مواطنون عاديون يتجمعون أمام مبنى النقابة المطل على شارع رمسيس كثيف الازدحام.
اعتليت المنصة وبدأت أهتف مع المحتشدين بالدعوة لإسقاط محمد مرسى والقبض على قادة جماعة الإخوان، وبعد قليل تحركت المظاهرة من أمام مبنى مجلس نقابة المحامين لتنضم إلى مظاهرة حاشدة للصحفيين، وأمام مبنى مجلس النقابة، ليلتحم الجميع معًا، تحركنا بعد قليل إلى مبنى نادى القضاة، حيث كان هناك حشد من القضاة، ثم عرجنا باتجاه مبنى دار القضاء العالى ومنه إلى شارع طلعت حرب حتى ميدان التحرير.
كانت الشوارع الجانبية قد امتلأت بالحشود، بينما لم يكن هناك موطئ قدم فى ميدان التحرير، ومن وسط الحشد الهائل، طالبت المتظاهرين بالعودة إلى شارع 26 يوليو ومنه إلى شارع رمسيس متوجهين ناحية قصر الاتحادية فى مصر الجديدة.
كان عددنا فى البداية عندما تحركنا من ميدان التحرير نحو عشرة آلاف متظاهر، وعندما وصلنا إلى ميدان رمسيس كان عددنا قد وصل إلى نحو خمسين ألفًا.
لقد حذرنى العديد من الأصدقاء من المشاركة فى التظاهرات، خاصة أننى كنت من المستهدفين من قِبل جماعة الإخوان، إلا أننى صممت على السير وسط الناس، مهما كان الثمن.
توحدت الهتافات المطالبة برحيل مرسى ودعوة الجيش إلى تسلم السلطة وعزل الرئيس «الخائن»، كانت النساء المسنات يهتفن ويرفعن الأعلام من نوافذ العمارات المطلة على شارع رمسيس، يلقين علينا بزجاجات المياه والحلوى، بينما علم مصر شكَّل لوحة متناسقة، حتى بدا شارع رمسيس وكأنه تزين عن أخره بهذه الأعلام.
وأمام ميدان رمسيس، حملنى المتظاهرون على الأكتاف لنهتف معًا: «ارحل»، بصوت مدوٍّ هز أرجاء المنطقة بأسرها.
مضينا فى الطريق، باتجاه ميدان العباسية، وكانت الشوارع قد اكتظت بالبشر، وأمام مبنى الكاتدرائية حملنى المتظاهرون مرة أخرى لنهتف «مسلم- مسيحى- إيد واحدة»، بينما راح الهتاف يدوِّى من المساكن المواجهة للكاتدرائية.
وعند منطقة غمرة، على بعد أمتار قليلة من مبنى الكاتدرائية، كان أبناء المنطقة قد أقاموا منصة، وراحوا يبثون الأغانى الوطنية، ويهتفون برحيل الإخوان، وما أن شاهدونى، حتى دعونى لإلقاء خطب وسط المحتشدين.
وبالفعل تحدثت إليهم لوقت قصير، ودعوتهم جميعًا إلى عدم الانصراف إلى منازلهم والبقاء فى الشوارع حتى إسقاط حكم جماعة الإخوان.
مضينا إلى ميدان العباسية، حيث كانت الحشود تلتقى من كل اتجاه، وأمام مبنى وزارة الدفاع طلبت من المتظاهرين التوقف، وتوجهنا إلى الباب الرئيسى للوزارة، حيث حملنى المتظاهرون على الأعناق مرة أخرى ورحنا نهتف «واحد اتنين.. الجيش المصرى فين»، كان الضباط والجنود الواقفون أمام مبنى الوزارة يوجهون إلينا التحية، وكأنهم يشدون على أيادينا، وبعد قليل تقدم إليَّ أحد الضباط الكبار، وطلب منى إبعاد المتظاهرين قليلًا عن مبنى الوزارة، كإجراء أمنى، ولم أنس كلمته الأخيرة التى وجَّهها إليَّ «متخافوش على مصر.. إحنا معاكم.. ربنا هيوفقنا»..
إنها نفس الكلمات التى استمعت إليها من الضباط الذين كانوا يقفون أمام أحد الأبواب الرئيسية لدار الحرس الجمهورى فى شارع الخليفة المأمون.
وعندما وصلنا إلى قصر الاتحادية كانت المنطقة قد تحولت إلى ساحة كبيرة، حيث احتشد مئات الآلاف حول القصر والشوارع الجانبية، بامتدادات كبيرة.
بقينا لبعض الوقت أمام الاتحادية. بعد أربع ساعات ونصف الساعة من السير على الأقدام، شعرت بإنهاك شديد، بعدها مضيت إلى قناة العربية، حيث كان هناك موعد سابق قد حددته القناة معى للحديث عن ثورة يونيو والتوقعات المستقبلية.
كان شقيقى محمود، (رحمة الله عليه) ونجلى أحمد وعدد من أبناء حلوان وصحفيو «الأسبوع» يرافقوننى، ركبت أنا وشقيقى ونجلى سيارة تاكسى، متجهين إلى حيث مقر قناة سكاى نيوز بجوار مبنى الإذاعة والتليفزيون على كورنيش النيل.
ومن هناك مضيت بصعوبة إلى مبنى القناة، حيث كان عشرات الألوف يملأون الشوارع فى ازدحام لم يشهد له التاريخ المصرى مثيلًا.
كانت أصوات المتظاهرين فى هذه المنطقة ترفع شعار «انزل يا سيسى.. مرسى موش رئيسى»، وكان ذلك يعنى مناشدة للجيش بالنزول لحسم الأمر والاستجابة لمطلب الشعب المصرى بإسقاط مرسى وحكم جماعة الإخوان.
لقد قدرت قناة الـ(سى. إن. إن) الأمريكية عدد المتظاهرين وفقًا لتقديرات موقع «جوجل» بنحو 33 مليون متظاهر نزلوا إلى الشارع فى هذا المساء.
ولم يكن الصعيد بعيدًا عن هذه التظاهرات، فقد نزل ملايين البشر فى محافظات الصعيد المختلفة يطالبون بإسقاط حكم الإخوان، وهم الذين عزفوا عن النزول بهذا الشكل خلال أحداث 25 يناير 2011.
وفى هذا اليوم، نظم المئات من ضباط وأفراد الشرطة مظاهرة حاشدة انطلقت من أمام ميدان الأوبرا باتجاه ميدان التحرير، وكان فى مقدمتها اللواء منصور العيسوى وزير الداخلية الأسبق، والعديد من كبار الضباط.
أجرى وزير الخارجية الأمريكى «جون كيرى» اتصالًا بالدكتور محمد البرادعى وآخر بالسيد عمرو موسى، حيث تناول الاتصال التطورات الراهنة على الساحة المصرية، وطالبهما بالسعى لإجراء مصالحة وطنية تقوم على تنازلات متبادلة من الطرفين، إلا أن ردهما كان التأكيد أن الوقت قد فات، وأن خيار الشعب الآن هو إجراء انتخابات رئاسية مبكرة.
جون كيريوفى هذا اليوم طلب الفريق أول عبد الفتاح السيسى من اللواء رأفت شحاتة رئيس المخابرات العامة إبلاغ الرئيس مرسى بأن الجيش فى حالة غليان وأن الجيش يتخوف من تردى الأوضاع، وأن عليه الاستجابة لمطالب الشعب.
الفريق أول عبد الفتاح السيسيوبالفعل تمكن رئيس المخابرات العامة من الاتصال بالرئيس مرسى الذى كان قد انتقل إلى فيلا خاصة داخل دار الحرس الجمهورى خوفًا على حياته وقال له: «إن الوضع يستحق إجراءات عاجلة لتهدئة الشارع الغاضب»، وقال له: «أنت وحدك الذى ستدفع الثمن، ونحن لا نريد أن تصبح مصر كالسودان، فتتعرض للعقوبات، وتكون النهاية إحالتك للمحكمة الجنائية الدولية، شأنك شأن الرئيس عمر البشير».
وفى مساء هذا اليوم أيضًا تلقى رئيس المخابرات العامة المصرية اتصالًا هاتفيًا من السفيرة الأمريكية «آن باترسون»، أبلغته فيه بأنها تحاول الاتصال بالرئيس مرسى منذ الرابعة عصرًا لأنها تريد إبلاغه رسالة مهمة من الرئيس أوباما، إلا أنها فشلت حتى هذا الوقت فى الاتصال به.
وعندما سألها اللواء شحاتة عن مضمون هذه الرسالة، قالت: «إن الرئيس الأمريكى يريد إبلاغه قلقنا من تطورات الأحداث، وتشجيعه على تقديم تنازلات متبادلة لتجنيب البلاد مخاطر الفوضى».
وقالت باترسون: «إن تقديرنا هو أن حل الأزمة يتطلب عددًا من التنازلات، منها تغيير الحكومة وإسناد رئاستها لشخصية مستقلة، لديها القدرة على اختيار الحكومة وإدارة الأمور فى البلاد، وكذلك نتمنى إيجاد حل عاجل لقضية النائب العام الحالى باختيار بديل نيابة عنه يرضى عنه القضاة وبقية أبناء الشعب المصرى».
سجل رئيس المخابرات مضمون رسالة الرئيس أوباما وحاول الاتصال بمحمد مرسى، لكنه لم يتمكن حتى الساعة الثامنة والربع مساء ذات اليوم، وعندما أبلغه برسالة الرئيس الأمريكى، رد عليه بالقول: «هنشوف، هنشوف».
فى هذا الوقت كان اللواء رأفت شحاتة، قد تلقى معلومات تفيد بأن جماعة الإخوان أعدت العدة لمهاجمة مقر المخابرات العامة والاستيلاء عليه، فاتصل على الفور بالقائد العام الفريق أول عبد الفتاح السيسى وأبلغه بفحوى هذه المعلومات، وعلى الفور أصدر القائد العام تعليماته بإرسال تشكيل من المدرعات والدبابات لتمكث داخل مبنى المخابرات العامة لحمايته.
• • •اللواء رأفت شحاته
فى هذا اليوم كنت قد نشرت مقالًا فى جريدة الوطن المستقلة بعنوان «انتهى الدرس يا مرسى»، وفيه توقعت سقوط النظام الإخوانى، حيث قلت فيه: «إن محمد مرسى لا يعرف أن الناس تدرك أن من يخن مرة، سيخون ألف مرة، وأن من لا يصدق فى وعوده سيظل أبد الدهر يكذب حتى يُكتب عند الله كذابًا».
رابط مقال «انتهى الدرس يا مرسي»
وقلت: «غدًا تعود الفرحة إلى بيوتنا الكئيبة، غدًا تسعد الأمهات ويهلل الأطفال، تُذرف الدموع على الشهداء الذين اغتيلوا غدرًا، غدًا نبنى مصر بلا إقصاء.. وبلا تقسيم أو انقسام.. ساعات قليلة ومصر تعود إلينا، واحذروا دومًا مؤامراتهم حتى بعد سقوطهم، توحدوا، لا تتفرقوا فتذهب ريحكم».
وكانت صحيفة الجارديان البريطانية قد نشرت فى الأول من يوليو حديثًا مع محمد مرسى، قال فيه متحديًا الجميع: «إما أنا أو الفوضى، وأرفض إجراء انتخابات رئاسية مبكرة، وفكرة استقالتى ستقوِّض شرعية من سيأتون بعدى وسيؤدى هذا لفوضى لا تنتهى»، وقال: «إذا تنحيت سيطيحون بخليفتى بعد أسبوع أو شهر»، وأكد أنه «واثق جدًا فى أن الجيش لن يتدخل وهو مشغول بشئونه».
وفى مساء هذا اليوم، حاصر المتظاهرون مقر مكتب الإرشاد فى المقطم بعد ورود معلومات عن وجود مسلحين داخل المقر.
وقد صرح مصدر أمنى بأن «هناك قرابة 60 مسلحًا داخل مقر مكتب الإرشاد أطلقوا النيران بأسلحة آلية وخرطوش على المتظاهرين»، وقال: «إن الشرطة قبضت على أحدهم وكان يتحدث بلهجة عربية وتبين للضباط أنه ينتمى إلى حركة حماس، إلا أن زملاءه أطلقوا النيران فى اتجاه ضباط الشرطة، مما مكنه من الفرار والرجوع إلى مقر مكتب الإرشاد».
وقد أسفرت المواجهة عن سقوط عدد من القتلى والجرحى فى هذا اليوم، مما زاد الأزمة اشتعالًا.
وقد صرح الرئيس الأمريكى أوباما تعليقًا على هذه الأحداث بالقول: إن «بلاده تدعم الديمقراطية فى مصر وتؤيد العملية السلمية لإحداث تغيير فى مصر».
وفى مساء ذات اليوم، تلقى الفريق أول عبد الفتاح السيسى القائد العام ووزير الدفاع والإنتاج الحربى مكالمة هاتفية من نظيره «تشاك هيجل» وزير الدفاع الأمريكى، رفض فيها السيسى إبداء رد فعل واضح تجاه الضغوط الأمريكية التى حذرته من تدخل الجيش لصالح المتظاهرين، وترك إدارة أوباما تخمن ما الذى يمكن أن يفعله فيما بعد.. ورفض التدخل فى الشئون الداخلية لبلاده.
كان المجلس الأعلى للقوات المسلحة فى حالة انعقاد مستمر لبحث كافة التطورات أولًا بأول، وكان القائد العام يسعى إلى إقناع محمد مرسى بكل السبل للاستجابة للمطالب الشعبية حتى يقى البلاد مخاطر ما هو قادم.
المجلس الأعلى للقوات المسلحةكانت كافة المؤشرات تؤكد أن مرسى تلقى تعليمات من مكتب الإرشاد برفض كافة محاولات إجباره على التنازل عن بعض سلطاته لصالح تهدئة الأحوال فى البلاد.
كانت لديهم ثقة كبيرة فى إنهاء الأمر، وطلبوا من مرسى التحلى بالصبر، خاصة وأن تقديراتهم كانت تشير إلى أن هذه المظاهرات لن تستمر طويلًا، وأن المتظاهرين حتمًا سينصرفون إلى بيوتهم قبيل أن يحل شهر رمضان خلال أيام قليلة.
ولكل ذلك كان محمد مرسى واثقًا من أن الأمور ستنتهى دون أن يقدم أى تنازلات، فظل متشبثًا بمواقفه حتى اللحظة الأخيرة، ورفض الاستماع إلى كافة النصائح التى أسديت إليه.
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: 30 يونيو عبدالفتاح السيسي الفریق أول عبد الفتاح المخابرات العامة رئیس المخابرات میدان التحریر جماعة الإخوان مکتب الإرشاد فى هذا الیوم شارع رمسیس أمام مبنى محمد مرسى حیث کان إلا أن
إقرأ أيضاً:
مصطفى بكري: حسين فهمي قدم رسالة دعم لفلسطين بمهرجان القاهرة السينمائي
أكد الإعلامي مصطفى بكري، أن الفنان حسين فهمي وشقيقته قدموا لفتة طيبة، للتعبير عن تضامنهم مع القضية الفلسطينية ، على الرغم من أحزانهم بعد وفاة شقيقهم الفنان مصطفى فهمي، حيث وضعوا قطعة معدنية عليها العلم الفلسطيني على ملابسهم، خلال فعاليات مهرجان القاهرة السينمائي.
وقال مصطفى بكري، خلال تقديمه برنامج “حقائق وأسرار”، عبر فضائية “صدى البلد”، أن الفنان حسين فهمي قال: على مدار سنين طويلة كانت ولا زالت القضية الفلسطينية هي قضية مصر، وقضية كل إنسان يحارب من أجل معاني العدل والإنصاف والحرية والكرامة".
وبصفته رئيسا لمهرجان القاهرة السينمائي، أوضح أنه حين الحديث عن فلسطين لا يستطيع نسيان الأشقاء في لبنان، مشددًا تضامنه مع لبنان.