سودانايل:
2024-07-07@02:44:01 GMT

المحاور والعوائق في التفاوض السوداني

تاريخ النشر: 4th, July 2024 GMT

ناصر السيد النور
بما تسارعت الأحداث على الساحة السودانية في الأسبوع الأخير من الشهر الماضي بأكثر مما يتوقع الطرفان، الجيش وقوات الدعم السريع، في حربهما الضروس، ما أوصل الأزمة المستمرة إلى نقطة تصعب معها العودة إلى ما قبل الحرب، فيما فرضه واقع العمليات العسكرية من سقوط المدن وحصارها والمواقع العسكرية، وارتفاع موجات النزوح، وكل ما يصيب المدنيين ضحايا الصراع -عادة- بما يتجاوز إحصائيات تقارير الأمم المتحدة والمنظمات الدولية، في رصدها لنتائج الصراع.


هذا الموقف بتداعياته الكارثية أصبح لا يحتمل على ما أحدثه من أزمات على المستوى الإنساني، فقد دفع التصاعد في المواجهات بين الطرفين مؤخراً إلى ضرورة إيجاد وسيلة فاعلة لوقف نزيف الحرب، واستئناف جولات التفاوض المعلقة على الصعيد الدولي، بما فيها منظمة الأمم المتحدة الدولية.
فإذا كانت جولات التفاوض قد بدأت مع بداية الحرب، فقد تعددت محاورها وسقف بنودها، واختلاف منابرها من دولية برعاية ثنائية (مفاوضات جدة برعاية أمريكية – سعودية)، وما تلاها من مبادرات، إقليمية كدول منظمة الهيئة الحكومية للتنمية «الإيغاد»، ومحلية مبادرات تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية «تقدم»، لم تفلح جميعها في تقريب وجهات النظر بين الطرفين في الوصول إلى الحد الأدنى من التوافق، لأن مسار التفاوض ظل خاضعاً لطبيعة الواقع العملياتي على الأرض، والمواقف المترددة للطرفين، ما يشير إلى تعدد مواقع القرار ودرجة استقلاله.
والحاجة للتفاوض تفرضها ضرورات ترتبط بمسار الحرب، أكثر من تكتيكات الطرفين السياسية من حيث المسافة التي تفصل بين العودة إلى التفاوض، واستمرار العمليات العسكرية على الأرض، في حل عسكري حاسم ينهي الحاجة أو الرغبة في التفاوض. ومع هذا التصور الذي لا يبدو واقعياً إلا في حدود ما يتوفر لدى كل طرف من وسائل للدفع إلى التفاوض أو الحسم بالقوة. وللقوة موازينها التي تؤثر على مجريات التفاوض ومدى قوة الموقف، وهذا ما يغيب على الأقل في الوقت الحاضر عن أجندة الطرفين، ما يجعل من التفاوض خياراً وحيدا، حتى لو أن كلا من الطرفين يتصور أن مضيه في التفاوض من دون نتائج حاسمة على الأرض، انتقاص واعتراف بضعف عسكري لا يليق! وهذا ما عبر عنه موقف الجيش السوداني، الموقف الحكومي الذي صرّح أكثر من مرة عن عدم ذهابه إلى التفاوض، يضاف إليه التقدم الذي أحرزته قوات الدعم السريع بسيطرتها على مدن ومواقع عسكرية وسط البلاد.
إزاء هذا الموقف المعقد والملتبس، كيف ستتم صناعة اتفاق يقرّب وجهات نظر الطرفين، إن لم يكن تهيئة الأجواء، بالمفهوم الاصطلاحي، لإدارة عملية التفاوض، قبل أن يحدد كل طرف شروطه، فالتصريحات الإعلامية الصادرة من الأطراف الدولية بشأن الأزمة السودانية في الأسابيع الماضية شددت في ما بدا، على دفع الطرفين للعودة إلى مائدة التفاوض في منبر جدة، فقد سلمت الأمم المتحدة دعوتها للطرفين لاستئناف التفاوض في العاشر من يوليو/تموز الجاري كما ترافق الحديث عن لقاءات يجري الترتيب لها بين قائد الجيش، رئيس مجلس السيادة الجنرال عبد الفتاح البرهان، وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو، بواسطة الرئيس اليوغندي يوري موسفيني لم تصدر عنه تأكيدات بعد. ولكن تظل هذه المبادرات الدولية إلى الآن لا تمثل ضغطاً كافياً تتطلبه أزمة إنسانية مروعة، لا يستجيب فيها طرفا الحرب لدعوات التوصل للسلام أو المساعدة في تجنب المزيد من نتائجها. وإذا ظل الموقف من التفاوض على ما هو عليه من تناقض وتبدل في المواقف، فسيذهب الطرفان بما يفرضه الواقع المنهار بغير شروط، طالما اعتبرت التفاوض أحد وسائل المناورة السياسية أكثر منها وسيلة للحوار المدني لإيقاف الحرب. ولكن كيف ينظر المجتمع الدولي إلى مسار التفاوض، وعلى ماذا يعتمد من وسائل لتنفيذ ما هو مطلوب منه لتفعيل التفاوض؟ فلأن الموقف الدولي تجاه الأزمة السودانية تتقاسمه وجهتان: الدول المؤثرة في الصراع الدائر من النطاق الافريقي والعربي، والوجهة الثانية المنظمات الدولية والإقليمية، والأخيرة تقيدها البيروقراطية في القرار، وعليه تبدو الدول، أو بالأحرى ذات الأجندة في الصراع تأثيرها أكبر في رسم الحرب أو التفاوض، ويأتي هذا في سياق غياب الدور الوطني المستقل. وبهذا يكون التفاوض السوداني السوداني غائبا، إلا في حدود تبادل الاتهامات بين مكوناتها السياسية ومنها تلك التي أشعلت الحرب، أو تلك التي تسعي لتشكيل وفاق وطني يجمع على وقف الحرب. وما يعيق التفاوض السوداني أيضا الإقصاء الممارس ضد المكونات السياسية المدنية من قبل اندلاع الحرب، تلك التي قادت التغيير وشاركت المجلس العسكري الحكم، أثناء الفترة الانتقالية قصيرة الأجل. ويشير هذا الغياب المدني إلى تفاوض عسكري لا يستصحب العملية السياسية، التي تبدأ بها وتنتهي الحروب. وإذا كانت الأمور ستجري على نحو ما هي عليه، فإن فرض التهديد أو الضغط على الطرفين غير وارد، فكأنما أراد العالم أن يترك المتقاتلين يقررون الذهاب للتفاوض، وفق ارادتهم المحضة، أو نتيجة لإنهاك لم تعد من إمكانيات تسمح بتحمله إلى ما لا نهاية.
ولا يستثني الموقف الدولي الدور الأمريكي في التفاوض كأحدى الدول الراعية للمفاوضات (منبر جدة) ومن المؤكد أن لها دورا لا يمكن تجاهله في الضغط سلبا وإيجابا على مجريات سياسة المنطقة وحروبها. ولكن الإدارة الأمريكية الحالية لم تول الشأن السوداني اهتماما كافياً ضمن أولوياتها، وكذا الشأن بالنسبة لمؤسساتها التشريعية والتنفيذية كالكونغرس ولجانه وجماعات الضغط (اللوبيات)، وتأثيرها على قرارات مجلس الأمن الدولي. فلم يكن تدخلها في الأزمة السودانية ذا تأثير، رغم تعيينها توم بيرييلو المبعوث الخاص للسلام الدبلوماسي. ومما يرصده المراقبون أن تلكؤ إدارة بايدن بشأن الصراع السوداني يأتي من أهمية الصراع ومدى تهديده للمصالح الأمريكية، وهي رؤية ظلت تستند إليها السياسة الخارجية الأمريكية لعقود. وركزت الإدارة الأمريكية مؤخراً على ضرورة فتح المجال أمام وصول المساعدات الإنسانية وهو أمر على ضرورته، لا يعفيها من دور أكبر ينتظر منها في شأن الصراع. إذا فشلت مساعي التفاوض أو تأجلت كما هو الحال، فإن التدخل لفرض سلام تحت غطاء التدخل الدولي يكون ملزما وضروريا لإيقاف الاقتتال. والراجح أن ترفض الحكومة السودانية ذلك، على أساس انتقاص السيادة والتدخل في الشأن الداخلي، وهي ذريعة لا تؤيدها وقائع الأحوال بشأن تدخل الدول بالوساطة والرعاية في تاريخ البلاد واتفاقياتها التاريخية منذ أمد بعيد. لذا فالاعتماد على الدور الدولي (الخارجي) لمعالجة الأزمة السودانية، كما تبدو عليه، سيكون الدور الأوحد وربما الأخير. وما بين جولات التفاوض والاقتراحات بالتدخل الدولي، تتقلص فرص الأزمة السودانية في الحل العاجل، وفي حال أصبحت المفاوضات وسيلة من وسائل الحرب في المناورة، بدلا من أن تكون مدخلاً لحل المشكل، فمن المتوقع أن تستمر الحرب بعيداً عن المنحنيات السياسية التي تمثل عوائق دائمة نحو الاعتراف بالحقائق، التي يفرضها الواقع، وتستدعيها الحاجة الملحة للسلام. ومها يكن من استراتيجيات الطرفين في تصورهما لمواصلة عملياتهما العسكرية، والمضي مهما بلغت الخسائر الإنسانية، فلا يكون ذلك بشكل مطلق.
والأمر الثاني أو الخيار الأخير الذي من المرجح أن يلجأ إليه في إطار الحل الدولي للأزمة، هو التدخل بالقوة، وكما أشرنا سابقا، أن الأطراف المتقاتلة بكل فصائلها وميلشياتها المدنية والقبلية المسلحة، لا تمتلك تصوراً لطبيعة هذا التدخل، كما لا تدرك حجم الكارثة التي تسببت فيها، ومدى المسؤولية الجنائية والقانونية والأخلاقية والتاريخية، التي تتحملها الأطراف، وإن لم تكن في صراعها المحموم على السلطة، أو ما ترفع من شعارات، تقدر حساباتها التي لا يسندها منطق بمقاييس السياسة أو القانون. ومع ذلك تصر على حسم الصراع عسكرياً، مهما أدى ذلك من أهوال لم يعد السودانيون قادرين على احتمالها، ما يجعل من التدخل الدولي المباشر لإنهاء الحرب أمراً عاجلاً، يحتمل كل ذرائع التدخل. فتعدد المحاور وظروفها المحيطة بها غير المواتية إقليميا ودوليا في المفاوضات السودانية قد تجعل منها أحد معيقات الحل.
كاتب سوداني
نشر بحصيفة القدس العربي اللندنية: الخميس 04/07/2024م

nassyid@gmail.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: الأزمة السودانیة فی التفاوض

إقرأ أيضاً:

مفكر سياسي سوداني: أشكر مصر حكومة وشعبا على دعمها لنا لوقف الحرب

شكر الدكتور الشافيع خضر سعيد، الكاتب والمفكر السياسي السوداني، الدولة المصرية حكومةً وشعبًا على دعمها للشعب السوداني في محنته المأساوية، مشيرا إلى أنّ الجميع في السودان على ثقة بأنّ مصر لن تبخل بالمزيد، مشددًا على أن مصر تأخذ زمام المبادرة لتنظيم هذا اللقاء الأول من نوعه منذ الحرب في السودان.

وشدد «سعيد»، خلال كلمته في مؤتمر القوى السياسية المدنية السودانية والمُذاع عبر شاشة «إكسترا نيوز»، على أنّ الشعب السوداني يتطلعون لقيادتهم السياسية للوصول لتوافق ورؤية واحدة لإسكات البنادق ودخول البلاد لمربع السلام، مؤكدًا أن القوى المشاركة في هذا المؤتمر تعمل على وقف الحرب، وعلى قناعة أن الوطن كله في مهب الريح وأن هناك خطر يهدد الجميع، موضحًا أنه لابد أن تلتقي القوى السياسية السودانية وتعمل بجدية وإخلاص لتمنع إنهيار الدولة السودانية.

وأوضح أنّ الإرادة القوية والرؤية الصحيحة للقوى السياسية وبقناعتها بأن وقف الحرب يحتاج لتوسيع مبدأ القبول والمشاركة، مؤكدًا أنه صحيح أن الطرفين المتصارعين في السودان قد يصلوا إلى اتفاق لوقف إطلاق النار وهذا ما تتمناه القوى السياسية والشعب السوداني، المسئولية الأكبر في وقف الحرب المدمرة تقع على عاتق القوى السياسية السودانية.

مقالات مشابهة

  • البيان الختامي لمؤتمر القوى السياسية والمدنية السودانية يوجه الشكر للرئيس السيسي لوقوفه بجانب الشعب السوداني .. ويؤكد أن اجتماع القاهرة فرصة لجمع الفرقاء
  • حزب "المصريين": الرئيس السيسي يبذل جهودا كبيرة لإنهاء الصراع فى السودان
  • جعفر الصادق الميرغني: جهود مصرية لحل الأزمة السودانية ووقف الحرب
  • الأمم المتحدة تؤكد دعم جميع مبادرات إنهاء الاقتتال في السودان
  • القاهرة تستضيف مؤتمرا دوليا لبحث سبل وقف الحرب المستمرة في السودان
  • مفكر سياسي سوداني: أشكر مصر حكومة وشعبا على دعمها لنا لوقف الحرب
  • بدء جلسات مؤتمر القوى السياسية والمدنية السودانية بالقاهرة
  • مؤتمر القاهرة للقوى السودانية.. هل ينجح في وقف الحرب؟
  • مؤتمر القاهرة.. تحرك حثيث لرأب الصدع في السودان