الجزيرة:
2025-04-16@15:57:06 GMT

يوم التقيتُ بازوم..

تاريخ النشر: 7th, August 2023 GMT

يوم التقيتُ بازوم..

يمكن استعارة اسم الفيلم الوثائقى (اليوم الذي التقيت فيه إل تشابو – THE DAY I MET EL CHAPO) مع تعديل طفيف ليكون عنوانا لهذا المقال، فالمفارقة التي جمعت نجمة السينما المكسيكية الأشهر (كيت دي كاستيو) بزعيم كارتل المخدرات الأبرز في العالم (خواكين غوزمان الشهير بـ إل تشابو)، ووثقتها في فيلم أنتج عام 2017، تشبه إلى حد كبير تلك المفارقة التي جمعتني بالرئيس النيجري (محمد بازوم) قبل الانقلاب العسكري الذي خرج به من القصر الرئاسي إلى محبسه في العاصمة نيامي.

اللقاء جرى في الثالث من مايو 2023، وكنت ضمن فريق مهتم بالقضايا الأفريقية ضم حقوقيين وخبراء دوليين في مجالات إنسانية وسياسية وإعلامية زار النيجر مدة ثلاثة أيام، وجرى اللقاء عصرا في مكتبه الرئاسي حيث كان يتأهب للسفر بعد يومين إلى إنجلترا لحضور مراسم تتويج الملك تشارلز الثالث.

القضية السودانية والحرب الدائرة في الخرطوم كانت حاضرة في الحديث معه، ناقشناه في حقيقة دور بلاده فيها، ومزاعم تورطه شخصيا في دعم التمرد، وكيف ينظر إلى هذه الحرب، والاتهامات التي طالته وحكومته بإلقاء المزيد من الوقود على نيرانها بعد انتشار مقاطع مصورة في مقاطعة ديفا شرقي النيجر لأشخاص يحشدون أبناء القبائل العربية للقتال مع متمردي الدعم السريع في السودان.

تحدث بازوم في الجلسة عن لقائه الأول بمحمد حمدان دقلو عندما حضر الأخير حفل تنصيبه في الأول من أبريل/نيسان عام 2021 والمفارقة أن الدعوة كانت موجهة في الأساس للفريق عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة الذي حولها إلى نائبه آنذاك محمد حمدان دقلو. وتوسع معنا في الحديث عن القضية السودانية بأبعادها المختلفة وعن الأوضاع في دول الساحل.

40 عاما من السياسة

لكن أول ما يلفت الانتباه إلى أستاذ الفلسفة السابق، الحاصل على الماجستير من (جامعة الشيخ أنتا ديوب بالسنغال) وهي أقدم جامعة في غرب أفريقيا، هو هدوؤه ، وقدرته على الإنصات، وَوُلوجه مباشرة في موضوعات النقاش، والانطباع الذي يعطيه لمحاوره أنه إزاء رجل يفكر بعمق وينظر بروية، واثق من نفسه بوضوح، ويبني مستقبله في السلطة على نظرة واقعية ذات بعد فلسفي ترى أن المكونات الصغيرة في مجتمعات ذات أغلبية ضخمة يمكنها أن تصعد بعدة روافع ليس من بينها الرافعة الاجتماعية، ولذلك فهو يعول على السياسة والكيان الحزبي ونجاعة الديمقراطية الأفريقية الصاعدة التي تعض بأسنان لبنية.

عاد بازوم إلى بلاده يافعا بعد إكمال دراسته الجامعية، فصار معلماً في المدارس الثانوية، ثم أصبح نقابياً نشطا، ثم انخرط في السياسة متنقلاً بين عدة أحزاب منذ عام 1993، ووجد طريقه إلى البرلمان عقب نهاية العهد العسكري في 1995، وعين وزيرا للخارجية في نفس العام في حكومة رئيس الوزراء الأسبق (هما محمدو)، ثم قضى في المعتقل عامي 1996- 1997 بعد انقلاب عسكري جديد، مارس ضده -وهو ورفيقه الرئيس السابق محمد يوسفو- معارضة نشطة وفاعلة.

أسس الحزب النيجري للديمقراطية والاشتراكية (PNDS) مع الرئيس السابق محمد يوسفو، وصار نائب الأمين العام للحزب ودخل البرلمان مرة أخرى في 2003 واختير نائبا لرئيسه، وتفرغ بعد ذلك لبناء الحزب حتى وصل محمد يوسفو إلى السلطة فعينه وزيرا للخارجية في الفترة من 2011- 2016،  ثم وزيرا للشؤون الداخلية من 2016- 2019، وأصبح في تلك المرحلة أمينا عاما للحزب الحاكم (PNDS).

وفي نهاية 2020 أصبح مرشح الحزب لرئاسة الجمهورية خلفا للرئيس يوسفو الذي استنفد ولايتيه الرئاسيتين، وفي الأول من أبريل 2021 أدى اليمين الدستورية رئيسا للنيجر ولم يقض إلا عامين في منصبه حتى أطاح به ذلك الانقلاب العسكري الذي نفذه حرسه الرئاسي قبل أيام.

لذلك، هو رجل سياسة محنك وصاحب تجربة طويلة امتدت أربعة عقود جعلته ملما بتفاصيل دقيقة عن المنطقة وما يجري فيها.

ينحدر بازوم من "الميايسة" وهي فخذ من قبيلة "أولاد سليمان" الموزعة بين ليبيا والنيجر، ولها امتدادات في تشاد والجزائر، وهي تحمل في السودان وتشاد مسمى "قبيلة الرزيقات" والعربية هي لغته الأولى ويجيد إلى جانبها الفرنسية والإنجليزية والهوساوية ولغات محلية أخرى.

حين تقترب منه، لن تجد صعوبة في ملاحظة أوجه شبه في طريقته في التفكير والتعبير عن آرائه بصراحة، ومزاجه العام، وبين زعيمين أفريقيين هما الليبي الراحل معمر القذافي والإريتري أسياس أفورقي، فرغم أن سمته العام هو الهدوء وقلة الكلام والإنصات لمن يحدثه، إلا أنه سريع الردّ، صريح في التعبير عن رأيه.

بازوم قال إن قضية المرتزقة العابرين إلى السودان تحتاج تضافر الجهود بين دول غرب أفريقيا ووسطها، فعندما يعود هؤلاء إلى بلادهم ستعم الفوضى وينتشر السلاح، وسيصبح مرتزقة "الدعم السريع" العابرين للحدود هم التهديد الأخطر على كامل المنطقة.

بين بازوم وحميدتي

في يوم اللقاء بدا وهو يرتدي الزي القومي النيجري أشبه ما يكون بالقذافي تجلياته الأفريقية، وفيما يتصل بالوضع في السودان، لخص موقفه فيما يلي:

نفى بشدة علاقة بلاده بما يجري في السودان ووجود دعم رسمي لتمرد الدعم السريع، وقال إنه وجه بالقبض على أولئك الذين ظهروا في التسجيلات المصورة منادين بمناصرة تمرد الخرطوم، وأن يواجهوا محاكمة إن كانوا مواطنين، أو يرحلوا فورا إن كانوا سودانيين أو من جنسيات أخرى، وأشار في هذا السياق إلى قضية المحاميد المهاجرين من تشاد منذ عام 1980، وهم ضمن سكان مقاطعة ديفا التي التقطت فيها تلك المقاطع المصورة. وأكد أن بلاده لا تستطيع السيطرة على حدودها الطويلة، وخاصة في مناطق الشمال الشاسعة التي تمثل عمق الصحراء الكبرى، فالإمكانات لا تكفي لتتبع الطرق والممرات ومراقبة الحدود مع الجزائر ومالي وليبيا وتشاد للحد من مرور المرتزقة، وأقر بأن هناك سماسرة وتجار حروب يقومون بالتجنيد لصالح مجموعات المرتزقة ولا سيما في مواقع التعدين الأهلي المنتشرة في بلدان المنطقة، ومنها النيجر. اعتبر تمرد حميدتي "غير مقبول على الإطلاق"، وغير قابل للنجاح بحكم معرفته الدقيقة بالسودان الذي زاره عدة مرات في عهد الرئيس البشير، وقال إن بعض دول العربية هي التي زرعت الفتنة ودمرت ليبيا، وتريد الآن تدمير السودان عبر دعم هذا التمرد. وقال إن السودان بلد عظيم يمثل أفريقيا كلها، وجيشه هو ممثل الشرعية الوحيدة فيه. وقال إنه شعر، في اللقاء الذي جمعه بحميدتي في حفل تنصيبه، أن المسافة واسعة بين رجل الدولة وما عليه ضيفه الذي يقود مجموعة عسكرية مقاتلة وجدت نفسها في السلطة دون إلمام كاف بفنون الحكم وأصوله. (هنا لابد من ذكر حقيقة أن دعوة حميدتي لحفل التنصيب تمت عبر قناة غير رسمية، وكانت الرئاسة النيجرية قد وجهت الدعوة لرئيس مجلس السيادة البرهان لحضور حفل التنصيب، فقرر تكليف الفريق إبراهيم جابر عضو المجلس بالحضور نيابة عنه، لكن جهات غير رسمية أشارت بدعوة حميدتي لاعتبارات مناطقية وقبلية، ووجهت إليه الدعوة عبر القنصل العام بسفارة النيجر في الخرطوم، وأحدث ذلك تضاربا). وأكد بازوم أن حضور حميدتي حفل تنصيبه لا يعني ولا يبرر على الإطلاق دعمه في التمرد غير المقبول الذي يقوم به. وشدد على أن قضية المرتزقة العابرين إلى السودان تحتاج تضافر الجهود والتنسيق بين دول غرب إفريقيا ووسطها، لمنع تمدد الحرب السودانية إلى كل دول جنوب الصحراء، فعندما يعود هؤلاء المرتزقة إلى بلادهم ستعم الفوضى وينتشر السلاح، وسيصبح مرتزقة "الدعم السريع" العابرين للحدود هم التهديد الأخطر على كامل المنطقة الذي يجب التصدي له. نفى وجود عناصر " فاغنر" الروسية في بلاده، لكنه قال إنها موجودة في دول أخرى في غرب أفريقيا ووسطها، ولذلك يجب أن يكون هناك تنسيق استخباراتي بين دول غرب ووسط القارة لمحاصرة نشاط "فاغنر" وعملائها، بالإضافة إلى مخاطر تنظيمات أخرى كـ"بوكو حرام". ثمن المواقف

وختاماً….

يشيع في السودان، أن محمد بازوم وقف مع تمرد حميدتي، لكن الحقيقة غير ذلك، فالرجل شديد الاعتداد بتأهيله العلمي وتجربته وثقافته وخبرته السياسية، ولا يجد لغة ولا قواسم مشتركة تجمعه بقائد مليشيا، وبالنسبة إليه لا يشكل الانتماء القبلي أو العرقي معيارا مهما لتحديد سياساته وتحالفاته وعلاقاته.

ولكن كثيرين مع ذلك يرون أن الأزمة في النيجر منقطعة الصلة بما يجري في السودان، فالصراع هناك هو "داخلي" بين أركان السلطة، وربما داخل الحزب الحاكم المسيطر على البرلمان والدولة، ودفع بازوم ثمن محاولته تغيير قواعد اللعبة في بلاده، وصناعة واقع سياسي جديد يشكله بإجراءاته وتقديراته وقراراته وبزرع رجاله المقربين في مفاصل الدولة، وذلك في سبيل تعزيز سلطته وتطلعا لفترة رئاسية ثانية.

ولكن العامل الخارجي لا يمكن استبعاده تماما، فربما يكون الرجل يدفع الآن ثمن موقفه من أطراف إقليمية والغة في الأزمات الإقليمية، وهي أطراف تمتلك المال لشراء الولاءات، وقد حاولت تطويعه لخدمة أغراضها لكنها وجدت فيه عائقاً عصيا على الترويض.

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معناأعلن معناوظائف شاغرةترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinerssجميع الحقوق محفوظة © 2023 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: الدعم السریع فی السودان وقال إن

إقرأ أيضاً:

أزمة دبلوماسية جديدة بين فرنسا والجزائر.. ونشطاء: السيادة خط أحمر

ووفقا لحلقة 2025/4/14 من برنامج "شبكات"، فإن ما حدث كان مخالفا للتوقعات، حيث أعلنت باريس توقيف 3 أشخاص بينهم مواطن جزائري يعمل بإحدى قنصليات بلاده في فرنسا، بتهم التوقيف والخطف والاحتجاز التعسفي وتشكيل عصابة إجرامية إرهابية.

وقالت النيابة العامة الفرنسية إن تحقيقاتها أثبتت أن الموقوفين الثلاثة يشتبه في ضلوعهم باختطاف المعارض الجزائري أمير بوخرص في أبريل/نيسان من العام الماضي، داخل فرنسا ولمدة 27 يوما.

وأمير بوخرص الشهير بـ"أمير دي زد"، هو مؤثر جزائري يقيم في فرنسا منذ 2016، وقد طلبت الجزائر من باريس تسليمه أكثر من مرة، لكن القضاء الفرنسي رفض ذلك عام 2022، ثم حصل أمير على حق اللجوء السياسي في 2023.

تصعيد دبلوماسي

وبعد حادثة توقيف موظف القنصلية، استدعت وزارة الخارجية الجزائرية السفير الفرنسي، وأبلغته احتجاجها الشديد على سجن موظفها الدبلوماسي.

وقالت الوزارة في بيان إن "هذا التطور غير المقبول وغير المبرر من شأنه أن يلحق ضررا بالعلاقات بين البلدين"، وإنها "لن تترك هذه القضية دون تبعات أو عواقب".

وبالفعل، طلبت السلطات الجزائرية من 12 دبلوماسيا فرنسيا مغادرة البلاد خلال 48 ساعة، منهم موظفون بوزارة الداخلية الفرنسية.

إعلان

وسرعان ما طالب وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو، السلطات الجزائرية بـ"التراجع عن هذه الإجراءات التي لا علاقة لها بالإجراءات القضائية الجارية في فرنسا".

كما هدد بارو بأن بلاده لن يكون أمامها سوى الرد الفوري إن لم تتراجع الجزائر عن قرار طرد الدبلوماسيين الفرنسيين.

السيادة خط أحمر

وتفاعلت مواقع التوصل في الجزائر مع هذا الخلاف بين البلدين، حيث كتب قادة بن عمار "يعني لو سكتت الجزائر ولم ترد على الضربات الفرنسية المتكررة لقالوا جبُنت وما زالت تحت الوصاية! وعندما ترد بندية يقولون: هذا تهور غير مقبول وقلة دبلوماسية!".

كما كتبت ريماس "الرد لازم يكون مدروس جيدا، التصعيد الكبير لا يخدم مصلحة الجزائر لأن لازم التحلي بالحكمة وضبط النفس، التسرع يدخلنا في حيط".

وكتب حساب يدعى "ختم": "لا أقل من طرد السفير أو تخفيض التمثيل الدبلوماسي ورفع قضية لأن تجاوز الحصانة واعتقال دبلوماسي يعتبر اختطاف وإهانة للدولة".

وأخيرا، كتب ناشط يدعى "سيفو": "تحية للدولة الجزائرية على هذا القرار السيادي الصارم، اللي يبعث رسالة واضحة: الجزائر اليوم ماشي (ليست) كما البارح، السيادة خط أحمر والتدخلات المبطنة ما عندهاش مكان بيننا".

بدورها، نقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن دبلوماسي فرنسي أن القضاء في بلاده يعمل بكل استقلالية، وأنه الجهة الوحيدة المختصة لاتخاذ القرار في القضية.

ونقلت الوكالة أيضا عن دبلوماسيين فرنسيين أن الاتصالات ما زالت قائمة بين البلدين رغم التوتر الحاصل، وأن باريس تسعى إلى التهدئة.

14/4/2025-|آخر تحديث: 14/4/202507:20 م (توقيت مكة)

مقالات مشابهة

  • "حماس" تثمن قرار حظر رئيس المالديف دخول الإسرائيليين إلى بلاده
  • الرئيس التركي يجدد وقوف بلاده إلى جانب سوريا
  • جزر المالديف تحظر دخول الإسرائيليين
  • الإمارات تدين الفظائع التي ترتكب في السودان وتدعو إلى وقف فوري ودائم وغير مشروط لإطلاق النار
  • مصادر تكشف للجزيرة نت تجاوب ترامب مع مقترح للاستثمار في إيران
  • سول تعتزم دعم قطاع أشباه الموصلات بـ 5 مليارات دولار
  • نائب رئيس حزب الامة القومي: الحرب التي شنتها المليشيا هدفت الى طمس هوية السودان
  • أزمة دبلوماسية جديدة بين فرنسا والجزائر.. ونشطاء: السيادة خط أحمر
  • هنادي بت الفاشر الطبيبة التي قتلت وهي تدافع عن أهالها بمخيم زمزم
  • الخارجية: المملكة تُدين وتستنكر الهجمات التي تعرضت لها مخيمات للنازحين حول مدينة الفاشر غرب السودان