كتب- محمود مصطفى أبوطالب:

افتتح فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، رئيس مجلس حكماء المسلمين، وداتؤ سري أنور إبراهيم، رئيس وزراء ماليزيا، مجلسًا خاصًّا لعلماء وشباب الباحثين الماليزيين؛ للتناقش والحوار حول وسطية الإسلام وسماحته، والمنهج الإسلامي في تعزيز الأخوَّة والوئام في المجتمعات.

وأكَّد شيخ الأزهر أنَّ أكثر ما يميز المجتمع الماليزي تعدُّدُ الأعراق والأديان، محذرًا من خطورة استغلال بعض التَّيارات المتطرفة والمتشددة للتعددية، وتصويرها جهلًا على أنها خطر على الإسلام والمجتمعات، مفنِّدًا زيف هذه الادِّعاءات؛ حيث استشهد فضيلته بتعاليم النبي صلَّى الله عليه وسلَّم فيما يتعلق بالعلاقة بين المسلمين أنفسهم، الَّتي لخصها في قوله صلى الله عليه وسلم: «مَن صلَّى صلاتنا، واستقبل قبلتَنا، وأكل ذبيحتَنا، فذلك المسلمُ الذي له ذمَّة الله وذمة رسوله، فلا تَخفِرُوا الله في ذمته» أي: لا تخونوا.

وأوضح أنَّ النبي صلَّى الله عليه وسلَّم أرسى قواعد العلاقة التي تربط المسلم بغيره من أتباع الديانات الأخرى وحدودها، وهي العلاقة المبنيَّة على الاحترام والتَّعايش المشترك، والتَّحلِّي بأخلاق الإسلام الذي لم يكتف بتحريم الاعتداء على الإنسان أيًّا كان دينه أو جنسه أو لونه، وإنَّما حرَّم الاعتداء على الحيوان والنبات والجماد، إلا فيما بيَّنَتْه الشريعة مما لا يعد اعتداء كذبح الحيوان لغرض الأكل وسد الجوع وبمقدار محدَّد، وأنَّ الإسلام وضع قواعد لحماية البيئة والمناخ، بما لا يسمح له من الاستجابة لشهواته ورغباته المادية، بما يؤثِّر سلبًا على البيئة، وأنَّه إذا كان الإسلام قد عُنِيَ بكل هذه الجوانب فكيف تكون عنايته بالإنسان حتى ولو كان غير مسلم!

وأكَّد أن مسؤولية إقرار وتعزيز التَّعايش السِّلمي بين أتباع الديانات المختلفة، تقع على عاتق كل فردٍ في المجتمع، ولا يمكن تحقيقُها إلا من خلال الفهم الصحيح لرسالة الإسلام بشكل خاص والأديان بشكل عام، التي جاءت لإسعاد الإنسان وانتشاله من مخاطر تأليه المادة والسعي لإشباع الغرائز دون التنبه لما قد ينتج عن ذلك من حروب وصراعات، وأنَّ الدين هو السبيل الأوحد للتحكم في غرائز الإنسان وتوجيهها بما فيه مصلحته ومصلحة المجتمع.

وحذَّر شيخ الأزهر من بعض التيارات التي تحاول تغذية التعصُّب والكراهية بين المسلمين، وتزكية الصِّراعات المذهبية وتوجيه اهتمامات الشباب المسلم لبعض القضايا التي تشغلهم عن النظر والاهتمام بقضايا أهم، وإعادة إحياء لصراعات وقضايا تؤرِّق المجتمع المسلم وتعمل على إضعافه وتشتته، وبث الفرقة والشقاق فيما بين أبنائه، مشددًا على أن الأولى في هذا الوقت الحرج أن تتجه الجهود لما فيه وحدة الأمَّة وتماسكها لتحقيق نهضتها المنشودة.

وحرص شيخ الأزهر على الاستماع لآراء بعض الشباب الماليزي ومناقشتهم فيها، والإجابة على تساؤلاتهم فيما يتعلق بالعلاقة بين مدارس الفكر الإسلامي، وكيفية استثمار التعدديَّة لما فيه صالح الأمة، كما ناقش فضيلته بعض الفتيات عن حقوق المرأة في الإسلام، وكيف كفل الإسلام للمرأة حقَّها في التعليم والمشاركة الإيجابيَّة في الحياة الاجتماعية، وغير ذلك من الموضوعات التي كانت محل نقاش من الشباب الماليزي المشارك.

من جهته، أعرب رئيس الوزراء الماليزي، عن سعادته بمشاركة فضيلة الإمام الأكبر في هذا اللقاء المهم، وتقديره لحرص فضيلته على مناقشة الشباب الماليزي في أفكارهم ومحاورتهم دون قيود، مؤكدًا أن بلاده ممتنة لفضيلة الإمام الأكبر ولفكر الأزهر الوسطي الذي صدَّرَ للعالم -ولا يزال- علوم الدين والدنيا، وأن ماليزيا حريصة على تعزيز علاقاتها مع الأزهر الشريف، والاستفادة من برامج تدريب الأئمة التي تستضيفها أكاديمية الأزهر العالمية لتدريب الأئمة والوعاظ، وتمنياته بأن تكون زيارة شيخ الأزهر لماليزيا بداية لعدد غير محدود من المشروعات والمبادرة المشتركة مع الأزهر الشريف.

المصدر: مصراوي

كلمات دلالية: حكومة مدبولي الطقس أسعار الذهب سعر الدولار معبر رفح التصالح في مخالفات البناء مهرجان كان السينمائي الأهلي بطل إفريقيا معدية أبو غالب طائرة الرئيس الإيراني سعر الفائدة رد إسرائيل على إيران الهجوم الإيراني رأس الحكمة فانتازي طوفان الأقصى الحرب في السودان شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب رئيس وزراء ماليزيا شیخ الأزهر

إقرأ أيضاً:

الاعتصام بالله .. معركة الوعي التي تحدد معسكرك، مع الله أم مع أعدائه

في عالم تتقاذفه موجات الفتن الفكرية والدينية والسياسية، يبرز مفهوم الاعتصام بالله كقضية قرآنية مركزية تُعيد الإنسان إلى أصله الإيماني، وتحدد له بمن يجب أن يتعلق، ومن يجب أن يبتعد عنه. فـالقرآن الكريم لم يطرح الاعتصام كخيار إضافي، بل كمنهج نجاة ،  ﴿وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آَيَاتُ اللهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾.

توجيه إلهي صريح يُلزم الإنسان أن يعرف بمن يعتصم، حتى لا يجد نفسه من حيث لا يشعر معتصماً بأهل الباطل أو خاضعاً لهيمنة أهل الكفر. فالاعتصام بالله ليس مجرد شعور، بل موقف وخطّ وانتماء.

يمانيون / تقرير / طارق الحمامي

الاعتصام بالله يوقظ في نفس المؤمن حالة من الوجل الإيماني، خشية التقصير، وخشية الانزلاق إلى موالاة أعداء الله،  هذا الخوف البنّاء هو ما يرفع الإنسان إلى مستوى التعلق الحقيقي بالله، ويجعله يرى أن أي بديل أو ملجأ غير الله لا يعدو أن يكون سراباً، فالله سبحانه وتعالى  لم يجعل في علاقتنا به بديلاً عنه، والقرآن الكريم جعله الله سبحانه وتعالى كتاب توجيه وحركة، يعيد ارتباط الأمة بالله تعالى، وأن يمنع حصول أي انفصال بين الإنسان وبين الله، غير أن مساراً طويلاً من الانحراف في التاريخ الإسلامي أدّى إلى فصل القرآن عن الله، حتى أصبح كثير من الناس يتعاملون معه كمتنٍ روحي منفصل عن الواقع، وفي هذا يقول الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي رضوان الله عليه : (( الله سبحانه وتعالى لم يجعل شيئاً بديلاً عنه في علاقتنا به، وحتى القرآن الكريم ليس بديلاً عن الله إطلاقاً, بل هو من أكثر ما فيه، وأكثر مقاصده، وأكثر ما يدور حوله هو أن يشدك نحو الله ، الله ليس كأي رئيس دولة، أو رئيس مجلس نواب يعمل كتاب قانون فنحن نتداول هذا الكتاب ولا نبحث عمن صدر منه، ولا يهمنا أمره، ما هذا الذي يحصل بالنسبة لدساتير الدنيا؟ دستور يصدر، أنت تراه وهو ليس فيه ما يشدك نحو من صاغه، وأنت في نفس الوقت ليس في ذهنك شيء بالنسبة لمن صاغه, ربما قد مات، ربما قد نفي، ربما في أي حالة، ربما حتى لو ظلم هو لا يهمك أمره. لكن القرآن الكريم هو كل ما فيه يشدك نحو الله، فتعيش حالة العلاقة القوية بالله، الشعور بالحب لله، بالتقديس لله، بالتعظيم لله، بالالتجاء إليه في كل أمورك، في مقام الهداية تحتاج إليه هو، حتى في مجال أن تعرف كتابه.{إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَاناً}، ألم يتحدث القرآن عن التنوير، والنور, والفرقان، التي يجعلها تأتي منه؟ ليس هناك شيء بديلاً عن الله إطلاقاً)) .

 

فصل القرآن والرسول صلوات الله عليه وآله عن الله .. مسألة خطيرة صنعت ضلالاً واسعاً

أهل الظلال في تقديمهم الفهم المغلوط للقرآن الكريم، ساهموا في صناعة حالة من الانفصال بين القرآن والرسول صلوات الله عليه وآله وسلم، وذلك حين جعلوا السنّة في بعض مراحلها منفصلة عن مرجعيتها الإلهية.
ومع مرور الزمن، وصلت الأمة إلى حالة أكثر خطورة، انخفضت قداسة النبي صلوات الله عليه وآله وسلم في الوعي العملي،

بينما ارتفع تقديس الرواة والمحدّثين تحت مسمى علماء السنة، حتى غدا قولهم عند بعض الناس فوق النص ومرجعيته.

هذا المنحى أحدث تشويهاً في العلاقة بين المسلم ومصادر الهداية، وأن إعادة الأمور إلى نصابها تبدأ بإرجاع مركزية التوجيه إلى القرآن والرسول باعتبارهما متصلين بالله لا منفصلين عنه،

يقول الشهيد القائد رضوان الله عليه : (( الذين يقولون: قد معنا كتاب الله وسنة رسوله, نفس الشيء بالنسبة لرسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) هو هاديا إلى الله، أليس كذلك؟ هاديا إلى الله، فُصل الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) في ذهنية الأمة عن القرآن، وهو رجل قرآني بكل ما تعنيه الكلمة، فُصل عن القرآن، ثم قسموه هو فأخذوا جانباً من حياته، جانباً مما صدر عنه وسموه سنة، فأصبحت المسألة في الأخير: الله هناك، رسوله هناك! هناك بدائل نزلت: قرآن، وكتب حديث. ولاحظنا كيف أصبح الخطأ رهيباً جداً جداً في أوساطنا؛ لأننا فصلنا كتاب الله عن الله، وفصلنا رسول الله …  ))

 

طريق الأنبياء ..  طريق شاقة نحو الجنة

القرآن يؤكد أن طريق النجاة المؤدي إلى الجنة ليست سهلة ولا قصيرة، فهي طريق الأنبياء الذين حملوا الرسالة، وجاهدوا، وقدّموا النموذج العملي، والمواقف العملية ، مهما كانت هذه المواقف شاقة ، مهما كانت خطورتها ،  ولا سبيل للوصول إلى الجنة إلا أن يقيس الإنسان نفسه بميزان الأنبياء، وأن يجعل من رسول الله صلوات الله عليه وآله، معياراً لحركته وسلوكه وخياراته.

فالاعتصام بالله ليس مجرد خطاب نظري، هو منهج سلوك يبدأ من الداخل، ويترجم بالمواقف، والولاء لله تعالى ولرسوله والمؤمنين من أولياءه .

 

تحذير من واقع خطير .. كلام مع الله ومواقف مع أعداء الله

من أخطر الظواهر الدينية المعاصرة  تلك التي يظهر فيها الإنسان متديناً بلسانه أو قلمه، بينما مواقفه تميل إلى أعداء الله، هذه الازدواجية تشكل تهديداً لسلامة الإيمان، لأن القرآن يؤكد أن الموقف هو معيار الصدق، فالحديث عن الله لا يصنع إيماناً، ما لم يرافقه انتماء عملي إلى مواقف عملية تتجسد في الواقع جهاداً وتضحية، والكلمة ليست مجرد صوت، بل هي جهاد، غير أن خطورة الكلمة تتضاعف عندما تصبح خارج إطار الهداية، أو عندما تتحول إلى أداة تبعد الناس عن الله بدل أن تقرّبهم منه، أن تكون دعوة إلى الله تدفع الناس نحو الجهاد في سبيل الله بمعناه الشامل، الفكري، والعملي، والأخلاقي. فالكلمة المنفصلة عن هذا الإطار قد تُحدث ضجيجاً لا قيمة له.

 

التقوى .. البوصلة التي تمنع الانحراف وتردّ الإنسان إلى الله

التقوى في القرآن الكريم ليست مجرد حالة شعورية، بل منظومة وعي وسلوك،  وهي  قائمة على ثلاثة أسس،  المراقبة الدائمة لله، والحذر من التقصير، والخوف من العقوبة الإلهية.

فالإنسان الذي يغفل عن التقوى يعرض نفسه لغضب الله وسخطه، لأن التقوى هي جوهر الاعتصام بالله، وهي التي تحمي المؤمن من الانجرار إلى ولاءات منحرفة أو مواقف مضللة، يقول الشهيد القائد رضوان الله عليه : (( {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} (آل عمران:102) القضية مهمة جداً يجب أن تخافوا من الله من أن يحصل من جانبكم تقصير فيها، أن يحصل من جانبكم أي إهمال، أي تقصير، أي تفريط, القضية مهمة جداً جداً، هو يقول لنا هكذا، يذكرنا بأن نتقيه فالقضية لديه مهمة، وبالغة الخطورة، وبقدر ما تكون هامة لديه، وبالغة الخطورة أي أنه سيكون عقابه شديداً جداً على من فرط وقصر فيها، فيجب أن نتقيه أبلغ درجات التقوى {اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ} أقصى ما يمكن فالقضية خطيرة جداً، وهامة جداً لديه، ولن يسمح لمن يقصر، لن يسمح لمن يفرط، لن يسمح لمن يهمل))

 

كيف سقطت الدول العربية والإسلامية في الضعف حين اعتصمت بأعدائها

تاريخ الأمة وواقعها المعاصر يقدم شواهد واضحة على أن التخلي عن الاعتصام بالله يقود بلا استثناء إلى الذلّ والضعف والتبعية.
فكثير من الدول العربية والإسلامية اختارت أن تجعل مصدر أمنها وسياساتها قائماً على الاعتماد على قوى الهيمنة المعروفة بمعاداتها للإسلام، واستبدال مرجعية القرآن بمرجعية الأجنبي، واختارت هذه الدول الاحتماء بغيرها عبر قواعد عسكرية، واتفاقيات أمنية، وتحالفات تُمنَح فيها السيادة للعدو المستعمر، والنتيجة ، فقدان الاستقلالية ،والعجز عن حماية نفسها، وهذه نتيجة طبيعية لأن الاعتصام بغير الله لا يجلب إلا الضعف.

 

ختاماً 

يقدم مفهوم الاعتصام بالله من خلال الرؤية القرآنية، مشروعاً لإعادة تشكيل الوعي الديني والوجودي للمسلم،  إنه ليس مجرد توجيه روحي، بل بوصلة حياة تحدد المعسكر الذي ينتمي إليه الإنسان، وتمنع اختلاط الولاء، وتعيد القرآن والرسول إلى مقام القيادة والتوجيه.

إن أخطر ما يواجه الأمة ليس فقدان المعرفة، بل فقدان المعيار، ومعيار النجاة  هو الاعتصام بالله وحده، والسير في طريق الأنبياء، والالتزام بالتقوى، والحذر من كل انحراف يلبس ثوب الدين بينما جذوره ممتدة نحو أعداء الله.

مقالات مشابهة

  • إبراهيم عيسى: الدين عند الله هو الإسلام.. ودخول الجنة أمر إلهي
  • ملتقى السيرة النبوية بالجامع الأزهر يكشف ملامح شخصية عمر بن الخطاب قبل إسلامه
  • المشرف على الرواق الأزهري: الاجتهاد فريضة إسلامية والحرية الفكرية منهج علماء هذه الأمة
  • أمين عام هيئة كبار العلماء: الكلمة المنضبطة سلاح يجب استخدامه لخدمة الوطن
  • مشرف الرواق الأزهري: الاجتهاد فريضة إسلامية والحرية الفكرية منهج علماء هذه الأمة
  • مشروعية زيارة الأماكن التي تحتوي على التماثيل
  • أهمية الحفاظ على الآثار التي يعود بعضها إلى العصر الإسلامي
  • الاعتصام بالله .. معركة الوعي التي تحدد معسكرك، مع الله أم مع أعدائه
  • د. محمد يحاضر عن: “الجغرافيا الثقافية لمنطقة نجد” مساء اليوم
  • الأزهر للفتوى يحيي ذكرى وفاة الشيخ عطية صقر