حرب غزة والغرب.. ماذا تبقى من شعارات حقوق الإنسان؟!
تاريخ النشر: 4th, July 2024 GMT
تصدر وزارة الخارجية الأميركية تقريرًا سنويًا عن حالة حقوق الإنسان في العالم، وتساعدها في ذلك بعثاتها الدبلوماسية المنتشرة في العالم، وكذلك شركاؤها من جمعيات ومؤسسات وبلديات وجامعات تتلقى تمويلًا من الوكالة الأميركية للتنمية. يرصد التقرير السنوي حالة حقوق الإنسان بشكل تفصيلي، كما يقدّم خلاصات وتوصيات لكل دولة على حدة، يدعوها فيها إلى احترام حقوق الإنسان في جانب من الجوانب.
يقدّم الاتحاد الأوروبي، وكذلك بعض الدول الأوروبية مثل ألمانيا، دعمًا سخيًا لمنظمات المجتمع المدني، ومنها منظمات حقوق الإنسان من خلال برامج التوعية والتدريب والرصد والتوثيق وإقامة الحملات الحقوقية وغير ذلك. ويكاد يكون الممول الوحيد لمنظمات حقوق الإنسان في عالمنا العربي، هو الجهات الغربية سواء كانت دولًا أم منظمات.
ينظر الكثير من سكان المنطقة، وكذلك منظمات حقوق الإنسان العاملة في منطقتها العربية إلى أن حالة حقوق الإنسان في الدول الغربية هي نموذج يحتذى به، وأن هذه الدول وصلت إلى مستوى حقوق الجيل الرابع من أجيال حقوق الإنسان: (الهندسة الوراثية، والاستفادة من التكنولوجيا خدمة للإنسان)، في حين أن العالم العربي، على سبيل المثال، لا يزال يناضل من أجل التمتع بحقوق الجيل الأوّل: (الحقوق المدنية والسياسية).
مع بدء حرب الإبادة على سكان غزة، تغيرت الأمور بشكل كبير على مستويَين: المستوى الأول هو العلاقة مع منظمات حقوق الإنسان العربية الشريكة، والمستوى الثاني مع الدول الغربية نفسها. وبين هذا وذاك، فقدت الدول الغربية، راعية نشر ثقافة حقوق الإنسان والدفاع عنها، مصداقيتها.. كيف ذلك؟
بالنسبة لمنظمات حقوق الإنسان العربية والعاملين لديها، فإن الجهات الغربية الممولة اشترطت لاستمرار التمويل الالتزام بالتوجهات السياسية لها، خصوصًا فيما يتعلق بالصراع العربي – الإسرائيلي. تدعو الجهات الغربية الداعمة هذه المنظمات إلى إدانة أعمال المقاومة الفلسطينية، وغض الطرف عن جرائم الإبادة التي ترتكبها إسرائيل تحت التهديد بوقف التمويل. وتريد الجهات الغربية الداعمة لهذه المنظمات أن تنفصل عن واقعها، وتعيش حالة انفصام شخصية وهوية في ظل سخط عالمي على جرائم الاحتلال.
أوقعت سياسة التمويل هذه، منظمات حقوق الإنسان العربية في أزمة حقيقية؛ فهي من جانب موضع شك وانتقاد باعتبارها "عميلة للغرب"، ومن جانب آخر يعتبر تنديدها بحرب الإبادة، وعدم إدانة أعمال المقاومة وكأنها شريكة مع المقاومة، وهذا أمر يتعارض كليًا مع توجهات الكثير من الدول الغربية التي تقدّم الدعم المطلق لإسرائيل.
كشفت الحرب على غزة أمورًا كثيرة بخصوص العلاقة بين الجهات الغربية ومنظمات المجتمع المدني التي تريدها تابعة وغير مستقلة ومنفصلة عن واقعها وبيئتها وثقافتها. فكيف الحال والحرب على غزة بهذا الإجرام، هل تستطيع منظمات المجتمع المدني أن تنجو من هذا الامتحان العسير؟
كشفت الحرب على غزة أن موضوع حقوق الإنسان كان عبارة عن دعاية غربية فارغة من أي محتوى حقوقي. كان يظن الكثير من الناس أن الدعم الغربي لمنظمات حقوق الإنسان، يهدف إلى تحسين حالة حقوق الإنسان، وتمكين الشعوب من تقرير مصيرها (بما فيها الحل المتواضع: إقامة الدولة الفلسطينية على جزء صغير من أرضها التاريخية)، وأنّ القانون الدولي بكل فروعه، بما فيه القانون الدولي لحقوق الإنسان، والقانون الدولي الإنساني، هو كل متكامل لا استثناءات فيه.
بات الحديث عن موضوع حقوق الإنسان في عالمنا العربي، بسبب السياسة الغربية الداعمة لجرائم الإبادة في فلسطين، وفي نفس الوقت الداعية لاحترام حقوق الإنسان، مادة للتفكُّه والتندّر، وأضعف دور هذه المنظمات في التأثير في المجتمع، ودفعه للتفاعل الإيجابي لتحسين أوضاع حقوق الإنسان.
أما بالنسبة للدول الغربية نفسها، خصوصًا الولايات المتحدة وألمانيا، فإن الحرب على غزة كشفت أن ثمة بونًا شاسعًا بين القيم الحضارية التي كانت تنادي بها، وبين الواقع.
الولايات المتحدة، التي تصدر التقارير السنوية عن حقوق الإنسان في كل دول العالم بشكل تفصيلي، تعني (حسب ما يظهر)، أنّ موضوع حقوق الإنسان هو موضوع متجذّر في الثقافة وفي السلوك، وهي، وبسبب موقعها السياسي العالمي، قادرة على هذا الأمر. كشفت حرب غزة أن الأمر ليس كذلك، خصوصًا إذا تعلق الأمر بإسرائيل.
لقد تخطت الولايات المتحدة كل الحدود، ودعمت بشكل غير مسبوق جرائم الإبادة، أمدت إسرائيل بكل أنواع الأسلحة الفتاكة، وفرت الغطاء السياسي والدبلوماسي، استخدمت 4 مرات حق النقض الفيتو في مجلس الأمن لإحباط أي مشروع يدعو لوقف إطلاق النار، وإدخال المساعدات الإنسانية، ويندد بجرائم الإبادة، أوقفت دعم الأونروا في وقت يحتاج الناس، ومعظمهم لاجئون، في غزة لهذا الدعم.
وعلى المستوى الداخلي، شنت حملة اعتقالات واسعة بحق طلاب جامعات عبروا عن غضبهم من جرائم الإبادة. شاهد العالم مظاهر القمع. وبات أي تعبير عن دعم الإنسانية ورفض جرائم الإبادة الإسرائيلية بمثابة معاداة للسامية، يوجب العقوبة. كانت دائمًا تبرر الجرائم المروعة بحق السكان الآمنين، وكانت تصف جيش الاحتلال بأنه جيش أخلاقي يلتزم بقواعد الحرب.
بهذا السلوك وهذا التناقض الفج، فقدت الولايات المتحدة مصداقيتها عندما تنادي بحقوق الإنسان. إن القضية الفلسطينية هي الامتحان الأخلاقي والحقوقي، وهي القضية العادلة.
أما سياسة ألمانيا فيما يتعلق بغزة، سواء على المستوى الداخلي أم الخارجي، فقد أثارت الكثير من الاستغراب والدهشة والذهول. تعتبر ألمانيا ثاني أكبر دولة مزوّدة لإسرائيل بالسلاح مع علمها التام أن هذا السلاح يستخدم لقتل المدنيين وتدمير الأعيان المدنية من مستشفيات ومدارس وجامعات وغيرها، ومع ذلك لم تتردّد في الاستمرار، رغم التنديد والسخط، ورغم أن الأمر أثير في محكمة العدل الدولية من طرف نيكاراغوا.
كانت ألمانيا واضحة وحاسمة جدًا في دعمها لجرائم الاحتلال. قالت إن لإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها، في حين أنكرت على الفلسطينيين حقهم في مقاومة الاحتلال. وعلى المستوى الداخلي، شددت ألمانيا الخناق على حرية التعبير، ومارست نوعًا من الابتزاز على لاجئين وجدوا في ألمانيا ملاذًا آمنًا بعدما دفعتهم الظروف الداخلية لدولهم من حروب ومجاعات وتحديات اقتصادية للجوء إلى ألمانيا. رفضت ألمانيا دخول العديد من الشخصيات العالمية إلى أرضها في إطار التضامن مع غزة.
أي تنديد بجرائم الاحتلال، دعمًا لسكان غزة يعتبر معاداة للسامية، وقد يعرض صاحبه للترحيل أو نزع الإقامة، حتى وضع إشارة إعجاب (like) قد تعرض صاحبها للعقوبة. إنه أشد أنواع الكبت لحرية التعبير. وأكثر من ذلك فقد اشترطت ألمانيا الاعتراف بإسرائيل في قانون التجنيس الأخير.
أظهرت حرب غزة أنّ الدعوات الغربية لاحترام حقوق الإنسان كانت غير حقيقية، وقد سقطت في أكثر من امتحان. كما أنّ تمويلها لمنظمات المجتمع المدني وخاصة الحقوقية منها كان مشروطًا بما لا يتعارض مع سياستها العامة، فإذا ما تناقضت معها توقف هذا التمويل.
ومع كل ذلك لا بدّ من التذكير بأن العمل على احترام حقوق الإنسان ضرورة مجتمعية وسياسية، ويجب أن نناضل جميعًا من أجلها. كما أن عدالة القضية الفلسطينية توجب علينا أن نتخذ دائمًا مواقف أخلاقية مبدئية تجاهها. وأن فشل المصداقية الغربية بهذا الخصوص يجب ألا يثنينا أبدًا عن الاستمرار بهذا الاتجاه.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلاميةالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات منظمات المجتمع المدنی منظمات حقوق الإنسان حالة حقوق الإنسان الولایات المتحدة حقوق الإنسان فی الجهات الغربیة جرائم الإبادة الدول الغربیة الحرب على غزة الکثیر من
إقرأ أيضاً:
ترسانة الأسد الكيماوية.. ماذا تبقى من السلاح المحرم وأين يخبؤه؟ - عاجل
بغداد اليوم - دمشق
كشفت مصادر مطلعة، اليوم الأحد (15 كانون الأول 2024)، أن ألوية زعيم "هيئة تحرير الشام" المدعو "أبو محمد الجولاني" تلاحق تسعة من أبرز قادة الرئيس السوري السابق بشار الأسد.
وقالت المصادر لـ"بغداد اليوم"، إن: "ضغوطا دولية متصاعدة تمارس على قيادة "هيئة تحرير الشام" من أجل معرفة مصير خزين ومستودعات الاسلحة الكيمياوية التي يملكها الجيش السوري في ظل وجود معلومات بأنها سرية ومخبأة في مناطق غير معروفة سواء في دمشق أو غيرها، كونها أسلحة استراتيجية وتمثل أبرز مرتكزات نظام الأسد لعقود".
وأضافت، أن "ألوية الجولاني نفذت مداهمات في أحياء دمشقية معروفة إضافة الى مدن طرطوس واللاذقية وغيرها، لتعقب 9 من أهم قادة سلاح الاسد السري في محاولة لمعرفة أماكن المستودعات السرية".
وأشارت الى، أن "كل الغارات الاسرائيلية على مقرات السلاح الكيماوي السوري لم تؤدي الى تدمير تلك المستودعات خاصة وأن بعضها نقل أو أخفي قبل وبعد الأحداث الاخيرة ليكون في مواقع أكثر أمانا قبل سقوط نظام الأسد".
برنامج سوريا الكيميائي
وبدأت سوريا برنامجها الكيميائي منتصف السبعينيات، مدفوعة بصراعها مع إسرائيل، فيما رفضت دمشق لعقود الانضمام لاتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية بذريعة التهديد الإسرائيلي، وفقا لمبادرة التهديد النووي، وهي منظمة دولية غير حكومية تعمل على الحد من التهديدات النووية والبيولوجية والتكنولوجية الناشئة.
وتعمل الولايات المتحدة مع عدة دول في الشرق الأوسط لمنع وقوع الأسلحة الكيميائية التي كان يمتلكها نظام الرئيس السوري في أيدي جهات "غير مرغوب فيها"، وفق ما نقله موقع "أكسيوس" الأمريكي، عن مسؤول بالإدارة الأمريكية.
وتشعر الولايات المتحدة وحلفاؤها بالقلق من أن انهيار الجيش السوري والفوضى التي تعم البلاد، قد تسمح للجماعات المسلحة بالاستيلاء على أسلحة خطيرة كان يحتفظ بها نظام الأسد.
بدورها، أصدرت "المعارضة السورية"، بيانا، أكدت فيه عدم اهتمامها بالأسلحة الكيميائية، متعهدة بالتعامل المسؤول مع المنشآت العسكرية والتنسيق مع المجتمع الدولي.