تصدر وزارة الخارجية الأميركية تقريرًا سنويًا عن حالة حقوق الإنسان في العالم، وتساعدها في ذلك بعثاتها الدبلوماسية المنتشرة في العالم، وكذلك شركاؤها من جمعيات ومؤسسات وبلديات وجامعات تتلقى تمويلًا من الوكالة الأميركية للتنمية. يرصد التقرير السنوي حالة حقوق الإنسان بشكل تفصيلي، كما يقدّم خلاصات وتوصيات لكل دولة على حدة، يدعوها فيها إلى احترام حقوق الإنسان في جانب من الجوانب.

يقدّم الاتحاد الأوروبي، وكذلك بعض الدول الأوروبية مثل ألمانيا، دعمًا سخيًا لمنظمات المجتمع المدني، ومنها منظمات حقوق الإنسان من خلال برامج التوعية والتدريب والرصد والتوثيق وإقامة الحملات الحقوقية وغير ذلك. ويكاد يكون الممول الوحيد لمنظمات حقوق الإنسان في عالمنا العربي، هو الجهات الغربية سواء كانت دولًا أم منظمات.

ينظر الكثير من سكان المنطقة، وكذلك منظمات حقوق الإنسان العاملة في منطقتها العربية إلى أن حالة حقوق الإنسان في الدول الغربية هي نموذج يحتذى به، وأن هذه الدول وصلت إلى مستوى حقوق الجيل الرابع من أجيال حقوق الإنسان: (الهندسة الوراثية، والاستفادة من التكنولوجيا خدمة للإنسان)، في حين أن العالم العربي، على سبيل المثال، لا يزال يناضل من أجل التمتع بحقوق الجيل الأوّل: (الحقوق المدنية والسياسية).

مع بدء حرب الإبادة على سكان غزة، تغيرت الأمور بشكل كبير على مستويَين: المستوى الأول هو العلاقة مع منظمات حقوق الإنسان العربية الشريكة، والمستوى الثاني مع الدول الغربية نفسها. وبين هذا وذاك، فقدت الدول الغربية، راعية نشر ثقافة حقوق الإنسان والدفاع عنها، مصداقيتها.. كيف ذلك؟

بالنسبة لمنظمات حقوق الإنسان العربية والعاملين لديها، فإن الجهات الغربية الممولة اشترطت لاستمرار التمويل الالتزام بالتوجهات السياسية لها، خصوصًا فيما يتعلق بالصراع العربي – الإسرائيلي. تدعو الجهات الغربية الداعمة هذه المنظمات إلى إدانة أعمال المقاومة الفلسطينية، وغض الطرف عن جرائم الإبادة التي ترتكبها إسرائيل تحت التهديد بوقف التمويل. وتريد الجهات الغربية الداعمة لهذه المنظمات أن تنفصل عن واقعها، وتعيش حالة انفصام شخصية وهوية في ظل سخط عالمي على جرائم الاحتلال.

أوقعت سياسة التمويل هذه، منظمات حقوق الإنسان العربية في أزمة حقيقية؛ فهي من جانب موضع شك وانتقاد باعتبارها "عميلة للغرب"، ومن جانب آخر يعتبر تنديدها بحرب الإبادة، وعدم إدانة أعمال المقاومة وكأنها شريكة مع المقاومة، وهذا أمر يتعارض كليًا مع توجهات الكثير من الدول الغربية التي تقدّم الدعم المطلق لإسرائيل.

كشفت الحرب على غزة أمورًا كثيرة بخصوص العلاقة بين الجهات الغربية ومنظمات المجتمع المدني التي تريدها تابعة وغير مستقلة ومنفصلة عن واقعها وبيئتها وثقافتها. فكيف الحال والحرب على غزة بهذا الإجرام، هل تستطيع منظمات المجتمع المدني أن تنجو من هذا الامتحان العسير؟

كشفت الحرب على غزة أن موضوع حقوق الإنسان كان عبارة عن دعاية غربية فارغة من أي محتوى حقوقي. كان يظن الكثير من الناس أن الدعم الغربي لمنظمات حقوق الإنسان، يهدف إلى تحسين حالة حقوق الإنسان، وتمكين الشعوب من تقرير مصيرها (بما فيها الحل المتواضع: إقامة الدولة الفلسطينية على جزء صغير من أرضها التاريخية)، وأنّ القانون الدولي بكل فروعه، بما فيه القانون الدولي لحقوق الإنسان، والقانون الدولي الإنساني، هو كل متكامل لا استثناءات فيه.

بات الحديث عن موضوع حقوق الإنسان في عالمنا العربي، بسبب السياسة الغربية الداعمة لجرائم الإبادة في فلسطين، وفي نفس الوقت الداعية لاحترام حقوق الإنسان، مادة للتفكُّه والتندّر، وأضعف دور هذه المنظمات في التأثير في المجتمع، ودفعه للتفاعل الإيجابي لتحسين أوضاع حقوق الإنسان.

أما بالنسبة للدول الغربية نفسها، خصوصًا الولايات المتحدة وألمانيا، فإن الحرب على غزة كشفت أن ثمة بونًا شاسعًا بين القيم الحضارية التي كانت تنادي بها، وبين الواقع.

الولايات المتحدة، التي تصدر التقارير السنوية عن حقوق الإنسان في كل دول العالم بشكل تفصيلي، تعني (حسب ما يظهر)، أنّ موضوع حقوق الإنسان هو موضوع متجذّر في الثقافة وفي السلوك، وهي، وبسبب موقعها السياسي العالمي، قادرة على هذا الأمر. كشفت حرب غزة أن الأمر ليس كذلك، خصوصًا إذا تعلق الأمر بإسرائيل.

لقد تخطت الولايات المتحدة كل الحدود، ودعمت بشكل غير مسبوق جرائم الإبادة، أمدت إسرائيل بكل أنواع الأسلحة الفتاكة، وفرت الغطاء السياسي والدبلوماسي، استخدمت 4 مرات حق النقض الفيتو في مجلس الأمن لإحباط أي مشروع يدعو لوقف إطلاق النار، وإدخال المساعدات الإنسانية، ويندد بجرائم الإبادة، أوقفت دعم الأونروا في وقت يحتاج الناس، ومعظمهم لاجئون، في غزة لهذا الدعم.

وعلى المستوى الداخلي، شنت حملة اعتقالات واسعة بحق طلاب جامعات عبروا عن غضبهم من جرائم الإبادة. شاهد العالم مظاهر القمع. وبات أي تعبير عن دعم الإنسانية ورفض جرائم الإبادة الإسرائيلية بمثابة معاداة للسامية، يوجب العقوبة. كانت دائمًا تبرر الجرائم المروعة بحق السكان الآمنين، وكانت تصف جيش الاحتلال بأنه جيش أخلاقي يلتزم بقواعد الحرب.

بهذا السلوك وهذا التناقض الفج، فقدت الولايات المتحدة مصداقيتها عندما تنادي بحقوق الإنسان. إن القضية الفلسطينية هي الامتحان الأخلاقي والحقوقي، وهي القضية العادلة.

أما سياسة ألمانيا فيما يتعلق بغزة، سواء على المستوى الداخلي أم الخارجي، فقد أثارت الكثير من الاستغراب والدهشة والذهول. تعتبر ألمانيا ثاني أكبر دولة مزوّدة لإسرائيل بالسلاح مع علمها التام أن هذا السلاح يستخدم لقتل المدنيين وتدمير الأعيان المدنية من مستشفيات ومدارس وجامعات وغيرها، ومع ذلك لم تتردّد في الاستمرار، رغم التنديد والسخط، ورغم أن الأمر أثير في محكمة العدل الدولية من طرف نيكاراغوا.

كانت ألمانيا واضحة وحاسمة جدًا في دعمها لجرائم الاحتلال. قالت إن لإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها، في حين أنكرت على الفلسطينيين حقهم في مقاومة الاحتلال. وعلى المستوى الداخلي، شددت ألمانيا الخناق على حرية التعبير، ومارست نوعًا من الابتزاز على لاجئين وجدوا في ألمانيا ملاذًا آمنًا بعدما دفعتهم الظروف الداخلية لدولهم من حروب ومجاعات وتحديات اقتصادية للجوء إلى ألمانيا. رفضت ألمانيا دخول العديد من الشخصيات العالمية إلى أرضها في إطار التضامن مع غزة.

أي تنديد بجرائم الاحتلال، دعمًا لسكان غزة يعتبر معاداة للسامية، وقد يعرض صاحبه للترحيل أو نزع الإقامة، حتى وضع إشارة إعجاب (like) قد تعرض صاحبها للعقوبة. إنه أشد أنواع الكبت لحرية التعبير. وأكثر من ذلك فقد اشترطت ألمانيا الاعتراف بإسرائيل في قانون التجنيس الأخير.

أظهرت حرب غزة أنّ الدعوات الغربية لاحترام حقوق الإنسان كانت غير حقيقية، وقد سقطت في أكثر من امتحان. كما أنّ تمويلها لمنظمات المجتمع المدني وخاصة الحقوقية منها كان مشروطًا بما لا يتعارض مع سياستها العامة، فإذا ما تناقضت معها توقف هذا التمويل.

ومع كل ذلك لا بدّ من التذكير بأن العمل على احترام حقوق الإنسان ضرورة مجتمعية وسياسية، ويجب أن نناضل جميعًا من أجلها. كما أن عدالة القضية الفلسطينية توجب علينا أن نتخذ دائمًا مواقف أخلاقية مبدئية تجاهها. وأن فشل المصداقية الغربية بهذا الخصوص يجب ألا يثنينا أبدًا عن الاستمرار بهذا الاتجاه.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات منظمات المجتمع المدنی منظمات حقوق الإنسان حالة حقوق الإنسان الولایات المتحدة حقوق الإنسان فی الجهات الغربیة جرائم الإبادة الدول الغربیة الحرب على غزة الکثیر من

إقرأ أيضاً:

ما بين مؤيد ومعارض: محاكمة قانون الإجراءات الجنائية الجديد

نقابتا المحامين والصحفيين تعترضان: يكبل الحريات ويهدد حرية الصحافة.. والمؤيدون: يعزز حقوق الإنسان 

 

 التعديلات تهدف إلى تسريع إجراءات التقاضى وتطوير آليات التحقيق والمحاكمة وتحقيق العدالة الناجزة 

 

خبراء: 32 مادة تحتاج إلى تعديل وتحديد مدة الحبس الاحتياطى أهمها

 

 

أثار مشروع قانون الإجراءات الجنائية الجديد جدلا واسعا فى الأوساط السياسية والحقوقية فى مصر، فمنذ بداية الحديث عن مشروع القانون وهو يشهد جدلا واسعا بين المؤيدين والمعارضين الذين يطالبون بقانون يضمن الوصول إلى نظام قانونى قادر على التعامل مع التحديات الحالية، كما يضمن إجراء محاكمات عادلة وسريعة، مع حماية حقوق المتهمين، وتوفير ضمانات كافية لهم خلال مراحل التحقيق والمحاكمة.

ويرى الخبراء أن القانون  يهدف إلى تحديث النظام القضائي، بما يضمن تسريع إجراءات التقاضى وتطوير آليات التحقيق والمحاكمة، وجعلها أكثر فاعلية وسرعة بما يواكب متطلبات العصر ويعزز من فاعلية العدالة الجنائية، وتعزيز ملف حقوق الإنسان وحريات الأفراد.

ويتناول مشروع قانون الإجراءات الجنائية فى شكله الجديد عددا من التعديلات، أبرزها: «تعزيز الرقابة القضائية على الحبس الاحتياطي، وتحديد الإجراءات الخاصة بالتحقيقات، وتوسيع حقوق الدفاع، إضافة إلى تحديث بعض الأحكام المتعلقة بالضبطية القضائية وإجراءات المحاكمات».

وقد أثارت هذه التعديلات العديد من التساؤلات حول مدى تأثيرها على حقوق المتهمين وضمانات العدالة، ما جعل القانون يلقى تأييدًا من البعض ومعارضة من آخرين، فيرى المؤيدون أنه يمثل خطوة ضرورية نحو تحسين الأداء القضائي، وتقليل زمن التقاضي، وتعزيز حماية المجتمع من الجرائم.

العدالة الناجزة

ومن جانبه قال الدكتور ياسر الهضيبى عضو مجلس الشيوخ عن حزب الوفد، إن قانون الإجراءات الجنائية يعد بمثابة الدستور الثانى للبلاد، وهو يعد نقلة نوعية كبيرة فى تطوير المنظومة القضائية والعدالة الإجرائية، خاصة أن القانون القائم صدر فى عام 1950 منذ نحو 75 عاماً، وهناك حاجة ملحة لإصدار قانون جديد يواكب التطورات والمتغيرات الحديثة، ويتسق مع أحكام الدستور المصرى 2014، فالقانون القائم صدر فى ظل دستور 1923، ونحن حاليا فى 2024، وهناك متغيرات دستورية وضمانات بدستور 2014 لا بد أن يراعيها التشريع الجديد.

وأضاف الهضيبى أنه لا يمكن لأى تشريع أن يرضى الجميع، حيث يتكون مشروع القانون من 540 مادة، وهناك توافق كبير على معظمها والانتقادات لا تتجاوز 8% من المواد، ما يعكس وجود حوار بناء حول المشروع، كما أن مجلس النواب برئاسة المستشار حنفى جبالى بذل جهدًا كبيرًا فى مناقشة المشروع، حيث تم تشكيل لجنة فرعية استغرقت 14 شهرا لإعداده. كما تم الاستماع لجميع الأطراف المعنية، ومناقشته فى جلسات موسعة فى لجنة الشئون الدستورية. وما زال باب المقترحات مفتوحا، حرصًا على إصدار قانون متوازن يخدم المصلحة العامة.

وأكد أن الدولة تسعى جاهدة لتعزيز الضمانات المعنية باحترام حقوق الإنسان، الأمر الذى يتطلب تطوير البنية التشريعية لتكون أكثر اتساقا مع الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان التى أطلقتها مصر والمواثيق والاتفاقيات الدولية. 

وأشار إلى أن قانون الإجراءات الجنائية الحالى به إشكاليات وثغرات تحتاج إلى معالجة تشريعية، والمشروع الجديد استجاب لتوصيات الحوار الوطنى فيما يتعلق بالحبس الاحتياطى وخفض مدده ووضع حد أقصى له، واستحداث بدائل مناسبة له، علاوة على ضمانات كفالة حق الدفاع للمتهم، وحماية الشهود والمبلغين، وضمانات لصالح المرأة والطفل وذوى الإعاقة، وغيرها من الضمانات التى تجعلنا أمام مشروع قانون جديد يليق بالجمهورية الجديدة.

وأوضح الهضيبى أن مشروع القانون يتضمن العديد من الضمانات الحقيقية للمواطنين. أبرزها: تعديل نظام الحبس الاحتياطي، حيث يصبح إجراء احترازيًا لا عقوبة، مع تحديد حد أقصى لمدة الحبس، ونص على ضرورة أن يكون إصدار أمر الحبس الاحتياطى مسببًا. كما تضمن القانون تعويضا معنويا وأدبيا للمحبوسين احتياطيًا عن طريق الخطأ، وذلك بنشر أحكام البراءة وأوامر عدم إقامة الدعوى فى صحيفتين يوميتين على نفقة الحكومة، كما يتضمن القانون تنظيمًا للتعويض المادى عن الحبس الاحتياطي.

ومن الإيجابيات أيضًا، أنه يضع نصوصًا لمكافحة ظاهرة تشابه الأسماء عبر إلزام مأمورى الضبط القضائى بتوثيق الرقم القومى للمتهم فور تحديد هويته. كما يقر بحق المواطنين فى حماية منازلهم، فلا يجوز تفتيشها أو مراقبتها إلا بأمر قضائى مسبب. ويتضمن القانون أيضًا قيودًا على صلاحيات مأمورى الضبط القضائى فى حالات القبض والتفتيش. كما أكد مشروع  القانون على اختصاص النيابة العامة فى التحقيق وتحريك الدعوى الجنائية، استنادًا للمادة (189) من الدستور.

وأضاف الهضيبى أن مشروع القانون تضمن بعض الإجراءات الحديثة، مثل إنشاء مركز للإعلانات الهاتفية فى كل محكمة جزئية، لتطبيق التحول الرقمى فى نظام الإعلان القضائي، ما يمثل تطورًا كبيرًا فى هذا المجال. كما حدد المشروع سلطات أوامر المنع من السفر والإدراج على قوائم ترقب الوصول، ليقتصر إصدارها على النائب العام أو قاضى التحقيق، ويشمل تنظيم إجراءات التحقيق والمحاكمة عن بُعد باستخدام التقنيات الحديثة لتبسيط إجراءات التقاضى وتحقيق العدالة الناجزة.

وإلى جانب ذلك، يعزز القانون حماية الشهود والمجنى عليهم والمتهمين، ويضمن حقوق الدفاع عبر إقرار مبدأ «لا محاكمة بدون محام». كما ينظم التعاون القضائى فى المسائل الجنائية بين مصر والدول الأخرى، ويعيد تنظيم المعارضة فى الأحكام الغيابية لتخفيف العبء على المحاكم وتحقيق توازن بين حق التقاضى وضمانات الدفاع.

ويعزز المشروع أيضاً حماية حقوق المرأة والطفل، من خلال تأجيل تنفيذ العقوبات على المرأة الحامل، ويقدم ضمانات لحقوق ذوى الهمم فى مراحل التحقيق والمحاكمة. كما يوفر حماية أكبر للمتهمين والشهود، بما يتماشى مع التزامات مصر الدولية فى مجال حقوق الإنسان. ويضمن حق الدفاع وتوسيع اختصاصات النيابة العامة فى تحريك الدعوى الجنائية، مما يعزز من دورها فى تحقيق العدالة.

وبالإضافة إلى ذلك يشتمل القانون على أدوات حديثة مثل التحقيق والمحاكمة عن بُعد لتسريع الإجراءات القضائية وتخفيف العبء على النظام القضائي، إلى جانب حماية حرمة المنازل وتقليص صلاحيات مأمورى الضبط القضائي، وذلك لضمان محاكمة عادلة، وتيسير إجراءات التقاضي، مع الحفاظ على التوازن بين حقوق المجتمع وحريات المواطنين.

وعلى الرغم من هذه التحسينات، يرى الهضيبى ضرورة استمرار الحوار المفتوح فى مجلس النواب بشأن مشروع القانون، خاصة فيما يتعلق بنصوص الحبس الاحتياطي. ويقترح إعادة النظر فى بدائله، بالإضافة إلى دراسة صلاحيات مأمورى الضبط القضائى لضمان حماية حقوق المواطنين بشكل كامل. 

ضمانات الدفاع 

ورغم تأييد البعض تعديلات قانون الإجراءات الجنائية إلا أنها لاقت معارضة شديدة من جهات أخرى، حيث يرى المعارضون أن بعض بنود القانون تمس حقوق المتهمين وتقلل من ضمانات المحاكمة العادلة، وهو ما أكدته نقابة المحامين فى بياناتها التى ترى أن العديد من مواد هذا المشروع قد تؤثر على حقوق الدفاع، وضمانات المتهم، وسير العدالة بشكل عام ، ومن هنا اعترضت النقابة على المادة 249 من القانون الجديد المتعلقة بإجراءات محاكمة المتهمين فى قضايا الجنايات، وتحديدًا فيما يتعلق بكيفية السماح للمحامين بحضور جلسات التحقيق أو المحاكمة، مبررة ذلك بأنها تقيد حق الدفاع، حيث إن التعديل فى هذه المادة قد يمنع المحامى من الحضور فى بعض مراحل الإجراءات أو التحقيقات فى القضايا التى لا تشملها التعديلات، ما يقيد حق الدفاع ويقلل من فاعلية دور المحامى فى حماية حقوق المتهم، كذلك أكدت نقابة المحامين أن هذه التعديلات قد تتسبب فى تقليص دور المحامي، ومنح النيابة العامة صلاحيات أكبر فى بعض الحالات، وهو ما قد يؤدى إلى عدم حضور المحامى فى مراحل معينة من التحقيقات أو المحاكمة، وبالتالى التقليل من إمكانية الدفاع الفعّال.

 وحول إجراءات سرية التحقيقات، ترى النقابة أن المادة قد تتضمن فى بعض الحالات فرض سرية على التحقيقات فى القضايا الجنائية دون إشراف قضائى كامل، ما يعوق قدرة المحامى على الاطلاع على كافة تفاصيل القضية.

وتعليقا على ذلك قال محمد راضى مسعود، عضو مجلس نقابة المحامين، إن هناك نحو 32 مادة فى القانون الجديد تحتاج إلى إعادة النظر، مشيرًا إلى أن معظم هذه المواد تتعلق بالحريات العامة وحق الدفاع. وأضاف مسعود أن حق الدفاع يعد من الحقوق المقدسة التى نص عليها الدستور المصرى بشكل أصيل، ولا يجوز المساس بها تحت أى ظرف. 

وأوضح مسعود أن إحدى المواد تتعلق بما يسمى «جرائم الجلسات»، حيث كانت هناك محاولة لتطبيقها على المحامين، بحيث يكون للقاضى الحق فى حبس المحامى وهو بقاعة الجلسة وهذا الأمر مرفوض تمامًا ويجب قانونًا -فى حال حدوث أى واقعة مخلّة أو تجاوز من المحامى تجاه المحكمة- أن تقوم المحكمة بضبط الواقعة وتحيل الأوراق إلى المحامى العام للتحقيق فى الموضوع، دون المساس بالحق القانونى للمحامي.

وأكد أن كثيرا من أعضاء مجلس النواب وأعضاء اللجنة الدستورية والتشريعية استجابوا لمطالب نقابة المحامين. وبالرغم من أن النقابة ليست الجهة المصدرة للقوانين، إلا أنه من الضرورى أخذ رأيها فى التشريعات المتعلقة بالمهنة. مشيرا إلى أن ما قام به نقيب المحامين من توضيح اعتراضات النقابة على التعديلات يعكس مدى حرصه على العدالة، التى تظل فوق أى حقوق أخرى.

وأكد  أن نقابة المحامين على يقين بأن رئيس مجلس النواب، المستشار حنفى جبالي، وهو فقيه دستورى وقانونى معروف بقدراته فى جميع المحافل القانونية، لن يقبل بأى حال من الأحوال بمرور نص يحتوى على شبهة عدم دستورية.

حقوق الصحفيين 

كذلك اعترضت نقابة الصحفيين على تعديلات قانون الإجراءات الجنائية وأرسلت  تعقيبًا للنواب الصحفيين على رد البرلمان بخصوص ملاحظاتها على مشروع قانون الإجراءات الجنائية. ودعت النقابة النواب إلى تبنى موقفها والدفاع عن قانون يحمى الحقوق الصحفية والحرية، مع أهمية فتح حوار مجتمعى واسع حول المشروع لمناقشة تفاصيله بما يلبى طموحات الجميع.

وأكد نقيب الصحفيين، خالد البلشي، أن النقابة بذلت جهدًا مهنيًا وقانونيًا فى مناقشة مشروع القانون، ووضعت ملاحظاتها التى تتعلق بحقوق الصحفيين والمجتمع بشكل عام، مشيرًا إلى أن الهدف هو الوصول إلى تشريع يحترم الدستور وحقوق المواطنين. كما شدد على ضرورة استمرار الحوار حول القانون قبل إقراره.

وأكد البلشى أن النقابة طالبت بتعديل بعض المواد منها إعادة صياغة المادة (15) لتكون أكثر وضوحًا، كما انتقدت المادة (266) التى تحد من نقل وقائع الجلسات باعتبار أن هذا يعد اعتداء على حرية الصحافة، واقترحت تعديلًا يسمح ببث الجلسات إلا فى حالات استثنائية.

جيد ولكن 

واستكمل الحديث الدكتور محمد ممدوح، رئيس اللجنة الاقتصادية بالمجلس القومى لحقوق الإنسان، مؤكدًا أن قانون الإجراءات الجنائية الجديد يُعد من أهم القوانين التى تمثل نقلة نوعية جديدة فى السياسة العقابية بمصر، موضحًا أنه يهدف إلى تحقيق توازن بين حقوق الأفراد وحقوق الدولة، خاصة فيما يتعلق بالعدالة الجنائية وحريات المواطنين، موضحا أن هناك بعض المواد التى تحتاج إلى إعادة نظر وتعديل.

وأضاف ممدوح أن القانون يشمل العديد من القضايا الهامة التى تلامس حياة المواطنين، مثل: «تقليص مدة الحبس الاحتياطي، حيث إنه من الصعب تمديد الحبس الاحتياطى لفترات طويلة دون مبرر قانوني، وكذلك ضمان عدم تفتيش المنازل دون أمر قضائي، وذلك لحماية خصوصية المواطنين واحترام حقوق الأفراد والحد من الانتهاكات التى قد يعرضون لها، كما يضمن إجراءات تقاض أكثر سرعة وفعالية بهدف تسريع الفصل فى القضايا، ما يساعد فى تحسين كفاءة النظام القضائى ويقلل من تأخير الإجراءات.

ويشير عضو لجنة حقوق الإنسان إلى أن القانون يسهم فى تنظيم قوائم السفر، ما يضمن رقابة دقيقة على الأشخاص المطلوبين فى قضايا جنائية، ويقلل من احتمالية هروب المتهمين إلى الخارج، كما يتيح استخدام وسائل الإعلام الحديثة، مثل الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، لنشر المعلومات عن القضايا بطريقة أكثر فاعلية، ما يعزز الشفافية ويسهل الوصول إلى المعلومات، ويعزز القانون أيضًا الإجراءات الخاصة بالمحاكمات فى القضايا المتعلقة بالإرهاب والجريمة المنظمة، ويسمح باتخاذ تدابير قانونية إضافية للتصدى لهذه الأنواع من الجرائم، كما يعزز التعاون القضائى بين مصر والدول الأخرى، فيما يتعلق بتبادل المعلومات وتنفيذ الأحكام فى القضايا العابرة للحدود، كذلك يعمل القانون على ضمان احترام حقوق الإنسان خلال مراحل التحقيق والمحاكمة، ويمنح المتهمين مزيدًا من الضمانات، بالإضافة إلى أنه يتماشى مع دستور 2014 ويعكس التزام الدولة بتطوير النظام القضائى بما يتناسب مع المعايير الدولية فى حقوق الإنسان والعدالة الجنائية.

وأشار ممدوح إلى أن القانون لا يُعد نصًا مقدسًا مثل القرآن، بل إنه قابل للتعديل فى أى وقت وفقًا للمتغيرات والمستجدات. مؤكداً أن هذا القانون سيكون له تأثير إيجابى فى تعزيز ضمانات حقوق الإنسان فى المستقبل، مشيرا إلى توافق مشروع قانون الإجراءات الجنائية مع التشريعات الجديدة والمعايير الدولية لحقوق الإنسان، والاستراتيجية الوطنية لها، ما يعزز من موقف مصر على الساحة الدولية ويعكس التزامها العميق بحقوق الإنسان، معتبرًا أن هذا القانون يمثل خطوة هامة نحو الطريق الصحيح فى مجال حماية حقوق الإنسان.

مقالات مشابهة

  • الإمارات تدعم الدول الأقل نمواً في مجلس حقوق الإنسان
  • تسجيل أكثر من 1270 هجوما على الفلسطينيين في الضفة الغربية
  • كرم جبر لـ «حقائق وأسرار»: بعض المنظمات تتعمد نشر معلومات مزيفة عن حقوق الإنسان بمصر
  • كرم جبر: تقدم هائل بملف حقوق الإنسان في مصر
  • ما بين مؤيد ومعارض: محاكمة قانون الإجراءات الجنائية الجديد
  • كرم جبر يشيد بأوضاع حقوق الإنسان في مصر
  • ألمانيا ترد على "تهم دعم إسرائيل" في لبنان.. ماذا حدث؟
  • عاجل |الشرطة الهولندية تعتقل العشرات وسط أمستردام رفعوا شعارات تتضامن مع الفلسطينيين وتدين الإبادة الجماعية
  • من حكومة تحالف إلى أزمة ثقة: ألمانيا أمام معركة سياسية جديدة.. ماذا تعرف عنها؟
  • حقوق الإنسان.. ورقة الغرب لابتزاز الأنظمة