شبكة اخبار العراق:
2024-11-15@06:04:04 GMT

الاحترافُ الأدبي

تاريخ النشر: 4th, July 2024 GMT

الاحترافُ الأدبي

آخر تحديث: 4 يوليوز 2024 - 9:37 صمحمد صابر عبيد ينطوي مفهوم الاحتراف على أعلى درجات العناية المهنيّة والفكرية والثقافيّة وأبلغها؛ في أي عمل يحترفه المرء ويوقف حياته كلّها استجابة لمتطلباته وكيفيّاته وضروراته ونتائجه، إذ يتحول العمل المهنيّ الاحترافيّ -على صعيد الممارسة- إلى نوع من الكثافة والعمق والقصد؛ تجعل إمكانات الموهبة والاستعداد كلها جاهزة في مقامٍ قابلٍ للعمل تحت أي ظرف.

فحين تتكشّف القيمة الاحترافيّة عن طاقة استثنائيّة تستجيب للحظة الإنجاز فهي تتفوّق وتنجز ما يجب إنجازه؛ خارج إطار المزاج والرغبة والوعي المرتبط بلحظة معيّنة قد تكون عابرة، تفرض على المحترف إنجازاً ما لا يمكن تفاديه استجابة لحالة آنيّة شديدة الضرورة، وهو ما يقتضي -احترافيّاً- التوحّد بين أطراف العمليّة الاحترافيّة من أوّل عتبة إلى آخر عتبة.
ينبغي أن يتوفّر فعل الاحتراف في أوّل خطوة من خطواته على “القصديّة” المُحمّلة بمعاني التخطيط والإحاطة والمعرفة والهدف، فضلاً عن الإيمان العميق بجدوى هذه الممارسة العالية النوعيّة والخصوصيّة؛ وهي تقوم أساساً على إدراك الموهبة والاستعداد والصبر والتضحية، والذهاب بأقصى ما يمكن نحو هذا الفضاء والعمل الجديّ فيه؛ للوصول إلى لحظة الاستحصال المركّز للخبرة بما تحويه من ممكنات وكنوز معرفيّة مضيئة، وهو ما يحتاج فعلاً إلى إتقان الأدوات بأعلى وأندر كفاءة ممكنة؛ تسهّل فعاليّات الممارسة الاحترافيّة على أمثل ما يكون وأصدق ما يكون وأرقى ما يكون، بحيث تصل الفكرة الاحترافيّة إلى معنى الجودة القصوى في التحضير والأداء والإنتاج ومن ثمّ التسويق والتداول.
يقتضي السلوكُ الاحترافيّ ذكاءَ التعامل الصارم مع مفردات الزمن وتفاصيله ووحداته وأسراره؛ وضبط حركته بما لا يسمح للمحترف بهدرِ أيّ دقيقة ممّا هو متاح له من وقتٍ للعمل، فالزمن على هذا النحو محسوب ومقنّن بدقّة كبيرة، وضياع الدقيقة قد يكلّف كثيراً في سياق التلاؤم العالي بين الوحدة الزمنيّة وما تنتجه من أداء؛ ويُحدِث على أساس هذا التضييع لهذه الوحدة خللاً في فكرة الاحتراف وقوانينها الدقيقة والجادّة، بما يؤثّر على فعاليّة منظومتها العاملة في أكثر من سياق، إذ لكلّ دقيقة من العمل الاحترافيّ معنى وقيمة وحدود إجرائيّة قاسية؛ وقصديّة عالية تؤدّي فعاليّة معيّنة لا سبيل إلى التلاعب بجوهرها لتُنتِجَ نتيجة محدّدة.
يظلّ الزمن امتحاناً عسيراً واختباراً قاسياً للمحترف؛ ربّما يعاينه بوصفه الأكثر أهميّة وخطورة في الميدان، ومع مضاعفة الخبرة والتجربة تكون صورة الزمن الاحترافيّ قد بلغت أوجها؛ في السبيل نحو استثمار التفاصيل الزمنيّة بطريقة ذكيّة وعارِفة لتحقيق أفضل إنجاز ممكن، يبقى حاضراً ومؤثّراً داخل مديات زمنيّة لا حدود لها، وهذه اللعبة الزمنيّة داخل دائرة الاحتراف لا بدّ أن تكون من أولى أولويّات العمل الاحترافيّ، بحيث تكتسب وجوداً أصيلاً قائماً على النظر إلى عامل الزمن بوصفه العامل الأهمّ داخل منظومة العمل الاحترافيّ بأسرها.
لا بدّ للاحتراف- في آليّة مركزيّة من آليّات تشكّله- أن يذهب باتجاه تجفيف منابع الحسّ العاطفيّ؛ إلى درجة واضحة لا تصل في نهاية المطاف إلى طبقة الإلغاء التامّ لأطياف هذا الحسّ، لكنّها تُقنّنه إلى مستوى يكفّ فيه عن المبادرة والحريّة المطلقة في الحضور والتأثير وتغيير المسارات، بما يسمح بأكبر قدر من التجويد المستمرّ لجوهر العمل الاحترافيّ في حراك إنتاجيّ لا يتوقّف، وبأقصى حالات التلاؤم والانسجام والفاعليّة القادرة على بلوغ النتائج المخطَّط لها على نحو دقيق ومبدع، ضمن فضاء عام تتوازى فيه الأشياء وتتّحد وتشتبك؛ لأجل الحصول على النتائج المطلوبة بأقلّ ما يمكن من الهفوات والأخطاء والسلبيّات.
تحمل فلسفة الاحتراف مجموعة كبيرة من القضايا والأولويّات والمنطلقات والمرجعيّات والأسس، تسهم كلّها مجتمعةً في تطوير شكل “الشخصيّة الاحترافيّة” ومضمونها؛ بما يستجيب لمفهوم الاحتراف على المستوى النظريّ والإجرائيّ والتداوليّ معاً، لأنّ هذه الشخصيّة في النهاية هي العنصر الحاسم في عمليّة الإنجاز بالمستويات والطبقات كلّها، ومن غير النجاح الأكيد والواضح في تكوينها وبناء طبقاتها بدرجة أصيلة وكثيفة وعميقة من القوّة والمعرفة والثقة والخبرة، لا يمكن وضع اليد على المفاتيح السريّة للعمل الاحترافيّ في قدرتها على فتح مغاليق الموضوعات والأفكار المؤهّلة للكشف والاكتشاف.
تتقصّد الشخصيّة الاحترافيّة- وهي تخوض عملها الاحترافيّ في تدرّجاته ومستوياته ومراحله- إحاطةَ ميدان العمل والإنتاج بدرجة عالية من السريّة، وعدم كشف آليّاته الفاعلة مهما كانت الأسباب والمبرّرات، فالسريّة في هذا الإطار تضمن حريّة العمل ورحابة التجريب المستمرّ للانتقال الدائم من مسار إلى مسار آخر أكثر جدوى، فالذي يهمّ “الآخر” هو المنتج الأدبيّ الإبداعيّ الخاصّ بالمبدع المحترف؛ وما يتحلّى به من قيمة وجوهر وتأثير وجماليّة وحساسيّة نوعية؛ بوسعها إثارة مجتمع التلقّي وتحريضه على استنهاض طاقات الاستقبال الكاملة لديه.
تتشكّل ظروف ولادة الاحتراف بعد أن تتجاوز الموهبة أعرافها التقليديّة وتغتني بكثير من الإنجازات المبدِعة، وتصل عندها هذه الموهبة إلى طريق شبه مسدود خوفاً من التكرار الذي يخفق في فتح مجالات جديدة؛ ممّا يستوجب الانتقال نحو فضاء الاحتراف على نحو يجعل من الموهبة بعد العمل على وصلها بالاحتراف أداة ذات طاقة كبيرة؛ لأجل إنجازٍ أوسع وأكبر وأعمق وأشمل وأكثر دواماً واستمراراً  وتطلّعاً.
إنّ الموهبة مهما كانت كبيرة وكثيفة وعظيمة تظلّ محدودة الإنجاز؛ إذا ما اكتفى صاحبها بما تمنحه إياه من منجزات لها حتماً عمر محدود، غير أنّها أذا ما انتقلت إلى منطقة الاحتراف على وفق أسس متينة وصحيحة وجوهريّة؛ فإنّها تنفتح على مجالات شاسعة بحيث يكون لها القدرة على تجديد نفسها بنفسها، لفرط ما تقتضيه عمليّة الاحتراف من أساليب ومساحات عمل تذهب باتجاه الاكتساب والإضافة والتحديث المستمرّ.
يُعدّ الاحتراف الأدبيّ عندنا أعقد أنواع الاحتراف بسبب أنّ مساحة العمل الأدبيّ الاحترافيّ في المجتمع العربيّ ضيّقة، لأنّ النظرة المتخلّفة إلى هذا العمل بوصفه نوعاً من الترف -الذي لا يمكن أن يؤدّي وظائف ترتفع إلى مرتبة الاحتراف- تعيق فعاليّة الاحتراف التي تحتاج إلى وسائل وآليّات وقضايا ترتفع بفكرة الاحتراف الأدبيّ إلى مقام عالٍ، في حين يحظى هذا الاحتراف في الثقافة الغربيّة بعناية بالغة تتفوّق على كثير من أشكال الاحتراف الأخرى، لأنّ نظريّة استثمار الثقافة والفكر والمعرفة لا تحظى بأهميّة تُذكَر في ثقافتنا العربيّة على الإطلاق، كما هي الحال في الثقافة الغربيّة وهي تعدّ هذا النوع من الاستثمار أعلى وأهمّ وأخطر أنواع الاستثمارات، وتسخّر له كثيراً من العناية على المستويات الإنسانيّة والماديّة والعمليّة كافّة.

المصدر: شبكة اخبار العراق

كلمات دلالية: ة الاحترافی ة الاحتراف على ة الاحتراف

إقرأ أيضاً:

فتح: إقامة الدولة الفلسطينية حق لا يمكن التنازل عنه

أكدت حركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح" أن هدف الحرية وإنجاز الاستقلال الوطني وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، هو حق لا يمكن التنازل عنه ولا يخضع للمساومة، وهو ثابت وطني سيبقى الشعب الفلسطيني متمسكا به ويسعى لتحقيقه مهما بلغت التضحيات، مشيرة إلى أن حرمان الشعب الفلسطيني من حقه في تقرير المصير والاستقلال لا يمكن أن يستمر، وهو ظلم تاريخي يجب أن يتوقف،  وفقا لما أوردته وكالة وفا. 

كمال ماضي: فلسطين لن تتزحزح أبدًا عن بؤرة الاهتمام فلسطين تخيم على افتتاح الدورة الـ45 للقاهرة السينمائى.. وغياب النجوم يلفت الانظار

ودعت فتح، في بيان صادر عن مفوضية الإعلام بمناسبة الذكرى السادسة والثلاثين لإعلان الاستقلال، إلى الاعتراف بالدولة الفلسطينية كدولة كاملة العضوية في هيئة الأمم المتحدة، كخطوة ضرورية لتحقيق الأمن والاستقرار والسلام في الشرق الاوسط، مؤكدة أن الدولة الفلسطينية قائمة فعلا لكنها تحت الاحتلال الإسرائيلي، وأن الشعب الفلسطيني يستحق أن يقرر مصيره بنفسه على أرض وطنه التاريخي في إطار حل الدولتين الذي يجمع عليه المجتمع الدولي.

وقالت "فتح" إن المدخل اليوم لحماية حل الدولتين، وإقامة الدولة الفلسطينية، هو في وقف العدوان في قطاع غزة فورا، ووقف المخططات التوسعية في الضفة بما فيها القدس، مشيرة إلى أن ما تقوم به حكومة اليمين الإسرائيلي في قطاع غزة من تهجير وتغيير في واقع القطاع إنما هدفه منع إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة ولتمرير مخطط فرض "السيادة" الإسرائيلية على الضفة، وحرمان الشعب الفلسطيني مجددا من حقه في تقرير المصير، والذي هو حق ينص عليه ويضمنه ميثاق الأمم المتحدة، والقانون الدولي.

ودعت "فتح"، المجتمع الدولي والولايات المتحدة الأميركية للضغط الكافي على الاحتلال الإسرائيلي للتخلي عن وهم القضاء على الشعب الفلسطيني وتصفية قضيته، وكسر إرادة الحرية والاستقلال لديه، مؤكدة أن هذا الوهم قد أسقطته تجربة الصراع الطويل، فقد أثبت الشعب الفلسطيني بصموده على أرض وطنه التاريخي، وتمسكه الذي لا يلين بحقوقه الوطنية، بأنه شعب متجذر في الأرض لا يمكن هزيمته وثنيه عن حقه الأصيل بالاستقلال.

ودعت "فتح" جماهير الشعب الفلسطيني، إلى الوحدة والتلاحم والصمود في مواجهة العدوان والاحتلال، مشيرة إلى أن الوحدة الوطنية والتمسك بالثوابت هما المدخل لهزيمة الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود الرابع من حزيران وعاصمتها القدس الشرقية، معاهدة جماهير شعبنا بأنها ستواصل الكفاح على درب الشهداء الأبرار والأسرى الأبطال، درب التحرير والحرية والعودة.

 

مقالات مشابهة

  • فتح: إقامة الدولة الفلسطينية حق لا يمكن التنازل عنه
  • "جمعية الكتّاب" تكرّم مجلة "مرشد بجائزة الإبداع الأدبي
  • ما سبب الالتهاب المزمن وكيف يمكن علاجه؟
  • هل يمكن استخراج تصريح عمل لأول مرة إلكترونيا؟
  • إطلاق جائزة باشراحيل للإبداع الأدبي
  • إثراءً للواقع الثقافي العربي .. إطلاق جائزة باشراحيل للإبداع الأدبي
  • «الملتقى الأدبي» يناقش رواية «عشاق وكتب»
  • رئيس الدولة: تغير المناخ تحدٍ خطير يمكن مواجهته بالعمل الجماعي
  • ذكرى وفاة الساحر.. ما وصية محمود عبد العزيز لابنيه «كريم» و«محمد»؟
  • أمير نجران يطّلع على التقرير السنوي للنادي الأدبي الثقافي بالمنطقة