كيف يحاول الاحتلال إبادة الوجود الفلسطيني من التاريخ؟!
تاريخ النشر: 4th, July 2024 GMT
يرى المفكر الفرنسي فرانز فانون في كتابه «بشرة سوداء، أقنعة بيضاء» أن الاستعمار يعمل على تشويه الهوية الذاتية للشعوب المستعمرة من خلال فرض لغة وثقافة المستعمر عليهم، مما يؤدي إلى اغتراب داخلي وفقدان الذات، ويعتبر فانون أن هذه العملية ليست مجرد جانب من جوانب الهيمنة الاقتصادية أو العسكرية، بل هي جزء من استراتيجية أوسع للسيطرة النفسية والثقافية.
إلَّا أنَّ الاستعمار الإسرائيلي في أرض فلسطين يتجاوز بوحشيته كل أشكال الاستعمار الحديث، فهو لا يسعى فقط إلى تغيير الفلسطينيين واستبدال ثقافتهم بل يسعى إلى محوهم وإقصائهم تمامًا. يتجلى هذا السعي في أبشع صوره في قطاع غزة، حيث تتعرض كل زاوية وكل أثر لوجود فلسطيني لمحاولات الإبادة، فالاستعمار الإسرائيلي لا يكتفي بطمس الهوية بل يسعى لإبادة كل شيء يحمل بصمة فلسطينية، في محاولة لاقتلاع الشعب الفلسطيني من جذوره ومحو كل صلة له بوجوده وأرضه.
من خلال هذه السياسات القمعية والتدميرية، يظهر بوضوح أن الهدف ليس فقط السيطرة على الأرض، بل القضاء على الوجود الفلسطيني.
ففي قلب غزة، المدينة المحاصرة، تتعاظم المأساة يومًا بعد يوم، حيث تصبح الحياة رهينة للدمار المستمر والفواجع التي لا تنقطع، فصواريخ الاحتلال لا تفرق بين شيخ كبير وطفل صغير، ولا بين منزل يأوي عائلة ومدرسة كانت يومًا ملتقى للعلم والمعرفة. هذا العنف الأعمى لا يستثني أحدًا، وكأن الأبرياء في غزة محكومون بأن يكونوا شهداء أو شهودًا على تدمير مستقبلهم أمام أعينهم.
فحتى الأطفال في غزة، الذين ربما لا يدركون ما يجري حولهم، يواجهون الآن واقعًا لا يمكن تخيله، فأصبحوا يدونون أسماءهم على جلودهم الناعمة علامات، ربما كرسالة أخيرة لمن يجد أجسادهم، رسالة تحكي عنهم وتقول إنه كان وراء هذا الجسد الصغير حكاية لم تكتمل.
ومع استمرار حرب الإبادة على غزة، يزداد تعود العالم على المأساة الإنسانية التي تجري في غزة. المجتمع الدولي، رغم التنديدات المتكررة، يبدو عاجزًا عن التحرك الفعَّال لوقف هذا العدوان. الأمم المتحدة والجامعة العربية، بكل مؤسساتها وإمكانياتها، تقف مشدوهة أمام مشهد الدمار الذي لا يتوقف، مما يضع علامات استفهام كبرى حول فعالية هذه الهيئات في حماية الحقوق والحياة.
بينما تتجلى نية الإبادة للاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة، ليس فقط من خلال الفظائع التي تُرتكب بحق الأبرياء، بل من خلال السعي الممنهج لمحاولة محو الهوية الفلسطينية من الوجود بشكل كامل، حتى عبر إزالة كل ما يمكن أن يشير إلى وجودها التاريخي والثقافي، إذ لا تقتصر الهجمات على القصف العشوائي الذي يستهدف البشر والبنى التحتية فحسب، بل تمتد لتشمل المعالم التاريخية والثقافية والعلمية، حيث يتم تدمير الجامعات والمدارس، مما يؤدي إلى تجريف الذاكرة الجماعية للشعب الفلسطيني وقطع صلاته بماضيه وهويته العميقة.
فمنذ أكثر من 8 أشهر، دمَّر جيش الاحتلال الإسرائيلي أكثر من 200 موقع أثري في غزة، في مسعى واضح لكيِّ الوعي الثقافي ومحو الأدلة الأثرية التي تشهد على الحضور الفلسطيني القديم في الأرض. تعددت الأساليب البربرية في هذا الإطار، حيث يُستخدم البحث المزعوم عن أنفاق حماس كذريعة لاستمرار تدمير المساجد والمستشفيات بطريقة شنيعة.
كما أشار المؤرخ البلجيكي لوكاس كاترين في مقاله الأخير، فإن ما يجري لا يمكن اعتباره إلا إبادة جماعية بحق الشعب الفلسطيني، كما ترى محكمة العدل الدولية، ومع ذلك، فإن الأمر لا يقف عند هذا الحد بل يتعداه إلى تدمير تاريخ وتراث الشعب الفلسطيني على يد الجيش الإسرائيلي بشكل متعمد وممنهج.
الاعتداءات على المواقع الأثرية والتاريخية ليست مجرد هجمات على الحجر، بل هي محاولات لطمس الرواية والوجود الفلسطينيين، ومن الأمثلة المأساوية على ذلك، المسجد العمري الكبير ومسجد السيد هاشم، واحد من أقدم المساجد في غزة، اللذان شهدا تدميرًا ممنهجًا، أيضًا، تم نهب المواقع الأثرية بطريقة منظمة، حيث تم نقل محتويات موقع أنثيدون الهلنستي إلى تل أبيب، وهو ما أعلن عنه إيلي إسكودو، رئيس سلطة الآثار الإسرائيلية، في إحدى تصريحاته عبر إنستغرام.
هذه السياسات لا تعكس فقط رغبة في السيطرة العسكرية، بل تدل على محاولة محو الوجود الفلسطيني ذاته من الذاكرة الإنسانية، في عملية إبادة ليست للأجساد فقط، بل للهوية والتاريخ أيضًا.
*كاتب من أوزبكستان
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
جيش الاحتلال يحاول عزل منطقة الناقورة بالتقدم نحو سواحل جنوب لبنان
نوفمبر 20, 2024آخر تحديث: نوفمبر 20, 2024
المستقلة/- وسّع جيش الاحتلال الإسرائيلي نطاق عملياته في محاولة لقطع الطريق الساحلي جنوب لبنان عند نقطة البياضة، وعزل منطقة الناقورة ومحيطها، على مسافة 9 كيلومتر في أقصى الساحل الجنوبي من الداخل اللبناني، بالتوازي مع محاولات التقدم على جبهة الخيام، والحشد في القطاع الأوسط تمهيداً للتوغل داخل مدينة بنت جبيل.
وفي التفاصيل، شن جيش الاحتلال هجوما بريا جديدا من بلدتي طيرحرفا وشمع الواقعتين جنوب مدينة صور غربا، في محاولة للوصول إلى شاطئ البحر عند نقطة البياضة بمسار 5 كيلومتر.
وأشارت مصادر لبنانية متابعّة للعمليات العسكرية في الجنوب، أن “الهجوم لم ينجح في الوصول إلى التلة المطلة على الطريق الساحلي المعروف بطريق صور – الناقورة”، مضيفة أن “القوات الإسرائيلية تعرضت لوابل من الصواريخ المضادة للدبابات، ما أدى إلى احتراق 3 دبابات إحداها في محيط موقع الكتيبة الإيطالية التابعة لليونيفيل في بلدة شمع”.
وقالت المصادر: “إن الوصول إلى النقطة البحرية سيعني أن الجيش الإسرائيلي سيضيق الخناق على مقاتلي الحزب الذين ما زالوا في الأحراج الداخلية شرق الناقورة بين حامول واللبونة”، وأشارت المصادر إلى أن “الجيش الإسرائيلي يقوم بتمشيط الجبهة من الجانبين انطلاقا من مواقعه المتقدمة”، في إشارة إلى الجانب الجنوبي الواقع في الحامول والأودية الممتدة حتى الحدود، والثاني من اتجاه زبقين والقليلة، ووصولاً شرقاً نحو غابات ياطر.
ولفتت مصادر لـ”جيروزالم بوست” أن، “المدفعية الإسرائيلية لم تتوقف عن قصف الداخل اللبناني بالقذائف الحارقة، واستهدفت جبال بطم ومجدل زون وزبقين وصولا إلى البازورية”، وقد شهدت أطراف زبقين والقليلة ومجدل زون لقصف بالفوسفور، في محاولة للتقدم نحو البياضة.
من جهته، أعلن حزب الله أن مقاتليه قصفوا تجمعاً لقوات جيش الاحتلال الإسرائيلي على الأطراف الجنوبية لبلدة شمع بقذائف المدفعية، كما أعلن عن تعرض تجمع آخر على الأطراف الجنوبية لبلدة البياضة لقصف صاروخي.
وفي القطاع الشرقي، جددت قوات الاحتلال محاولات اختراق بلدة الخيام الحدودية من الجانبين الشرقي والجنوبي، وأفادت قناة “المنار” عن “تكثيف الغارات الجوية واستمرار القصف المدفعي على وسط وأطراف الأطراف الجنوبية والشرقية لمدينة الخيام”، مشيرة إلى أن “أصوات الرشاشات في الجنوب تتصاعد”، وتؤكد “عدم تحقيق أي اختراق في المركز المستهدف منذ 72 ساعة”، مضيفة أن “المقاتلين يواجهون محاولات توغل داخل المدينة، إضافة إلى هجمات صاروخية من خارج المدينة على تحركات دعم وتعزيزات إسرائيلية قادمة من الوزاني وعين عرب ومزرعة سرده”.
وبينما تعرضت الخيام لقصف مدفعي وغارات جوية بالفوسفور، أعلن حزب الله أنه استهدف تجمعات إسرائيلية في باب العمرة في الأطراف الجنوبية لمدينة الخيام وفي أطرافها الشرقية بوابل من الصواريخ.
وبعد السيطرة على الشريط الحدودي على قرى الحفة، ظهر المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، أفيخاي أدرعي، في جولة إعلامية جنوبا، والتقط صورا لنفسه في بلدتي العديسة وكفركلا جنوبي لبنان.
في الوقت نفسه، أعلن حزب الله أنه استهدف تجمعات لجنود الجيش الإسرائيلي في الأطراف الجنوبية والشمالية لبلدة مارون الراس، ثلاث مرات يوم أمس الثلاثاء.
بالإضافة إلى ذلك، استمرت الغارات الإسرائيلية في العمق اللبناني، وواصل حزب الله إطلاق الصواريخ باتجاه الداخل الإسرائيلي.
وأشار الحزب إلى أن مقاتليه شنوا “هجوما جويا بسرب من الطائرات الانتحارية المسيرة على قاعدة رمات دافيد (قاعدة جوية رئيسية في الشمال تضم أسرابا قتالية) على بعد 50 كيلومترا من الحدود اللبنانية جنوب شرق مدينة حيفا”، كما وشنوا مقاتليها “هجوما جويا بسرب من الطائرات الانتحارية المسيرة على قاعدة بيت اللد (قاعدة عسكرية تضم معسكرات تدريب لكتيبة ناحال والمظليين) على بعد 90 كيلومترا من الحدود اللبنانية شرق مدينة نتانيا”.
وأوضح الحزب أن “مقاتليه استهدفوا قاعدة “غليلوت” (مقر وحدة الاستخبارات العسكرية 8200) على بعد 110 كلم من الحدود اللبنانية، على مشارف تل أبيب، بوابل من الصواريخ عالية الجودة. وأعلن استهداف 5 تجمعات حدودية في الشمال، وإسقاط طائرة استطلاع من طراز “هيرميس 450″ وطائرة أخرى”.
في المقابل، أعلن الجيش الإسرائيلي في بيان أنه “قضى على قائد المنظومة الصاروخية متوسطة المدى التابعة لمنظمة حزب الله”.
وذكر في بيان أن “طيران سلاح الجو نفذ، يوم الاثنين، هجوما في كفرجوز بجنوب لبنان، بتوجيهات من المخابرات العسكرية وقيادة المنطقة الشمالية، وقضى على قائد المنظومة الصاروخية المتوسطة المدى التابعة لحزب الله علي توفيق الدويك.”
وأضاف البيان أنَّ “الدويك كان مسؤولا عن المنظومة الصاروخية متوسطة المدى منذ أيلول 2024، خلفا للقائد السابق للمنظومة الذي تمت إقالته، وكان مسؤولا عن إطلاق أكثر من 300 صاروخ باتجاه أراضي دولة إسرائيل، بما في ذلك منطقة حيفا ومركز البلاد”.
المصدر: ليبانون ديبايت