التمترس خلف الجيش، الدواعي والمآلات!؟

محمد القاضي

يهدف هذا المقال إلى تقديم مساهمة نقدية، لحالة التمترس خلف القوات المسلحة السودانية، في الحرب الدائرة الآن مع قوات الدعم السريع. مع استصحاب وضع وتوجهات المؤسسة العسكرية، وسلوك أفرادها في أثناء الحرب الجارية. وهو معني بتقديم نقد موضوعي لهذه الحالة. والنقد في جوهره ليس هو القدح والذم، بل هو طرح للأسئلة الدالة والكاشفة المحللة للحالة.

وهو غير معني بتحليل حالة التمترس- المقابلة والسجالية- خلف الدعم السريع، لاختلاف التوجهات التي تستوجب تحرير مقال منفصل لذلك، من جهة، ولأن المؤسسة العسكرية هي مؤسسة الدولة التاريخية، في مقابل الوجود الطارئ والضرار لقوات الدعم السريع.

ويتأمل هذا المقال، طرح أسئلة في إطار تطلعنا لعملية الإصلاح الشامل للبنية السياسية في وطننا، ومن ضمنها إصلاح المؤسسة العسكرية.

ونتساءل: هل يقف الجيش في هذه الحرب الموقف الصحيح أخلاقياً، ووفق قواعد ضابطة لأجهزته، وملزمة لأفراده وسلوكهم أثناء الحرب؟ وهل يخوض هذه الحرب وفق ضوابط مؤسسية، مغايرة لسلوك المليشيا المتفلت؟ ثمة تمترس جماهيري واسع خلف الجيش، والملاحظ أن هذا التمترس لا يستند على قواعد ومعايير عقلانية وأخلاقية واضحة ومتفق عليها، ويمكن التحاكم إليها، لتقييم هذه الحرب الجارية، وشرعيتها، وشرعية موقف أطرافها، وذلك باعتبار أن الطرف الآخر (معتدي) وخلو بالمطلق من الخير، متجرد في سلوكه وأهدافه من المعايير: الدينية والوطنية والإنسانية، عند هذه الطائفة؛ بحيث أن الأمر عندهم لا يحتاج لجدال! ويتبدى هذا التمترس كحالة من العصبية الأولية، غير المتعقلة؛ أشبه بعصبية أفراد قبيلة في مواجهة أعدائها، وجدت نفسها في بيئة تنافسية معادية.

وتنحو هذا الحالة المتمترسة خلف الجيش، وخطاباتها أثناء الحرب، إلى أن تتحول لما يشبه الآيديولوجيا في مرحلة تكونها! أي أن هذا التمترس ربما كان في طريقه لأن يصبح آيديولوجيا تضع الجيش في خانة المقدس، الذي تتقوم به الدولة؛ أفرزتها هذه الحرب، ووضع الجيش فيها. وربما لو قاربنا هذا الأمر من زاوية أخرى، نجد أن بعض التبريرات لأداء الجيش في هذه الحرب، تقارب التبرير الغيبي، كدفاع الحيران عن شيخهم المتصوف الذي يأتي ببعض (الموبقات) المخالفة للشرع؛ فيفسرونها تفسيراً غيبياً، استناداً على ما يعرف بالحقيقة في مقابل الطريقة عند القوم.

ولنا أن نطرح السؤال التالي، من باب الاستشكال على مدعانا: هل يقف هذا التمترس الداعم على قيم ومعايير عقلانية/أخلاقية، واضحة؟ ونقول إن ذلك- فيما يبدو- لا وجود له، إذا أنهُ وعند المحكات، والتي تمثل امتحانات (فاحصة وممحصة) ستتلاشى تلك العقلانية المعيارية، ليحل محلها حالة تبريرية لكل التجاوزات، من جهة، واستنكارية لكل محاولات ناقدة وقادحة في هذه التجاوزات. مستندة في ذلك على موقف ذاتي، نازع من الطرف الآخر (المعتدي) كل ما هو إنساني وأخلاقي؛ فهو محض شر مطلق وشيطاني! وكل من يحاول تعقل الحالة (حالة الحرب والصراع) بوقوفه على الحياد الموضوعي؛ فهو بالضرورة منحاز، تحت قاعدة (من ليس معنا فهو ضدنا)!

وقد أصابت هذه الحالة فيما يبدو الجميع، متجاوزة بذلك مشعلي الحرب وعامة الناس، إلى النخب! وحين تصدر تجاوزات من قبل الجيش، فهي- ومن باب التبرير- إما حالات فردية لا تمس بنية مؤسسية الجيش، أو آثار جانبية للعمليات العسكرية. أو في حال انعدام المسوغات التبريرية، يتم- وللمفارقة بصورة لا واعية لما يترتب على ذلك- وضع الطرفين على قدم المساواة، من حيث مقدار التجاوزات، ومحاكمة الطرف الآخر وفق قاعدة تفضيلية وكمية؛ فهو قد أتى بما هو: أكثر، وأشنع، من الانتهاكات! مع العلم أن هذه الفئة المتمترسة لا تقبل بوضع الطرفين في موضع الندية. فالجيش مؤسسة الدولة التاريخية وما الدعم إلا مليشيا طارئة! وحين العجز التام عن التبرير الدفاعي، يتم الدفع بتبرير طفولي تعسفي من شاكلة: هذا هو جيشنا، نقف معه ظالماً ومظلوما!

ورفض وضع الطرفين على قدم المساواة، هو موقف لا يطرح الفروقات والمعايير المائزة بين طبيعة المؤسسة والمليشيا، ومن ثم السلوك المتوقع من كليهما، بحسب تكوينه. من ذلك مثلاً: أمر معاملة الأسرى، وفق المعايير الإنسانية الدولية أو الدينية، وكلاهما- أي الطرفين- قد سقط في هذا الامتحان! وبالتالي ينطرح السؤال: هل الجيش السوداني يتقيد بقواعد مؤسسية!؟ تميزه عن المليشيا!؟

وفي جانب آخر، يتجاوز هذا الموقف المتمترس، التاريخ وأسئلته: تأسيس هذه المليشيا، كيف ولماذا وُجدت؟ من يقف خلف ذلك؟ ومدى مسؤوليته؟ ومن الذي أشعل الحرب وأهدافه؟ فتجاوزات المليشيا تجبُ ذلك!

وأية سرديات ناقدة لتلك الخطابات والمواقف المتمترسة؛ يتم موضعة طارحيها، في خانة الانحياز للطرف الآخر، ومن ثمّ وصمهم بوصمة حلفائه وداعميه!  وقد حدث لي ذلك، لا مع إنسان لم يجد حظاً من التعليم؛ بل مع متعلم يحمل صفة أكاديمية! ويحمل هذا النوع من البشر قلم التخطئة والتبرئة، ولهُ أن يدون اسمك في أي من كتاب الفريقين، استناداً لمسطرة معيارية ذاتية تخصه، يتم معايرتك بها؛ فإن طابقتها فأنت برئ، وإن تقاصرت عنها أو تجاوزتها فأنت من الخطائين الظلمة!

هذا النوع من البشر، هو مالك الحقيقة المطلقة، وغير الراغب في تحمل، وتقبل مُساءلته، ونقد خطابه وتمحيصه!

إن خطورة هذا الموقف أو الحالة (التمترسية)؛ منحها قادة الجيش شيكاً على بياض، غير عابئة بأهدافهم، ونواياهم، وتطلعاتهم السلطوية، وتقاطعاتها مع غير الراغبين في التحول المدني الديمقراطى، والذي من لوازمه، استعادة دور الجيش الطبيعي الدفاعي، وخضوعه لسلطة الشعب، وخروجه من دائرة الزبائنية.

ما سيحدث هو عودة السلطة الإنقاذية القابضة بأفظع مما كان، وبدعم شعبي، مستثمرة في الحرب وما ترتب عليها من خوفٍ وفقدانٍ للأمن والاستقرار. أما دعاة تأجيل المعركة مع قادة الجيش لما بعد الحرب؛ باعتبار أننا قادرون على استعادة الديمقراطية من براثنهم؛ فنقول لهم لن تجدوا أمامكم سوى السجون والمشانق، وبدعم شعبي!

الوسومالتحول المدني الديمقراطي الجيش الدعم السريع السلطة الإنقاذية السودان محمد القاضي

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: التحول المدني الديمقراطي الجيش الدعم السريع السودان محمد القاضي الدعم السریع خلف الجیش هذه الحرب الجیش فی

إقرأ أيضاً:

مرسيدس تطلق أول سيارة كهربائية بالبطارية الصلبة

حققت شركة "مرسيدس بنز" إنجازاً كبيراً بإطلاق أول سيارة كهربائية تعمل بتقنية البطاريات ذات الحالة الصلبة في العالم.

وكشفت الشركة عن بدء اختبار نموذج أولي لسيارة EQS، المجهزة بالبطارية التي تم تطويرها بالتعاون مع شركة Factorial Energy الأمريكية الناشئة، وفق "إنترستينغ إنجينيرينغ".
وقالت مرسيدس: " تعد هذه السيارة انجازاً في الانتقال من التجارب المعملية إلى التطبيقات العملية، وأجريت أول اختبارات المركبات المعملية بالفعل في شتوتغارت في نهاية عام 2024 للتحضير لاختبارات الطريق التي بدأت في فبراير (شباط) 2025".


ومن المتوقع أن يوفر النموذج الأولي من EQS مدىً يبلغ 620 ميلاً (1000 كيلومتر)، بناءً على اختبار WLTP ويمثل هذا تحسناً يزيد عن 25% عن طراز EQS 450+ الحالي.
وبينما تتجاوز أرقام WLTP عادةً تقديرات وكالة حماية البيئة، لا يزال من المتوقع أن تحقق السيارة 527 ميلاً، وفقاً لمعايير وكالة حماية البيئة".


ويُعزى هذا المدى الموسع إلى تقنية البطارية ذات الحالة الصلبة المبتكرة من  Factorial Energy، والتي تستبدل الإلكتروليت السائل التقليدي بآخر صلب، ويسمح هذا بكثافة طاقة أعلى وسلامة محسنة، مع وعد أيضاً بتخفيضات كبيرة في الوزن.
و أشارت مرسيدس-بنز إلى أن حزمة الحالة الصلبة توفر مدىً أكبر بنسبة 25% ضمن نفس معايير الحجم والوزن مثل بطاريات الليثيوم أيون الحالية.

مقالات مشابهة

  • مستجدات الحالة السريرية لبابا الفاتيكان
  • وزير الدفاع الإسرائيلي: استعادة المحتجزين تتطلب استعداد الجيش لاستئناف الحرب
  • الفاتيكان يكشف عن الحالة الصحية للبابا
  • تطورات الحالة الصحية للفنان عمرو مصطفى.. يبدأ رحلة العلاج
  • إعلام إسرائيلي: الجيش غير مستعد لاستئناف الحرب ويحاول تزييف تحقيقات 7 أكتوبر
  • استمرار أزمة الحالة الصحية لـ بابا الفاتيكان
  • مرسيدس تطلق أول سيارة كهربائية بالبطارية الصلبة
  • الجيش إذ انتفض وانتصر… والشعب إذ يشتعل ويبتدر
  • سلوت: صلاح سيحصل على الكرة الذهبية في هذه الحالة
  • تحسن طفيف في الحالة الصحية للبابا فرنسيس