بقلم: بلال التليدي

حصلت في الأسبوع الماضي تطورات مهمة ستكون بلا شك مؤثرة على مستقبل منطقة الساحل جنوب الصحراء، وعلى حسابات توازن القوى الإقليمية في المنطقة المغاربية.

التطور الأول، الانقلاب الذي أطاح برئيس النيجر محمد بازوم، وتباين ردود الفعل الدولية والإقليمية بخصوصه.

التطور الثاني، التقييم الذي صدر عن الملك محمد السادس في خطاب العرش لهذه السنة بخصوص العلاقات المغربية الجزائرية، واستمراره في سياسة مد اليد إلى الجزائر.

أما التطور الثالث، زيارة رئيس أركان الجيش الجزائري سعيد شنقريحة إلى موسكو ولقاؤه بوزير الدفاع الروسي، سيرغي شويغو.

تبدو هذه الأحداث متنافرة، لكن، عند النظر في السياق الذي يحكمها، ومحاولة تفكيك عناصر التباين في الموقف الدولي والإقليمي، والتفاعلات التي صدرت من دول الإيكواس، وما تلاها من ردود فعل كل مالي وبوركينافاسو، يتضح الخيط الرابط بين هذه الأحداث، وكيف يمكن تفسيرها ضمن نسق واحد.

عمليا، تبدو فرنسا الخاسر الأكبر من انقلاب في النيجر، وهو لا يرمز فقط إلى نهاية النفوذ الفرنسي في منطقة الساحل جنوب الصحراء، ولكن يؤشر على تحول مفصلي يتخلق بشكل مطرد في القارة الإفريقية، يسميه الرئيس الفرنسي «تنامي الشعور المضاد لفرنسا» ويصفه القادة الأفارقة بـ«التحرر من الهيمنة الفرنسية» على المقدرات والثروات الإفريقية.

وتبدو موسكو على الأقل من الناحية النظرية، المستفيد الأكبر من هذا الانقلاب، سواء بافتراض أنها من ورائه على الرغم من نفيها أي صلة بالانقلاب، أو بافتراض أنه انقلاب مستقل عن الأيادي الخارجية، وأنه يمثل صدى الصوت الإفريقي المتحرر من النفوذ الفرنسي.

ثمة مفارقة، ينبغي تسجيلها عند ملاحظة الموقف الدولي والإقليمي من هذا الانقلاب، فإذا كان من الطبيعي لفرنسا أن ترفض الانقلاب، وتعمل بكل ما أوتيت من دينامية دبلوماسية من أجل إعادة الحكم لحليفها الرئيس السابق محمد بازوم، وإذا كان من الطبيعي جدا لدول المجموعة الاقتصادية لغرب إفريقيا أن تأخذ موقفا حازما من الانقلاب، بحكم تداعياته المستقبلية على استقرار المنطقة، وما يرمز إليه من إنهاء مسار الدمقرطة وعودة الانقلابات كأسلوب في التحول في السلطة، فإن المثير للانتباه هو موقف الجزائر، الذي أعربت خارجيتها عن «رفضها القاطع للتغييرات غير الدستورية للحكومات» ودعت إلى «وضع حد فوري للانقلاب» ووصفت الانقلاب بالاعتداء غير المقبول على النظام الدستوري» لكنها في الآن ذاته، أكدت تمسكها بـ«المبادئ الأساسية التي توجه العمل الجماعي للدول الأفريقية، داخل الاتحاد الأفريقي، وعلى ضرورة أن يعمل الجميع من أجل الحفاظ على الاستقرار السياسي والمؤسساتي للنيجر، بما يضمن استدامة الأمن والاستقرار في هذا البلد».

واضح أن ما يحكم موقف الجزائر في هذه القضية ثلاثة محددات أساسية، الأولى، هو تخوفها من التأثيرات الأمنية والسياسية والعسكرية التي ستكون أول متضرر منها، خاصة إذا ما تطورت الأوضاع، واتجهت الدول الغربية بقيادة فرنسا بتنسيق مع دول «الإيكواس» إلى خيار التدخل العسكري، ففي هذه الحالة، سيكون جدار منظومة الأمن القومي الجزائري في دائرة التحدي المباشر، وهو ما تخشاه الجزائر وتعمل من أجل منع هذا السيناريو، بالحديث عن رفض التدخل العسكري، والدعوة إلى إعمال مبادئ الحوار والتفاوض بين سلطة الانقلاب والرئيس محمد بازوم. أما المحدد الثاني، فهو الحرص على تأمين حد أدنى من التنسيق الاستراتيجي مع فرنسا، فحكام المرادية لا يريدون أن يغامروا بموقف يقطع شعرة معاوية مع باريس، وفي الآن ذاته يعطي المبرر الأساسي على ضلوعها في خدمة الأجندة الروسية، وتقديم خدمات لوجستية لها، حتى والجزائر تعبر عن رفضها للانقلاب. وأما المحدد الثالث، وهو المثير للانتباه، فالجزائر، التي تفاجأت كمثلها مثل باريس بها الانقلاب، وظلت لثلاثة أيام تترقب حقيقة الموقف بين حجز الرئيس النيجري السابق محمد بازوم من قبل الحرس الجهوري والإعلان عن الانقلاب، صارت في حالة شك من التكتيكات الروسية خصوصا لما تم الاستعانة بالدور المالي والبوركينابي ـ دون انتظار دعم جزائري- لمطاردة النفوذ الفرنسي في النيجر، فموسكو، كما يبدو، سئمت من لعبة التوازن التي تقيمها الجزائر بينها وبين فرنسا، ولم تعد قادرة على تحمل التسويف الجزائري في المساعدة على الامتداد الروسي في دول الساحل جنوب الصحراء، لاسيما وأن إفريقيا أضحت ورقة مهمة في حسم المعركة مع الناتو على الجبهة في أوكرانيا.

هذا التحليل، يفسر إلى حد كبير تزامن زيارة رئيس أركان الجيش الوطني الجزائري سعيد شنقريحة إلى موسكو مع هذه الأحداث، والإفصاح عن الرغبة في تعزيز التعاون العسكري، ومساعدة الجيش الجزائري لتعزيز قدراته الدفاعية ومواجهة التهديدات والتحديات الأمنية والعسكرية التي من المفترض أن تواجهها في المدى القصير.

في السادس عشر من شهر يونيو الماضي، زار الرئيس عبد المجيد تبون موسكو والتقى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وعلى الرغم من تصريحاته التي طلب فيها بشكل صريح من موسكو الحماية، إلا أن زيارته خلت من أي أجندة تعاون عسكري، إذ فضل الرئيس الجزائري أن يستعين بورقة الاختصاص (تعاون المؤسستين العسكريتين الروسية والجزائرية) حتى لا يترك في زيارته ملفا يتم استثماره غربيا لتشديد الضغط عليه، لكن يبدو اليوم، أن الجزائر أضحت مضطرة إلى الخروج من المنطقة الرمادية في التعاطي مع موسكو، وذلك بفعل اقتراب التحديات الأمنية والعسكرية من جدار أمنها القومي، لاسيما بعد تنامي الحديث عن الخيار العسكري سواء من جهة دول الغرب، أو جهة دول الإيكواس، إذ تغيرت المعادلة تماما، فالجزائر وضعت اليوم على المحك، فأي دور لمساعدة فرنسا، سيجعلها في خصومة مع موسكو، وأن دعما للانقلاب في النيجر سيجعلها تخسر فرنسا، وفي الحالتين معا، هي تحتاج لدعم قدرات جيشها لمواجهة التحديات الأمنية والعسكرية المحتملة بعد هذه التطورات، ولذلك جاء بيان خارجيتها بتوليفة تجمع بين رفض الانقلاب، ووصفه الاعتداء السافر على النظام الدستوري لإرضاء فرنسا ودول الغرب وأيضا دول المجموعة الاقتصادية لغرب إفريقيا، وبين الدعوة للحوار والتفاوض، مع حصر التدخل الدبلوماسي داخل السقف الإفريقي، لمنع أي تدخل غربي في المنطقة، يكون مكلفا لأمنها ونفوذها الإقليمي، وهو الموقف، الذي يزيد من شك موسكو، وعدم اطمئنانها للموقف الجزائري.

المغرب، كما عبر عن ذلك سفيره الممثل الدائم للمملكة لدى الاتحاد الإفريقي واللجنة الاقتصادية لإفريقيا التابعة للأمم المتحدة محمد العروشي، في اجتماع لمجلس السلم والأمن الإفريقي حول الوضع بالنيجر، بقي في منطقة الحياد ورفض أن يدخل دائرة الشجب والتنديد، وفضل أن يستخدم لغة دبلوماسية، تحيل الأمر إلى «شعب النيجر وقواه الحية، وقدرته على الحفاظ على المكتسبات، وعلى دوره الإقليمي البناء والهام» وفي الآن ذاته كان لافتا، التقييم الذي قدمه الملك محمد السادس في خطاب العرش لحقيقة العلاقات المغربية الجزائرية، والتي وصفها بالمستقرة، مكررا مرة أخرى دعوته إلى طي صفحة الخلاف مع الجزائر وفتح الحدود.

المسؤولون الجزائريون، خلافا لمواقفهم السابقة، فضلوا هذه المرة عدم التعليق على هذه الدعوة، وفهموا أن السياق الذي جاءت فيه مدروس للغاية، وأن الجزائر في هذه الظروف، أي ظروف ضيق الخيارات، واقتراب التهديد الأمني والعسكري من منظومة أمنها القومي من جهة حدودها مع النجير، ستكون مدعوة إلى التفكير بجدية في توسيع مروحة خياراتها، بما في ذلك التفكير بشكل جدي في إنهاء القطيعة مع الرباط، لاسيما وأن ملك المغرب، يؤكد لها كل مرة، أن الشر والسوء لن يأتي من قبل المغرب.

المصدر: أخبارنا

كلمات دلالية: محمد بازوم

إقرأ أيضاً:

حقيقة وفاة ملك المغرب محمد السادس

حقيقة وفاة ملك المغرب محمد السادس ، حيث انتشر مساء اليوم السبت 15 فبراير 2025 ، نبأ وفاة الملك محمد السادس كالنار في الهشيم على مختلف منصات ومواقع التواصل الاجتماعي ، وسط حالة من التشكيك في صحة هذه الأنباء ، إلا أن بعض المنصات استشهدت بمنصات ومواقع مغربية ذات ثقة لدى الجمهور.

وبدأ عدد كبير من الجماهير في المغرب ومختلف البلدان العربية والأجنبية بالبحث عن خبر وحقيقة وفاة ملك المغرب محمد السادس ، وأسباب انتشار هذا النبأ بشكل كبير في أوسط نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي ، التي تناقلت الخبر بشكل سريع ولافت دون الرجوع للمصادر الرسمية.

حقيقة وفاة ملك المغرب محمد السادس

حقيقة وفاة ملك المغرب محمد السادس ، إذ أنه وبعد البحث والتحري في مصدر خبر وفاة ملك المغرب ، تبين أنه منتشر فقط على مواقع التواصل الاجتماعي ، ولم يصدر الديوان الملكي المغربي أي أنباء تشير الي ذلك ، في وقت قام عدد من النشطاء على مواقع التواصل بنشر الخبر بشكل كبير والحديث عن وفاة محمد السادس بجلطة قلبية.

عاجل انباء عن وفاة ملك مغرب بي جلطة pic.twitter.com/kEM0knGAVn

— ouagnouni (@ouagnouni) February 15, 2025

والقصر الملكي المغربي عادةً ما يعلن عن أي تطورات مهمة تتعلق بصحة الملك أو أي من أفراد العائلة الملكية من خلال بيانات رسمية. لذلك، إذا كانت هناك أي مخاوف أو شائعات حول صحته، فمن الأفضل دائمًا الرجوع إلى المصادر الرسمية للحصول على المعلومات الدقيقة.


 

في بعض الأحيان، قد تظهر شائعات أو تكهنات حول صحة القادة والشخصيات العامة، ولكن من المهم التعامل معها بحذر وعدم الاعتماد إلا على التصريحات الرسمية.

رحم الله الملك محمد السادس ملك المملكة المغربية.
لطالما كانت العلاقات متينة بين النظام الملكي في الاردن والمغرب.#وفاة_محمد_السادس pic.twitter.com/Pmg3RPHvkv

— Out of context الفلسطينيين في الاردن (@ContextOfPinJ) February 15, 2025

بدورها وفي إشارة لتناقل خبر وفاة ملك المغرب محمد السادس من خلال النقل من جريدة هسبريس الإلكترونية ، قامت الأخيرة بإصدار توضيح وتنويه مهم جدا لكل متابعيها وهو كما يلي:-

يتواصل مسلسل إقحام جريدة هسبريس الإلكترونية في ترويج أخبار زائفة لا أساس لها من الصحة عبر منصات التواصل الاجتماعي، باستغلال الهوية البصرية للجريدة.

الحلقة الجديدة من هذا “المسلسل العبثي”، الذي لا يُسلي أحدا سوى أصحابه، نشر خبر زائف من “جهات معادية للمغرب” يستهدف مؤسسة دستورية.

وتجدد جريدة هسبريس تنبيه قرائها إلى أن موادها الصحافية متاحة على صفحاتها الرسمية بروابط واضحة، كما ألفوا ذلك منها.

يتواصل مسلسل إقحام جريدة هسبريس الإلكترونية في ترويج أخبار زائفة لا أساس لها من الصحة عبر منصات التواصل الاجتماعي، باستغلال الهوية البصرية للجريدة.
الحلقة الجديدة من هذا “المسلسل العبثي”، الذي لا يُسلي أحدا سوى أصحابه، نشر خبر زائف من “جهات معادية للمغرب” يستهدف مؤسسة دستورية.… pic.twitter.com/tdnmUROJUa

— Hespress هسبريس (@hespress) February 15, 2025

 

المصدر : وكالة سوا اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد المزيد من منوعات 2023 دعاء استقبال رمضان 2025 - فضله وأهميته وآدابه امساكية رمضان 2025 الكويت ليلة الشك رمضان 2025 - موعدها وكيفية استغلالها الأكثر قراءة الجيش الإسرائيلي ينسحب بالكامل من "نتساريم" وداخلية غزة تُصدر تنويها سعر صرف الدولار والدينار مقابل الشيكل اليوم الأحد 9 فبراير أجواء شديدة البرودة - أحوال طقس فلسطين اليوم الأحد محدث: استشهاد امرأة حامل وإصابة زوجها بجروح حرجة برصاص الاحتلال في طولكرم عاجل

جميع الحقوق محفوظة لوكالة سوا الإخبارية @ 2025

مقالات مشابهة

  • ألمانيا تشيد بالتقدم الذي أحرزه المغرب في مجال الطاقات النظيفة والهيدروجين الأخضر
  • لهذا السبب لن تحقق الجزائر أي مكسب دبلوماسي رغم فوزها بمنصب نائب رئيس المفوضية الأفريقية
  • حقيقة وفاة ملك المغرب محمد السادس
  • جمعية الاتحاد الجزائري ترفع دعوى ضد نجل الرئيس الفرنسي الأسبق ساركوزي
  • الشروع في تكسية دونور الدارالبيضاء بالعشب لإستقبال مبارتي المغرب ضد النيجر وتنزانيا
  • عميد جامع الجزائر يستقبل وفدا وزاريا من النيجر
  • صريح جدا: هذا هو الشخص الذي يثق فيه الجزائري و يبوح له بسره
  • تصاعد الغضب ضد "ترامب وماسك".. متظاهرون في بوسطن: أوقفوا الانقلاب
  • الركراكي في جولة بأروبا قبل إغلاق قائمة مباراة منتخب المغرب مع النيجر وتنزانيا
  • السفير البصيري يبحث التعاون الثنائي مع وزير العدل الجزائري