سجن تدمر.. بناه الفرنسيون اصطبلا للخيول وتحوّل إلى واحد من أسوأ سجون العالم
تاريخ النشر: 3rd, July 2024 GMT
بناه الفرنسيون في ثلاثينيات القرن العشرين اصطبلا للخيول، ثم تحول إلى سجن عسكري، ومنذ عام 1966 أصبح يستقبل المعتقلين السياسيين ومعتقلي الرأي، ويعرف بأنه من أسوأ السجون السورية بسبب التعذيب وسوء المعاملة. نفذت فيه عمليات إعدام ميداني راح ضحيتها آلاف السوريين، وأغلق لنحو عشر سنوات، ثم أعيد فتحه مع بدء الثورة السورية.
وفي يوم 21 مايو/أيار 2015 سيطر تنظيم الدولة الإسلامية -بعد معارك مع الجيش السوري- على مدينة تدمر وسجنها الذي كان خاليا من المعتقلين، وفي يوم 30 مايو/أيار 2015 فجّر التنظيم السجن بعد تفخيخه بالمتفجرات.
الموقعيقع سجن تدمر في صحراء حمص قرب موقع تدمر الأثري القديم، على بعد نحو 200 كيلومتر شمال شرقي العاصمة السورية دمشق، قرب وادي عويطة، حيث دفن النظام السوري جثث كثير من المعتقلين الذين قتلهم في مجازر جماعية بالسجن، أو جراء التعذيب، أو نتيجة الأمراض وغيرها.
تاريخهيعود تاريخ سجن تدمر إلى زمن الاستعمار الفرنسي حين أمرت سلطاته آنذاك ببناء ثنكة عسكرية في تلك المنطقة في ثلاثينيات القرن العشرين، فيما تقول رواية أخرى إن الفرنسيين استخدموه إصطبلا للخيول. وبعد استقلال سوريا حولته الحكومة السورية إلى سجن عسكري لمعاقبة المخالفين من أفراد الجيش.
ومنذ عام 1966 أصبح السجن -إضافة إلى وظيفته العسكرية- يستقبل المعتقلين السياسيين؛ لا سيما من اتهموا بالعلاقة مع جماعة الإخوان المسلمين، وفق ما ذكرته تقارير دولية.
في عام 2001 أُغلق السجن ونقل المعتقلون فيه إلى سجون أخرى، لكن بعد بدء الثورة السورية أعيد فتحه يوم 15 يونيو/حزيران 2011، وتؤكد منظمة هيومن رايتس ووتش أنه في شهر ديسمبر/كانون الأول 2011 اعتُقل فيه نحو 2500 شخص.
وفي 21 مايو/أيار 2015 سيطر تنظيم الدولة الإسلامية، بعد 9 أيام من المعارك مع النظام السوري، على مدينة تدمر وسجنها، وكانت سلطات النظام قد نقلت المعتقلين فيه إلى سجون أخرى.
وبث تنظيم الدولة صورا وتسجيلات مرئية للسجن تعدّ الأولى من نوعها؛ إذ لم يسبق أن صُوِّر السجن أو نشرت فيديوهات منه توضح شكله وتفاصيل زنازينه الجماعية والفردية.
ثم في يوم 30 مايو/أيار 2015 فخخ تنظيم الدولة الإسلامية السجن وفجره، وسط استنكار الناشطين والحقوقين، الذين ينظرون إليه على أنه رمز من رموز القمع في ثمانينيات القرن العشرين، وشاهد على الجرائم التي ارتكبها النظام السوري.
وأضاف هؤلاء الناشطون أن التفجير هدية للنظام السوري لأنه يساعده على محو جرائمه وإزالتها والتخلص من آثارها وأدلتها.
وصف السجنبُني السجن بنظام يسمى "بانوبتيكون"، وهو نوع من أنواع السجون التي تصمم بطريقة تسمح للحراس بمراقبة السجناء طوال الوقت. أما كلمة " بانوبتيكون" فتعود إلى كلمة "بانوبتس" التي تطلق على عملاق يوناني تقول الأساطير إن له مئة عين.
وتحيط بالسجن سواتر ترابية من جميع الاتجاهات، ومعظم بنائه من طابق أرضي، وبعض مبانيه كانت مكونة من طابق أرضي وطابق أول.
تنظيم الدولة الإسلامية فجر سجن تدمر العسكري وحوله إلى ركام (مواقع التواصل الاجتماعي)وقد وصف السجن معتقلون سابقون؛ وقالوا إن فيه سبع ساحات تضم كل واحدة منها ما بين 40 و50 زنزانة كبيرة، أو ما يعرف باسم "المهجع"، إضافة إلى 39 زنزانة بحجم أصغر، كما يضم عددا من زنازين الحبس الانفرادي.
ويقول حسن النيفي -وهو سجين سابق في سجن تدمر- إن "الزنازين لم تكن مخصصة ليسكنها البشر؛ لذا لا تتطابق مع أي معايير صحية ولا تنطبق عليها أي مواصفات تناسب الإنسان".
ووفق وصفه فإن المهاجع مستطيلة مبنية من جدران سميكة، يتراوح عرضها بين 4 و5 أمتار، لكن طولها مختلف على نحو كبير ويتراوح ما بين 6 أمتار و20 مترا.
ويصف النيفي النوافذ بقوله "لم تكن الزنازين مزودة بالنوافذ لكن بسبب الاكتظاظ الشديد وحالات الاختناق المتكررة فتحت إدارة السجن نوافذ صغيرة أعلى الجدار تلاصق السقف، وثبتت فيها قضبانا حديدية غليظة وقوية".
كما احتوت جميع المهاجع وفق شهادات متعددة من الناجين على "الشراقة"، وهي فتحة في السقف مساحتها نحو متر مربع، مغطاة بالقضبان الحديدية والأسلاك الشائكة، الهدف منها -كما يقول المعتقلون- هو مراقبة السجناء على مدى 24 ساعة وحراسة السجن من السطح.
ويضيف النيفي "أن السجانين كانوا يعطون أوامر بالتعذيب من الشراقة، فعلى سبيل المثال كانوا ينادون على سجين معين ويأمرونه بسكب الماء البارد على بقية المعتقلين في السجن، أو ضرب أحد المعتقلين، أو غيرها من طرق الإهانة والتعذيب.
ولا يسمح للمعتقلين بالنظر إلى الشراقة، ومن يفعل ذلك ويراه السجان يعاقب عقوبة شديدة، لذا كان المعتقلون يختلسون النظر إلى الشراقة حين يسمعون حركة خطوات الحارس مبتعدا عنها.
سجن تدمر في عهد آل الأسدبعد وصول حافظ الأسد إلى رئاسة سوريا تحول سجن تدمر إلى معتقل للسياسيين المعارضين، وذلك في سبعينيات القرن العشرين، إذ امتلأ السجن بالمعارضين من اليساريين والعلمانيين والإسلاميين.
وقد شن النظام حملة اعتقالات واسعة نهاية السبعينيات ومطلع الثمانينيات طالت آلاف المعارضين من الإسلاميين واليساريين، وكانوا عرضة للإعدام والتعذيب.
وفي عام 1980 نفذت سرايا الدفاع التي يقودها رفعت الأسد مجزرة في سجن تدمر استهدفت الإسلاميين، عقب محاولة فاشلة لاغتيال حافظ الأسد، وأدت إلى مقتل ما يزيد عن ألف معتقل.
وفي عهد الرئيس بشار الأسد أعيد افتتاح السجن عام 2011، وأصبح معتقلا لمعارضيه -وخاصة من نشطاء الثورة السورية- إلى أن سيطر عليه تنظيم الدولة الإسلامية.
التعذيب في سجن تدمريعرف سجن تدمر بفظاعة تعذيبه وفق ما ذكره كثير من المعتقلين السابقين، فبمجرد الوصول إلى السجن يخضع جميع المعتقلين إلى ما يسمى بـ"حفل استقبال"، وهو عبارة عن ساعات من التعذيب والتنكيل.
وقد وصف المعتقلون ما حدث لهم فور الوصول، إذ تعرضوا للضرب والتنكيل في ساحة السجن، حيث يؤمر المعتقلون بالدخول داخل إطار للسيارات ويتناوب السجانون على الإطار وينال كل سجين ما لا يقل عن 200 جلدة إلى 400 جلدة، وذلك قبل دخول الزنازين.
وقد كشف عدد من المعتقلين أنه حين وصولهم وبعد الضرب أجبروا على لعق مياه الصرف الصحي التي كانت على الأرض، ومن يرفض يتعرض للضرب حتى الموت.
ويؤكد عدد من المعتقلين أن التعذيب كان 3 مرات في اليوم بأشكال مختلفة منها الضرب والشبح، إضافة إلى الإذلال المستمر وأدوات التعذيب المختلفة التي قضى فيها كثير من السجناء.
كما ابتكر السجانون طرقا مختلفة لإذلال السجناء وتعذيبهم، فقد طلب من بعض السجناء حمل آخرين ورميهم على الأرض، وطلب من سجناء آخرين ضرب بعضهم، وقد أكد الناجون أن العلاج كان ممنوعا عنهم.
وروى بعض المعتقلين السابقين أنه كان لدى السجانين صلاحيات مفتوحة للتعامل مع المعتقلين من دون أي ضوابط تتعلق بالمحافظة على حياتهم أو احترام إنسانيتهم.
الحياة اليومية في السجنيشير المعتقل السابق في سجن تدمر محمد برو إلى أن نمط الكلام المسموح به كان هو الهمس، لأن الصوت العادي كان يزعج السجانين لا سيما مع أعداد المعتقلين الكبيرة.
ومن جهته يؤكد حسن النيفي أن الأشياء الممنوعة في الحياة اليومية كانت "الصوت المرتفع، أو المشي الجماعي، أو وجود أكثر من شخص بدورة المياه، إضافة إلى منع الشعائر الدينية منعا مطلقا، كما يمنع النظر إلى الشراقة".
ويصف النيفي فترات "التنفس" اليومية بأنها كانت فترات تعذيب ولم تكن للتنفس والاسترخاء، إذ كان السجانون يصفّون المعتقلين ويتناوبون عليهم بالضرب بالهراوات والكبلات وبالركل والشتم.
كذلك لم تكن زيارة الأهل مسموحة للسجناء السياسيين ومعتقلي الرأي، وحتى إذا تم تدبير الزيارة بالوساطات والرشاوى تكون مدتها 10 دقائق وتحت مراقبة إدارة السجن، ويمنع فيها التحدث عن أوضاع السجن، بل كان يُجبر فيها المعتقلون على مدح الوضع وادعاء الرفاهية حسن المعاملة، ومن يخالف ذلك كان يخضع للتعذيب.
المحاكمات العسكرية الميدانيةكانت تقام في السجن محكمة ميدانية عسكرية في أيام محددة في الأسبوع في ثمانينيات القرن العشرين، وكان المعتقلون يساقون إلى المحكمة مجموعات معصوبي الأعين بمرافقة السجانين ويجلسون في ساحة خارجية ينتظرون دورهم، وخلال ذلك يتعرضون لضرب مستمر من السجانين بالعصي والكبلات المطاطية وهم جاثون على ركبهم ورؤوسهم منكسة للأسفل.
وحين يأتي دور المعتقل يدخل إلى غرفة المحاكمة حيث يجلس رئيس المحكمة فيسأل المعتقل أنت فعلت كذا وكذا – وفق التهمة الموجهة إليه- وعلى المعتقل الإجابة بنعم، ثم يقرأ رئيس المحكمة الحكم ويطلب من المعتقل التوقيع عليه، وهذا الأمر لا يستغرق أكثر من دقائق معدودة، وفي بعض الأحيان تكون مدة المحاكمة دقيقة لا أكثر.
ويقول المعتقل خالد العقلة إنه "في حالة إنكار المعتقل التهم الموجهة إليه؛ فإنه يتعرض لتعذيب شديد ثم يعاد حتى تكون إجابته بنعم، لذا ترسخت لدى المعتقلين أنه لا فائدة من الإنكار".
الإعداماتوكانت تنفذ أحكام الإعدامات في الساحة السادسة في السجن، في يومين من الأسبوع، بحضور رئيس المحكمة ذاته، وتكون عملية الإعدام لأعداد كبيرة، ففي حالة حدوث اضطرابات أو أحداث في سوريا، تزيد دفعات الإعدام، وأحيانا تصل إلى المئات، وفي الحالات العادية تكون بالعشرات.
وفق شهادة عمر حذيفة فإن الإعدامات الميدانية استمرت نحو 10 سنوات، وبدأت بيومين في الأسبوع أو ثلاثة وبقيت مكثفة حتى عام 1984، ثم خفت بعد ذلك فأصبحت مرة أو مرتين في الشهر إلى عام 1990.
إذ تنصب المشانق ويعلق فيها المعتقلون على دفعات متتالية ويشنقون، ثم تجمع الجثث وتنقل إلى وادي عويطة وتدفن في مقابر جماعية.
ويقول خالد العقلة إنه من خلال الإحصائيات التي أجراها هو وعدد من زملائه الذين نجوا تبين لهم أن عدد الذين أُعدموا ميدانيا يتراوح بين 25 ألفا و35 ألفا.
ويقول عمر حذيفة إنه عقب كل يوم إعدام كان السجن يستقبل أعدادا جديدة من المعتقلين، ويتكرر الأمر بحسب أيام الإعدام.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات تنظیم الدولة الإسلامیة القرن العشرین من المعتقلین من المعتقل إضافة إلى فی السجن لم تکن فی یوم
إقرأ أيضاً:
ضباط إسرائيليون سابقون: الوحدة 8200 تشهد أسوأ أزمة في تاريخها
نقل موقع "أكسيوس" الأميركي عن ضباط استخبارات إسرائيليين سابقين أن الوحدة 8200 في الجيش الإسرائيلي تشهد "أسوأ أزمة في تاريخها بعد فشل أكتوبر"، في إشارة إلى هجوم طوفان الأقصى الذي شنته المقاومة الفلسطينية في السابع من أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي.
وبحسب 3 ضباط كبار سابقين في الوحدة، فإن الوحدة تحتاج إلى العمل الاستخباراتي الأساسي الذي لا يعرف الكثير من العاملين فيها اليوم كيفية القيام به، وبدون ذلك فإن الفشل سوف يكرر نفسه.
وأضاف هؤلاء بأن تعيين أوري ستاف قائدا للوحدة 8200 هو "إحياء لذكرى الفشل الذي أدى إلى تخلف 7 أكتوبر"، مؤكدا أنها خطوة غير كافية لإصلاحها وترميمها.
وقال أحد كبار المسؤولين السابقين، إن القائد الجديد للوحدة أوري ستاف فشل في التأثير على قائد الوحدة السابق يوسي شارييل، "ولم يوقف الغباء الذي أدى إلى الكارثة".
وذكر الموقع أن الضباط السابقين الثلاثة اتفقوا على أنه رغم أن ستاف تدرج في المناصب التقنية داخل الوحدة، إلا أنه ليس رجل استخبارات، وهو ما تحتاجه الوحدة في الوقت الحالي، مشيرين في الوقت نفسه إلى أنه ظل نائبا لرئيس الوحدة السابق على مدى 3 سنوات، ومن ثم فهو مشارك في اتخاذ القرار والإخفاقات التي أدت إلى الفشل.
البناء من الصفر
وقال المسؤولون الثلاثة السابقون إنه من أجل التغلب على الفجوة في مجال الاستخبارات، سيكون من الضروري تعيين نائب قائد يأتي من مجال الاستخبارات، خصوصا أن هناك حاجة لإعادة بناء الوحدة من الصفر تقريبا.
ويعتقد المسؤولون السابقون أنه سيكون من الضروري تشكيل فريق استشاري من جنود الاحتياط ذوي الخبرة في مجال الاستخبارات الذين سيعملون بشكل وثيق مع قائد الوحدة ونائبه وقائد مركز المخابرات في عملية إعادة التأهيل.
وفي 12 سبتمبر/أيلول الماضي، أبلغ يوسي شاريئيل رئيس الأركان هرتسي هاليفي، استقالته من منصبه بعد مسؤوليته عن الإخفاقات الاستخباراتية في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي وما قبلها.
وتداولت منصات عبرية خطابا منسوبا لقائد الوحدة 8200، يؤكد فيه استقالته قائلا: "في 7 أكتوبر فشلت في مهمتي.. اليوم بعد الانتهاء من التحقيقات الأولية، أود أن أمارس مسؤوليتي الشخصية وأسلم القيادة إلى من بعدي".
وتُعد الوحدة 8200 كبرى الوحدات في مديرية الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، وتأخذ على عاتقها مهمة جمع المعلومات الرئيسة، إضافة إلى تطوير أدوات جمع المعلومات وتحديثها باستمرار، مع تحليل البيانات ومعالجتها، وإيصال المعلومات للجهات المختصة، وكثيرا ما تشارك هذه الوحدة وتمارس عملها من داخل مناطق القتال.