منبر جدة.. هل تفلح الضغوط في إحداث اختراق؟
تاريخ النشر: 3rd, July 2024 GMT
يعلق السودانيون آمالهم بمفاوضات منبر جدة الذي يستأنف الشهر الحالي، بعد تجديد الدعوة، لإيقاف معاناة استمرت نحو عام ونصف العام.
تقرير: التغيير
دخلت حرب 15 أبريل 2023م بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، عامها الثاني دون أن تفلح المبادرات الإقليمية والدولية في وضع حد لمعاناة السودانيين، الذين تدفقوا بالملايين إلى مخيمات النزوح واللجوء بالداخل والخارج، وسط تحذيرات دولية من مجاعة كارثية بعد تدمير البنية التحتية بشكل كامل.
“منبر جدة” الذي يعتبر نافذة الأمل الوحيدة، سيعود لبحث فرص السلام بعد إعلان اقتراب استئناف التفاوض، لكن وسط تساؤلات مهمة حول مدى نجاحه في إيقاف المعاناة؟، وحول المتغيرات التي يمكنها إجبار الطرفين على العودة للتفاوض والوصول إلى اتفاق؟؟
يأتي ذلك وقد دخلت الحرب مرحلة جديدة بعد تفوق “الدعم السريع” ميدنياً، وسيطرتها على أجزاء واسعة سيما بعد سقوط الفرقة 17- سنجة بولاية سنار، وانسحاب الجيش إلى مدينة سنار التي أصبحت محاصرة من جميع الاتجاهات، كما أصبحت تهدِّد ولايات النيل الأبيض والنيل الأزرق والقضارف، فضلاً عن احتلالها أربع ولايات بإقليم دارفور من أصل خمس وتبقى فقط الفاشر في شمال دارفور.
شروط للتفاوض
رغم تراجع موقف الجيش السوداني في ميدان القتال إلا أنه يصر على حسم المعركة عسكرياً، وأوصد قائده عبد الفتاح الباب أمام الذهاب إلى أي مفاوضات تفرض على القوات المسلحة.
وأكد البرهان، خلال خطاب بمنطقة أم درمان العسكرية، الثلاثاء، عدم الجلوس إلى التفاوض دون تنفيذ بنود “اتفاق جدة” وخروج ما وصفها بـ”المليشيات المتمردة” من منازل المواطنين، وجدد رفض الحكومة لأي شكل من أشكال الابتزاز.
وقال: “لن نتفاوض مع عدو يستمر في انتهاكاته ولا مع من يؤيده وواجبنا استمرارنا في إعداد العدة للقتال ونرى الانتصار أمامنا كما نراكم الآن”.
وأضاف: “نحن دعاة سلام ولا نرغب في الحرب ولكن لن نفاوض بشكل مهين ولن نذهب لها إلا بعزة”.
فيما حدد مساعده ياسر العطا، (4) شروط للتفاوض، وقال إن شروط الجيش للتفاوض تتمثل في استسلام قوات الدعم السريع، “وقد تم تحديد 5 معسكرات لنقل قواتهم إليها مع تعهد بعدم التعرض لهم أو استهدافهم ما داموا في تلك المواقع”، والانسحاب من كافة المناطق السكنية وإخلاء المباني التي سيطروا عليها خلال الأشهر الماضية، وتسليم الأسلحة والمعدات القتالية، وإعادة المقاتلين الأجانب إلى بلدانهم، وتسليم المتابعين قضائياً بتهم تتعلق بالانتهاكات التي حدثت خلال الفترة الماضية”.
ومطلع ديسمبر الماضي، قررت الوساطة السعودية الأمريكية تعليق المفاوضات بين وفدي الجيش والدعم السريع لأجل غير مسمى، نتيجة عدم التزام الطرفين بما اتفقا عليه.
دعوة رسمية
وتدخل قوات الدعم السريع المفاوضات في موقف القوة بعد سيطرتها على أجزاء واسعة من البلاد، مما يعزز موقفها التفاوضي، ولكنها لم تعلن حتى الآن موقفها من التفاوض، رغم ظهور أصوات محسوبة عليها تطالب بحسم المعركة عسكرياً والقضاء على ما يسمونه بـ”جيش فلول النظام البائد”.
فيما كشف عضو بوفد التفاوض، أنه لم تصلهم دعوة لاستئناف المفاوضات حتى الآن.
وقال العضو- الذي فضل حجب اسمه في تصريح مقتضب لـ(التغيير)، “حتى الآن مافي دعوة رسمية، نسمع كغيرنا عن تفاوض في الشأن الإنساني لتوصيل المساعدات”.
مشاركة سياسية
وتطالب قوى سياسة بضمها لعملية التفاوض حتى يكون ذي جدوى وتأثير للضغط على الأطراف المتحاربة وإجبارهم على إيقاف الحرب وإيصال المساعدات الإنسانية.
وقال الناطق باسم تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم) بكرى الجاك: “قدمنا دعوة لاستصحاب المدنيين في عملية الحوار لأن طرفي الحرب ليست لديهم ضمانات لما يتفقون عليه.
وأضاف لـ(التغيير): “لم تصلنا دعوة حتى الآن للمشاركة في منبر جدة لأن الترتيبات محصورة في إيقاف إطلاق النار وإيصال المساعدات الإنسانية بحسب الوسيط الأمريكي”.
وأكد الجاك استمرار المفاوضات بشكل غير مباشر بين طرفي الصراع في السودان. وأوضح أن منبر جدة يعمل الآن والتواصل يتم بواسطة الميسرين مع طرفي الحرب، لمحاولة حل بعض المشاكل.
نجاح مشروط
إلى ذلك، قالت مصادر متطابقة لـ(التغيير)، إن الطرفين تعرضا لضغوطات كبيرة شملت الدول التي تدعم كل طرف بضرورة العودة للمفاوضات وإيقاف التدهور الإنساني والتهديد بنقل الصراع إقليمياً.
وفي هذا السياق، يقول الخبير الدبلوماسي علي يوسف، إن هناك اتجاهاً لممارسة ضغوط مكثفة على حكومة السودان، و”مليشيا الدعم السريع” للعودة إلى مفاوضات جدة، التي حاولت خلال العام الماضي، معالجة القضايا الإنسانية الناجمة عن الحرب في السودان، وعقدت عدة جولات، وآخر اتفاق عقد بين الطرفين هو اتفاق يتم بموجبه خروج قوات الدعم السريع من الأعيان المدنية وتكون في مناطق بعيدة عن مساكن المواطنين.
وأوضح يوسف في مقابلة مع (التغيير)، أن الجولة الأخيرة من مفاوضات جدة لم تنجح لعدم تنفيذ ما تم الاتفاق عليه، وبالتالي توقفت المفاوضات خلال الأشهر الماضية، وطرفا الوساطة- السعودية والولايات المتحدة-، يعملان على استئناف المفاوضات، ولكنه مرتبط باستعداد الدعم السريع لتنفيذ ما تم الاتفاق عليه في السابق.
وقال الخبير الدبلوماسي: “لا معنى لاستئناف مفاوضات تبدأ من المربع الأول بعد أن تم الاتفاق على أشياء لم يتم تنفيذها، وهذا لن يتم”.
وأضاف: “فرص النجاح متوقفة على ما تم الاتفاق عليه من قبل”.
وتابع: “هناك حديث عن زيادة عدد الدول والمنظمات المشاركة، وهذا الموضوع حوله خلاف، خاصة مشاركة دولة الإمارات في المباحثات لم يكن مقبولاً بالنسبة للحكومة السودانية”.
مجلس الأمن
وحول تدخل الأمم المتحدة في ملف السودان قال يوسف: “بالتأكيد تدخل الأمم المتحدة سيؤدي إلى إحالة الملف لمجلس الأمن، ولكن هذا لن يتم بمعزل عما يجري في المفاوضات في جدة، ومستوى المبادرات، مبادرة الاتحاد الأفريقي التي صدر إعلان حولها من مجلس السلم والأمن الأفريقي، والتي دعت إلى لقاء بين الرئيس البرهان وحميدتي، وعقد اجتماع للقوى السياسية والمجتمع المدني في أديس أبابا من 10– 15 يوليو الجاري، والوساطة الأفريقية بين الأطراف مشكلة من لجنة برئاسة الرئيس الأوغندي موسيفيني ورؤساء أربع دول أخرين لم يتم تحديدهم بعد، وإذا لم يتم التوصل لاتفاق في جدة لوقف إطلاق نار إنساني، ومعالجة ملف مستقبل السودان بعد وقف الحرب من خلال اجتماعات أديس أبابا متوقع إحالة ملف السودان من الاتحاد الأفريقي إلى الأمم المتحدة (مجلس الأمن) وهذا يشكل خطورة كبيرة جداً على مسار الأوضاع في السودان”.
عدم الجدية
في السياق ذاته، رأى خبير عسكري- فضل عدم ذكر اسمه- أن سبب فشل المفاوضات بين الجيش والدعم في منبر جدة، هو عدم جدية الطرفين في وقف القتال، لاعتقادهما أن الطريق الوحيد لحسم المعركة هو الحرب.
وقال لـ(التغيير): رغم إصرار الطرفين على الحسم العسكري إلا أن العودة للمفاوضات هو المرجح، استجابةً للضغوط الكبيرة التي تُمارس على الطرفين، في ظل استحالة حسم عسكري قريب بعد تمدد القتال في أجزاء واسعة من البلاد. ولهذا، فمن المحتمل أن يوافق الجيش والدعم على إعلان هدنة إنسانية طويلة الأجل، توفر الظروف لتخفيف المعاناة الإنسانية على المدنيين”.
مسألة معقدة
بدوره، قال المحلل السياسي د. محمد تورشين، أن “منبر جدة من أكثر المنابر دقة وتنظيماً، وحتى الآن لم يتم الكشف عما تمخضت عنه الكثير من الاتفاقيات، بحيث إن الجيش السوداني يتحدث عن إعلان المبادئ الذي تم توقيعه في مايو الماضي، ولم يتم الإيفاء والتنفيذ من قبل الدعم السريع، لذلك أتوقع أن تكون المسألة معقدة جدا ومستمرة هكذا”.
وأضاف لـ(التغيير)، أن المبادرات التي سبقت استئناف منبر جدة كانت ترمي لإحداث تسوية سياسية من خلال منبر الإيغاد والاتحاد الأفريقي، ودول جوار السودان ممثلة في مصر والمبادرة الليبية، ومنبر جدة ومباحثات المنامة. وكلها مساعٍ إقليمية ودولية الغرض منها محاولة إيجاد تسوية.
وتابع: “كل المبادرات فشلت تماماً لأنها لم تحقق أي هدف ولم تناقش القضايا بشكل جاد”.
الوسومالجيش السعودية السودان الولايات المتحدة الأمريكية حرب 15 ابريل حميدتي عبد الفتاح البرهان منبر جدة ياسر العطاالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: الجيش السعودية السودان الولايات المتحدة الأمريكية حرب 15 ابريل حميدتي عبد الفتاح البرهان منبر جدة ياسر العطا الدعم السریع تم الاتفاق لـ التغییر حتى الآن منبر جدة لم یتم
إقرأ أيضاً:
الجيش يهاجم الدعم السريع بعدة جبهات ويسعى للسيطرة على مركز الخرطوم
يواصل الجيش السوداني معاركه مع قوات الدعم السريع في عدة جبهات متفرقة حيث يسعى للسيطرة على مركز العاصمة الخرطوم، كما كثف هجماته الجوية على معاقل الدعم في الفاشر ويسعى للسيطرة على طرق رئيسية بولاية شمال كردفان، بعد أن حقق تقدما بولاية النيل الأبيض حيث توفي 100 شخص هناك بسبب وباء الكوليرا.
وتستمر المعارك بوتيرة متصاعدة بين الجيش وقوات الدعم السريع، إذ يسعى الجيش عبر محور وسط الخرطوم إلى السيطرة على مركز العاصمة، بما في ذلك القصر الرئاسي، ومرافق حكومية سيادية.
وفي ولاية شمال كردفان تدور مواجهات بين الجانبين ويسعى الجيش من خلالها للسيطرة على طرق رئيسية.
وجنوبا، تتواصل المعارك أيضا بولايتي النيل الأبيض والنيل الأزرق حيث أعلن الجيش سيطرته على مدن وبلدات تقع على الشريط الحدودي بين السودان وجنوب السودان.
وفي ولاية شمال دارفور، استهدفت قوات الدعم السريع بالمسيّرات مواقع بمدينة المالحة شمالي الولاية اليوم الأحد.
وفيما يتعلق بمدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور، قال الإعلام العسكري في بيان له "إن الطيران الحربي للجيش السوداني نفذ غارات جوية دقيقة، مستهدفا تجمعات العدو ـفي إشارة لقوات الدعم السريعـ بالمحور الشمالي الغربي مساء أمس مما كبّدهم خسائر كبيرة في العتاد والأرواح".
إعلانوأضاف البيان أن مدينة الفاشر تشهد حالة من الاستقرار الأمني وأن القوات المسلحة تواصل تقدمها بثبات في جميع المحاور، وسط انهيار واضح في صفوف العدو وأن المعركة مستمرة حتى تحقيق النصر الكامل واستعادة أمن واستقرار البلاد وفقا للبيان".
وفي وقت سابق، قالت وكالة الأنباء السودانية "سونا" إن مدرعات الفرقة السادسة مشاة بالفاشر "نفذت عملية عسكرية محكمة في المحور الشمالي الشرقي للمدينة، أسفرت عن تدمير عربة جرار محملة بالأسلحة والذخائر تابعة لمليشيا آل دقلو المتمردة، إضافة إلى تدمير 3 عربات لاندكروزر كانت تتولى حراستها، دون نجاة أي من العناصر التي كانت على متنها".
كما نقلت عن الفرقة السادسة مشاة قولها إن "الضربات المدفعية الثقيلة مستمرة بمعدل 4 حصص يوميا، بالتزامن مع حملات التمشيط والرمايات الدقيقة، مما أجبر عناصر المليشيا على الانسحاب الواسع من المدينة، بينما فر بعضهم سيرا على الأقدام نحو المناطق النائية".
وخلال هجمات قوات الدعم السريع في الولاية في 16 فبراير/شباط الماضي، أصابت قوات الدعم السريع محطة توليد الطاقة في ربك، مما تسبب في انقطاع التيار الكهربائي على نطاق واسع وتعطيل محطات المياه.
وأعلنت منظمة أطباء بلا حدود وفاة نحو من 100 شخص بسبب وباء الكوليرا في غضون أسبوعين منذ بدء تفشي الوباء المنقول بالمياه في ولاية النيل الأبيض.
وقالت المنظمة، الخميس الماضي، إن 2700 شخص أصيبوا بالمرض منذ 20 فبراير/شباط، كما لقي 92 آخرون حتفهم.
وقالت المنظمة إن أهالي المنطقة اضطروا إلى الاعتماد بشكل أساسي على المياه التي يتم الحصول عليها من عربات تجرها الحمير، لأن مضخات المياه لم تعد تعمل.
وقالت مارتا كازورلا، منسقة الطوارئ في منظمة أطباء بلا حدود في السودان "إن الهجمات على البنية التحتية الحيوية لها آثار ضارة طويلة الأمد على صحة المجتمعات الضعيفة".
إعلانوبلغ تفشي الكوليرا في الولاية ذروته بين 20 و24 فبراير/شباط الماضي، عندما هرع المرضى وأسرهم إلى مستشفى كوستي التعليمي، مما أدى إلى إرهاق المنشأة بما يتجاوز قدرتها.
ووفقا لمنظمة أطباء بلا حدود، كان معظم المرضى يعانون من الجفاف الشديد، وقدمت المنظمة 25 طنا من المواد اللوجستية مثل الأَسِرة والخيام إلى كوستي للمساعدة في استيعاب المزيد من مرضى الكوليرا.
كما استجابت وزارة الصحة بولاية النيل الأبيض لتفشي المرض من خلال توفير إمكانية الوصول إلى المياه النظيفة للمجتمع وحظر استخدام عربات الحمير لنقل المياه. كما أدار مسؤولو الصحة حملة تطعيم عندما بدأ تفشي المرض.
وقالت وزارة الصحة السودانية يوم الثلاثاء الماضي إن هناك 57 ألفا و135 حالة إصابة بالكوليرا، بما في ذلك 1506 حالات وفاة، في 12 ولاية من أصل 18 ولاية في السودان.
وأعلنت وزارة الصحة رسميا تفشي الكوليرا في 12 أغسطس/آب من العام الماضي بعد الإبلاغ عن موجة جديدة من الحالات بدءًا من 22 يوليو/تموز من العام نفسه.
وانزلق السودان إلى الحرب منذ ما يقرب من عامين عندما تصاعدت التوترات بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع شبه العسكرية.
وقتلت الحرب في السودان ما لا يقل عن 20 ألف شخص، كما دفعت الحرب أكثر من 14 مليون شخص إلى النزوح من منازلهم، ودفعت أجزاء من البلاد إلى المجاعة، وتسببت في تفشي الأمراض.