د. هيثم مزاحم **

 

يُفضِّل الأمريكيون اليهود بأغلبية ساحقة الرئيس الديمقراطي جو بايدن على منافسه الجمهوري الرئيس السابق دونالد ترامب. ومعلوم أن غالبية اليهود الأمريكيين يصوتون تاريخيًا لمصلحة المرشحين الديمقراطيين سواء للرئاسة أو الكونجرس.

لكن استطلاعات الرأي الأخيرة تظهر تراجعًا طفيفًا في مواقف عدد من الناخبين اليهود مقارنة بالسنوات السابقة، مما قد يشير إلى أن بايدن واقع بين السندان والمطرقة، بين مؤيدي إسرائيل ومعارضي عدوانها الإبادي في قطاع غزة.

ويرى بعض الخبراء أنه في منافسة متقاربة مثل هذه الانتخابات الرئاسية الأمريكية في نوفمبر المقبل، فإن حتى مثل هذه الخسائر الصغيرة يمكن أن تحدث فرقًا في يوم الانتخابات.

فقد أظهر أحد الاستطلاعات، التي نشرها المعهد الانتخابي اليهودي أخيرًا، وشمل 800 يهودي أمريكي بالغ، أن بايدن يتفوق على ترامب بنسبة 67% في مقابل 24% في المنافسة المباشرة.

ويتطابق هذا مع استطلاع عبر الإنترنت لـ1001 يهودي أجرته اللجنة اليهودية الأمريكية والذي أظهر تقدم بايدن بنسبة 61-23% من أصوات اليهود على ترامب.

تمثل هذه الأرقام تحولًا متواضعًا ولكن تدريجيًا من بايدن إلى ترامب مقارنة بانتخابات 2020 والعام الماضي، قبل هجوم طوفان الأقصى والعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.

فبحسب استطلاع للرأي أجرته مؤسسة جي ستريت اليهودية بعد الانتخابات الأمريكية لعام 2020، صوت 77% من اليهود لصالح بايدن، بينما حصل ترامب على 21% من أصواتهم. وفي الاستطلاع الأخير الذي أجراه المعهد الانتخابي اليهودي، قال المشاركون إنهم يفضلون بايدن على ترامب بنسبة 74% -20%. وفي استطلاع العام الماضي، حصل بايدن على 72%.

وأظهر استطلاع المعهد الانتخابي اليهودي موقفًا أكثر سلبية تجاه بايدن. وبشكل عام، نظر 58% من اليهود إلى بايدن بشكل إيجابي، في مقابل 39% نظروا إليه بشكل سلبي، بانخفاض خمس نقاط عن العام الماضي.

ويرى خبراء الانتخابات أن هذه الاتجاهات قد تشير إلى تراجع الدعم اليهودي للرئيس بايدن وسط الحرب في غزة.

وكان استطلاع أجراه مركز "بيو" للأبحاث عام 2021 قد وجد انقسامًا واسعًا بين الناخبين اليهود اعتمادًا على التيار الذي ينتمون إليه. وفضل اليهود الأرثوذكس الجمهوريين على الديمقراطيين بنسبة 75% إلى 20%، في حين دعم 70% من اليهود المحافظين و80% من اليهود الإصلاحيين، الديمقراطيين.

وقال سام ماركستين المدير السياسي الوطني في الائتلاف اليهودي الجمهوري، إن الكثير من الأصوات اليهودية تتمركز في ولايات لا يملك فيها الجمهوريون أي فرصة على الإطلاق، مما يساهم في فجوة الدعم بين الجمهوريين والديمقراطيين. وبالإشارة إلى استطلاع أجرته وكالة أسوشيتد برس بعد انتخابات 2020 والذي وجد أن ترامب تحسن في أدائه بين الناخبين اليهود عن انتخابات عام 2016، يتوقع ماركستين أن يقوم "الائتلاف اليهودي الجمهوري" بأكبر استثمار له على الإطلاق في هذه الدورة لاستهداف الناخبين اليهود في ساحات المعركة الانتخابية.

وكانت لبعض الاستطلاعات الأخرى اتجاهات أكثر إيجابية بالنسبة للديمقراطيين. وأظهر استطلاع مركز بيو في مايو الماضي أن نسبة الناخبين اليهود المتحالفين مع الديمقراطيين زادت بمقدار 8 نقاط منذ عام 2020.

وقال دان سيجل، الذي قاد التواصل مع اليهود في حملة بايدن لعام 2020، إن اهتمامات الناخبين اليهود الرئيسية تشبه اهتمامات أي مجموعة تصويت أخرى: الاقتصاد والرعاية الصحية والتعليم. وأضاف: "أعتقد أن إسرائيل قد تكون على رأس الأولويات بعض الشيء".

وكان ترامب قد صرّح في برنامج تلفزيوني قبل أشهر أن "أي شخص يهودي يصوّت لبايدن هو لا يحب إسرائيل". وأشار في مناظرته مع بايدن قبل أسبوعين إلى أنه لا يدعم إسرائيل كفاية واصفًا إياه بـ"الفلسطيني السيء".

مع ذلك، فإن الكثير من اليهود المؤيدين للديمقراطيين يخشون عودة ترامب إلى سدة الرئاسة. وقالت كيب داوسون، وهي ناشطة يهودية ديمقراطية في مجال الحقوق المدنية، إنها ستشعر بالرعب من إعادة انتخاب ترامب وأعربت عن أملها في أن يتمكن الديمقراطيون من إعادة الديمقراطيين المتشككين إلى تأييد بايدن هذا الخريف.

ووفقًا للعديد من استطلاعات الرأي والمنظمات اليهودية، فقد حصل ترامب عام 2020 على ما بين ربع وثلث الأصوات اليهودية. وعلى الرغم من أن اليهود يشكلون فقط 2.4% من السكان البالغين في الولايات المتحدة، إلا أنهم أكثر مشاركة في الاقتراع من عامة السكان المسجلين وأكثر رغبة في تقديم تبرعات سياسية للمرشحين.

ويتوقع بعض الخبراء اليهود أن التصويت اليهودي في الولايات المتأرجحة سيكون هو العامل الحاسم في الانتخابات؛ إذ يميل الجمهوريون إلى استخلاص معظم قوتهم اليهودية من الأرثوذكس المتدينين، وهم يمثلون المجتمع اليهودي الأسرع نموًا، ولكنه لا يزال أصغر مجتمع بين التيارات الثلاثة الكبرى. ومعظم اليهود الأرثوذكس يدعمون إسرائيل بقوة، بينما يميل أغلبية اليهود المحافظين والإصلاحيين إلى التصويت لصالح الديمقراطيين، وهم أكثر انفتاحًا بشأن حل الدولتين الذي من شأنه أن يخلق دولة فلسطين ذات سيادة.

ويرى بعض الناشطين اليهود أنه للحفاظ على الدعم اليهودي، تحتاج حملة بايدن إلى "الاستمرار في الوقوف بقوة مع إسرائيل، ضد معاداة السامية وخلف الجالية اليهودية الأمريكية.

والسؤال هنا: هل ستكون لإسرائيل أهمية في انتخابات 2024؟

يذهب بعض الخبراء إلى أن معضلة بايدن مع الناخبين اليهود قد تنبع من أحد طرفي الاستقطاب بشأن إسرائيل أو كليهما. فالجمهور المؤيد لإسرائيل، الذي يصوت تقليديًا للديمقراطيين، يشعر بالإحباط بسبب انتقادات إدارة بايدن لإسرائيل والخلاف حول نقل الأسلحة الأمريكية إلى الكيان. ويشعر اليهود ذوو الميول اليسارية بخيبة أمل بسبب طريقة دعم بايدن المطلق للعدوان على الشعب الفلسطيني.

لذلك، من المحتمل أن يؤثر هذا الانقسام على النتائج في الولايات الحاسمة التي تمثل ساحة معركة. ويقدر الناخبون اليهود بما بين 1% إلى 3% من الناخبين في ولايات بنسلفانيا وميشيغان وأريزونا وجورجيا ونيفادا وويسكونسن؛ وهي الولايات التي فاز فيها بايدن في عام 2020 بأقل من 3%.

وتشير استطلاعات الرأي الأخيرة إلى أنه في حين أن الأمريكيين اليهود لا ينظرون إلى إسرائيل على أنها أولوية أعلى من حقوق الإجهاض والكفاح من أجل الحفاظ على الديمقراطية الأمريكية، إلا أنهم يراقبون بايدن عن كثب فيما يتعلق بتعاملاته مع الكيان.

وأشار استطلاع للرأي أجرته الأغلبية الديمقراطية من أجل إسرائيل في ديسمبر الماضي إلى أن 44% من اليهود كانوا أكثر رغبة للتصويت لصالح بايدن بسبب دعمه العلني القوي للكيان.

وقال النائب السابق مارتن فروست، وهو ديمقراطي من تكساس ويرأس المعهد الانتخابي اليهودي، إن هناك جانبًا مشرقًا لبايدن في استطلاعات الرأي الأخيرة هو أنه لا يزال اليهود الأمريكيون ملتزمين إلى حد كبير بهذه الإدارة وبالحزب الديمقراطي.

وتستعد حملات الحزبين الجمهوري والديمقراطي لما يمكن أن يكون أكبر استثمار على الإطلاق لجذب الأصوات اليهودية في الانتخابات الرئاسية.

ويرى الناشطون اليهود أن تعامل بايدن مع الحرب على قطاع غزة هو نقطة الاشتعال الرئيسية في هذا الاستقطاب. فبايدن كان في البداية أكثر انحيازًا لإسرائيل، ولكن مع ارتفاع عدد الضحايا المدنيين في قطاع غزة وتكثيف ردود الفعل اليسارية في الداخل ضد هذه الجرائم، زاد بايدن من حدة انتقاداته للقيادة الإسرائيلية، وضغط من أجل زيادة المساعدات الإنسانية للفلسطينيين وتكثيف الجهود للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار. ومع ذلك، لم يذهب بايدن إلى الحد الذي يريده منتقدوه ممن يقفون على يساره في الحزب الديمقراطي.

وقال مارك ميلمان "رئيس الأغلبية الديمقراطية من أجل إسرائيل"، إن الناخبين اليهود "يقدرون بشكل غير عادي الدعم الذي قدمه الرئيس بايدن والقادة الديمقراطيون لإسرائيل على مدار هذا الصراع. أسمع من بعض الناس أن هذا بدأ يتغير حيث يرى الناس بعض التغيير في مواقف هؤلاء القادة الديمقراطيين .. لكن كان بايدن استثنائيًا".

إذن.. بايدن في وضع حرج؛ فهو مهما فعل لا يُرضي حكومة إسرائيل واللوبي المؤيِّد لها في أمريكا والذي يؤثر على بعض الناخبين اليهود، وهو إذ يعمل على إرضائهم عبر الدعم المطلق للعدوان الإسرائيلي على غزة، يحاول أيضًا عدم إغضاب الناخبين من الديمقراطيين التقدميين والعرب والمسلمين المؤيدين للشعب الفلسطيني من خلال حديثه عن سعيه لوقف إطلاق نار ودعوته لإدخال المزيد من المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة. لكن الكل يعلم أنه لا يضغط كفاية على حكومة نتنياهو لتحقيق ذلك، بل يتماهى معها ويبرر سياساتها وعدوناها ويحمل مسؤولية فشل اتفاق وقف إطلاق النار لحركة حماس، ويدافع عن الكيان في مجلس الأمن وأمام محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية، إضافة إلى استمرار إدارته في تزويد جيش الاحتلال بأحدث الأسلحة الأمريكية وأكثرها دمارًا، من مقاتلات إف-35 إلى الصواريخ الذكية والقنابل الثقيلة، وإنْ حاول تأخير بعض شحنات القنابل ذات الألفي رطل للضغط على نتنياهو للقبول بصفقة إطلاق النار وتبادل الأسرى.

** رئيس مركز الدراسات الآسيوية والصينية - لبنان

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

خطة روبيو لإعادة هيكلة الخارجية الأمريكية

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

في خطوة تعكس تحوّلاً جذرياً في فلسفة السياسة الخارجية الأمريكية، أعلن وزير الخارجية ماركو روبيو عن خطة شاملة لإعادة هيكلة وزارة الخارجية، وُصفت بأنها الأكثر طموحاً منذ عقود. 

هذه المبادرة تأتي في سياق جهود إدارة ترامب الثانية لإعادة رسم معالم المؤسسات الفيدرالية، متسلحة بشعار "أمريكا أولاً"، وبتوجه نحو تقليص النفقات، وخفض التوظيف، ومواجهة ما تعتبره النخبة الجمهورية "أيديولوجيات متطرفة" داخل مؤسسات الحكم.
الخطة، التي كشفت تفاصيلها صحيفة واشنطن بوست استناداً إلى وثائق داخلية، لا تكتفي بإصلاحات إدارية بل تمس جوهر دور الولايات المتحدة في العالم. فهي تطال برامج حساسة مثل حقوق الإنسان، والتحقيق في جرائم الحرب، وتعزيز الديمقراطية، وكلها ركائز طالما مثّلت وجه أميركا الأخلاقي والقيَمي في الساحة الدولية.
ورغم أن الخطة لا تنص صراحة على عمليات تسريح جماعي، إلا أنها تدعو إلى خفض عدد العاملين داخل الولايات المتحدة بنسبة 15%، في خطوة قد تعني عملياً فقدان مئات الوظائف، وربما آلاف أخرى لاحقاً، خصوصاً في ظل حديث بعض المسؤولين عن "تقليص أوسع نطاقاً" قد يطال ما يصل إلى عشرات الآلاف من موظفي الوزارة حول العالم.

سياق سياسي وطني ودولي

تأتي هذه التغييرات في لحظة مفصلية من عمر الدولة العميقة في واشنطن، حيث تُحاول إدارة ترامب – مدعومة بشخصيات مثل روبيو – تفكيك ما تعتبره شبكة من البيروقراطية غير الخاضعة للمساءلة، والتي كثيراً ما تصادمت مع أجندة الرئيس الجمهوري خلال ولايته الأولى. 

وقد لعبت الخارجية دوراً محورياً في ملفات شائكة، بينها التحقيقات في عزل ترامب، مما عزز لدى البيت الأبيض قناعة بضرورة "تطهير" الوزارة.
لكن ما يُثير القلق لدى العديد من المراقبين هو أن الخطة لا تأتي بناءً على مشاورات موسعة مع الكونغرس، بل تُطرح كأمر واقع، ما دفع بشخصيات ديمقراطية بارزة إلى إطلاق تحذيرات من "تآكل الدبلوماسية الأميركية"، وتراجع قدرة واشنطن على قيادة العالم أو حتى الحفاظ على مصالحها الحيوية.

بين الرفض الديمقراطي والترحيب الجمهوري


الديمقراطيون، من أمثال جريجوري ميكس وبراين شاتز، يرون في هذه الخطوة محاولة لإضعاف دور الخارجية التاريخي، بل ومخاطرة بتفكيك أدوات التأثير الأمريكي في العالم.

 أما الجمهوريون، وعلى رأسهم براين ماست، فيرون في الخطوة ضرورة حتمية لتحديث مؤسسة ظلت لعقود أسيرة البيروقراطية والتضخم الهيكلي.
ورغم محاولات روبيو طمأنة الداخل الأمريكي بأن الخطة مدروسة، فإن الوثائق المسرّبة – ومنها تقارير عن إلغاء محتمل لمكاتب مهمة مثل مكتب الشؤون الإفريقية – أشعلت مخاوف عميقة بين الدبلوماسيين الحاليين والسابقين، لا سيما في ظل ما يعتبره البعض نهجاً غير شفاف في التخطيط والتنفيذ.

مقالات مشابهة

  • خطة روبيو لإعادة هيكلة الخارجية الأمريكية
  • بن غفير يصل الولايات المتحدة بعد مقاطعة إدارة بايدن له
  • إسرائيل ترحب بالغارات الأمريكية في اليمن وتدعو لنهج أكثر حزما ضد الحوثيين
  • المستشار شادي رياض يستعرض تحديث قاعدة بيانات الناخبين وآلية عملها
  • هآرتس: التعليم العالي الأميركي يدمر باسم اليهود
  • رومانيا تواجه اختبارا حاسما للديمقراطية من خلال الانتخابات الرئاسية الشهر المقبل
  • بايدن : البابا فرانسيس أحد أهم القادة في عصرنا
  • الصندوق القومي اليهودي.. هيئة استيطانية في ثوب جمعية خيرية
  • اليهودية ليست دين بل مؤامرة على الإنسانية
  • الفرار من الدولار قد يقوِّض الموازنة الأمريكية