شبكة انباء العراق:
2024-12-25@13:12:18 GMT

ثورة ( عشر جنود ) والقائد عريف !!

تاريخ النشر: 3rd, July 2024 GMT

بقلم : فالح حسون الدراجي ..

مرةً سألني أحد الأصدقاء قائلاً: لماذا يتدافع الشيوعيون نحو موتهم بهذه الطريقة العجيبة وكأنهم خلُقوا ليموتوا (شهداء) فقط ؟!

لم اجبه أول الأمر، فقد احتجت لبرهة من الوقت، لأستوعب قسوة هذا السؤال أولاً، ولأسيطر أيضاً على أعصابي وأبدو هادئاً أمام هذا السؤال المستفز والغريب ..!

قلت له: بالعكس، إن الشيوعيين معروفون بحبهم الشديد للحياة، والفرح والجمال، والفن .

.

قال: إذا كانوا هكذا فعلاً، فلماذا يقدمون على أبواب الإستشهاد بهذه الحماسة.. حتى يقال إن عدد شهداء وشهيدات الحزب الشيوعي يفوق مجموع شهداء الأحزاب والقوى الوطنية العراقية؟

قلت له: كلامك صحيح تماما، والشيوعيون يعشقون الشهادة حين يكون (الموت) سبباً وحيداً لحرية الوطن، وسعادة الشعب ..

قاطعني صديقي قائلاً: ولكنّ ثمة حلولاً أخرى غير الموت.. فمثلاً، الم يكن بإمكان فهد ورفيقيه، أو حتى سلام عادل وجمال الحيدري وستار خضير وأبو العيس وحسن عوينه وغيرهم ان يخرجوا من الحلبة دون أن يفقدوا حياتهم ؟

قلت له: كيف يخرجون من (الحلبة) أحياءً، إذا كان (خروجهم ) يؤدي إلى موت مئات الرفاق الذين اؤتُمنوا على حياتهم..؟ واكملت قائلاً: نعم، فقد كان بإمكان سلام عادل أن ينفذ بحياته ويغادر المعتقل الفاشي حياً لو قدم للبعثيين القتلة ما طلبوه من أسماء رفاقه المناضلين في الخط العسكري (السري)، لاسيما وأن قادة الانقلاب قد وضعوا حياته مقابل قائمة الأسماء تلك، فكان من الطبيعي أن يقرر سلام عادل (الموت) من أجل أن يعيش رفاقه الآخرون.

والشيء نفسه حدث مع الحيدري وابو العيس وعوينة وغيرهم من قادة النضال الشيوعي الأبطال.

لقد فضلوا (موتهم) على (حياتهم) فمنحوا بذلك الحياة لرفاقهم الطلقاء، والفخر لحزبهم وعوائلهم.

واكملت حديثي: وهنا أذكر أني قابلت شخصين قبل فترة قصيرة، أحدهما احتضنني وقبلني من جبيني وهو يقول لي: هذه قبلة الشكر والامتنان لشقيقك الشهيد خيون حسون الدراجي، الذي كان مسؤولي في الحزب، وحين اعتُقل لم يعترف علينا جميعاً رغم التعذيب الوحشي الذي تعرض له، فأُعدم هو وعشنا نحن.. اما الشخص الثاني- وأتمنى أن يقرأ هذه المقالة- فقد قال لي: حين اعتقلت في مطلع تموز عام 1980 كان شقيقك خيون قبلي في المعتقل، ولما رآني- وقد كنت صغيراً – احتضنني، وقال لي – رغم أنه لا يعرفني- : اسمع يا رفيقي، لو صمدت في التحقيق ولن تعترف، فستحمي حياتك وحياة رفاقك معك

، أما إذا اعترفت فستفقد حياتك انت، وحياة رفاقك ايضاً..لذلك عليك الصمود حتى الموت ليحيا ويعيش رفاقك البعيدون..

قاطعني صديقي قائلاً: إذا كان فهد، وسلام والعبلي، وشقيقك خيون وغيرهم من الشيوعيين، معذورين في استشهادهم، فهل ستعذر العريف (حسن سريع) الذي غامر وقام بعملية غير محسوبة، هي أشبه بعملية انتحارية، قدم فيها السريع حياته مجاناً للإنقلابيين – وهو يعلم مسبقاً – أن حركته لن تنجح مطلقاً، بسبب عدم التكافؤ الشامل بينه وبين سلطة البعث ؟!
أجبته بضحكة لا إرادية، و قلت له: عجباً عليك، كيف تصف عملاً ثورياً أسطورياً، وحركة بطولية فريدة في التاريخ الثوري- بالعملية الإنتحارية-وكيف تتحدث عن فتى شجاع بل خارق في شجاعته، بمثل هذه النبرة وهذه الطريقة التي لا تتناسب مع رمز عظيم من رموز الوطنية العراقية

رغم أنك تعرف حتماً أن (حسن سريع) قام بحركته العظيمة في الثالث من تموز عام 1963 ليرد بها الاعتبار لحزبه الشيوعي الذي تأثر بشكل كبير بعد انقلاب 8 شباط وجرائم الاعتقالات والاعدامات الدموية التي طالت أغلب أعضاء قيادته وكوادره المتقدمة بل وحتى لجانه القاعدية، ويرفع من معنويات الجماهير الشعبية التي تدنت بعد إعدام الزعيم، وفي الوقت ذاته، فقد أعاد (حسن سريع) الاعتبار والفخر للشعب العراقي الذي تعرضت طبقاته الشعبية للأذى الشديد بسبب عشقها وولائها للزعيم عبد الكريم قاسم، فضلاً عن الإهانة والإذلال التي تعرض لها العراقيون من النساء والرجال على يد البعثيين، والممارسات اللا اخلاقية التي قام بها أفراد الحرس القومي الفاشي بحق حرائر العراق ، لذلك كانت (حركة) حسن سريع بمثابة الرد العراقي والصفعة الجريئة التي وجهها أبناء الفقراء الأطهار للطغمة العفلقية الناصرية الإنگلو أمريكية..

لقد وضع حسن سريع بحركته التي قام بها بعد أقل من خمسة أشهر من انقلاب البعث الدموي، وضع العالم في حيرة وشك، بعد أن أعلن قادة الإنقلاب، ومعهم السفير الأمريكي عبر إذاعة صوت العرب من القاهرة، وإذاعة الكويت، عن سحق الحزب الشيوعي العراقي، وتدميره تدميراً تاماً، بينما يقوم الجنود الشيوعيون في الوقت ذاته بحركة مسلحة مباغتة وسريعة، يعتقلون فيها نصف حكومة الانقلاب، وثلاثة ارباع قيادة حزب البعث والحرس القومي.. وينجحون بإحراج حماة الانقلاب البعثي في الداخل والخارج، فماذا يحصل في بغداد بالضبط؟

لقد أعادت ثورة (حسن سريع) العالم إلى رشده، وأفاقت العراقيين الذين أدار انقلاب شباط للأسف رؤوسهم، كما عجّل كثيراً بانشقاق البعثيين بل وبانقلابهم على بعضهم، ومن ثم سقوط سلطتهم بعد ثلاثة أشهر لا أكثر.. فضلاً عن الدرس العظيم الذي قدمته هذه الحركة بقائدها (العريف) حسن سريع وجنودها العشرة البواسل، والعبرة البليغة التي أفرزتها بما حققته من مكاسب مهمة، أو حتى بما وقعت به من أخطاء، حيث كان بالامكان تجاوزها وعدم الوقوع فيها، ومن بينها العجالة وعدم التنسيق مع قيادة الحزب الشيوعي، ومعتقلي سجن رقم واحد، ذلك المعتقل الذي ضم وقتها خيرة الطيارين والضباط الشيوعيين الافذاذ.

وكم كان حسن سريع عظيماً حين طلب منه رفاقه الجنود الثوار إعدام الأسرى الذين وقعوا في يد الحركة من قيادة البعث، وقادة معسكر الرشيد القوميين، والقيادة الكاملة للحرس القومي، ووزير الداخلية ووزير خارجية البعثيين وغيرهم، لكن (القائد) حسن سريع قال لهم بضرس قاطع: نحن شيوعيون لدينا مبادئ وقيم واخلاق، ولسنا بعثيين قتلة لنقوم باعدام المتهمين بلا محاكمات !!

لقد ضرب (العريف) حسن سريع مثلاً عظيماً في السيطرة على الغرائز الانتقامية، والحفاظ على القيم الشيوعية والمثل الإنسانية السامية رغم صعوبة الموقف وخطورته.. واذا كانت حركة حسن سريع قد فشلت في تحقيق هدفها المادي باسقاط سلطة شباط الأسود، إلا أنها نجحت اخلاقياً وثورياً ومعنوياً وتربوياً، فاصبحت بحق أنموذجاً للشجاعة والبسالة، وبات قائدها مفخرة للعراقيين بشكل عام والشيوعيين بشكل خاص..

في الختام، أود أن أستذكر اللحظات الوجدانية التي سجل فيها فنان الشعب فؤاد سالم أغنية حسن السريع ضمن البوم أغاني الشهداء الذي ضم عشر اغنيات والتي كتبتُها له وسجلها عام 2000، إذ انهمرت دموعه أثناء تسجيل ذلك الألبوم مرتين، مرة عندما سجل أغنية سلام عادل، والثانية عند أغنية حسن السريع.. فقد طلب من المخرج ايقاف التسجيل ليقول لي: نعم هي فعلاً ثورة عشر جنود والقائد عريف، فأي ثورة عظيمة هذه.. وأي تصوير عظيم صورتها يا أبا حسون !!

فالح حسون الدراجي

المصدر: شبكة انباء العراق

كلمات دلالية: احتجاجات الانتخابات البرلمانية الجيش الروسي الصدر الكرملين اوكرانيا ايران تشرين تشكيل الحكومة تظاهرات ايران رئيس الوزراء المكلف روسيا غضب الشارع مصطفى الكاظمي مظاهرات وقفات سلام عادل قلت له

إقرأ أيضاً:

من أهداف حرب السودان … قتل ثورته

د. الشفيع خضر سعيد

رغم الظرف الخاص غير المواتي، نتناول سؤالا صعبا آخرا وهو: كيف نحافظ على جذوة الثورة متقدة رغم الحرب، ورغم أن الغدر والخيانة لازما الثورة منذ لحظة الإطاحة برأس نظام الإنقاذ في أبريل/نيسان 2019؟
فمنذ تلك اللحظة، ظل ساعد الغدر ومخلب الخيانة يشتدان ويقويان وهما يتغذيان على حقيقة أن انتصار الثورة ظل جزئيا وغير مكتمل عندما توقف عند الإطاحة بالغطاء السياسي للنظام السابق، نظام تحالف الاستبداد والفساد، دون أن يمس جسده الذي ظل باقيا ينخر في عظام الثورة وينسج خيوط غطاء سياسي بديل، لينقض ويحكم من جديد بقوة الدم المسفوح. وكنا دائما على يقين تام بأن جسد نظام الإنقاذ الفاسد سيفعل كل شيء من أجل استرداد سلطته وغطائه السياسي حتى وإن دفع بالبلاد إلى المحرقة وشلالات الدماء وأوسعها تفتيتا وتقسيما. فمن الصعب على ذلك الجسد الفاسد أن يفرط في الثروات الضخمة التي راكمها خلال عقود الإنقاذ الثلاثة. وهي ثروات لم تُجنى بكدح عرق الجبين أو بتدوير رأسمال متوارث، وإنما باستغلال يد السلطة في نهب موارد البلاد وسرقة أحلام مستقبل شبابها. وهذه الثروات التي لم تُمس بعد الإطاحة بالبشير، جرى استخدامها في التحضير الجدي للانقضاض على الثورة، بالاستفادة من حقيقة أن الجرائم البشعة التي ارتكبت خلال حكم الإنقاذ ثم إبان حراك الثورة، ظلت دون مساءلة أو عقاب بينما مرتكبوها لا يزالون في مواقع السلطة، ومن حقيقة وجود قوة مسلحة ضمن هياكل السلطة الجديدة تدين بالولاء لتحالف الفساد والاستبداد ولا تعنيها الثورة في شيء، وعقيدتها القتالية الانتقام من الشعب ومن ثورته، ومن حقيقة اشتداد حدة استقطابات المحاور الخارجية وحربها بالوكالة على أرض السودان، حيث واصل بعضها تمتين علاقاته مع مجموعات واسعة تتشارك الرؤى وعموميات الفكرة، بهدف خلق غطاء سياسي جديد يعمل على الاستفادة القصوى من جسد تحالف الفساد والاستبداد الذي لا يزال متمكنا في مفاصل الدولة، تمهيدا للانقضاض على الثورة، بينما على الجانب الآخر اجتهدت محاور مضادة للانتصار لمصالحها، معلنة انحيازها للثورة، لكنها استخدمت تكتيكات أضرت كثيرا بالثورة. ومنذ أيامها الأولى، جرت عدة محاولات للانقضاض على الثورة منها مذبحة فض الاعتصام يونيو/حزيران 2019، انقلاب 25 أكتوبر/تشرين الأول 2021، ولكن أكبرها وأشدها إثما وجرما الحرب المدمرة والمندلعة منذ 15 أبريل/نيسان 2023.

في 2018 و 2019، خرج شباب السودان إلى ساحات التغيير حتى لا يرهنوا حاضرهم ومستقبلهم لخيارات الاستكانة أو البحث عن المنافي أو ضياع المخدرات، معلنين أن ثورتهم ليست مجرد انتفاضة جياع، ولا ترتبط بأهداف سياسية بحتة وآنية وليست انتصارا لهذا الحزب أو ذاك القائد، وليست تعصبا لهذه الأيديولوجية أو تلك الفكرة، وقطعا ليست طمعا في كراسي الحكم أو وظيفة ما، رغم أن جلّهم بدون عمل أو وظيفة. كان الصوت المجلجل أنها ثورة جيل بأكمله، هبّ ليحطم جدارا شيدته الإنقاذ يسد أمامهم الأفق والأمل في المستقبل. كانوا يدركون أن من الصعب تحقيق أهداف الثورة الرئيسية بضربة لازب، وإنما الأمر سيتطلب فترة، قد تكون طويلة نسبيا، وربما سنحتاج إلى ثورات فرعية أخرى حتى تتحقق الأهداف. وهذا ليس أمرا غريبا، فثورة السودان، مثلها مثل كل الثورات الأخرى في التاريخ، قد تحتاج للمرور بعدة مراحل قبل أن تكشف عن كل إمكانياتها وتتبلور في نهاية الأمر بوصفها تكويناً جديداً جذرياً. وفي الحقيقة، فإن ثورة السودان دشنت مرورها بهذه المراحل بدءا بثورة أكتوبر/تشرين الأول 1964، ثم انتفاضة أبريل/نيسان 1985، فاندلاع ثورة ديسمبر/كانون الأول 2019. صحيح، أن استقرار وتحقيق أهداف تلك الثورات الأخرى في التاريخ، تطلب فترات طويلة جدا، مثلما كان الأمر في فرنسا بعد اندلاع ثورتها العظمى 1789، وبريطانيا في اعقاب ثورة كرومل 1649، وألمانيا بعد ثورة 1818. بل، ومثلما هو الأمر في السودان نفسه من حيث طول الفترة بين ثورتي أكتوبر/تشرين الأول 1964م، وثوره ديسمبر/كانون الأول 2018، والتي بلغت 54 عاما. لكن، تلك الثورات، بما فيها ثورات السودان، كانت في ظروف مغايرة تختلف كليا عن واقع اليوم، من حيث قلة إو انعدام التجارب السابقة بالنسبة لتلك الثورات، ومن حيث المهارات والقدرات المكتسبة عند قوى الثورة اليوم مقارنة بقوى الأمس، ومن حيث دور الثورة الرقمية والتكنولوجية الحديثة في تفجير الثورات وتقصير الفترات بين مراحلها، ومن حيث آثار العولمة ودور الظروف الإقليمية والدولية في عالم جديد…الخ. كل ذلك سيقلل، إلى حد كبير، طول الفترة بين المراحل المختلفة للثورة، شريطة العمل بشتى الوسائل، ودون كلل أو ملل، على أن تستمر جذوة الثورة متقدة، لا تهمد أبدا، وتتغذى يوميا بالوقود الكاف المتمثل في تسخير إمكانات وإبدعات الشباب في اجتراح الوسائل والأدوات المتجددة يوميا، والحذر من الفخاخ المنصوبة تجاه الثورة لكي تنطفئ شعلتها أو تضعف شحنتها أو تبرد نارها. ولعل أكبر الفخاخ المنصوبة اليوم لابتلاع ثورة ديسمبر/كانون الأول 2018 هو هذه الحرب الآثمة.
في الذكرى السادسة لثورة السودان نقول، لا شيء يهزم الغدر والخيانة، غير إرادة جماهيرية قوية تتلمس طريقها عبر حراك متماسك تنتظم فيه القوى المدنية والسياسية قيادة وقواعد، بعيدا عن توافه الأمور ومناصبة العداء مع رفاق الخندق الواحد، حراك يخطط ويعبئ وينفذ وفق رؤية متوافق عليها، وننشط خلاله ذاكرتنا المتصلة ونقويها، حتى لا تترك شاردة ولا واردة إلا وتضعها في الحسبان، من أجل التركيز على أولوية الأولويات، وقف الحرب والتي نعلم جميعا أن على رأس أهدافها تدجين الشارع وإصابة حراكه بالشلل، تمهيدا لحرق ثورة ديسمبر/كانون الأول 2018، وعودة تحالف الفساد والاستبداد مرة أخرى إلى سدة الحكم، إما عبر عصابات الموت وكتم أنفاس الشعب، أو عبر عملية سياسية يتم التلاعب بها وبأطرافها.

نقلا عن القدس العربي  

مقالات مشابهة

  • إعلام إسرائيلي: صور وفيديوهات الجنود التي توثق الانتهاكات بغزة تهدد باعتقالهم
  • قفزت من السيارة.. اعترافات المتهم بمضايقة سيدة على طريق سريع
  • الشاهد جيل ثورة ديسمبر الذي هزم انقلاب 25 أكتوبر 2021 بلا انحناء
  • من أهداف حرب السودان … قتل ثورته
  • أزهري محمد على في حديث شاعري عن ثورة ديسمبر
  • مبادرة الحزب الشيوعي خطوة كبيرة في الاتجاه الصحيح
  • ملاحظات نقدية حول مبادرة الشيوعي لوقف الحرب
  • العميد سريع :بيان هام للقوات المسلحة اليمنية
  • العميد سريع يكشف بعد قليل عن عملية عسكرية نوعية
  • بتدخل طبي سريع.. مستشفى حراء ينقذ حياة طفل بعد حادثة غرق