ثورة ( عشر جنود ) والقائد عريف !!
تاريخ النشر: 3rd, July 2024 GMT
بقلم : فالح حسون الدراجي ..
مرةً سألني أحد الأصدقاء قائلاً: لماذا يتدافع الشيوعيون نحو موتهم بهذه الطريقة العجيبة وكأنهم خلُقوا ليموتوا (شهداء) فقط ؟!
لم اجبه أول الأمر، فقد احتجت لبرهة من الوقت، لأستوعب قسوة هذا السؤال أولاً، ولأسيطر أيضاً على أعصابي وأبدو هادئاً أمام هذا السؤال المستفز والغريب ..!
قلت له: بالعكس، إن الشيوعيين معروفون بحبهم الشديد للحياة، والفرح والجمال، والفن .
قال: إذا كانوا هكذا فعلاً، فلماذا يقدمون على أبواب الإستشهاد بهذه الحماسة.. حتى يقال إن عدد شهداء وشهيدات الحزب الشيوعي يفوق مجموع شهداء الأحزاب والقوى الوطنية العراقية؟
قلت له: كلامك صحيح تماما، والشيوعيون يعشقون الشهادة حين يكون (الموت) سبباً وحيداً لحرية الوطن، وسعادة الشعب ..
قاطعني صديقي قائلاً: ولكنّ ثمة حلولاً أخرى غير الموت.. فمثلاً، الم يكن بإمكان فهد ورفيقيه، أو حتى سلام عادل وجمال الحيدري وستار خضير وأبو العيس وحسن عوينه وغيرهم ان يخرجوا من الحلبة دون أن يفقدوا حياتهم ؟
قلت له: كيف يخرجون من (الحلبة) أحياءً، إذا كان (خروجهم ) يؤدي إلى موت مئات الرفاق الذين اؤتُمنوا على حياتهم..؟ واكملت قائلاً: نعم، فقد كان بإمكان سلام عادل أن ينفذ بحياته ويغادر المعتقل الفاشي حياً لو قدم للبعثيين القتلة ما طلبوه من أسماء رفاقه المناضلين في الخط العسكري (السري)، لاسيما وأن قادة الانقلاب قد وضعوا حياته مقابل قائمة الأسماء تلك، فكان من الطبيعي أن يقرر سلام عادل (الموت) من أجل أن يعيش رفاقه الآخرون.
والشيء نفسه حدث مع الحيدري وابو العيس وعوينة وغيرهم من قادة النضال الشيوعي الأبطال.
لقد فضلوا (موتهم) على (حياتهم) فمنحوا بذلك الحياة لرفاقهم الطلقاء، والفخر لحزبهم وعوائلهم.
واكملت حديثي: وهنا أذكر أني قابلت شخصين قبل فترة قصيرة، أحدهما احتضنني وقبلني من جبيني وهو يقول لي: هذه قبلة الشكر والامتنان لشقيقك الشهيد خيون حسون الدراجي، الذي كان مسؤولي في الحزب، وحين اعتُقل لم يعترف علينا جميعاً رغم التعذيب الوحشي الذي تعرض له، فأُعدم هو وعشنا نحن.. اما الشخص الثاني- وأتمنى أن يقرأ هذه المقالة- فقد قال لي: حين اعتقلت في مطلع تموز عام 1980 كان شقيقك خيون قبلي في المعتقل، ولما رآني- وقد كنت صغيراً – احتضنني، وقال لي – رغم أنه لا يعرفني- : اسمع يا رفيقي، لو صمدت في التحقيق ولن تعترف، فستحمي حياتك وحياة رفاقك معك
، أما إذا اعترفت فستفقد حياتك انت، وحياة رفاقك ايضاً..لذلك عليك الصمود حتى الموت ليحيا ويعيش رفاقك البعيدون..
قاطعني صديقي قائلاً: إذا كان فهد، وسلام والعبلي، وشقيقك خيون وغيرهم من الشيوعيين، معذورين في استشهادهم، فهل ستعذر العريف (حسن سريع) الذي غامر وقام بعملية غير محسوبة، هي أشبه بعملية انتحارية، قدم فيها السريع حياته مجاناً للإنقلابيين – وهو يعلم مسبقاً – أن حركته لن تنجح مطلقاً، بسبب عدم التكافؤ الشامل بينه وبين سلطة البعث ؟!
أجبته بضحكة لا إرادية، و قلت له: عجباً عليك، كيف تصف عملاً ثورياً أسطورياً، وحركة بطولية فريدة في التاريخ الثوري- بالعملية الإنتحارية-وكيف تتحدث عن فتى شجاع بل خارق في شجاعته، بمثل هذه النبرة وهذه الطريقة التي لا تتناسب مع رمز عظيم من رموز الوطنية العراقية
لقد وضع حسن سريع بحركته التي قام بها بعد أقل من خمسة أشهر من انقلاب البعث الدموي، وضع العالم في حيرة وشك، بعد أن أعلن قادة الإنقلاب، ومعهم السفير الأمريكي عبر إذاعة صوت العرب من القاهرة، وإذاعة الكويت، عن سحق الحزب الشيوعي العراقي، وتدميره تدميراً تاماً، بينما يقوم الجنود الشيوعيون في الوقت ذاته بحركة مسلحة مباغتة وسريعة، يعتقلون فيها نصف حكومة الانقلاب، وثلاثة ارباع قيادة حزب البعث والحرس القومي.. وينجحون بإحراج حماة الانقلاب البعثي في الداخل والخارج، فماذا يحصل في بغداد بالضبط؟
لقد أعادت ثورة (حسن سريع) العالم إلى رشده، وأفاقت العراقيين الذين أدار انقلاب شباط للأسف رؤوسهم، كما عجّل كثيراً بانشقاق البعثيين بل وبانقلابهم على بعضهم، ومن ثم سقوط سلطتهم بعد ثلاثة أشهر لا أكثر.. فضلاً عن الدرس العظيم الذي قدمته هذه الحركة بقائدها (العريف) حسن سريع وجنودها العشرة البواسل، والعبرة البليغة التي أفرزتها بما حققته من مكاسب مهمة، أو حتى بما وقعت به من أخطاء، حيث كان بالامكان تجاوزها وعدم الوقوع فيها، ومن بينها العجالة وعدم التنسيق مع قيادة الحزب الشيوعي، ومعتقلي سجن رقم واحد، ذلك المعتقل الذي ضم وقتها خيرة الطيارين والضباط الشيوعيين الافذاذ.
وكم كان حسن سريع عظيماً حين طلب منه رفاقه الجنود الثوار إعدام الأسرى الذين وقعوا في يد الحركة من قيادة البعث، وقادة معسكر الرشيد القوميين، والقيادة الكاملة للحرس القومي، ووزير الداخلية ووزير خارجية البعثيين وغيرهم، لكن (القائد) حسن سريع قال لهم بضرس قاطع: نحن شيوعيون لدينا مبادئ وقيم واخلاق، ولسنا بعثيين قتلة لنقوم باعدام المتهمين بلا محاكمات !!
لقد ضرب (العريف) حسن سريع مثلاً عظيماً في السيطرة على الغرائز الانتقامية، والحفاظ على القيم الشيوعية والمثل الإنسانية السامية رغم صعوبة الموقف وخطورته.. واذا كانت حركة حسن سريع قد فشلت في تحقيق هدفها المادي باسقاط سلطة شباط الأسود، إلا أنها نجحت اخلاقياً وثورياً ومعنوياً وتربوياً، فاصبحت بحق أنموذجاً للشجاعة والبسالة، وبات قائدها مفخرة للعراقيين بشكل عام والشيوعيين بشكل خاص..
في الختام، أود أن أستذكر اللحظات الوجدانية التي سجل فيها فنان الشعب فؤاد سالم أغنية حسن السريع ضمن البوم أغاني الشهداء الذي ضم عشر اغنيات والتي كتبتُها له وسجلها عام 2000، إذ انهمرت دموعه أثناء تسجيل ذلك الألبوم مرتين، مرة عندما سجل أغنية سلام عادل، والثانية عند أغنية حسن السريع.. فقد طلب من المخرج ايقاف التسجيل ليقول لي: نعم هي فعلاً ثورة عشر جنود والقائد عريف، فأي ثورة عظيمة هذه.. وأي تصوير عظيم صورتها يا أبا حسون !!
فالح حسون الدراجيالمصدر: شبكة انباء العراق
كلمات دلالية: احتجاجات الانتخابات البرلمانية الجيش الروسي الصدر الكرملين اوكرانيا ايران تشرين تشكيل الحكومة تظاهرات ايران رئيس الوزراء المكلف روسيا غضب الشارع مصطفى الكاظمي مظاهرات وقفات سلام عادل قلت له
إقرأ أيضاً:
المفتاح الذكي لـ«محاربة السرطان».. آلية جديدة تحدث ثورة بالعلاج
كشف باحثون من جامعة كولورادو بولدر عن “آلية جديدة لأدوية تجريبية تستهدف إنزيم CDK7، الذي يُعتبر المنظم الرئيسي الغامض لدورة الخلية”.
وقدمت الدراسة، التي نشرت في مجلة “Science Advances”، “رؤى غير مسبوقة حول كيفية تمكن هذه الأدوية من إيقاف مسارات تكاثر الخلايا السرطانية في غضون دقائق معدودة فقط”.
ووفق الدراسة، “يعمل إنزيم CDK7 كـ”حارس بوابة” للتكاثر الخلوي، حيث ينشط إنزيمات أخرى مثل CDK1 و2 و4 و6 التي تحفز انقسام الخلايا، كما ينظم التعبير الجيني عبر التحكم في عوامل النسخ، ما أدهش الباحثين هو السرعة المدهشة التي تعمل بها الأدوية المثبطة لهذا الإنزيم، إذ تمكنت من تعطيل مجموعة أساسية من عوامل النسخ المسؤولة عن تكاثر الخلايا في غضون 30 دقيقة فقط”. وقد لوحظ “هذا التأثير السريع والشامل في 79 سلسلة خلوية تمثل 27 نوعًا مختلفًا من الأنسجة، ما يشير إلى آلية عالمية لتنظيم التكاثر الخلوي”.
وبحسب الدراسة، “في قلب هذا الاكتشاف المهم، لعب بروتين RB1 المعروف بقمعه للأورام دورًا غير متوقع. عند تثبيط إنزيم CDK7، يعمل هذا البروتين على “إخماد” عوامل النسخ المسببة للتكاثر السرطاني. هذا الكشف يفتح آفاقًا جديدة لاستهداف بروتين RB1، الذي فشلت المحاولات السابقة في التأثير عليه دوائيًا”.
وأضافت، “على الرغم من هذه النتائج الواعدة، تواجه الأدوية المثبطة لـCDK7 تحديات كبيرة، مثل آثارها الجانبية الشديدة وفشلها في القضاء الكامل على الأورام في التجارب السريرية. ولكن الفريق البحثي يرى أملًا في تطوير جيل جديد من العلاجات الأكثر دقة، التي يمكنها تعطيل الوظائف المرضية للإنزيم مع الحفاظ على وظائفه الطبيعية في الخلايا السليمة”.
بدوره، يشرح البروفيسور ديلان تاتجز، قائد الفريق البحثي، “أن المستقبل قد يشهد الانتقال من النهج التقليدي القائم على “التعطيل الشامل” لوظائف الإنزيم إلى نهج أكثر دقة يستهدف فقط المسارات المرضية المسؤولة عن التكاثر السرطاني”. وقال: “بدلاً من استخدام المطرقة الثقيلة لتعطيل جميع وظائف CDK7، يمكننا الآن استهداف فرع محدد من نشاطه الأكثر أهمية للتكاثر الورمي، هذا التوجه الدقيق قد يسهم في تطوير علاجات أكثر فاعلية وأقل سمية، خاصة بالنسبة للسرطانات العدوانية مثل سرطان الثدي الثلاثي السلبي”.
وخلصت الصحيفة إلى أن “هذه الدراسة تمثل نقلة نوعية في فهم البيولوجيا الأساسية للتكاثر الخلوي، بينما تضع الأسس لعصر جديد من علاجات السرطان الذكية”.
وأشار الباحثون إلى “أن الطريق ما يزال طويلاً أمام تحويل هذه الاكتشافات إلى علاجات متاحة للمرضى، حيث يتطلب الأمر مزيدًا من الدراسات والتجارب السريرية الدقيقة”.