عبد الله علي إبراهيم

كان المؤتمر العالمي لمنزلة السودان في افريقيا في شتاء 1968 هو أول تجربة لنا في المعرفة التي تشق لها أكباد الإبل كما تقول العبارة العربية. نظمت الموتمر شعبة أبحاث السودان التابعة لكلية الآداب بجامعة الخرطوم بعد نحو ثلاث سنوات من تأسيسها لقيادة البحث عما كنا نسميه ذاتية السودان، أو هويته في قول المحدثين.

ثم تحولت الشعبة لتصبح معهد الدراسات الأفريقية والآسيوية الحالي في 1974. وكان ذلك تتويجاً لنشاطها البحثي خلال عقد من الزمان ارتادت فيه آفاق عوالم السودان. وأتفق لها أن أفضل تقعيد معرفي بالسودان أن تعرض لثقافاته وتدرسها بالنظر الي عروته الوثقي مع أفريقيا وآسيا.
وقد تدرج بالشعبة الي هذا المرقى البروفسير يوسف فضل حسن الذي ورثها وليداً يحبو من بروفسير ساندرسون. وكان هذا مديرها الأول. وقد أجمل فكرة الشعبة في مقال نشره بعدد باكر من مجلة التاريخ الأفريقي. ثم تعهد يوسف الوليد بالرعاية حتي شب عن الطوق وعم نفعه.
لم يكن المؤتمر هو المؤتمر الأكاديمي الأول الذي ساهمت في الاعداد له بل كان أيضاً المؤتمر الأكاديمي الأول الذي احضره. وقد مسني من جلاله ما بقي معي من احترام جدي للأكاديمية ومناهجها وتشقيقها حتي برجها العاجي المزعوم.
عجبت لمن يشقون أكباد الإبل هؤلاء لإطلاع زملائهم علي الجديد من افكارهم بلا ضوضاء. أذكر توماس هودجكن يخطو فارعاً تحف به نبالة انجلوساكسونية واشتراكية يحدثنا عن المهدية والعيسوية والماركسية. وأذكر روبرت كولنز يحدثنا عن الجنوب وما تاخمه جنوباً في بدلته الأمريكية ذات الخطوط الزرقاء الجاذبة.
وأذكر علي مزروعي جاءنا من جامعة مكارري بيوغندا واقتحم غرفة عمليات المؤتمر في موضع مسجد الجامعة الحالي. وكان يطلب من يدفع لسائق التاكسي لأن مندوبنا قد تأخر عليه في المطار. وكنا ننتظر أن يقدم لنا نفسه على نحو أكثر إثارة. فقد قرأنا ورقته للمؤتمر وأخذتنا مادتها عن هامشية السودان المركبة وعنوانها. وقد كان لي شرف ترجمة العنوان لأغراض الإعلام عن المؤتمر. وما تزال الورقة مما يثير الجدل بعد ثلاثين عاماً من كتابتها. فقد جدد الدكتور بيتر وودورد ذكرها في كلمته لجمعية الدراسات السودانية هنا في عام مضى.
وأذكر المرحوم نتالي أوكولوين، الأكاديمي الحدث بكلية القانون، يحدثنا عن الأعراف في الجنوب. وقد نضج نتالي لاحقاً بكتابات غاية في الذكاء غير أن السياسة والموت عاجلا وعده الأكاديمي الباذخ.
وأذكر سميرنوف السوفيتي، وكان مختصاً في مهدية السودان وقد ترجم كتابه الي العربية رفيقنا محمد ابراهيم نقد الحي ومختفي داك (رحمه الله). وقد ساء سميرنوف قول بعض الناس إن الإدارة الأهلية نظام صالح وجيد. فأقتحمنا أنا وزميلي سيد حريز وهو يقول بإنجليزية عليها غبرة روسية: “نيتف أدمينستريشن، بروقريسيف أور نيت بروقريسيف. أوف كورس نيت بروقريسيف” (هل الادارة الأهلية تقدمية او غير تقدمية؟ لا شك انها غير تقدمية). وظللنا وحريز نذكرها للرفيق كل ما التقينا. وكان هذا غيض من فيض الرجال الذين وفدوا لبيت الحكمة الذي رتبناه عن مكانة السودان في افريقيا.
وقد وطنني هذا الموتمر علي أان الأكاديمية تقوي مدنية وخلق في طلب الحقيقة. ولهذا تغافلت عن كلمة تهوين بالمؤتمر صدرت عن أستاذنا عبدالخالق محجوب الذي حضر الجلسة التي تحدث فيها هودجكن. واللينينية لا تكره شيئاً مثل كراهة الأكاديميين. وتعلمت من يومها أن بعض مما يقوله السكرتير العام غير منزل أو ملزم. وقد عاد الرفيق الوسيم بعد عامين من كلمته الخادشة للأكاديميين ليعرض علي التفرغ ك “أكاديمي ” بالحزب الشيوعي. وقبلت عرضه السخي.
كانت أفريقيتنا تصدر عنا بغير إعلان. فالنمر لا يزأر بنمريته في قول وول شوينكا (من إرشيف ومع ذلك).

صورة المؤرخ الماركسي توماس هودجكن (1910-1980) الذي شق طريقاً باكراً لكتابة التاريخ الأفريقي. وهو من أسرة هودجكن النبيلة التي كان منها روبن هودجكن الذي تولى إدارة مكتب النشر التابع لبخت الرضا في أوله وله أعجاب مؤسس بالتربويين السودانيين. ثم جاءت من بعده ليز هودجكن لتدرس التاريخ بجامعة الخرطوم وفيها سخاء ولطف كثير. وتوماس تزوج من دورثي هودجكن التي نالت جائزة نوبل في العلوم. وماركسيته هي التي من وراء سعي أستاذنا عبد الخالق لحضور ورقته عن الماركسية في أفريقيا.

الوسومعبد الله علي إبراهيم

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

إقرأ أيضاً:

مؤتمر صحفي لبيسيرو للحديث عن مباراة ستيلينبوش

يعقد البرتغالي جوزيه بيسيرو المدير الفني للفريق الأول لكرة القدم بنادي الزمالك مؤتمراً صحفياً في الحادية عشرة صباح غداً الثلاثاء، للحديث عن مباراة ستيلينبوش الجنوب أفريقي في بطولة كأس الكونفدرالية الأفريقية.

ومن المقرر أن يحضر عمر جابر لاعب الفريق المؤتمر الصحفي رفقة المدير الفني للحديث عن المباراة المرتقبة أمام بطل جنوب أفريقيا.

وفي سياق متصل يُعقد الاجتماع الفني للمباراة في الثانية عشرة ظهر الغد، للاتفاق على زي الفريقين، وموعد الوصول إلى ملعب المباراة، بجانب بعض الأمور التنظيمية الخاصة باللقاء.

ويحل الزمالك ضيفاً على ستيلينبوش بطل جنوب أفريقيا في الثالثة عصر يوم الأربعاء المقبل، في ذهاب دور الثمانية لبطولة كأس الكونفدرالية الأفريقية.

مقالات مشابهة

  • كارثة إنسانية غير مسبوقة.. تقرير يرصد الدمار الذي خلفته الحرب في العاصمة السودانية
  • حجز عامل على ذمة التحريات بتهمة مضايقة فتاة أثناء نزولها من ميكروباص
  • مؤتمر صحفي لبيسيرو للحديث عن مباراة ستيلينبوش
  • لطيفة تنعي إيناس النجار «اخر مره شوفتك امبارح وكان عندي أمل»
  • بعثة الأمم المتحدة لتحقيق الاستقرار في جمهورية أفريقيا الوسطى تدين الهجوم الذي استهدف قوة تابعة لها
  • بن حبتور يهنئ عبدالمهدي والمشاركين في مؤتمر فلسطين بعيد الفطر
  • أحمد حسن: جوزيه مدرب عنيد.. وكان المحرك الرئيسي للقرارات داخل الأهلي
  • عزلتهم أم عزلهم !!
  • مؤتمر مشروع بناء السلام في لبنان في دير الانطونية - الحدث
  • السودان يطلب مساعدة السعودية لإعادة تشغيل مطار الخرطوم الدولى