يزيد السلطان

 

في ذلك الركن الجريح من العالم، حيث تختلط رائحة الزهور برائحة الدم، ويختفي ضجيج الحياة تحت صوت الانفجارات، تروي أرض فلسطين قصة مأساة لا تنتهي. أطفال أبرياء، ونساء تحملن أعباء الحياة بصمت، وشيوخ أرهقهم الزمن بصبرهم، يُقتلون بدم بارد على يد محتَل لا يعرف الرحمة. هذه الوجوه التي تغمض عيونها للأبد ليست سوى شهادات حية على قسوة الاحتلال وظلمه.

تلك الجثث الهامدة هي أحلام مقتولة وآمال نُسفت في مهدها.

أجيال تُمحى قبل أن ترى النور، وأمّهات يُخطف منهن فلذات أكبادهن، وشيوخ يُزهق ماضيهم وحاضرهم ومستقبلهم. في فلسطين، الألم ينبض في كل قلب، والوجع يكتب في كل عين، ومع ذلك، لازال العالم يتجاهل صرخاتهم والمتخلفون عن نجدتهم يغطون في سبات عميق، وكأن الإنسانية قد ماتت.

لكن المأساة الأكبر تكمن في الصمت العربي، الذي يرى ولا يسمع، يشاهد ولا يتحرك. الإنسانية تغمض عينيها على أشلاء الأبرياء، وتغض الطرف عن حق يُنتهك كل يوم. الدول التي تدّعي العدل والحرية تتعرض شهادات الأطفال، النساء، والشيوخ للاختبار الحقيقي ومع ذلك تسقط في وحل المصالح السياسية والاقتصادية. صرخات فلسطين تدوي في الفضاء، لكنها ترتطم بجدران الصمت والهروب، وكأنّ العدل قد غادر هذا العالم منذُ زمن، ليبقى الشعب الفلسطيني وحيدًا في وجه الظلم والقهر.

فلسطين، تلك الأرض التي تسكن في قلوب الملايين على مدار العقود، لا تزال ملتقى الصراع والألم، وندوب الجراح المفتوحة. إنها الأرض المحتلة، وصرخة المظلومين، وصدى أحزانهم يتردد عبر التاريخ والجغرافيا. مرّ زمن طويل منذ بداية الاحتلال، ومع ذلك، نجد أنفسنا نتساءل: هل نحن لا نسمع ولا نرى فعلًا؟ هل مات الضمير العربي؟ ما الذي يجعلنا نسكت عن جرائم المُحتل؟ لماذا بات العرب نياماً؟

فلسطين: رحلة طويلة من الألم بدأت مأساة الشعب الفلسطيني بفعل الاحتلال والاستيطان منذ أكثر من سبعين عامًا. تعرّض الفلسطينيون للتهجير القسري، والمجازر، والانتهاكات المتكررة لحقوق الإنسان. قرى تمّ محوها من الوجود، منازل تمّت مصادرتها، وأطفال أبرياء دفعوا الثمن ببراءتهم وأحلامهم. كل هذا يحدث أمام أعين العالم أجمع، ومع ذلك يبدو الصمت سيد الموقف.

هل فعلًا مات الضمير العربي؟ الأمر لا يتعلق بغياب الشعور، وإنما بقلة الفعل. إن الشعوب العربية لم تفقد محبتها ودعمها لفلسطين، لكن النظم السياسية والحكومات هي التي تنتهي قوتها في الدفاع عن الحق الفلسطيني. تفضيلات سياسية، وتوازنات دولية، وأجندات مخفية تجبر الدول غالبًا على موقف الصمت أو حتى تجاهل القضية.

كما أن هناك عامل الإلهاء بمشاكل داخلية في العديد من الدول العربية. من أزمات اقتصادية واجتماعية إلى حروب أهلية وتهديدات إرهابية. هذه المشكلات تستنزف طاقات الشعوب وتجعلها غير قادرة على تحمل المزيد من الأعباء، حتى لو كانت تلك الأعباء تخص تضامنًا مع قضية عادلة كهذه.

دور الإعلام في إبقاء الأذهان موجهة نحو قضية فلسطين لا يقل أهمية. ومع ذلك، نجد أن العديد من وسائل الإعلام قد تخلت عن مهامها في تسليط الضوء على الانتهاكات المستمرة في الأرض المحتلة، مفضلة التركيز على قضايا أقل أهمية أو ملائمة للأجندات السياسية الموجهة.

الصمت قد يكون تواطؤًا بحد ذاته. السكوت عن الظلم هو دعم ضمني له، والمجتمعات العربية لا تزال قادرة على أداء دورها من خلال المشاركة في النشاطات الداعمة لفلسطين سواء كان ذلك بالتبرعات أو التظاهر، أو حتى تحويل هذا التضامن إلى ثقافة مجتمعية عبر القصائد والأغاني والمسرحيات والكتابات.

الاستفاقة تبدأ من الإصلاح الذاتي لكل فرد، ومن ثم الانتقال للمجتمع ككل. يجب أن نعرف قضيتنا، أن نفهم تاريخها وجغرافيتها، وأن نعلّم الأجيال القادمة بأن الحق لا يُترك ولا ينسى. كما يجب أن ندعم وسائل الإعلام التي تسلط الضوء على المعاناة الفلسطينية، ونتبنى مقاطعة المنتجات والأنظمة الداعمة للاحتلال.

الضمير العربي  ميت،  خافت. وبدلا من السكوت، يجب أن يصبح صوت فلسطين هو صوتنا جميعًا، نحن كأمة عربية.

إنَّ فلسطين ليست مجرد قضية سياسية؛ بل هي جرح في وجدان كل عربي، صرخة لا يجب أن تنطفئ، وأمل يجب أن يبقى حيًا. إذا أردنا تغيير الواقع، علينا أن نستيقظ من سباتنا، ونرفع أصواتنا، ونجعل من هذه القضية محور اهتمامنا دومًا.

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

محمد بن راشد يكرم أوائل «صناع الأمل» في الوطن العربي اليوم

دبي (الاتحاد)
يكرم صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، اليوم، أوائل صناع الأمل في العالم العربي، خلال الحفل الختامي للنسخة الخامسة من المبادرة الأكبر من نوعها عربياً لتكريم أصحاب البذل والعطاء الذي يجري في «كوكا كولا أرينا» في دبي، حيث ينال الفائز مكافأة مالية بقيمة مليون درهم. وإضافة إلى التغطية الواسعة للحفل الختامي للنسخة الخامسة عبر مختلف وسائل الإعلام المحلية والعربية، ستكون متابعة الحفل متاحة أيضاً على منصات التواصل الاجتماعي لمبادرة «صناع الأمل».
ويقدم الحفل الختامي للنسخة الخامسة التي استقبلت أكثر من 26 ألف طلب ترشيح خلال شهر واحد، الإعلاميان نيشان ديرهاروتيونيان، وأسمهان النقبي.
ويتابع الحضور في «كوكا كولا أرينا»، قبل تتويج صانع الأمل الأول في الوطن العربي، أوبريت غنائياً يشارك فيه مجموعة من أشهر نجوم الغناء العرب وهم: الفنانون حمود الخضر، ووليد الشامي، وبلقيس، وعمر العبد اللات. كما يشارك في الحفل الختامي للنسخة الخامسة، المغني والموسيقي العالمي «رد ون RedOne» الذي يعتبر من أشهر المؤلفين والمنتجين الموسيقيين في العالم.

أخبار ذات صلة «صناع الأمل».. مبادرة إماراتية ملهمة لتكريس ثقافة العطاء عربياً «شرطة دبي» تنظم اليوم الرياضي للمدارس

يستعرض الحفل الختامي قصصاً إنسانية ملهمة لعدد من صناع الأمل في العالم العربي، الذين سخروا جهودهم ومواردهم لخدمة مجتمعاتهم، من خلال تنفيذ مبادرات ومشاريع مبتكرة أسهمت في الارتقاء بحياة الناس، وترسيخ ثقافة البذل والتكافل الاجتماعي، وذلك بحضور عدد كبير من النجوم والفنانين والمثقفين والإعلاميين ومشاهير التواصل الاجتماعي في الوطن العربي، إضافة إلى نخبة من الشخصيات المشهود لها في العمل الخيري والإنساني في دولة الإمارات.
واختارت لجنة تحكيم مبادرة «صناع الأمل»، والتي تضم نخبة من أصحاب التخصصات والكفاءات، المتأهلين إلى المرحلة النهائية استناداً إلى التأثير الإيجابي الذي حققه أصحاب هذه المبادرات في مجتمعاتهم، حيث عملت اللجنة على تقييم كل ترشيح بحسب معايير محددة تشمل موضوع المبادرة والتحديات المرتبطة بها، ودورها في صنع تغيير حقيقي وملموس، وقابليتها للوصول للشريحة المستهدفة.
واستقطبت مبادرة «صناع الأمل» منذ إطلاقها في عام 2017، أكثر من 320 ألف ترشيح، وتهدف المبادرة التي تنضوي تحت مظلة مؤسسة «مبادرات محمد بن راشد آل مكتوم العالمية» إلى تسليط الضوء على صنّاع الأمل في العالم العربي، من النساء والرجال، الذين يكرِّسون وقتهم وجهدهم ومواردهم لخدمة الآخرين ومساعدة الفقراء والمحتاجين وإغاثة المنكوبين والمساهمة في تحسين الحياة من حولهم، والتعريف بمبادرات ومشاريع وبرامج صناع الأمل عبر مختلف وسائل الإعلام التقليدية والرقمية، وعبر منصات الإعلام الجديد، وتعزيز شهرتهم في مجتمعاتهم وفي الوطن العربي.

مقالات مشابهة

  • محمد بن راشد يكرم أوائل «صناع الأمل» في الوطن العربي اليوم
  • كيف ينعكس الصمت على العلاقة الزوجية؟
  • الضمير الإيراني العامري: حكومة الشرع صهيونية أمريكية تركية يجب إسقاطها
  • مصانع العقول: الجامعات التي تغير العالم
  • محمد بن راشد يكرم غداً أوائل صناع الأمل في العالم العربي
  • بعد النجاحات التي حققها.. العربي الأوربي لحقوق الإنسان يتحصل على صفة «مراقب»
  • برلماني: مصر ستظل منبراً للحشد العربي لدعم فلسطين واستعادة حقوقها المشروعة
  • دراسة: كمية المياه التي تفقدها الأنهار الجليدية تعادل ما يستهلكه سكان العالم في 3 عقود
  • مصانع العقول: الجامعات التي تغير العالم (الحلقة 5)
  • مفتي لبنان: الموقف العربي من فلسطين ثابت.. ومؤتمر الحوار الإسلامي يعزز وحدة الأمة