جريدة الرؤية العمانية:
2025-05-01@05:18:58 GMT

"كيف صنع العالم الغرب؟"

تاريخ النشر: 3rd, July 2024 GMT

'كيف صنع العالم الغرب؟'

 

علي الرئيسي

 

توضِّح جوزفين كوين في كتابها الجديد المعنون "كيف صنع العالم الغرب؟"- من  إصدار "راندوم هاوس"- أن الحضارة الغربية كانت دائمًا فكرة سيئة، أو على أية حال فكرة خاطئة؛ إذ إن تقسيم التاريخ إلى مجموعة من الحضارات المتميزة والمكتفية بذاتها هو مسعى مضلل أدى إلى تشويه فهمنا للعالم بشكل خطير، وتؤكد كوين أنه "ليست الشعوب هي التي تصنع التاريخ؛ بل الناس والعلاقات التي تنشآ مع الجوار معًا من ينشا الحضارة".

 

السيدة كوين، المؤرخة وعالمة الآثار التي تدرس في جامعة أكسفورد، في أكثر من 500 صفحة تحاول تخليص العالم من ما تعلمته أجيال من أطفال المدارس أن يفخروا  باعتباره إنجازات أوروبية. وبدلًا من ذلك، فهي تهدم المفهوم الأساسي لما تسميه "التفكير الحضاري". حجتها بسيطة ومقنعة وتستحق الاهتمام.

وتشير السيدة كوين إلى أن فكرة الحضارة حديثة نسبيًا. تم استخدام الكلمة لأول مرة فقط في منتصف القرن الثامن عشر ولم تسيطر على الخيال الغربي حتى أواخر القرن التاسع عشر. وفي ذلك العصر الإمبريالي، وجد المؤرخون أن الحضارات اليونانية والرومانية والمسيحية تشكل لبنات بناء جميلة يمكن من تراكمها انشاء بناء كبير المظهر، أطلقوا عليه اسم الحضارة "الغربية" أو "الأوروبية". وأرجعوا إليها  مجموعة من الفضائل "الكلاسيكية" الموروثة: القوة والعقلانية والعدالة والديمقراطية والشجاعة للتجربة والاستكشاف. وعلى النقيض من ذلك، اعتبرت الحضارات الأخرى أقل شأنًا.

ولا يتطلب الأمر الكثير من التحليل من جانب السيدة كوين لكشف حماقة هذا النهج. انظر، على سبيل المثال، إلى جون ستيوارت ميل، الفيلسوف في القرن التاسع عشر، الذي يدعي أن معركة ماراثون، أول غزو لبلاد فارس لليونان في عام 490 قبل الميلاد، كانت أكثر أهمية للتاريخ الإنجليزي من انتصار ويليام الفاتح في هاستينغز عام 1066. ويقول المنطق إن لولا النصر الأثيني، فإن البذرة السحرية للحضارة اليونانية ربما لم تتطور إلى حضارة غربية على الإطلاق.

ولنتأمل كتاب "صراع الحضارات" (1996) الذي كتبه صامويل هتنيغتون، المؤرخ الأميركي، الذي أعلن أنه من المستحيل فهم التاريخ دون تصنيفه إلى حضارات معادية بشكل متبادل؛ حيث كان الاتصال بينها "خلال معظم فترات الوجود الإنساني" .. "متقطعا أو معدوما". وحيث يتنبأ بحروب ليس بين الدول بل بين حضارات متناقضة، كحرب بين الغرب والإسلام او افريقيا او الصين.

وما هو غير موجود  او مُغيَّب في هذا التحليل هو صحة هذه الفكرة. تُظهر الرحلة العلمية السريعة التي قامت بها السيدة كوين عبر التاريخ الأوروبي تشير أن الاتصال عبر الثقافات وفيما بينها، بعيدًا عن كونه نادرًا، والذي غالبًا ما يكون عبر مسافات طويلة كان مدهشا، كان المحرك الرئيسي للتقدم البشري في كل عصر. وبدلا من أن تكون هذه المجتمعات شائكة ومنغلقة على نفسها، أثبتت معظم المجتمعات تقبلها للأفكار والانماط والتكنولوجيات من جيرانها.

لم تكن اليونان القديمة- على سبيل المثال- مصدرًا رئيسيًا للأفكار بقدر ما كانت مكانًا لانتقال الافكار من الثقافات المصرية والسومرية والآشورية والفينيقية، والتي كانت هي نفسها قد اختلطت وتبادلت الأفكار. وبدلًا من أن تكون أثينا مصدرًا للديمقراطية، كانت أثينا "قادمة متأخرة إلى حد ما" إلى شكل من أشكال الحكم الذي يبدو أن تمت تجربته لأول مرة في ليبيا وعلى جزيرتي ساموس وخيوس. وتشير كوين إلى أن الفُرس، الذين تم تصويرهم إلى الأبد على أنهم أضداد اليونانيين، فرضوا الديمقراطية في الواقع على المدن اليونانية التي حكموها، مما يشير إلى "إيمان فارسي كبير بالدعم الشعبي لهيمنتهم".

"الحضارة الغربية" لن تكون موجودة دون تأثيراتها الإسلامية والأفريقية والهندية والصينية. ولفهم السبب، تأخذ كوين رحلة عبر الزمن بدءا من ميناء بيبلوس النابض بالحياة في لبنان حوالي عام 2000 ق.م، وكان ذلك في منتصف العصر البرونزي، الذي "افتتح حقبة جديدة من التبادل على مسافات طويلة بانتظام". وتوفر تقنيات التجديد الكربوني المطبقة على الاكتشافات الأثرية الحديثة دليلًا مُقنعًا على مدى "العولمة" التي كان  يعيشها البحر الأبيض المتوسط بالفعل. وقبل 4000 عام، ذهب النحاس الويلزي إلى أسكندنافيا، والقصدير الأسكندنافي باتجاه ألمانيا، لتصنيع أسلحة البرونز. وكان الخرز من العنبر البلطيقي، الذي عثر عليه في مقابر النبلاء الميسينيين مصنعًا في بريطانيا. ألف سنة لاحقًا، كانت التجارة عبر سواحل الأطلسي تعني أن "المراجل الإيرلندية أصبحت شهيرة بشكل خاص في شمال البرتغال".

لقد أعادت كوين سرد قصة الغرب، وتألقت بتركيزها على ما هو غير متوقع وعلى الفجوات بين العوالم والعصور، بدلًا من التركيز على الأحداث التاريخية العظمى والصلبة من التاريخ. وهذا الكتاب يمثل بحثًا قيمًا ورائعًا. وتكشف حواشي السيدة كوين التي يزيد عددها عن 100 صفحة أنها اعتمدت ليس فقط على مجموعة واسعة من المصادر الأولية، ولكن أيضًا على الدراسات العلمية حول تغير المناخ والأبحاث الحديثة جدا المتعلقة بعلم الآثار.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

عضو الأمانة المركزية للشعب الجمهوري: عمال مصر بناة المستقبل وصناع الحضارة والتنمية

أكد عياد رزق عضو الأمانة المركزية لحزب الشعب الجمهوري، أهمية قيمة العمل كونها أساس التقدم والحفاظ على ازدهار ونهضة الأوطان وتنميتها، طالما كانت هناك بيئة عمل آمنة مستقرة محفزة على الإخلاص والإنتاج في إطار استراتيجية الدولة التنموية ورؤيتها الداعمة لمفهوم الجمهورية الجديدة، مهنئا العمال بعيدهم .


وقال رزق في بيان له اليوم، إن عمال مصر هم بناة المستقبل وصناع الحضارة والتنمية ودرع هذا الوطن، الجميع شاهد على دورهم الوطني وجهودهم الكبيرة في إحداث النهضة الشاملة في كل ربوع الوطن، هم رمز الوفاء والتضحية والإخلاص والأمانة، يواصلون العمل ليلًا ونهاراً لإيمانهم بقيمة العمل والإنتاج، على الرغم من كافة الظروف والتحديات الصعبة.

برلماني: الرئيس السيسي الداعم الأول لعمال مصر.. وهم شريك رئيسي في بناء الجمهورية الجديدةمحمد عيد: عمال مصر ركيزة الوطن وبناة المستقبل في مواجهة التحدياتالحرية المصري: عمال مصر يمثلون الركيزة الأساسية في بناء الوطن وتقدمهحزب المؤتمر يهنئ عمال مصر بعيدهم: العمود الفقري للاقتصاد الوطني


وأضاف عضو الأمانة المركزية لحزب الشعب الجمهوري، أن عمال مصر لديهم القدرة على استشراق مستقبل أفضل، ففي ظل الأزمات العالمية ومعاناة العالم من التحديات والتضخم، أبوا ألا يكون إلا مخلصين منتجين حامين لاقتصاد وطنهم، دافعين إياه نحو التنمية الشاملة والبناء.


وأشار عياد رزق إلى أن الدولة المصرية قدّرت جيدًا هذه التضحية الثمينة، وحرصت على توفير كافة السبل الداعمة لقوة المصر المنتجة، إذ عملت على تحسين بيئة العمل وصناعة تشريعات وقوانين تضمن حماية حقوق العمال وتحقق التوازن بينهم وبين أصحاب العمل كقانون العمل الجديد الذي صدر مؤخرًا وحمل الكثير من المزايا، فضلًا عن إنشاء صندوق إعانات الطوارئ وتطبيق الحد الأدنى للأجور والحرص على توفير التأمينات الصحية والاجتماعية اللازمة التي تليق بهم، تقديرًا لجهودهم ف بناء أعمدة الدولة العصرية الحديثة.

طباعة شارك عياد رزق حزب الشعب الجمهوري نهضة الأوطان الدولة التنموية الجمهورية الجديدة

مقالات مشابهة

  • السلطات بالخرطوم تشرع في إزالة ونظافة أكبر البؤر التي كانت تستخدمها المليشيا للمسروقات والظواهر السالبة
  • عضو الأمانة المركزية للشعب الجمهوري: عمال مصر بناة المستقبل وصناع الحضارة والتنمية
  • المجد للبندقية التي حرست المواطن ليعود الى بيته الذي كانت قحت تبرر للجنجويد احتلاله
  • كانت معدّة للتهريب.. شاهدوا كميات البنزين الكبيرة التي تم ضبطها في عكار (صورة)
  • يعيد كتابة التاريخ.. ما هو السيديريت الذي تم اكتشافه على المريخ؟
  • الماضي الذي يأسرنا والبحار التي فرقتنا تجربة مُزنة المسافر السينمائية
  • الترجمة مدخل لفهم العالم العربي ونصرة فلسطين.. ميشيل هارتمان: الأدب المكان الذي يمكننا أن نجد فيه المزيد من التقارب
  • نيوزويك: عطلة نهاية الأسبوع التي صنعت ظاهرة ترامب وغيرت التاريخ
  • من يقتل الحقيقة لا يحق له أن يكتب التاريخ
  • الإبادة العرقية.. وجه الغرب الخفي في تدمير الحضارات.. قراءة في كتاب