"كيف صنع العالم الغرب؟"
تاريخ النشر: 3rd, July 2024 GMT
علي الرئيسي
توضِّح جوزفين كوين في كتابها الجديد المعنون "كيف صنع العالم الغرب؟"- من إصدار "راندوم هاوس"- أن الحضارة الغربية كانت دائمًا فكرة سيئة، أو على أية حال فكرة خاطئة؛ إذ إن تقسيم التاريخ إلى مجموعة من الحضارات المتميزة والمكتفية بذاتها هو مسعى مضلل أدى إلى تشويه فهمنا للعالم بشكل خطير، وتؤكد كوين أنه "ليست الشعوب هي التي تصنع التاريخ؛ بل الناس والعلاقات التي تنشآ مع الجوار معًا من ينشا الحضارة".
السيدة كوين، المؤرخة وعالمة الآثار التي تدرس في جامعة أكسفورد، في أكثر من 500 صفحة تحاول تخليص العالم من ما تعلمته أجيال من أطفال المدارس أن يفخروا باعتباره إنجازات أوروبية. وبدلًا من ذلك، فهي تهدم المفهوم الأساسي لما تسميه "التفكير الحضاري". حجتها بسيطة ومقنعة وتستحق الاهتمام.
وتشير السيدة كوين إلى أن فكرة الحضارة حديثة نسبيًا. تم استخدام الكلمة لأول مرة فقط في منتصف القرن الثامن عشر ولم تسيطر على الخيال الغربي حتى أواخر القرن التاسع عشر. وفي ذلك العصر الإمبريالي، وجد المؤرخون أن الحضارات اليونانية والرومانية والمسيحية تشكل لبنات بناء جميلة يمكن من تراكمها انشاء بناء كبير المظهر، أطلقوا عليه اسم الحضارة "الغربية" أو "الأوروبية". وأرجعوا إليها مجموعة من الفضائل "الكلاسيكية" الموروثة: القوة والعقلانية والعدالة والديمقراطية والشجاعة للتجربة والاستكشاف. وعلى النقيض من ذلك، اعتبرت الحضارات الأخرى أقل شأنًا.
ولا يتطلب الأمر الكثير من التحليل من جانب السيدة كوين لكشف حماقة هذا النهج. انظر، على سبيل المثال، إلى جون ستيوارت ميل، الفيلسوف في القرن التاسع عشر، الذي يدعي أن معركة ماراثون، أول غزو لبلاد فارس لليونان في عام 490 قبل الميلاد، كانت أكثر أهمية للتاريخ الإنجليزي من انتصار ويليام الفاتح في هاستينغز عام 1066. ويقول المنطق إن لولا النصر الأثيني، فإن البذرة السحرية للحضارة اليونانية ربما لم تتطور إلى حضارة غربية على الإطلاق.
ولنتأمل كتاب "صراع الحضارات" (1996) الذي كتبه صامويل هتنيغتون، المؤرخ الأميركي، الذي أعلن أنه من المستحيل فهم التاريخ دون تصنيفه إلى حضارات معادية بشكل متبادل؛ حيث كان الاتصال بينها "خلال معظم فترات الوجود الإنساني" .. "متقطعا أو معدوما". وحيث يتنبأ بحروب ليس بين الدول بل بين حضارات متناقضة، كحرب بين الغرب والإسلام او افريقيا او الصين.
وما هو غير موجود او مُغيَّب في هذا التحليل هو صحة هذه الفكرة. تُظهر الرحلة العلمية السريعة التي قامت بها السيدة كوين عبر التاريخ الأوروبي تشير أن الاتصال عبر الثقافات وفيما بينها، بعيدًا عن كونه نادرًا، والذي غالبًا ما يكون عبر مسافات طويلة كان مدهشا، كان المحرك الرئيسي للتقدم البشري في كل عصر. وبدلا من أن تكون هذه المجتمعات شائكة ومنغلقة على نفسها، أثبتت معظم المجتمعات تقبلها للأفكار والانماط والتكنولوجيات من جيرانها.
لم تكن اليونان القديمة- على سبيل المثال- مصدرًا رئيسيًا للأفكار بقدر ما كانت مكانًا لانتقال الافكار من الثقافات المصرية والسومرية والآشورية والفينيقية، والتي كانت هي نفسها قد اختلطت وتبادلت الأفكار. وبدلًا من أن تكون أثينا مصدرًا للديمقراطية، كانت أثينا "قادمة متأخرة إلى حد ما" إلى شكل من أشكال الحكم الذي يبدو أن تمت تجربته لأول مرة في ليبيا وعلى جزيرتي ساموس وخيوس. وتشير كوين إلى أن الفُرس، الذين تم تصويرهم إلى الأبد على أنهم أضداد اليونانيين، فرضوا الديمقراطية في الواقع على المدن اليونانية التي حكموها، مما يشير إلى "إيمان فارسي كبير بالدعم الشعبي لهيمنتهم".
"الحضارة الغربية" لن تكون موجودة دون تأثيراتها الإسلامية والأفريقية والهندية والصينية. ولفهم السبب، تأخذ كوين رحلة عبر الزمن بدءا من ميناء بيبلوس النابض بالحياة في لبنان حوالي عام 2000 ق.م، وكان ذلك في منتصف العصر البرونزي، الذي "افتتح حقبة جديدة من التبادل على مسافات طويلة بانتظام". وتوفر تقنيات التجديد الكربوني المطبقة على الاكتشافات الأثرية الحديثة دليلًا مُقنعًا على مدى "العولمة" التي كان يعيشها البحر الأبيض المتوسط بالفعل. وقبل 4000 عام، ذهب النحاس الويلزي إلى أسكندنافيا، والقصدير الأسكندنافي باتجاه ألمانيا، لتصنيع أسلحة البرونز. وكان الخرز من العنبر البلطيقي، الذي عثر عليه في مقابر النبلاء الميسينيين مصنعًا في بريطانيا. ألف سنة لاحقًا، كانت التجارة عبر سواحل الأطلسي تعني أن "المراجل الإيرلندية أصبحت شهيرة بشكل خاص في شمال البرتغال".
لقد أعادت كوين سرد قصة الغرب، وتألقت بتركيزها على ما هو غير متوقع وعلى الفجوات بين العوالم والعصور، بدلًا من التركيز على الأحداث التاريخية العظمى والصلبة من التاريخ. وهذا الكتاب يمثل بحثًا قيمًا ورائعًا. وتكشف حواشي السيدة كوين التي يزيد عددها عن 100 صفحة أنها اعتمدت ليس فقط على مجموعة واسعة من المصادر الأولية، ولكن أيضًا على الدراسات العلمية حول تغير المناخ والأبحاث الحديثة جدا المتعلقة بعلم الآثار.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
إمام مسجد السيدة زينب يتحدث عن سورة النحل وأهم مضامينها
تحدث الدكتور أحمد عصام فرحات، إمام مسجد السيدة زينب، عن سورة النحل، موضحًا أنها سورة مكية باستثناء بعض الآيات المدنية، وتأتي بعد سورة الكهف في ترتيب النزول، وتضم 128 آية تتناول العديد من الموضوعات الجوهرية.
وأشار إلى أنها تُعرف أيضًا باسم "سورة النعم"، لما ورد فيها من تعداد نعم الله على عباده، مثل المطر، الشمس، القمر، النجوم، الأولاد، والزوجة.
إعجاز النحل ودوره في الكونسلط الدكتور فرحات الضوء على ذكر النحل في السورة، حيث جعله الله وسيلة لإنتاج العسل، الذي يُعد غذاءً نافعًا يحمل الشفاء للإنسان، وهو ما يعكس إحدى مظاهر قدرة الله في خلقه.
مناقشة المشركين ودلائل التوحيدوأوضح إمام مسجد السيدة زينب أن السورة تناولت مناقشة المشركين في عقائدهم، حيث بيّنت بطلان عبادة الأصنام، وأظهرت دلائل التوحيد من خلال عرض مظاهر قدرة الله في الكون.
كما تطرقت إلى الحديث عن يوم القيامة، متناولة أهواله الشديدة، وحساب البشر، والثواب والعقاب الذي ينتظرهم.
صفات النبي إبراهيم كما وردت في السورةفي سياق الحلقة، استعرض الدكتور فرحات قول الله تعالى: "شاكِرًا لأنعُمه اجتَباه وهداه إلى صراطٍ مستقيم. وآتيناه في الدنيا حسنة وإنه في الآخرة لمن الصالحين. ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفًا وما كان من المشركين".
وأوضح أن الله سبحانه وتعالى وصف نبيه إبراهيم عليه السلام بصفات عظيمة، حيث ذكره في القرآن بأنه كان "أمة"، وهي كلمة تحمل معاني متعددة، منها الجماعة، كما في قوله تعالى: "ولما ورد ماء مدين وجد عليه أمة من الناس يسقون".
كما تُطلق على الدين والملة، كما في قوله تعالى: "إنا وجدنا آباءنا على أمة".
دعوة للتأمل في نعم الله والتفكر في دلائل التوحيدختم الدكتور فرحات حديثه بالتأكيد على أن سورة النحل ليست مجرد سورة تتحدث عن النحل، بل هي دعوة للتأمل في نعم الله، والتدبر في بديع خلقه، والتفكر في دلائل التوحيد وعظمة الخالق.