سليمان الراشدي يكتب سيرة السيد طارق بن تيمور
تاريخ النشر: 3rd, July 2024 GMT
يحكي سليمان بن جابر بن علي الراشدي في كتابهِ «رجال خلّدهم التاريخ» سيرة صاحب السمو السيد طارق بن تيمور بن فيصل بن تركي آل سعيد، الرجل السياسي العسكري والقيادي المحنك سليل السلاطين الذي عاش في القرنِ العشرين، وعايش أوضاع عُمان العصيبة فتاقت نفسه للتغييرِ والإصلاح ونقلِ عمان من الظلام للنور، وقد كُتِب هذا البحث تعزيزًا لمكانةِ السيد طارق بن تيمور، وإثراء لتجربتهِ، ولتكون سيرته نموذجا يحتذى في القيادة والنضال.
يقع الكتاب -الصادر عن مكتبة بذور التميز- في أربعةِ فصول، ويبلغ عدد صفحاته 168 صفحة، وقد استهلَّ الكاتب كتابهُ بشجرةِ نسبِ السيد طارق بن تيمور، ثمَّ عرج لمقدمة الكتاب تلتها مقولة لصاحب السمو يذكر فيها: «إمكانات عُمان ليست كإمكانات إمارات الخليج، وعُمان دولة قديمة وبإمكانها تقدير هذهِ الإمكانات في المستقبل، وكل من وصل لتقدير الواقع أخذ فكرة جيدة»، ثم أورد رسالة سمو السيد طارق لكافة المشايخِ والعلماءِ والأعيانِ والموظفين والجنودِ والمواطنين العمانيين، كما أورد كلمته التي ألقاها في مقر الأمم المتحدة بمناسبة انضمام سلطنة عمان للمنظمة في 7 أكتوبر 1972م.
بعدها شرع الكاتب في الفصل الأول الذي تحدث فيهِ عن حياةِ سمو السيد طارق بن تيمور عن كثب؛ فقد عرج للحديثِ عن نسبهِ ومولدهِ، ونشأته وتعليمهِ، وعن والديه، وهواياتهِ، وشخصيته، وحياته وزوجاتهِ وأولاده، ويبيِّن الكاتب في هذا الفصل الظروف التي صَحِبت تكوين هذه الشخصية الفذة، فالمحيط له دور في تشكيلِ معالمِ شخصيتهِ، وهمة سمو السيد طارق بن تيمور وعزمه كان لهُما الدور الأكبر في النهوضِ بعمان؛ فقد اهتمَّ السيد بالأصالةِ العمانية التقليدية حتى لا تفقد عمان هويتها، وانتقل بين عدة أمصار لطلب العلم وتحصيلِ المهاراتِ القيادية، وكانت له محاولات كثيرة من أجلِ نهضة البلدِ ورفعِ الظلمِ عن أهله من أجلِ التقدم في جميع المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية واستغلال إمكانات البلاد؛ لرفعِ شأنِ الوطنِ وأهلهِ في ظل الشريعة الإسلامية.
أمَّا عن الفصل الثاني فقد تحدث فيهِ الكاتب عن الدور السياسي والتربوي لصاحب السمو السيد طارق بن تيمور؛ فسمو السيد طارق بن تيمور كان قريبا من الشعب متواضعا خلوقًا تتجلى في شخصهِ القيم الإسلامية، كما أورد الكاتب في هذا الكتاب كذلك دوره في القيادة العسكرية، وعمله مفتشًا عامًا للولاة، ونائبًا لرئيس البلادِ عند سفره.
واختتم الراشدي الفصلَ بذكرِ دستور سمو السيد طارق المؤقت الذي ابتكره، وهذا يبرز مدى اطلاع سمو السيد طارق بن تيمور على أنظمة الحكم، ويبين مدى أهمية وجود دستور ينظم البلاد، وهو كذلك سبيل لتنظيم العلاقات المختلفة بين أجهزة الدولة.
وتناول الراشدي في الفصل الثالث المناصب التي تولَّاها سمو السيد طارق بن تيمور في أثناءِ حكمِ السلطانِ قابوس بن سعيد -طيب الله ثراه- ومن المناصب التي شغلها منصب رئيس مجلس الوزراء في أول حكومة شكّلها السلطان قابوس، ثمَّ عمل بعدها مستشارًا للسلطانِ وممثلًا لهُ في العديد من القضايا والمحافل الدولية، كما أشرف على جميعِ سفارات سلطنة عُمان بالخارج، وتقلّد منصب مستشار خاص في الشؤون الدبلوماسية، ويضم هذا الفصل كذلك أعمال سمو السيد طارق خلال رئاستهِ لمجلس الوزراء، والمنجزات السياسية والاقتصادية التي تحققت لسلطنة عُمان أثناء شغلهِ رئاسة مجلس الوزراء فقد انضمت السلطنة للعديد من المنظمات الدولية والإقليمية التي كان أبرزها: هيئة الأمم المتحدة، وجامعة الدول العربية، كما تخرّج أول فيصل من الشرطة تحت رعايته، وتولى رئاسة مجلس المحافظين العماني فكانت العملة العمانية تحت توقيعه، وعمل سمو السيد طارق على استقطابِ الشخصياتِ العمانية المعارضة الذين كانوا خارج عمان فانضموا إلى الحكومةِ للنهوض بالدولة، ولعل الإنجاز الأخير يعد خطوة شجاعة جريئة من سموه، واختتم الفصل الثالث بذكرِ تفاصيل وفاة سمو السيد طارق، فبعدَ عشر سنوات من عمر النهضة ترجل الفارس عن صهوةِ جياده، وودع حبيبته عُمان بعد تفانيهِ في خدمتها.
وفي الفصل الأخيرِ يورد الكاتب صورا من الوثائق والصحف المحلية والعالمية التي غطَّت أخبار سمو السيد طارق وأنشطتهِ وجهوده السياسية قبل بزوغ فجر النهضة وبعدها، وتشمل الصور أخبارًا وتصريحات وخطابات ووثائق وملفات لسمو السيد طارق، كذا تتضمن صورا تذكارية لسموهِ في العلاقات السياسية.
ختاما يمكن القول أنَّ هذا الكتاب الذي لا يبلغ مائتي صفحة كفيل بإبرازِ عَلَمٍ من أعلام الدولة البوسعيدية، ويمكن عَدُّهُ من القليل الجزيل، فقد جمع الكاتب مادته رغم شحِّ المصادر، وحاول جاهدا إبراز شخصية سمو السيد طارق بن تيمور وذكر مآثره وتأثيرهِ في بلدهِ وتأثُّرهِ بها، وقد تكبد سموه المشقة سعيا للإصلاح، ولم يألُ جهدا في تقديمِ النصحِ والمشورة للارتقاءِ بعُمان.
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
المعداوي وفدوى طوقان.. سيرة ذاتية ترويها الرسائل
في مقاله المنشور بحريدتنا الغراء البلاد بعنوان:(السِير الذاتية وتابوهات المجتمع)، تحدث الأستاذ يوسف الحسن عما تحفُّ به كتابةَ السير الذاتية للكُتّاب العرب من محاذيرُ عدة، ليس أبسطها المحذور الاجتماعي الذي يخشاه الكاتب، ويمعن في التفكير قبل الكتابة، أو ربما استخدم كوابح عديدة أثناءها، وهو ما يقلِّل من مصداقية كتاباته، أو حتّى يضعفها إلى حد بعيد.
ولعلي أشير هنا أنه بحسب قاموس أكسفورد، فإن نشوء فن السيرة الذاتية بدأ عام 1809م، وقد تطور معناها ليدل على كتابة إنسان لتاريخه، أو قص حياة إنسان بنفسه. وتتميز بأن كاتبها، هو صاحب السيرة ذاته، ولهذا فهي تتضمن جانباً كبيراً من الصدق، لأنه لايستطيع أن يروي التجربة إلّا من عاناها.
وللأدباء والمفكرين العرب في العصر الحديث، رأي في نشر الاعترافات، أو السيرة الذاتية، يلخّصها أستاذنا الكبير عباس محمود العقاد -رحمه الله- بقوله: (لن يكون الاعتراف اعترافاً في رأي البعض، إلا إذا كان اعترافاً بأمر يغلب على الناس إنكاره، وكتمانه، فلا يفهمون من الاعتراف، إلا أنه إعلان لخبيئة في النفس، يشين صاحبها وتدعو إلى إخفائها).
ورغم هذا الرأي الصادر من أديبنا الكبير، إلا أن عدداً من الأدباء والمثقفين العرب وغيرهم، كتبوا شيئاً من سيرهم الذاتية، من بينهم الأستاذ عبدالرحمن شكري، الذي صدر له كتاب أسماه:”كتاب الاعترافات” وهو قصة نفس، يقول النقاد عنه أنه عني باستبطان ذاته واحتفاله بكشف طواياه.
أمّا عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين، فقد كتب ثلاثية أيامه، والتي سجل في صدق وصراحة، ماصادفه من أحداث، ومواقف، شكَّلت حياته من طفولته الأولى، وكفّ بصره، وساهمت في نبوغه.
وكذلك فعل الأستاذ إبراهيم عبدالقادر المازني في كتاب (قصة حياة )، والذي نشر بعد وفاته -رحمه الله- وضمّ بين دفتيْه، سلسلة مقالاته التي كان ينشرها بمجلة “آخر ساعة”، والتي كانت تفيض بنبض حياته،وألمه.
أمّا الأستاذ توفيق الحكيم، فقد كتب سيرته الذاتية مرتين، الأولى: في كتابه (عودة الروح)الذي سجل جزءاً من نشأته وصباه، والثانية: في كتابه(سجن العمر) الذي تناول فيه أبعاداً عميقة التأثير في حياته وتجلّياتها الفكرية والإجتماعية.
وكذلك فعل الأساتذ أحمد أمين في كتابه (حياتي) ،والأستاذ العقاد في كتابه (حياة قلم) وكتابه الآخر ( أنا )، وعندنا، كتب الأديب الكبير أحمد السباعي أول سيرة ذاتية لأديب سعودي عام 1374هـ، وهي سيرة (أبو زامل – أيامي) التي تمثل بعض فصولها كما يقول (جانباً من حياتي وتغطي بجوانبها الأخرى صوراً من حياة الجيل الذي عشته.)
وفي المقابل، فإن في بعض الرسائل التي يتبادلها الأدباء والمفكرون والأصدقاء والمحبون، نوعاً من أنواع السير الذاتية، التي قد تحمل في طياتها انفعالات وجدانية، وعواطف جيّاشة، تنطوي على قدر كبير من كشف حقائق النفس، ودخائلها العاطفية، دون مواربة. ولعل صدق هذه الكلمات، يتحقّق من قراءتنا لكتاب: «المعداوي وفدوى طوقان..صفحات مجهولة في الأدب العربي المعاصر»، والذي جمع فيه
الأستاذ رجاء النقاش سبع عشرة رسالة بعث بها الأستاذ ألناقد أنور المعداوي إلى الشاعرة الكبيرة فدوى طوقان خلال الفترة:1951 – 1954.
في مقدمته للكتاب، يقرر الأستاذ النقاش الغياب شبه التام لأدب الاعتراف عند الأدباء العرب، بسبب المحاذير الكثيرة التي تمنع المبدعين من الكشف عن نوازع نفوسهم الموَّاراة خلف جدران سميكة من التابوهات.
ومن يقرأ رسائل الأستاذ المعداوي إلى الشاعرة فدوى طوقان، سيجد أن علاقتهما بدأت أدبية بامتياز، وأنه كان من أشد المعجبين بتجربتها المتوائمة مع تيار الحركة النفسية في الشعر، بل لا يتوانى عن تفّضيل شعرها على شعر الشاعر الكبير علي محمود طه، بل تجده يفضّلها أيضاً على شعر نازك الملائكة، معتبراً أن قصيدتها «إلى صورة»، أهم من كل قصائد نازك في «شظايا ورماد».
وقد ظلت تلك العلاقة على الورق، حتى فارق الأستاذ أنور المعداوي الحياة في عام 1965، دون أن يلتقيا أبداً، رغم وعودها المتكررة له بالمجيء إلى القاهرة، دون أن تفي بوعدها، ودون أن يفي هو أيضا بوعوده بزيارتها في مدينة نابلس، وكأنما هما يخشيان الهبوط بعلاقتهما من سماء الرومانسية إلى أرض الواقع. وبعد رحيل المعداوي، كتبت فدوى طوقان ترثيه:
حين تبدو الحياة في يومكَ المقفر مني
كئيبة محلولة
فامضِ نحو الجسر الكبير مع الذكرى
ورعشاتها العذاب الجميلة
ستراني هناك أمشي إلى جبينكَ
أنت استغراقتي وابتهالي
هو إيماننا المقدس بالحب
ثوى في أغوارنا المجهولة
والأستاذ أنور والمعداوي لمن لايعرفه، ناقد أدبي كبير، تميزت كتابته بالجرأة، والصراحة، والعمق.
كان يكتب في الأربعينات والخمسينات زاوية أسبوعية في مجلة الرسالة التي يصدرها أحمد حسن الزيات بعنوان:(تعقيبات).