أسبابٌ كثيرةٌ تدفعني للتحمّس والاندفاع في الاحتفال بصدور هذه المذكرات (جمر الذكريات) عن دار الكاتب، للشاعر والروائي (أسعد الأسعد) أول هذه الدوافع: أهمية المواقع الثقافية والمهنية والإبداعية التي شغلها صاحب هذه المذكرات، وثانيها الأهمية الوطنية التي تؤديها من حيث كونها توثيقا لوجودنا على هذه الأرض، الوجود الذي يزعج الأعداء، ويجعلهم يعملون ليل نهار؛ لمحوه بكل تجلّياته الثقافية والحضارية والابداعية.
هو أول رئيس لاتحاد الكتّاب الفلسطينيين، وهذا يمنحه الفرصة والقدرة على أن يكون شاهدا على عديد من الأحداث الثقافية والقضايا النضالية من حيث المواجهة مع المحتلّين مما لا تعرفه الأجيال اللاحقة من أدباء فلسطين، وكان رئيسا لتحرير مجلة (الكاتب) أشهر المجلات الثقافية الإبداعية في فلسطين، المجلة التي استقطبت العشرات من المبدعين والرسامين والمسرحيين، وكتّاب القصة والرواية والنقد، وفتحت الباب واسعا أمام القضايا الجدليّة في حقليْ الفكر والأدب والنقد، ومدّت جسورا رائعة مع أدباء المنفى الفلسطينيين والعرب.
كان (أسعد الأسعد) مناضلا في صفوف الحركة الوطنية الفلسطينية، تعرّض للسجن أكثر من مرة، وأصدر العديد من الروايات والدواوين، والكتب الفكريّة والسياسيّة والنضاليّة، هو ابن قرية (بيت محسير) المهجّرة قضاء القدس، القرية التي يحلم ليل نهار بالعودة إليها، ويحفظ حكايتها، وقصص رجالها وشهدائها وصمودها أمام العصابات الصهيونيّة.
كلّ هذه الأسباب تدعوني للفرح بصدور هذه المذكرات الممتعة والمهمة، والتي تصلح بكفاءة عالية مدخلا لفهم السياقات الإبداعية والنضالية في عقود السبعنيّات والثمانينيّات والتسعنيّات، ففي صفحاته المئتين وخمسين يحكي (أسعد الأسعد) في هذا الكتاب حكايته الشخصية مع اللجوء والمخيمات والكتابة والنضال والصحافة واتحاد الكتّاب والأصدقاء والحبّ والمدن، كما يروي حكاية البلاد مع المحتل والفساد الثقافي ونصوص المقاومة، الجرأة في رواية الحكاية الشخصية والعامة تثير حقا الإعجاب، قليلة جدا هي السير الذاتية الفلسطينية لأدباء ومفكرين فلسطينيين التي قالت الحقيقة كما قالها (أسعد الأسعد) في مذكراته هذه، ستسبّب هذه المذكرات غضب الكثيرين، ورضى واستمتاع آخرين، وما الكتاب الناجح؟! إن لم يكن سببا في غضب أو فرح؟.
يقول الأستاذ الأسعد ردا على سؤالنا حول سياق وأهمية مجلة "الكاتب" التي أسّسها: "عندما حلّت بنا نكسة 67 وجدنا أنفسنا في ضياع مطلق، وكان لابدّ من النهوض بجانب مهم في نضالنا ضد الاحتلال من أجل تحقيق هويتنا الوطنية، فانتهزنا أول فرصة لتأسيس منبر وطني تقدمي، يأخذ بيد الشباب، نحو آفاق جديدة، لبناء هويتنا الوطنية، كانت مجلة "الكاتب" الفلسطينية فرصة للصدور بعد أن أغلقت مجلة الكاتب المصرية، صدرت مجلة الكاتب، بشكل متواضع، لكنها احتوت على مواد أدبية لا عهد لفلسطين بها، في السابق، وأخذت على عاتقها الأخذ بيد الشباب، والاقلام الجديدة، ولذلك احتوت على أدب ومواد ثقافية لكتاب كبار، وأيضا لكتاب ناشئين، وأنا أتذكر فخورا كثيرا من الكتّاب الذين كتبوا في مجلتنا لأول مرة، وصاروا اليوم كتابا مرسخين، مثل: عادل الاسطة، وجميل السلحوت وخليل توما، وعزت غزاوي ووسيم كردي، وكتّاب غزة طبعا مثل: زكي العيلة وعمر حمش وعبد الله، وآخرين، وحين أقارن بين منجزنا الصحفي الثقافي في مجلة الكاتب وبين منجز (إذا صح أن نسميه منجزا) الصحافة الإلكترونية، فأشعر بالفخر على مدى رقي توجهاتنا ووطنيتنا وصدقنا وهيبتنا التي صنعناها في زمن، كنا فيه بأمس الحاجة لثقافة وطنية جادة تواكب حجم هيبة الشهداء وذات توجه تقدمي".
"جمر الذكريات" صدرت عن دار الكاتب الفلسطينية نفسها التي أصدرت سابقا مئات الدواوين والكتب الفكرية والاقتصادية والفلسفية. يقول الكاتب عادل الأسطة حول تجربة أسعد الأسعد ومكانته في الساحة الثقافية الفلسطينية: "لأسعد الأسعد الشاعر والروائي دور لافت في حركتنا الثقافية، فقد أصدر مجلة الكاتب ثم جريدة البلاد وكان محررا في مجلة البيادر، إنه ليس شاهدا على الحركة الثقافية فحسب، هو مشارك فعال في سياقها أيضا. ويتفق الكاتب نبيه القاسم مع الأستاذ الأسطة في كون أسعد الأسعد صانعا مهما للفارق الثقافي في فلسطين في أزمانها المختلة، فهو ناشر للعديد من الروايات التقدمية ومساهم عنيد في رفض و مقاومة حصار الاحتلال، للحياة الثقافية، وله طريقته الخاصة في صياغة جملة إبداعية لافتة".
ويشير الكاتب محمود شقير الى جزئية أخرى في تجربة الأسعد فيقول: "إن كتاباته مكتوبة بموضوعية وصدق وتجرد، ويتداخل فيها العام مع الخاص، بحيث تمتزج حياته مه حياة شعبه، الأمر الذي تسبّب في اعتقاله عدة مرات على يد قوات الاحتلال".
صدور (جمر الذكريات) حدث مهم في تاريخ الثقافة الفلسطينية النقدية والوجدانية.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: مجلة الکاتب
إقرأ أيضاً:
رسالة من الكاتب #احمد_حسن_الزعبي .. (( #ليل_السجن_بارد ))
#سواليف – خاص
رسالة من الكاتب #احمد_حسن_الزعبي في معتقله من #سجن_أم_اللولو
(( #ليل_السجن_بارد ))
(( #رياح_الوحدة تتسرب الى روحي ، رغم اكتظاظ غرفة السجن بالنزلاء ،
مقالات ذات صلة الاحتلال يمنع إدخال الأغطية والملابس والأحذية وسط برد قارس وظروف إنسانية كارثية 2024/11/26في الليل تمسي #قضبان_الحبس أكثر وحشة، وأكثر قسوة ،و #الرياح تعبث بي .
المشمع (وضع بديلا) لزجاج أحد النوافذ ،سعال السجناء الحاد ،مزيج دخان السجناء ،صفير الريح الذي يمر من بين شقوق النوافذ …ورنين المفاتيح على خصر السّجان ..تبدد صمت الممرات .
عندما كنت حراً خارج السجن كان لي طقوسٌ مختلفة ومجنونة في #الشتاء ، ارتشفها كما ارتشف فنجان القهوة .
وعندما زجّ بي في السجن كاتباً صحفياً محباً لوطني .عرفت أن هذا المكان المسكون بالتناقضات و #التهم#المختبئة خلف #صمت_النزلاء و #القصص_المحزنة والمختلفة ،تشعرك كم أنت غريب ،وكم هو #ليل_السجن_بارد ))