لجريدة عمان:
2024-12-28@18:56:01 GMT

سبب وجيه للفرح

تاريخ النشر: 3rd, July 2024 GMT

سبب وجيه للفرح

أسبابٌ كثيرةٌ تدفعني للتحمّس والاندفاع في الاحتفال بصدور هذه المذكرات (جمر الذكريات) عن دار الكاتب، للشاعر والروائي (أسعد الأسعد) أول هذه الدوافع: أهمية المواقع الثقافية والمهنية والإبداعية التي شغلها صاحب هذه المذكرات، وثانيها الأهمية الوطنية التي تؤديها من حيث كونها توثيقا لوجودنا على هذه الأرض، الوجود الذي يزعج الأعداء، ويجعلهم يعملون ليل نهار؛ لمحوه بكل تجلّياته الثقافية والحضارية والابداعية.

هو أول رئيس لاتحاد الكتّاب الفلسطينيين، وهذا يمنحه الفرصة والقدرة على أن يكون شاهدا على عديد من الأحداث الثقافية والقضايا النضالية من حيث المواجهة مع المحتلّين مما لا تعرفه الأجيال اللاحقة من أدباء فلسطين، وكان رئيسا لتحرير مجلة (الكاتب) أشهر المجلات الثقافية الإبداعية في فلسطين، المجلة التي استقطبت العشرات من المبدعين والرسامين والمسرحيين، وكتّاب القصة والرواية والنقد، وفتحت الباب واسعا أمام القضايا الجدليّة في حقليْ الفكر والأدب والنقد، ومدّت جسورا رائعة مع أدباء المنفى الفلسطينيين والعرب.

كان (أسعد الأسعد) مناضلا في صفوف الحركة الوطنية الفلسطينية، تعرّض للسجن أكثر من مرة، وأصدر العديد من الروايات والدواوين، والكتب الفكريّة والسياسيّة والنضاليّة، هو ابن قرية (بيت محسير) المهجّرة قضاء القدس، القرية التي يحلم ليل نهار بالعودة إليها، ويحفظ حكايتها، وقصص رجالها وشهدائها وصمودها أمام العصابات الصهيونيّة.

كلّ هذه الأسباب تدعوني للفرح بصدور هذه المذكرات الممتعة والمهمة، والتي تصلح بكفاءة عالية مدخلا لفهم السياقات الإبداعية والنضالية في عقود السبعنيّات والثمانينيّات والتسعنيّات، ففي صفحاته المئتين وخمسين يحكي (أسعد الأسعد) في هذا الكتاب حكايته الشخصية مع اللجوء والمخيمات والكتابة والنضال والصحافة واتحاد الكتّاب والأصدقاء والحبّ والمدن، كما يروي حكاية البلاد مع المحتل والفساد الثقافي ونصوص المقاومة، الجرأة في رواية الحكاية الشخصية والعامة تثير حقا الإعجاب، قليلة جدا هي السير الذاتية الفلسطينية لأدباء ومفكرين فلسطينيين التي قالت الحقيقة كما قالها (أسعد الأسعد) في مذكراته هذه، ستسبّب هذه المذكرات غضب الكثيرين، ورضى واستمتاع آخرين، وما الكتاب الناجح؟! إن لم يكن سببا في غضب أو فرح؟.

يقول الأستاذ الأسعد ردا على سؤالنا حول سياق وأهمية مجلة "الكاتب" التي أسّسها: "عندما حلّت بنا نكسة 67 وجدنا أنفسنا في ضياع مطلق، وكان لابدّ من النهوض بجانب مهم في نضالنا ضد الاحتلال من أجل تحقيق هويتنا الوطنية، فانتهزنا أول فرصة لتأسيس منبر وطني تقدمي، يأخذ بيد الشباب، نحو آفاق جديدة، لبناء هويتنا الوطنية، كانت مجلة "الكاتب" الفلسطينية فرصة للصدور بعد أن أغلقت مجلة الكاتب المصرية، صدرت مجلة الكاتب، بشكل متواضع، لكنها احتوت على مواد أدبية لا عهد لفلسطين بها، في السابق، وأخذت على عاتقها الأخذ بيد الشباب، والاقلام الجديدة، ولذلك احتوت على أدب ومواد ثقافية لكتاب كبار، وأيضا لكتاب ناشئين، وأنا أتذكر فخورا كثيرا من الكتّاب الذين كتبوا في مجلتنا لأول مرة، وصاروا اليوم كتابا مرسخين، مثل: عادل الاسطة، وجميل السلحوت وخليل توما، وعزت غزاوي ووسيم كردي، وكتّاب غزة طبعا مثل: زكي العيلة وعمر حمش وعبد الله، وآخرين، وحين أقارن بين منجزنا الصحفي الثقافي في مجلة الكاتب وبين منجز (إذا صح أن نسميه منجزا) الصحافة الإلكترونية، فأشعر بالفخر على مدى رقي توجهاتنا ووطنيتنا وصدقنا وهيبتنا التي صنعناها في زمن، كنا فيه بأمس الحاجة لثقافة وطنية جادة تواكب حجم هيبة الشهداء وذات توجه تقدمي".

"جمر الذكريات" صدرت عن دار الكاتب الفلسطينية نفسها التي أصدرت سابقا مئات الدواوين والكتب الفكرية والاقتصادية والفلسفية. يقول الكاتب عادل الأسطة حول تجربة أسعد الأسعد ومكانته في الساحة الثقافية الفلسطينية: "لأسعد الأسعد الشاعر والروائي دور لافت في حركتنا الثقافية، فقد أصدر مجلة الكاتب ثم جريدة البلاد وكان محررا في مجلة البيادر، إنه ليس شاهدا على الحركة الثقافية فحسب، هو مشارك فعال في سياقها أيضا. ويتفق الكاتب نبيه القاسم مع الأستاذ الأسطة في كون أسعد الأسعد صانعا مهما للفارق الثقافي في فلسطين في أزمانها المختلة، فهو ناشر للعديد من الروايات التقدمية ومساهم عنيد في رفض و مقاومة حصار الاحتلال، للحياة الثقافية، وله طريقته الخاصة في صياغة جملة إبداعية لافتة".

ويشير الكاتب محمود شقير الى جزئية أخرى في تجربة الأسعد فيقول: "إن كتاباته مكتوبة بموضوعية وصدق وتجرد، ويتداخل فيها العام مع الخاص، بحيث تمتزج حياته مه حياة شعبه، الأمر الذي تسبّب في اعتقاله عدة مرات على يد قوات الاحتلال".

صدور (جمر الذكريات) حدث مهم في تاريخ الثقافة الفلسطينية النقدية والوجدانية.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: مجلة الکاتب

إقرأ أيضاً:

سعد الدين حسن .. الكاتب الذي حادثه الوزير على تليفون المقهى

داخل قرية لا يتأتى اسمها على مسمع الكثير من أبناء الوطن ، كان يسكن كاتبنا رحمه الله ، منزلا صغيرا تخيره بعيدا عن العمار متوسطا جسرا يمر على شريط القطار وارضا زراعية على يساره ،مع اختين لم يتزوجا وكأنهما صاحبوا جميعا الوحدة والعزلة ،وكنت أنا الشاهد على هذا اللقاء الذي مر عليه عقدان ونصف من الزمن ، إذ ذهبت قاصدا تلك القرية "شبشير الحصة " محاولا البحث عنه بسبب تغيبه عن حضور جلسات نادي الأدب بقصر ثقافة طنطا .وقد سولت لي نفسي أني بمجرد السؤال عن اسم كاتبنا سيدلني أول شخص ألتقيه،لكن الواقع كان مناقضا لما ظننت وتوهمت ،فلم يكن أحدا من أهل القرية يعرفه أو يسمع عنه ،دلني بعض الأهالي على شخص يعمل في صحيفة ورقية تهتم بحوادث المحافظة ،قالوا أن هذا هو الكاتب الأشهر في بلدتنا ...ولم نسمع عن كاتب اسمه سعد الدين حسن .

كانت نهاية التسعينيات ومطلع الألفية هي الرواج الفعلي للثقافة داخل الأقاليم التي تبعد عن العاصمة ،فكانت نوادي الأدب هي المقصد الأهم لكل من يبحث عن ري لموهبة الكتابة الإبداعية بمختلف مجالاتها ،شعرية أو نثرية ،حيث كانت هذه الفترة هي الأكثر خصوبة للقصة القصيرة وكتابات أجيال جديدة تعبر عن هموم قضايا لم يكن يحملها كتاب الستينيات أو السبعينيات أو الثمانيينيات ،لم تكن أجهزة الجوال قد ظهرت بعد ولم يكن هناك ثمة عوالم افتراضية لنشر الإبداع الشبابي ،فكانت نوافذ الإبداع التي تفتح لمن هم في مثل حالتي هي نوادي الأدب بقصور الثقافة داخل المحافظات في ربوع الوطن .وحيث كان مقعده مبتعدا أيضا عن الجموع التي تستقبل المنصة والصدارة وجالسا في ركن يجاوره شاب قد أتى لأول مرة ،كان يجلس كاتبنا راهب القصة المصرية القصيرة سعد الدين حسن ،متواضع في جلسته ،مقل في حديثه ،يتدافع الجميع للإدلاء بأرائهم بينما هو يظل صامتا لأن تنتهي الندوة ثم يرحل منصرفا في صمت ،وعقب الندوة تجد الجالسين على المنصة يتدافعون لمصافحته فكانت هذه هي النبضة الأولى بداخلي للتساؤل عن هذا الرجل ،من هذا الرجل .....؟ فكان الجواب من الشاعر طارق بركة :"ده الأستاذ الكبير سعد الدين حسن ،وكان صديق نجيب محفوظ ،وتربطه صلة كبيرة بالوزير فاروق حسني " ..وربما لأمر بساطة مظهر الكاتب ظننت أن الشاعر طارق بركة بالغ في الأمر ونسيت أن بعض الظن إثم .

ودفعني تواضع الرجل للتقرب منه لمحاولة فهمه وايجاد اسباب ترفعه وابتعاده عن الوسط ،مقلا لا زال في حديثه يأتي اسبوع ثم يتغيب عدة أشهر ،لأواصل البحث عنه لعلي أرضى شغف فضولي واكتشافه ،ثم كان اللقاء فطلب مني ان نلتقي صبيحة اليوم الثاني بمقهى بسيط في شارع البورصة بمدينة طنطا ..

مقهى بسيط ، يتعاملون مع الكاتب كونه شخصا وافدا من عالم آخر ، اقتربت من منضدته وكانت الساعة لم تقر بالعاشرة بعد من صباح هذا اليوم ،كان بيده كتاب الفتوحات المكية وقد تلصصت على الكتاب من عنوانه الذي كان باديا جليا . سحبت مقعدا وفي يدي عملي الأدبي الذي سيعرض على الكاتب ، وإذ بصاحب المقهي يأتي مسرعا لكاتبنا ويتحدث بلهجة متعثرة :"يا أستاذ تلفون لسعادتك بيوقولوا مكتب وزير الثقافة ..." قام كاتبنا في فتور ، متوجها لموضع الهاتف ليرد ، وإذ بصاحب المقهي يسألني هو مين الأستاذ :"فأجابته انه كاتب كبير زي يوسف ادريس ونجيب محفوظ لكنه متواضع بزيادة "..عاد كاتبنا ،فسألته ،هل الأمور خير :فأجاب مافيش كان فيه ميعاد بس اعتذرت عنه ..فسألته ميعاد مهم ؟...قالي وزير الثقافة فاروق حسني ..فكانت اجابته كفيلة بصمتي .

بضعة أشهر مرت على رحيل الكاتب سعد الدين حسن رحمه الله ،الكاتب الذي دون الوزير فاروق حسني في خانة المهنة لديه "كاتب قصة قصيرة " وكان يعتز ويخلص لهذا الفن الأدبي لم يحد عنه ولم يتخطاه أو يتعداه لكتابة الرواية إلا محاولة واحدة من اصدارات اتحاد الكتاب بل كانت كتابته أشبه بقصاصات متوسطة الحجم تحمل لغة شاعرية ،الامر الذي دفع الأستاذ الدكتور أسامة البحيري رئيس قسم اللغة العربية بآداب طنطا لأن يبادر ويشجع باحثا لعمل أطروحة للماجستير تتولى وتكشف عن ابداع سعد الدين حسن .

الندوة التي أقامها فرع اتحاد الكتاب بالغربية لتأبين سعد الدين حسن ،جمعت رفاقه الذين كانوا بصحبته ،الكاتب محمد حمزة العزوني ،الذي تحدث عن كاتبنا الراحل موضحا أنه كان مكتفيا بوظيفة كاتب القصة القصيرة ، ورغم محاولات الوزير فاروق حسني في توظيفه بأكثر من إصدار ينتمي لوزارة الثقافة ليكفل قوت يومه ، كان سعد رحمه الله يتحجج ولا يستمر إلا شهرين ثم يعتذر ، عائدا إلى بيته غير مخالط لأحد ولا يتحدث مع أحد .

بينما أوضح الشاعر طارق بركة أن سعدا كان مقربا له متداخلا معه في مشكلاته الروحية والحياتية ،فهو الدرويش سعد الدين حسن وهو الزاهد سعد الدين حسن الذي كانت كرامته وكبريائه فوق رأسه ، لدرجة أنه طلب من الشاعر أن يشيع إشاعة أن سعد الدين حسن قد ورث إرثا ماليا كبيرا حتى لا يعرض أحد مساعدة مادية عليه تخدش من كرامته أو تنال من اعتزازه بنفسه ، فلم يكن سعد يتاجر بصدافته لوزير الثقافة السابق بل كان يتأخر عن المنصة ويقدم غيره ، كان متيما بكتابات كبار المتصوفة وربما كان واحدا منهم دون أن نعلم .

وهو بتعبير الناقد صبري قنديل حالة الكاتب الذي يمسك بعين القاريء لا يتركها حتى ينتهي مما يكتب سعد الدين حسن ، فعلي الرغم من صداقته وعلاقته الطيبة بالكاتب الراحل يحيي الطاهر عبد الله إلا أن سعد الدين حسن كان ينتمي لمدرسة القصة التلغرافية وموسيقى الفظ التي تظن لوهلة أنك امام قصيدة نثر لا قصة قصيرة من عذوبة ما يكتب سعد الدين حسن .

مقالات مشابهة

  • وداعًا لـتشيخوف الكوردي.. وفاة الكاتب البارز منصور ياقوتي
  • وزير الخارجية السوري: نتطلع لبناء علاقات استراتيجية مع مصر
  • من أرشيف الكاتب أحمد حسن الزعبي .. رمال شقيقة
  • من أرشيف الكاتب أحمد حسن الزعبي .. سنحتطب الغرقد
  • حظك اليوم.. أسعد 3 أبراج مع اقتراب عام 2025
  • برلمانى : قرار العفو الرئاسي عن 54 من أبناء سيناء أسعد كل المصريين
  • مجلة أمريكية تختار الأقصر من الوجهات الأكثر تميزا بالسياحة الثقافية
  • سعد الدين حسن .. الكاتب الذي حادثه الوزير على تليفون المقهى
  • من أرشيف الكاتب أحمد حسن الزعبي … ونحن أيضا
  • فاجئني بمعاد جديد للفرح.. كواليس قتـ.ـل أب لابنه العريس بالهرم