أصدر مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء، تحليلاً جديداً سلط من خلاله الضوء على أبرز خطوات الطريق نحو النقل المستدام والمرن ، وفرص تحقيق ذلك الهدف والتحديات التي تواجهه، وتأثير انبعاثات قطاع النقل على الاحتباس الحراري، والآثار الناجمة عن هذه الانبعاثات، مع استعراض الفرص الاقتصادية الناتجة عن النقل المستدام والتدابير اللازمة لتعزيز مرونة واستدامة هذا القطاع.

وأشار المركز، إلى أن أكثر من نصف سكان العالم يعيشوا في المناطق الحضرية، والتي أصبحت تنمو بدرجة متسارعة في الدول منخفضة الدخل، وهذا النمو عادة ما تصاحبه زيادة مطردة في انبعاثات غازات الاحتباس الحراري الناتجة عن قطاع النقل والمواصلات، والتي أصبحت الآن أحد أهم القطاعات التي تؤثر سلبًا على تغيرات المناخ وترفع الضغط على أنظمة البنية التحتية.

وقد أثبتت الدراسات في الوقت الحالي أن تطوير البنية التحتية لقطاع النقل يتيح النمو الشامل والمستدام للمدن، ويحد من التأثيرات الحالية والمستقبلية لتغيرات المناخ، كما أكدت الدراسات على أن البنية التحتية للنقل معرضة لتأثيرات الظواهر الجوية المتطرفة وتغيرات المناخ، فمن الممكن أن تجرف الفيضانات الطرق والجسور وتقطع سلاسل الإمداد، ويمكن أن تعطل العواصف خدمات النقل، وتفصل المجتمعات المحلية عن الخدمات الضرورية، ويمكن لموجات الحر أن تُحدِث خللًا في خطوط السكك الحديدية.

 وبناءً على ذلك، يجب أن تكون وسائل النقل أكثر استدامة ومرونة للحد من العواقب الاجتماعية والاقتصادية لعدم تشغيل خدمات النقل، ومن ثم فمن الضروري إعادة التفكير في كيفية استمرار عمليات النقل بشكل يحقق التنمية الاقتصادية والاستدامة البيئية.

وعن تأثير انبعاثات قطاع النقل على الاحتباس الحراري، فقد ذكر التحليل أن الطلب يزداد على النقل مع تطور الاقتصادات وتحضرها والزيادة السكانية فيها، فمن المتوقع أن يصل عدد سكان العالم إلى 8.5 مليارات بحلول عام 2030، ونتيجة لذلك من المتوقع أن تنمو حركة الركاب السنوية بنسبة 50%، بينما من المتوقع أن ينمو حجم الشحن العالمي بنسبة 70% خلال الفترة نفسها، وتمثل الانبعاثات الناتجة عن النقل حوالي 24٪ من إجمالي انبعاثات الغازات الدفيئة المرتبطة بالطاقة في العالم، ومع الوتيرة السريعة للتحضر والميكنة في الدول النامية، يمكن أن تزداد هذه النسبة إلى حوالي 60٪ بحلول عام 2050، إذا لم يتم اتخاذ أي إجراءات جادة لخفض انبعاثات الغازات الدفيئة.

كذلك يعد قطاع النقل أكبر مساهم في انبعاثات غازات الاحتباس الحراري (GHG) في الاتحاد الأوروبي، حيث يمثل حوالي 28% من إجمالي الانبعاثات، وعلى عكس العديد من الصناعات الأخرى التي تتخذ خطوات تدريجية لتقليل انبعاثاتها بشكل فعال، يواصل قطاع النقل النمو بنحو 0.8% طن متري من مكافئ ثاني أكسيد الكربون (MtCO2e) كل عام، وتساهم سيارات الركاب بنسبة كبيرة في هذه الانبعاثات، ويرجع ذلك إلى أن قطاع النقل يعتمد بشكل شبه كامل على الوقود الأحفوري، فقد مثل استهلاك قطاع النقل من الطاقة حوالي 95٪ من الطاقة الناتجة عن الوقود الأحفوري في عام 2019، وفقًا لبيانات تقرير الوكالة الدولية للطاقة (IEA) الصادر بعنوان (Energy Technology Perspectives 2023).

وأضاف المركز في تحليله أنه على الرغم من انخفاض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بمقدار ثلاثة أرباع في سيناريو التنمية المستدامة لوكالة الطاقة الدولية لعام 2070، فإن الانبعاثات من هذه القطاعات الفرعية في الشكل السابق ستظل أكبر مساهم في الانبعاثات المتعلقة بالطاقة في قطاع النقل لعام 2070، وهنا تجدر الإشارة إلى أن ثلثي تخفيضات الانبعاثات المقترحة في هذا السيناريو يأتيان من تقنيات لم تتوفر تجاريًّا بعد، مما يجعل إزالة الكربون من قطاع النقل مهمة صعبة خلال نصف القرن القادم.

وفيما يتعلق بالآثار الناجمة عن انبعاثات قطاع النقل، فقد ذكر تحليل مركز المعلومات أن تغيرات المناخ تسبب أضرار مباشرة تلحق بالبنية التحتية للنقل جراء الكوارث الطبيعية والتي تقدر بحوالي 15 مليار دولار أمريكي سنويًا. كما أوضحت بيانات البنك الدولي أن حجم تكلفة الأضرار المباشرة التي تلحق بالبنية التحتية للنقل من الكوارث الطبيعية الناجمة عن تغيرات المناخ قدرت بحوالي 15 مليار دولار سنويًا، وتشمل هذه الأضرار ضعف الرعاية الصحية، والوفاة، وتعطل الاقتصادات، فعلى سبيل المثال، خلال الفترة من 1990 إلى 2019 كان هناك أكثر من 1000 كارثة ناجمة عن المناخ في منطقة جنوب آسيا، أثرت هذه الكوارث على أكثر من 1.68 مليار شخص، وقتلت ما يقدر بنحو 267 ألف شخص وتسببت في أضرار تزيد على 127 مليار دولار أمريكي، وبالإضافة إلى ذلك، فإن حوالي 800 مليون شخص في المنطقة وهو ما يعادل (44% من إجمالي سكان منطقة جنوب آسيا) يعيشون في مواقع يُتوقع أن تصبح بؤرًا مناخية شديدة بحلول عام 2050، كذلك من المتوقع أن حوالي 62 مليون شخص سيتم دفعهم تحت خط الفقر المدقع في حالة عدم اتخاذ إجراءات مناخية جادة بحلول عام 2030. وتتحمل الدول منخفضة ومتوسطة الدخل حوالي 60% من التكلفة الإجمالية لهذه الكوارث، ومن ثم يُعد بناء بنية تحتية صديقة للبيئة بقطاع النقل أمرًا ضروريًّا.

كما تؤثر انبعاثات النقل (الجسيمات 2.5 (PM2.5) والجسيمات 10 (PM10)، وأكاسيد النيتروجين (NOX)، وثاني أكسيد الكبريت (SO2)، وأول أكسيد الكربون (CO)، وغيرها)، على صحة البشر؛ حيث يعد قطاع النقل أكبر مساهم عالميًّا في انبعاثات الجسيمات الدقيقة، ويرتبط ارتباطًا وثيقًا بزيادة الإصابة بأمراض الجهاز التنفسي والقلب والرئة والعديد من أشكال السرطان. 

كما يعد قطاع النقل أيضًا المساهم الرئيس في انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، فيقلل من كمية الأكسجين التي تصل إلى أعضاء وأنسجة الجسم، مما يؤدي إلى تفاقم أمراض القلب. وقد أشارت أحدث نتائج "قاعدة بيانات تلوث الهواء المحيط الحضري العالمية" الصادرة عن منظمة الصحة العالمية (WHO) إلى أن 98% من المدن في الدول منخفضة ومتوسطة الدخل التي يزيد عدد سكانها على 100 ألف نسمة لم تلتزم بإرشادات جودة الهواء لمنظمة الصحة العالمية، ويساهم تلوث الهواء المحلي في 2.9 مليون حالة وفاة مبكرة سنويًّا على مستوى العالم – ويتركز أكثر من 85% منها في الدول منخفضة ومتوسطة الدخل.

وعلى الرغم من تريليونات الدولارات التي يتم استثمارها في البنية التحتية للنقل كل عام، والتي تساعدنا في نقل بضائعنا، فإن الأمر لا يزال يتطلب تطوير استثمارات النقل بشكل يدعم خفض صافي الانبعاثات الكربونية، فوفقًا لتوقعات البنية التحتية العالمية (The Global Infrastructure Outlook) الصادر عن شركة (Oxford Economics)، ستكون هناك حاجة ملحة إلى استثمار أكثر من 2 تريليون دولار في البنية التحتية للنقل كل عام حتى عام 2040 لدعم التنمية الاقتصادية المستدامة.

 كذلك كشف أحدث تقارير الهيئة الحكومية الدولية (IPCC) المعنية بتغيرات المناخ أن متوسط تدفقات الاستثمار في النقل يجب أن يزيد بسبعة أضعاف على الأقل حتى عام 2030، لإزالة الكربون من القطاع ككل، وسوف تكون الدول النامية أكثر الدول احتياجًا لهذه الاستثمارات، ويرجع ذلك إلى أن الدول النامية لديها موارد محدودة لحماية البنية التحتية للنقل من مخاطر الكوارث المتزايدة.

وتطرق التحليل إلى الفرص الاقتصادية الناتجة عن النقل المستدام مشيراً إلى أن الأموال المستثمرة في تحسين قطاع النقل تُعد ذات فائدة اقتصادية وليست أموالًا مهدرة، فقد تبين أن التكلفة الإضافية لبناء بنية تحتية مستدامة للنقل مقبولة بمقارنتها بالخسائر المناخية التي يمكن تقليلها.

جدير بالذكر أن كل دولار يُستثمر في البنية التحتية المستدامة للنقل في الدول منخفضة ومتوسطة الدخل يدر 5.2 دولارات، كما أن صافي الفائدة الإجمالية للاستثمار في تعزيز البنية التحتية للنقل في الدول النامية سيكون 4.2 تريليونات دولار على مدى عمر البنية التحتية الجديدة. ذلك بفضل ما تحققه البنية التحتية المستدامة من عدد أقل من الاضطرابات وبالتالي تقليل العواقب الاقتصادية، كذلك يلعب النقل دورًا محوريًّا في أجندة التنمية، مما يسهل الوصول إلى فرص العمل، والتعليم، والصحة، والخدمات الاجتماعية، والأسواق المحلية والإقليمية والعالمية.

كذلك توجد روابط واضحة بين الحد من الحواجز التي تعترض النقل وتخفيف حدة الفقر. لهذا فربما نحتاج إلى إعادة تصميم وسائل النقل وتحديثها وتغييرها لتلبية المتطلبات الاجتماعية والاقتصادية والبيئية.

أما بخصوص التدابير اللازمة لتعزيز مرونة واستدامة قطاع النقل، فقد أوضح مركز المعلومات أن الاضطرابات الناجمة عن جائحة كوفيد-19 (COVID-19) قد كشفت عن الحاجة المُلحة إلى زيادة الاستثمار في البنية التحتية والخدمات الذكية والصديقة للبيئة والمرنة للنقل.

نظرًا لأنه من المقرر أن تلعب البنية التحتية دورًا رئيسًا في الانتعاش الاقتصادي العالمي، لذا أبرز التحليل أهم السياسات التي تؤدي دورًا حيويًّا في تعزيز كفاءة ومرونة واستدامة قطاع النقل:
- أولًا: الاستثمار في النقل العام عالي الجودة، وخفض انبعاثات النقل، عن طريق المبادرات التي تهدف إلى اعتماد تقنيات أكثر كفاءة، والانتقال إلى المركبات منخفضة أو معدومة الانبعاثات، كذلك اعتماد تقنيات حديثة ووقود أنظف، وتوسيع استخدام وسائل النقل عديمة الانبعاثات، مثل: الدراجات الهوائية السكوتر الكهربائي، وغيرها.
- ثانيًا: تعزيز استخدام التقنيات الرقمية وتحليلات البيانات لتحسين المسارات، مما يساهم في تقليل الانبعاثات.
- ثالثًا: إنشاء مدن مدمجة (مدن تهدف إلى تقليل الاعتماد على السيارات، وانبعاثات ثاني أكسيد الكربون CO2، مستويات استهلاك الطاقة، عن طريق إتاحة جميع الخدمات لتكون قريبة للمواطن، وتعزز من المساحات الخضراء)، أيضًا تحفيز السلوكيات الخضراء للشركات والأفراد.
- رابعًا: تعزيز إمكانيات إجراء الأعمال عن بُعد، مثل العمل عن بُعد، أو التسوق الإلكتروني الذي بدوره يساهم في خفض معدلات الانبعاثات الناتجة عن النقل.
وذكر المركز في تحليله إنه يجب على الدول تعزيز استدامة قطاع النقل وتوسيع إطار العمل ليشمل تلك السياسات والبرامج الاستثمارية التي تدعم تحسين واستدامة القطاع لتمكين النمو الاقتصادي بها، وذلك من خلال تقديم الدعم للحكومات والسلطات المحلية في القطاعين العام والخاص لاتخاذ قرارات مستنيرة بشأن معالجة تغيرات المناخ، وتسخير الفرص المحتملة لإنشاء أنظمة نقل مستدامة تمكِّن من النمو الشامل المستدام وسط التطور الحضري والاتجاهات الديموغرافية المتطورة.

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: الاحتباس الحراری الدول النامیة فی انبعاثات قطاع النقل الناجمة عن بحلول عام أکثر من إلى أن

إقرأ أيضاً:

استثمارات جديدة لتعزيز قطاع التكنولوجيا والاتصالات في السوق المصري

يشهد السوق المصري توسعات استراتيجية في قطاع التكنولوجيا والاتصالات، مع خطط استثمارية طموحة تهدف إلى تلبية الطلب المتزايد على الأجهزة الحديثة والخدمات التقنية.

وفى هذا الإطار  تم الإعلان عن ضخ استثمارات بقيمة 15 مليون دولار خلال عام 2025، بهدف تعزيز النشاط في هذا القطاع الحيوي وتحقيق نمو في المبيعات بنسبة تتراوح بين 30% و40% مقارنة بالعام الماضي، الذي بلغت فيه المبيعات أكثر من 2 مليار جنيه.  

ساهمت هذه الاستثمارات في دعم العديد من العلامات التجارية الرائدة، مما أدى إلى تحقيق نمو كبير في المبيعات لبعض الشركات بنسبة تصل إلى 70% خلال العامين الماضيين.

 كما شهد السوق زيادة في استيراد الأجهزة بمختلف الطرازات لتلبية احتياجات المستهلكين، مع التركيز على تقديم أحدث التقنيات المبتكرة التي تناسب جميع الفئات.  

يشمل التوسع أيضًا تحسين خدمات ما بعد البيع من خلال تعاون مع شركات صيانة ودعم فني لتوفير تغطية شاملة في جميع أنحاء الجمهورية. بالإضافة إلى ذلك، تخطط الجهات المعنية لزيادة نقاط التوزيع بنسبة 50%، بهدف الوصول إلى قاعدة عملاء أوسع.  

من جهته صرح احمد فتحى رئيس Jit أن  هذه الجهود تانى بدعم حكومى  بالتنسيق مع الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات لضمان الالتزام بالمعايير التنظيمية، مما يعكس التزام القطاع بتقديم منتجات وخدمات عالية الجودة تسهم في تطوير السوق المحلي وتعزيز النمو الاقتصادي وخلق فرص عمل مستدامة.

مقالات مشابهة

  • رئيس الوزراء يستعرض الفرص الاستثمارية في الساحل الشمالي والبحر الأحمر
  • استثمارات جديدة لتعزيز قطاع التكنولوجيا والاتصالات في السوق المصري
  • محافظ الأقصر يتفقد مشروعات تطوير البنية التحتية بمركز القرنة
  • جرافات الاحتلال تدمر البنية التحتية في قباطية  – فيديو
  • «أبوظبي للتنقل» يتعاون مع «جيجاتونز»
  • الرئيس التنفيذي لوكالة الفضاء السعودية يستعرض آفاق اقتصاد الفضاء في قمة الأولوية بميامي
  • من مراكش نحو باريس... إطلاق أول رحلة جوية "خالية من الكربون"
  • وزير الأشغال والإسكان الفلسطيني لـ«الاتحاد»: الحرب دمرت البنية التحتية و60 مليار دولار تكلفة الإعمار
  • محافظ مطروح يستقبل لجنة وزارية لمناقشة الاستفادة من منظومة البنية التحتية للمخلفات الصلبة
  • بروتوكول تعاون بين تنظيم الاتصالات والنيابة في دعم البنية التحتية للمعلومات والتدريب