ليس دفاعا عن الإخوان المسلمين، وليس تبريرا لأخطائهم، وما أكثرها، إنما هو دفاع عن مصر كلها، وعن كرامتها وشرفها.. دفاع عن مصر الحاضر والمستقبل.. دفاع عن التاريخ الذي يجري تزويره، وعلى رأسه تاريخ "ثورة يناير"، أشرف وأطهر وأنقى ثورة عرفتها مصر في تاريخها الحديث والمعاصر.. دفاع عن الجغرافيا التي جرى تبديدها في "تيران وصنافير" و"نهر النيل" شريان حياة مصر منذ الآلاف السنين، والذي تم إهدار قيمته التاريخية، والتفريط فيه كأهم مصدر للحياة على أرض مصر، لصالح أعدائها.



فبرغم الفشل الواضح على مدى أكثر من عشر سنوات، وفي كل المجالات، إلا أنهم سنويا، وبمناسبة مُركب (6/30 – 3/7) من كل عام، يحاولون أن يخطفوا العقول والأذهان، ليذهبوا بها بعيدا -وبشكل هزلي ساخر- نحو عام يتيم أسموه "عام حكم الإخوان"! ومن المساخر أيضا، أنهم يتعاملون معه وكأنه قرن كامل من الحكم!

كما أنهم إمعانا في التضليل لا زالوا يعتبرون ذلك ثورة! فهل يمكن أن يصدق أحد أن هناك ثورة يقودها "أحمد موسى"، و"مصطفى بكري"، و"لميس الحديدي"؟! أم يمكنه أن يصدق أن هناك ثورة يتصدرها كل رموز النظام الذي قامت عليه "الثورة الحقيقة"؟! وإن صدق ذلك يوما، فهل يمكنه أن يقول بذلك اليوم؟!

إننا إذا صدقنا وسلمنا بأنها ثورة، فهي الثورة التي هبطت بالجنيه المصري مهاوي سحيقة، لا يعلم أحد حتى الآن كيف يخرج منها ومتى! إنها الثورة التي رفعت سعر رغيف الخبز أضعافا مضاعفة، برغم تشويه شكله وتهديد وزنه!!

النظرة السريعة للخريطة السياسية التي أنتجتها "ثورة 30/6 – 3/7"! تكشف الحقيقة المرة، حيث انصرف عنها كل الشرفاء الذين خُدعوا بها، بعد أن ذاقوا ويلاتها، ولم يبق معها سوى المنتفعين، والمرتزقة، ورموز الثورة المضادة، كما انصرفت عنها بالضرورة، قطاعات الشعب التي ضُللت، والتي استُخدمت ستارا لتمريرها
وإذا كان هناك من لا يزال يصدق أنها ثورة، فهي الثورة التي باعت الأرض في تيران وصنافير، لصالح إسرائيل، وهي الثورة التي فرطت في نهر النيل، لصالح إحكام قبضة الكيان الصهيوني على مصر وشعبها، حاضرا ومستقبلا، وهي الثورة التي باعت سيناء وفرطت فيها بأشكال مختلفة، كما جعلتها مركزا لصفقة القرن، التي أصبحت بؤرة التغيرات الكبرى التي يجري تخطيطها لمنطقتنا، حيث أصبح المستفيد الرئيس من هذه الثورة هو الكيان الصهيوني ومشروعه في المنطقة! وهي الثورة التي كبلت مصر بديون ثقيلة لم تشهدها على طول تاريخها، ولم يسلم من تبعاتها الجيل الحالي، كما تهدف لتركيع الأجيال القادمة.. وهي الثورة التي تنازلت عن المليارات المكعبة من غاز المتوسط، لكي تضيء كل مدن وشوارع إسرائيل، ولو أظلمت مصر، ومات أهلها من شدة الحرّ، أو في "الاسانسيرات" (المصاعد)، أو رسب طلاب ثانويتها العامة.

لقد زعموا أنهم أخرجوا مصر من حكم الإخوان، لكنهم في الحقيقة أردوا أن يرهنوا سيادتها، ويوقعوها في حكم كل من هب ودب في المنطقة.. لقد زعموا أنهم أنقذوها من اختطاف التنظيم الدولي، لكنهم في الحقيقة أرادوا أن يوقعوها في حضن الكيان الصهيوني، ومشروعه العالمي!!

إن النظرة السريعة للخريطة السياسية التي أنتجتها "ثورة 30/6 – 3/7"! تكشف الحقيقة المرة، حيث انصرف عنها كل الشرفاء الذين خُدعوا بها، بعد أن ذاقوا ويلاتها، ولم يبق معها سوى المنتفعين، والمرتزقة، ورموز الثورة المضادة، كما انصرفت عنها بالضرورة، قطاعات الشعب التي ضُللت، والتي استُخدمت ستارا لتمريرها.

إن نظرة عابرة لذات الخريطة في محاولة للبحث عن رموز "ثورة يناير"، لن تجدهم اليوم سوى شهداء: قتلتهم مدرعات الثورة المضادة في ميدان التحرير، في كل ميادين مصر عام 2011 إبان انطلاقها، أو قتلوا في مواجهة طائرات ورشاشات 3 تموز/ يوليو في الشوارع والميادين عام 2013.. إن نظرة عابرة على سجون وعنابر وزنازين مصر اليوم، على كثرتها، تكشف كم هي مكتظة بثوار يناير، ومفجريها، ومنظريها، وكل من شارك فيها، أو تعاطف معها.. إن نظرة سريعة للمنفيين والمطاردين خارج مصر، تكشف أنهم: ما بين مشارك في حلم يناير، أو من تأثر بها فلحق بها لشرفها وكرامتها، ومن يدافع عنها وربط مصيره بنجاحها، فضلا عمن يدفعون ثمن ذلك تضحية وملاحقة لا تتوقف، من قبل قادة الثورة المزعومة والخديعة الكبرى!

إن الحقيقة التي يجب أن تكون واضحة اليوم، بعد كل الذي جرى، وما وصلنا إليه، هو أن اعتبار مظاهرات 30 حزيران/ يونيو، وما أعقبها يوم 3 تموز/ يوليو، ثورة على حكم الإخوان، إنما هي كذبة كبرى لطمس أم الحقائق، وهي أنها كانت -في العمق- ثورة مضادة "لثورة يناير"، وبالأحرى كانت انقلابا عليها، وأنها قد اتخذت من شعار "إسقاط حكم الإخوان" ستارا لهذا الانقلاب، حيث استغلت أخطاءهم الكثيرة في الحكم وعلى جانبيه، وهي كثيرة، كما وظفت هذه الأخطاء في حشد وتعبئة الكثيرين، بل ووظفت كل خصوم الإخوان في مواجهتهم، وعبّأت من خلال ذلك قطاعات شعبية كبيرة، تضررت من تعطيل المرافق والمصالح المتعمد، والذي كانت تديره الدولة العميقة بشكل واضح، والتي لا يمكن أن تديره بطبيعة أحوال الاستبداد المتحكم في بلادنا أي جهة غيرها.

ومن المفارقات التي يجب أن يلتفت إليها كل متابع لإعلام سلطة اليوم، الذي يُضرب به المثل في الدنيا كلها، أنهم بعد أن اكتشفوا وقوعهم في كل ما عابوه على حكم الإخوان، وأنهم أسقطوا البلاد عمدا في كل ما كالوه اتهاما جزافيا للإخوان، إذا بهم اليوم يحصرون ويقصرون أهداف ثورتهم على "الهوية"! الهوية المنزهة عن المصالح والمرافق والخدمات! وكأنها كانت في قلب الخطر، بينما أصبحت اليوم في مأمن! وكأن ثورتهم لم تكن لها أية علاقة بالخدمات التي عطلها الإخوان! ولا المرافق التي تدهورت في عهد "ثورة 30 يونيو"! ولا الدولار الذي تبغدد في ظل حكمها! ولا البنزين والسولار الذي اختفى مع ظهورها، ولا الكهرباء التي غادرت البلاد على طلتها!

والحقيقة التي تغيب عن البعض اليوم، ويجب أن نستحضرها إبراء للذمة، وأداء لأمانة الكلمة وواجب الشهادة، أن الأهداف التي أسقطتها مظاهرات 30 يونيو -التي كانت مجرد مظلة سياسية ضرورية لانقلاب 3 يوليو- هي كل أهداف ثورة يناير، ابتداء من "العيش"، ومرورا "بالحرية"، ووصولا لـ"العدالة الاجتماعية" و"الكرامة الإنسانية"، كما أن الشعارات التي أهانتها وسخرت منها هي شعارات ثورة يناير، وأهمها "الدولة المدنية الديمقراطية" في مقابل "الدولة العسكرية"، التي أصبحت اليوم تتخلل كل مسام الدولة والمجتمع، وتسمم كل مظاهر الحياة السياسية كما الاقتصادية.

لم يعد هنا شك أن ذلك لم يكن ثورة ضد حكم الإخوان، ولا ينبغي أن نصدق ذلك، وإن كان حكم الإخوان وأخطاؤهم بطبيعة الحال هي الذريعة التي بني عليها هذا الحراك وهذا الانقلاب، بينما أنتج هو كل هذه الكوارث التي يعيشها الشعب المصري اليوم
كما أن الجيل الذي سحقته مظاهرات 30 يونيو، وما ترتب عليها في 3 يوليو، هو جيل الشباب الذي فجر ثورة يناير، والذي بث أملا منقطع النظير في كل أرجاء مصر، بل وفي مناطق كثيرة من العالم، كانت تتطلع للتغيير، وتتعاطف مع شعب مصر الذي عانى كثيرا من ويلات الاستبداد والديكتاتورية، لهذا أصبحت يومها تقاليد "ميدان التحرير" هي التقاليد المعتبرة والمميزة لكل حراك جماهيري معارض، في أي مكان من العالم، بما في ذلك مدن الولايات المتحدة وإسرائيل.

كما أن نتائج 30 يونيو وما أعقبها في 3 يوليو، انتقلت بمصر من نظام مبارك إلى نسخة معدلة -وصفت بأنها الأردأ- من ذات النظام الذي أسقطته ثورة يناير، وما لم يكن واضحا بالأمس أصبح واضحا اليوم، كما أصبحت كل المؤامرات والخيالات التي نسبوها لحكم الإخوان حقيقة مع حكمهم، وثيقة الصلة بسلطتهم، لا تنفك عنها بحال، ابتداء من التفريط في مياه النيل، ووصولا للتفريط في سيناء، وبينهما انهيار الجنيه مقابل الدولار، وارتفاع الأسعار، وقطع الكهرباء تحت مظلة العنوان الساخر "تخفيف الأحمال"!

وبعد أن أصبح من المقطوع به أن مشروع 30 يونيو، وما أنتجه يوم 3 يوليو، إنما هو لهدم كل منتجات ثورة يناير، لم يعد هنا شك أن ذلك لم يكن ثورة ضد حكم الإخوان، ولا ينبغي أن نصدق ذلك، وإن كان حكم الإخوان وأخطاؤهم بطبيعة الحال هي الذريعة التي بني عليها هذا الحراك وهذا الانقلاب، بينما أنتج هو كل هذه الكوارث التي يعيشها الشعب المصري اليوم.

وإذا كان حكم الإخوان قد ارتكب كل هذه الآثام، وتسبب في كل هذه الأزمات خلال عام يتيم، فماذا فعل الإنقاذ والمنقذون، خلال أكثر من عشر سنوات؟! هل أنقذوا مصر فعلا؟ أم أصابوها بما لم تصب به من الكوارث والأزمات على مدى عقود، بل قرون طويلة؟! هل حموا مصر فعلا ودافعوا عن أمنها القومي، أم عرضوها لسرقة حاضرها ومستقبلها، بل وسرقة تاريخها وتبديد جغرافيتها، لأول مرة منذ فجر التاريخ؟!

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الإخوان مصر الثورة 30 يونيو مصر الإنقلاب الإخوان الثورة 30 يونيو مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة مقالات صحافة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة وهی الثورة التی حکم الإخوان ثورة ینایر دفاع عن بعد أن کل هذه کما أن

إقرأ أيضاً:

ذكرى 19 ديسمبر: عهد يتجدد مع الحرية والسلام والعدالة.

فتحي محمد عبده

في مثل هذا اليوم من عام 2018، شهدت مدينة عطبرة شرارة ثورة ديسمبر المجيدة، وأشعلت جذوة النضال في قلوب الملايين من السودانيات والسودانيين. عطبرة، مدينة العمال والنضال، كانت كعادتها في طليعة الحراك الثوري، حيث أضرمت نار الغضب في وكر الكيزان ودار حزبهم (المحلول)، معلنة بداية نهاية عهد الظلم والاستبداد. هذه اللحظة التاريخية، التي انطلقت من شوارع عطبرة، كانت بمثابة سقوط سجن الباستيل في الثورة الفرنسية، حيث أضاءت طريق الحرية لشعب عانى طويلًا من القمع والقهر.

ثورة ديسمبر لم تكن مجرد احتجاجات عابرة وفعل أدى إلى سقوط دكتاتورية وإقامة نظام حكم بديل فقط؛ بل كانت انتفاضة أمة بأكملها، اجتمعت على هدف واحد: استرداد الوطن من قبضة الإسلاميين الطغاة. خرج الرجال والنساء، الكبار والصغار، في المدن والقرى والفرقان، حاملين آمالهم وأحلامهم في وطن تسوده الحرية والسلام والعدالة. كانت هتافاتهم تملأ الشوارع، وأصواتهم تتحدى الرصاص والهراوات، مؤكدين أن إرادة الشعوب لا تُقهر.

ونحن نستذكر تلك اللحظات البطولية، نؤكد أن ثورة ديسمبر لم تنتهِ، بل هي مستمرة في كل فعل مقاوم، وفي كل صوت يطالب بالحرية والسلام والكرامة. إنها رواية كتبها جيل رفض الخنوع لعسكر الدكتاتوريات، وأصرّ على بناء مستقبل يليق بتضحيات شهدائه.

لكننا نعيش الآن فصلًا صعبًا من هذه الرواية، حيث تواجه بلادنا حربًا إجرامية تسعى لطمس أحلام شعبنا. الآلاف فقدوا أرواحهم، والملايين شُرّدوا من ديارهم، والجرائم البشعة تُرتكب بحق الأبرياء. ورغم ذلك، فإن روح الثورة لا تزال حية، تلهمنا بالمضي قدمًا، وتُشعل فينا الأمل بأن الغد سيكون أفضل.

إن هذه الذكرى ليست فقط فرصة للاحتفال، بل هي لحظة لتجديد العهد مع الوطن. فلنعمل جميعًا على إكمال مسيرة الثورة، بالوحدة والإصرار على تحقيق أهدافها. لا تراجع عن الحرية، ولا مساومة على العدالة، ولا بديل عن السلام الحقيقي الذي يُعيد الكرامة والحقوق لشعبنا..

في ذكرى 19 ديسمبر، لنتذكر تضحيات رفاقنا الشهداء والجرحى لنستعيد ذاكرة تلك الملاحم البطولية، ولنردد هتافاتنا التي لن تسكت حتى يتحقق حلم النصر الكامل للثورة ومقاصدها. فلنستلهم من عطبرة، ومن كل مدينة وفريق وقرية ناضلت، قوة الصمود والعزيمة، ولنواصل السير على درب الشهداء، حتى نرى السودان الذي نحلم به.

عاش السودان، ونضال شعبه الأبي.

المجد والخلود والانحناء لشهداء الثورة، والخزي والعار للطغاة، والنصر حليف شعبنا لا محالة.

الوسومفتحي محمد عبده

مقالات مشابهة

  • حركة العدل والمساواة السودانية .. بيان بمناسبة الذكرى السادسة لثورة ديسمبر المجيدة
  • هل كانت ثورة ام وهم الواهمين
  • استفتاء 19 ديسمبر .. جذوة الثورة ما تزال حية
  • في ذكراها السادسة كيف تم إجهاض ثورة ديسمبر؟
  • ثورة يحبّها الأعداء… إلى حين!
  • استفتاء 19 ديسمبر ..جذوة الثورة ما تزال حية 
  • ذكرى 19 ديسمبر: عهد يتجدد مع الحرية والسلام والعدالة.
  • السلام طريق إنقاذ الوطن وبنائه على أسس جديدة
  • ماذا حدث لثورتنا: أسأل عن الطبقة في قيادتها
  • هل كانت ديسمبر نصف ثورة؟