العنف الاسري يتطلب تغيير الثقافة الاجتماعية مع الردع القانوني و تغيير المناهج
تاريخ النشر: 3rd, July 2024 GMT
بغداد اليوم - بغداد
بقلم: سارة طالب السهيل
العنف الاسري هو موضوع الساعة وكل ساعة بالعراق يؤرق الضحايا ويفزعهم ليل نهار ، لأنهم يتوقعون تعرضهم للعنف بكل أشكاله اللفظي والجسدي في اية لحظة تحت وطأة مسببات قد نظن انها السبب مثل الأزمة الاقتصادية وقصور التشريعات القانونية في حماية المعنفين ومنحها للرجل زوجا او أبا او اخا سلطات التأديب ، ولكني أرى ان العنف الأسري في العراق فاق الحد المعقول عن العالم.
ربما جرائم العنف موجودة في كل بلدان العالم بنسب متفاوتة تحت تأثير الكحول والمخدرات، بينما هي بالعراق بالعشرات وبشكل يومي ويكاد يكون أسلوب حياة وسلوك معتاد .
الناصح محب و أنا أحاول النصح للإصلاح وليس من باب النقد فلا نقد للأهل والأحباب ، خاصة وانني ليس لدي قدرة على الدخول لكل بيت وتقديم له النصيحة الا عبر صفحات تقرأها الناس كلها ، بينما القانون يقف على استحياء ويقول لا نتدخل بالشؤون العائلية ، إذا فليدفن كل أب أطفاله و يضرب زوجته و يشوهها نفسيا و جسديا . (فالإنسان ~للتذكير ~ له قيمة)
والطامة الكبرى انه من كثرة اعتياد تعرض النساء للتعنيف من ازواجهن بعضهن اصبحن عنيفات و قاسيات، فقد لا تجد امرأة تفرح بالضرب و القتل إلا في عندنا ، وتعليقاتهن تحت أي موضوع عنف تؤكد ذلك مقولة مثل عاشت إيده و تستاهل !!!
وقد يكون سبب ضرب الاب لابنه مثلا عدم استكماله الدرجات الاكبر في مادة اللغة الإنجليزية ، أو ضرب زوجته لان الشاي بارد !!! و تعلق بعض النساء على ضرب بنات جنسهن (عاشت ايده) و على ضرب الأطفال و هم مفترض أصحاب القلوب الرقيقة و الرحيمة (احسن خلي يأدبه)
والبعض الآخر من الأمهات يرين عنف الأب بحق الأبناء الصغار ولا تسرع لإنقاذهم من بطشه ، وتكتفي بالشكوى للجيران من قسوة الأب بسبب خوفها من تطلقيها او هدم الأسرة ، فالخوف هو المتحكم في الاسرة العنيفة .
و أنا لا أتطرق إلى جرائم متعلقة بالنساء من ناحية الانضباط الأخلاقي او الديني و الشرف لان هذا الموضوع شائك و معقد و متشعب وله ناسه الي تحكم به ،فأنا أركز على شكل السلوك اليومي العنيف داخل الاسرة في تفاعل الحياة اليومية والتي تستدعي التوجيه والتربية و طول البال وترتبط بمفهوم تربية الأبناء ، والشراكة بين الزوجين في إقامة علاقة اسرية دافئة ومحترمة وإنسانية قوامها الود والسكن النفسي .
بتقديري ، ان المجتمع العراقي في أشد الحاجة اليوم إلى تحديد هذه المفاهيم لتحديد شكل الاسرة والحفاظ على تماسكها . فالنتائج بعد أجيال واجيال من استخدام العنف والترهيب والضرب واضحة للعيان على الصعيد الشخصي والاجتماعي في البيت و العمل و الشارع بالحياة الخاصة و العامة حتى في السياسة ابتداء من الستينيات والسبعينيات والثمانينيات و التسعينيات وحروب الطائفية و الإرهاب و داعش فلا شيء يخرج من فراغ إلا بتراكمات و ممارسات سلوكية غير صحيحة
فالعنف الأسري منتشر في ربوع العراق ، ولكن بغداد تتصدر قائمة المحافظات الأكثر عنفا حيث تبلغ بحسب الاحصائيات الرسمية نحو 100 حالة يوميا ، والأطفال بالعراق يعيشون في خوف وتدمير نفسي مستمر بتعرضهم للعنف والتعنيف اللفظي والضرب والاصابات الجسدية .وتحظى محكمة استئناف بغداد – الكرخ بالنصيب الأكبر من دعاوي قضايا العنف ضد الأطفال سواء من جانب الأب أو زوجة الاب .
يبدو ان الأطفال بالعراق يضربون ويعنفون كما يأكلون ويتنفسون ، حيث يضرب أربعة أطفال من بين كل خمسة ، كما يذكر تقرير منظمة اليونيسف ، وهو ما دفع المنظمة الدولية إلى مطالبة الحكومة العراقية إلى رصد مرتكبي الجرائم بحق الأطفال وتقديمهم للمحاكمة ، خاصة وان هذه الجرائم تُخالف اتفاقيات الطفل وميثاق العهد الدولي وحقوق الإنسان .
و لاشك ان تعرض الأطفال للعنف في مراحل تنشئته الاولى حتى عمر ال 15 عاما تحطم نفسيتهم وتجعلهم حاقدين على المجتمع ومؤهلين لارتكاب الجرائم مستقبلا ، كما يؤكد خبراء علم النفس الجنائي .
فوفق المديرية لحماية الأسرة والطفل من العنف الأسري ، التابعة لوزارة الداخلية العراقية، فان معدل حالات اعتداء الزوج على الزوجة بلغ 57 % من إجمالي الحالات، و اعتداء الزوجة على الزوج فقد بلغت نسبته 17% واعتداء الأبوين على الأطفال نسبته 6% والاعتداء على كبار السن كالجد والجدة 2% ..هذا ما تم الاعتراف به و رصده
وقد تنجح السلطات الأمنية في انقاذ بعض الحالات المعرضة للعنف بعد نشرها على مواقع التواصل الاجتماعي ، ولكن الحالات الأكثر مخفية ولا تجد من يحميها من قهر أسرهم .
اما النساء بالعراق فهن الأكثر تعرضا للعنف اللفظي والاعتداء الجسدي خاصة المتزوجات منهن ، ولا يلجأن للقضاء خوفا من مساءلة الأهل والعشيرة ، والكثير من النساء ضيعت كرامتهن وحقوقهن الإنسانية خضوعا للمفاهيم المغلوطة ، فقد يزوجنها صغيرة السن رغما عنها زواجا قسريا ، ومع ذلك فهي مطالبة بالخضوع مرة اخرى لعنف الزوج (المخمور او المتعاطي و ربما صاحي من الإدمان إلا من ادمان العنف ) واعتداءاته دون شكوى وابلاغ السلطات خوفا من أهلها .
وتواجه المرأة العراقية أيضا الكثير من مظاهر العنف الاقتصادي ، حيث يأخذ الاهل منها ابا او أخ اكبر راتبها بالقوة واذا رفضت يتم تهديدها بالمنع عن العمل ، وتنتقل المأساة للمرأة عندما تتزوج فيحل الزوج محل الأهل في اخذ راتب زوجته بالقوة ، خاصة اذا كان عاطلا عن العمل ، فاذا رفضت تتعرض للضرب والتنكيل والاصابات الجسدية التي لا تنمحي آثارها النفسية حتى لو طلقت ورجعت لبيت أبيها .
فالمجتمع يمارس سلطة العنف الاقتصادي بحق المرأة بأشكال عديدة منها أيضا السيطرة على الميراث او الممتلكات الخاصة ، وحتى المرأة الريفية لا تسلم من هذه المظالم الاجتماعية حيث نتاج عملها بالزراعة وإنتاج المحاصيل يذهب لأسرتها وزوجها دون ان تتمتع بحقها في التصرف فيه بحرية .
بتقديري ان العنف الاسري بالعراق ليس مرجعه الأزمات الاقتصادية او أثار مواجهة العراق من احتلال او فترات الإرهابية لداعش واخواتها ، بل مرجعه بالأساس ثقافي يحتاج لبذل المزيد من الجهد التوعوي لتغيير ثقافة المجتمع العنيفة بحق الفئات الأكثر ضعفا الطفل والمرأة .
فالثقافة العراقية تمنح سلطة اجتماعية مُطلقة للآباء على الأبناء حتى لو بالأذى ، كما يمنح الكبار سلطة على الصغار و تقل هذه السلطة وتزداد بحسب صلات النسب والقرابة .
وبموجب ذلك ، فان الآباء يقسون على الأطفال لمنعهم من ارتكاب أخطاءً تعرض الكبار لتكلفة اجتماعية عندما يتجاوز الصغار القيم والأعراف المتوارثة ، بينما تعطي الثقافة الاجتماعية للرجل حق ضرب واهانة المرأة من مفهوم انها إنسانة تابعة غير مستقلة الحقوق والكرامة و على انها لا تفهم واحيانا تعامل على انها عورة و عيب و احيانا اخرى تعامل على انها غير واعية ولا مدركة او كانها لم تتلق تربية او تعليم فوجب تأديبها طوال حياتها .
ومن ناحية اخرى فان للاضطرابات النفسية للرجل لها دور كبير في ممارسة العنف بحق اسرته ، فاذا كان قد تعرض للعنف أو شعر بالعجز عن تلبية متطلبات اسرته ، فان سلوكه يحول نحو العنف لتغطية شعوره بالنقص وعدم الثقة بالنفس .
ومن هنا انصح الرجال بعدم الزواج ان كان يعلم انه سيعيش مجرم و معنف و يتسبب بعاهات نفسيه وجسدية و امراض نفسية و عصبية لأولاده وزوجته ، و بالتالي يوثر في تشكيل شخصيات و خلق نماذج مدمرة نفسيا لا يمكنها خدمة مجتمعها ووطنها ، وتكون بالتالي عبئا على الوطن ، و من هنا أيضا يجب محاكمة هؤلاء الرجال على انجاب أطفال و تربيتهم على العنف و القهر .
و برأيي أيضا ، ان تحاكم الأم التي تسمح لأي أحد بمس شعرة من أطفالها حتى لو كان أبوهم فلتذهب إلى بيت والدها ليحميها ويحمي كرامتها و أطفالها من الأذى .
أما من يدعي ان هروب الزوجة إلى بيت أهلها تفكك اسري ويؤدي الي زيادة نسب الطلاق ، فمن الأجدر عدم خوض التجربة الفاشلة من البداية لمن يعلم انه معنف وأن التفكك الحقيقي والأذى الحقيقي هو العنف و الضرب و الإهانة التي لم يرضاها الله سبحانه وتعالى على الحيوانات فما بالنا بالإنسان الذي خلقه الله وكرمه وبكل كياني ادعم كل الاصوات العراقية الوطنية المخلصة الذين يدعون لوقف العنف الأسري و وضع علاج عاجل لأزماته سواء من حيث سن تشريعات قانونية لحماية المرأة والطفل من التعرض للعنف ، او العمل على تغيير المفاهيم الاجتماعية التي تسلب حق المرأة والطفل في حياة انسانية كريمة وآمنة ، ونشر الوعي في المجتمع بضرورة تثقيف الزوجين بالحياة الأسرية المتناغمة ، واحترام الأطفال ورعايتهم وحمايتهم من العنف حسبما كرست الشرائع السماوية والانسانية .
وتشجيع المجتمع للإفصاح عن جرائم العنف الأسري لتوفير فرص التدخل والانقاذ السريع .والاهم من ذلك كله محاربة الخوف الاجتماعي من الأعراف والمفاهيم المغلوطة بغرس ثقافة الشجاعة على فعل الحق وقوله لحماية المجتمع من التفكك والانهيار وتوسيع دور الدولة في علاج واعادة تأهيل الأطفال والنساء الذين تعرضوا للعنف والاساءة من ذويهم وعلاجهم نفسيا من أثار هذا العنف ، خاصة في ظل حالات لم تتحمل هذه الاساءات وأقدمت على الانتحار ، مع الاسراع بإصدار قانون مناهضة العف الاسري لردع مرتكبي جرائم العنف بحق الصغار والنساء وكبار السن . و انصح بضرورة تاسيس مركز لاستضافة المعنفات و اطفالهن و اعادة تأهيلهم او على الاقل بدايةَ تأمين الحماية و المكان الامن لهم للعيش الكريم حتى يستطعن الوقوف على أقدامهن مجددا على ان يكون هذا المركز فاعلا بتلقى الشكاوى حاليا بسرية حتى نتمكن بتمرير وقت كاف للتوعية و تدريب المجتمع على احترام كيان الانسان (المراة والطفل ) على ان تكون التوعية مشمولة بالمناهج التعليمية
كالتي أوجهها للأطفال في كتبي التعليمية و ابتداء من العمر الصغير حتى يتربى الطفل على احترام غيره و على الرحمة و الرأفه و اللين مع البشر و اهل بيته و ان يعلم ان المرأة كائن خلقه الله سبحانه وتعالى موازيا و مساويا للرجل بالحقوق والواجبات تستحق الاحترام والتقدير وحفظ الكرامة و عدم التعدي عليها بالعنف النفسي او الجسدي أو المعنوي او اللفظي إمساك بالمعروف او تسريح بإحسان.
اما الأطفال فهم لهم حق علينا بحسن معاملتهم و تربيتهم و تنشئتهم على القيم و الأخلاق و المبادئ الطيبة و تعليمهم علوم الدين و الدنيا وتزويدهم بالحب و الحنان و العطف و اللين حتى يشتد عودهم فالضرب هو وسيلة الكسالى و من ليس لديه وقت للتربية يلجأ للتخويف و قد كرم الله سبحانه وتعالى بني آدم بالعقل و هذا العقل وجد لمخاطبته و محاكاته بالعقل والمنطق بالإرشاد و التوجيه فمن يعالج الاخطاء بالضرب و الخوف يبني مجتمع مريض متفكك مُعنَّف و يُعنّْف ،يحمل بقلبه الكثير و يحتاج ان يفرغ طاقته السلبية في اقرب فرصة
و التربية الحقيقية هي الإقناع فالمقتنع لن يفعل الخطايا امامك و لا خلفك بينما المضروب سيفعل الخطايا من خلف ضهرك لانه لم يفهم شيئا ولم يدرك و لم يقتنع يا ايها آلناس ارتقوا قليلا في بيوتكم في الألفية الثالثة انظروا من حولكم الجميع يمضي للأمام فنحن كنا دوما بالمقدمة فلا نستحق التراجع أبدا ناهيك عن ردود افعال الانتقام من قبل الزوجة او الطفل التي تصدر بأشكال مختلفة كل حسب طاقته و بيئته إلا ان المؤكد انها او انه سينتقم فالعنف يولد العنف و الكره يولد الكره و هناك نظرية العنف و العنف المضاد كفانا اذى فالله شاهد على كل منا فهذه المرأة التي تحملت الكثير و اعطت الكثير تستحق التقدير .
و لو افترضنا انها ليست على قدر المسؤولية او اقل من توقعاتك فتسريح باحسان فأنت لست خالقها لتعذبها متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم امهاتهم احرارا .
و أطالب رجال الدين و منابر العلم ان يوجّهوا خطابهم الديني للتربية و تصحيح المفاهيم الخاطئة و تغيير السلوك من اجل الارتقاء بالمجتمع و الاسرة بدلا من زرع الأفكار الظلامية او تكرار توافه الأمور التي ليس لها دور في حياة الانسان على ارض الواقع والتركيز على المظهر دون الجوهر كما أطالب وسائل الإعلام بعقد المؤتمرات والندوات التثقيفية و التوعوية لهذا الغرض و في المدارس كما اشرت و ابتداء من الأعمار المبكرة لان الكبار صعب أصلاحهم و انما سهل بناء جيل جديد وانا جاهزة لعمل دراسة لتنفيذ هذا فهذا ما نستطيع عمله كوني لست دائرة او سلطة تنفيذية .
و اخيرا وليس اخراً اطالب بإنتاج اعمال تلفزيونية او سينمائية للكبار و الصغار لتعليم الناس الحقوق والواجبات في البيت و الاسرة و تأهيل المتزوجين حديثا للقيام بأدوارهم المطلوبة من حسن العشرة و الاحترام المتبادل و الالتزام و تربية الاطفال بالشكل الصحيح
اضافة للحد من ظاهرة خيانة الزوج لزوجته التي هي احد المسببات للعنف الأسري
و اطالب بتشكيل لجان من خبراء علم النفس و الارشاد الأسري في كل منطقه و لا ننسى ان الناس عانت كثيرا في ال ٥٠ سنة الماضية يعني جيلين مروا بحروب و كوارث حتى تنفسوا مؤخرا الصعداء فكل هذه التراكمات لم يتم التعامل معها ولا مواجهتها ولا اعادة بناء الانسان الذي تهشم من كثر ما تكالبت عليه الظروف و الأمم له المبررات لكن يجب العمل الجاد على تغيير نفسه فالجميع لديه معاناته في كل بقاع الارض ولكن الفرق ان هناك من يستسلم وهناك من يعمل جاهدا لتطوير و اصلاح نفسه
محبتي و خوفي على كل امراة هي اخت لي و كل طفل اعتبره طفلي جعلتني اكتب بحرقة قلب على كل من يعاني من الالم
وللعلم ان المعنف نفسه هو ضحية لانه واجه تعنيف و سوء رعاية و سوء تربية جعلته يشعر بالضعف و الخوف و الانكسار فيستقوي على النساء و الأطفال
المصدر: وكالة بغداد اليوم
كلمات دلالية: العنف الأسری على ان
إقرأ أيضاً:
ثلث نساء العالم ضحايا عنف
ثلث نساء العالم ضحايا عنف
د. آمال موسى
تنطلق، الاثنين المقبل، الحملة الدولية لـ16 يوماً من النشاط ضد العنف الموجه للنساء والفتيات. وهي مناسبة دولية وحملة من الأنشطة تُختتم بإحياء اليوم العالمي لحقوق الإنسان من أجل التعبير عن رفض هذه الظاهرة، التي ما فتئت تعرف ارتفاعاً بخاصة مع الحجر الصحي الذي فرضته جائحة «كوفيد – 19»، إذ تضاعف عدد الضحايا مرات ومرات. وهنا يمكن استنتاج مدى العلاقة بين الأزمات وارتفاع معدل العنف وكيف تصبح النساء والفتيات أكثر استهدافاً، مما يعزز فكرة هشاشتهن.
بل إن التحليل القائم على مقاربة بيئية مفادها أن العنف ضد المرأة يتفاقم ومهدَّد بمزيد من التفاقم مع استفحال التأثيرات السلبية لتغيرات المناخ إنما هو تفسير يزداد وجاهةً، أي إن تغير المناخ وتداعيات ذلك يسهمان في تفاقم ظاهرة العنف ضد النساء.
طبعاً الحديث عن هذه الظاهرة لا يستند إلى رؤية آيديولوجية نسوية كما يحلو للكثير تسويق ذلك، وإنما نحن أمام ظاهرة تُقاس كمياً وتُقرأ بالأرقام والنسب والإحصاءات. وفي السنوات الأخيرة بدأت تنتشر مراصد للعنف ضد المرأة في بلدان عدّة ومراكز لإيواء النساء المعنَّفات، إضافةً إلى أنه لا تكاد تخلو دولة اليوم من خط ساخن مخصص لاستقبال النساء المعنَّفات وتعهُّدهن.
تشير التقديرات الأممية إلى أن 736 مليون امرأة على مستوى العالم -أي واحدة من كل ثلاث نساء تقريباً- وقعن ضحايا للعنف الجسدي و/أو الجنسي مرة واحدة على الأقل في حياتهن. بل إن الرصد العالمي يذهب بعيداً في تفكيك هذا الرقم الصادم ويتناول أعلى درجات العنف وأقساها وأبشعها وهو القتل الذي أصبح الملمح الأكثر سطوة في بنية العنف الموجَّه إلى النساء والفتيات اليوم. من ذلك ما تؤكده الإحصاءات الأممية:
– تُقتل 5 نساء أو فتيات في كل ساعة على يد أحد أفراد أسرهن.
– تتعرض واحدة من كل ثلاث نساء للعنف الجنسي أو الجسدي مرة واحدة على الأقل في حياتها.
واللافت للانتباه أنه رغم تفاقم الظاهرة ووعي الدول بها وحجم الجهد الذي أصبح محمولاً على عاتق وزارات الداخلية، ورغم صدمات الرأي العام من حوادث ممعنة في البشاعة عنفاً وقتلاً (الحرق، والذبح…)، فإن الميزانيات المخصصة من طرف الحكومات لحماية النساء ضحايا العنف هزيلة جداً ولا تكاد تفي بالحاجة، وما زال هذا الملف ثانوياً ويعالَج بالحد الأدنى من الوعي واليقظة والإمكانات. وهكذا نفهم لماذا تعيش 86 في المائة من النساء والفتيات في بلدان لا توجد بها أنظمة حماية قانونية من العنف القائم على النوع الاجتماعي.
حتى المساعدات الأممية للمجتمع المدني الناشط في مجال مناهضة العنف ضد المرأة، هزيلة أكثر وأكثر لأنها تركز على الدعم الفني والدراسات التي تخوِّل للمنظمات الأممية قياس الظاهرة والتمكن من المعلومات الكمية. لذلك فإن هذه المنظمات الأممية تساعد الدول على بناء منصات رصد الإشعارات، وتدير ظهرها لدعم المراكز بالأجهزة ومرافق النقل ومعاشات الإطارات التي ستتعهد بالنساء ضحايا العنف.
لذلك فإن الحكومات الوطنية مرهَقة، وترى في الاستثمار في حماية النساء مسألة ليست ذات أولوية، وأن كل الأولوية إدارة الشأن اليومي للمواطنين ومجابهة الضغوط الاقتصادية، وأيضاً المنظمات الدولية معنية بالحصول على بيانات تصنِّف بها الدول وتفاوضها في ملفات أخرى مختلفة تماماً بتلك الأرقام التي استثمرت للحصول عليها بمبالغ زهيدة مخجلة.
لنأتِ الآن إلى أهم نقطة، حسب اعتقادنا، وهي من نتاج الخبرة التي جنيتها من تحملي مسؤولية وزيرة الأسرة والمرأة في بلادي تونس، وتتمثل هذه النقطة في أنه لا شيء يضاهي الاستثمار في الوقاية من العنف لأن تكلفته باهظة جداً، ويصعب على أي دولة تقديم المعالجة الحمائية المثالية للنساء ضحايا العنف. والوقاية تكون بالتنشئة الثقافية داخل الأسرة بالمساواة بين الذكور والإناث وإيلاء الأنسنة والحوار والتقدير كل الانتباه في عملية تربية الأطفال. وبالتوازي مع ذلك لا مفرَّ من تحسين ظروف الناس والمَقدرة الشرائية، وخفض معدلات البطالة، وتشغيل النساء ومقاومة نسب البطالة العالية في صفوف النساء.
نركز على معالجة الفقر والبطالة لأن مشكل العنف ضد المرأة هو مادي في المقام الأول. وليس صدفة أن تكون ثلاثة أرباع النساء المعنَّفات عاطلات عن العمل أو يشتغلن مهناً هامشية وبصفة غير مقرَّة، وليس صدفة أيضاً أن يكون الرجال المعنِّفون عمالاً مياومين أو أصحاب رواتب ضعيفة. فالحاجة بالطبع تولِّد العنف.
نقلا عن “الشرق الأوسط”
الوسومالعنف الجنسي النساء اليوم العالمي للنساء