سودانايل:
2025-03-03@20:43:13 GMT

لا تحلموا بالعودة للدولة القديمة

تاريخ النشر: 3rd, July 2024 GMT

حرب أبريل أرّخت لعهد جديد وصفّرت العداد فهزمت منظومة المفاهيم القديمة، في أبعادها الاجتماعية والثقافية والسياسية، فاجتماعياً أحدثت توازناً ملحوظاً بين جميع فئات وشرائح المجتمع، فوحّدت الناس بمختلف خلفياتهم الجهوية والاجتماعية، وساوت بين الجميع حينما تذوق الجميع طعم الموت واستشعر مآسي الدمار والتبرم جراء ويلات التشرد، وهذا بدوره حرّك الضمير الجمعي للأمة، فأيقن الناس أن النجاة من جحيم الحرب لا يكون فردياً، وأن العمل الجماعي والتضامن الجمعي أصبح ضرورة وجودية لا فكاك منها، فانهزمت الفكرة الأحادية المكرسة لأمان البعض وفناء البعض الآخر، تلك الفكرة المجنونة التي سيطرت على ذهنية ومنهج روّاد الدولة القديمة، الذهنية التي أحرقت سكان الجنوب وأزهقت أرواح مواطني دارفور وجبال النوبة وجنوب النيل الأزرق، من منطلقات دينية منحرفة وتوجيهات تقليدية سالبة وغارقة في انتهاكات حقوق الانسان، واليوم لن تجد من يحدثك عن إبادة مجتمع بعينه ليسلم ويأمن المجتمع الآخر، فصار الجميع مهدد بالفناء وبالإبادة القسرية، المفروضة من شيطان الدولة القديمة المترنحة والآيلة للسقوط، المتدهورة والمتدحرجة كرتها الآن تزامناً مع انسكاب هذا المداد الحزين، فعندما يداهم الخطر الجميع يعمل الجميع بعقل الرجل الواحد وقلب المرأة الواحدة، والرافضون لأمان وسلام الوطن المناهضون لمشروع كنس أركان الدولة القديمة الفاسدة، هم في الأساس ثلة من الفاسدين الذين احتكروا الدخل القومي لمصالحهم الفردية، ولاذوا بالفرار لبلدان الغرب البعيد والشرق الأوسط القريب، وفي جيوبهم مدخرات المواطن وكنوز الوطن يصرفونها على شراء وقود الحرب – المرتزقة والسلاح.


ثقافياً اعترف الجميع بأن إيقاع اهازيج الحقيبة ما عاد معبراً عن الذائقة العامة، ولا معتبراً قاسماً مشتركاً بين أمزجة الناس الجمعية ومناهجهم الفنية، وأن للناس رقصاتهم الشعبية وغنائهم المحلي النابع من صفاء سمائهم الزرقاء المكسوة بالسحب، ومن نقاء باديتهم وحواضرهم ودامرتهم، فانصت من اعتادت أذنه على سماع النغم الواحد فتقبل الرقص على إيقاعات أخرى طبلها يستجيب لنغم جميل آخر، واحتفل الصغار من أبناء المدن المركزية بالزي الجديد للفرسان الجدد، فنُسفت أبجديات عروض مسرحية الرجل الواحد، واقتنع الجيل الحديث بأن الثراء في التنوع وأن الابداع في التعدد، ناهيك عن مزاحمة اللهجة اللغوية الجديدة للهجة المركزية المسيطرة، المولودة مع تاريخ تأسيس إذاعة أم درمان (العامية السودانية)، فأثرى قاموس ثوار التغيير الحاملين للواء التجديد المخزون المعرفي القومي ثراءً كبيراً، وفي اثناء مرور اللحظات المؤسفة لهذه الحرب هنالك غليان وتفاعل اجتماعي يجري بين الناس، وفي بعض الأحيان يولّد هذا التفاعل الخصومة الصارخة بين الشقيقين، بل حتى بين الأم وابنتها، إنّه الغليان المفاهيمي الذي يمور ويفور كالمرجل بين صفوف العلاقات الحميمة للأفراد والجماعات، هذا المطبخ الساخن المزدحم بالأدخنة والأبخرة سيخرج لنا طبخة مسبوكة ومتماسكة، لمجتمع سئم مرارات الحرب وأنهكته مآسي اللجوء ومعاناة النزوح وضياع الهجرة والتشرد، وبلا شك سوف يخرج الشيف المحترف من هذا المطبخ بمنظومة ثقافية متجانسة، تعبر عن اللوحة الكبيرة للوطن الجميل المنظور اليه من زوايا مختلفة.
سياسياً انهزمت جميع اطروحات المشاريع المقدمة من الأحزاب، وفشلت جميع المؤتمرات التي تنادي بحل المعضلة الوطنية الكبرى، وأخفقت التحالفات السياسية ومعها الحركات المسلحة والعسكر في الإتيان بمسودة جديدة تزيح المأساة عن كاهل الشعب المكلوم، واستكان الناشطون الخاضعين لأجندة الدولة القديمة، فما استطاعوا مجاراة الحراك الثوري منذ ابريل قبل عام وبضعة أشهر، وذهبت أدراج الرياح الأطروحات الكثيفة التي تكدست بها دور البحوث العلمية بالجامعات والمعاهد العليا، وعجزت في أن تقدم دواءً ناجعاً لأمراض المنظومة القديمة، فقفز إلى سطح الأحداث منظرون حداثيون يؤمنون بالتجديد والتغير واجتثاث الجذور التالفة للشجرة القديمة، فتقدم خطهم السياسي الرائد ليتوافق مع خط حراك أبريل الكاسح الماسح كالسيل الجارف، واتسقت الرؤى الجديدة مع آلة التغيير وبدأت ملامح الشكل الجديد للدولة الجديدة، الدولة الكاسرة لقيد وشرط الجهة والنوع والحزب والعرق في التموضع فيما يتعلق بالحصول على أي محاصصة متعلقة بالشأن العام، أو اجتياز امتحان من الامتحانات المؤهلة لولوج باب أي مؤسسة من مؤسسات العمل العام، على دعاة البقاء على النمط القديم أن لا يحلموا حلماً باذخاً وطويلا، لأن سفينة التغيير الحقيقي قد مخرت عباب البحر، ورفعت رايات السلام المسنود بالمدفع الرزّام، الذي اقسم الفارس الممسك بزناده قسماَ غليظاً أن لا عودة للقديم المهترئ البالي، لقد ولى عهد الظلام بكلفة باهظة في الأرواح والممتلكات، لكن هذا ديدن الانعتاق ومهر التحرر الذي لا يسلك تفرعات الطرق القصيرة ولا يقبل بأنصاف الحلول.

إسماعيل عبد الله
ismeel1@hotmail.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: الدولة القدیمة

إقرأ أيضاً:

دور الحرب العالمية الأولى في إسقاط الحكم العثماني .. ماذا حدث؟

كانت الحرب العالمية الأولى (1914-1918) نقطة تحول في تاريخ الدولة العثمانية، حيث شكلت نهايتها بداية سقوط الإمبراطورية التي حكمت مناطق شاسعة من العالم الإسلامي لعدة قرون. لم يكن دخول العثمانيين في الحرب مجرد قرار عسكري، بل كان نتيجة تراكمات سياسية واقتصادية جعلت الإمبراطورية تبحث عن تحالفات تنقذها من التراجع.

العثمانيون والحرب: تحالف محفوف بالمخاطر

في أواخر عام 1914، انضمت الدولة العثمانية إلى الحرب إلى جانب دول المحور (ألمانيا والنمسا-المجر)، في مواجهة الحلفاء (بريطانيا، فرنسا، وروسيا). كان الهدف من ذلك هو استعادة الأراضي التي فقدتها في البلقان والحفاظ على ما تبقى من نفوذها، لكن هذا القرار أدى إلى نتائج كارثية.

الهزائم العسكرية والاستنزاف الاقتصادي

على مدار الحرب، تعرضت الدولة العثمانية لهزائم متتالية، أبرزها:

معركة جاليبولي (1915-1916): حيث حاول الحلفاء السيطرة على مضيق الدردنيل، ورغم نجاح العثمانيين في التصدي للهجوم، إلا أن الخسائر البشرية والاقتصادية كانت فادحة.

الثورة العربية الكبرى (1916): بدعم بريطاني، قاد الشريف حسين بن علي ثورة ضد العثمانيين، ما أدى إلى انهيار نفوذهم في الحجاز وبلاد الشام.

سقوط بغداد والقدس (1917): استطاعت القوات البريطانية السيطرة على بغداد ثم القدس، مما كشف ضعف العثمانيين في مواجهة جيوش الحلفاء.

اتفاقيات ما بعد الحرب: تقسيم إرث العثمانيين

مع نهاية الحرب في 1918، كانت الإمبراطورية العثمانية قد انهارت فعليًا، وتم فرض معاهدة سيفر (1920) التي قضت بتقسيم أراضيها بين الدول الأوروبية، ما أدى إلى:

• سيطرة بريطانيا على فلسطين، العراق، والأردن.

• سيطرة فرنسا على سوريا ولبنان.

• استقلال تركيا الحديثة بعد حرب الاستقلال بقيادة مصطفى كمال أتاتورك، وإلغاء السلطنة في 1922.

مقالات مشابهة

  • ما هي الأسباب التي تعزز فرص الهجوم الإسرائيلي على إيران؟
  • دور الحرب العالمية الأولى في إسقاط الحكم العثماني .. ماذا حدث؟
  • خبير اقتصادي: الدولة تهتم بالشريحة التي تحتاج الرعاية المجتمعية
  • وليد جاب الله: الدولة المصرية تهتم بالشريحة التي تحتاج للرعاية المجتمعية
  • نائب من حزب الله يهاجم الدولة اللبنانية: لم تتعب من الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة
  • المغرب الدولة العربية الوحيدة التي أعلنت الأحد أول أيام رمضان
  • رئيس الشيوخ: نقدم الدعم والمساندة للدولة المصرية فيما تتخذه من إجراءات لتحسين مسارات الإصلاحات الشاملة
  • ما حكم موائد الرحمن التي يقيمها الفنانون والمشاهير؟.. مفتي الجمهورية يجيب
  • أهالي خان يونس يشتكون من الغلاء وشح الأموال في أول يوم من رمضان
  • حكم موائد الرحمن التي يقيمها الفنانون والمشاهير.. مفتي الجمهورية يرد