سودانايل:
2024-07-05@18:28:22 GMT

التوهان العقلي للمثقفين- بين التناقض والإبداع

تاريخ النشر: 3rd, July 2024 GMT

زهير عثمان حمد

يعد التوهان العقلي، أو ما يُعرف بعقلية التناقض، من الظواهر المثيرة للاهتمام في حياة المثقفين. وهو يمثل قدرة الأفراد على التعايش مع التناقضات المختلفة ومحاولة التوفيق بينها بدلاً من رفضها. رغم أن هذه الصراعات النفسية قد تسبب توتراً وضغوطاً نفسية، إلا أنها تعتبر محفزًا للإبداع والأداء المتميز.



دور التناقض في تعزيز الإبداع
دراسات عدة أظهرت أن قبول المتطلبات المتناقضة يعزز من قدرة الأفراد على الابتكار والإبداع. الطبيب النفسي ألبرت روثنبرغ أجرى دراسة حول العباقرة النابغين واكتشف أن المفكرين الثوريين يميلون إلى تخيل التناقضات المتعددة في آن واحد والاستفادة منها. ألبرت أينشتاين، على سبيل المثال، تخيل كيفية سكون الشيء وتحركه في نفس الوقت بحسب موقع الناظر إليه، مما أدى إلى تطوير نظريته النسبية. نيلز بور، عالم الفيزياء الدنماركي، حاول التوفيق بين شكل الطاقة كموجات وجسيمات، مساهماً بذلك في تطوير فهمنا لميكانيكا الكم.

تأثير التوهان العقلي في بيئات العمل
في بيئات العمل، يمكن لقبول التناقضات أن يشعل شرارة الإبداع ويزيد من الكفاءة والقدرة على الابتكار. الأفراد الذين يتمكنون من التعايش مع التناقضات يعبرون عن أفكار جديدة بجرأة، مما يؤدي إلى تطوير حلول مبتكرة لمشكلات معقدة. في هذا السياق، يعتبر التوهان العقلي مهارة حيوية يجب تعزيزها وتطويرها من خلال التمارين الفكرية والقراءة النقدية.

تطوير التفكير المتناقض
هناك عدة طرق لتطوير القدرة على التفكير المتناقض، منها:

التواجه مع التناقضات: حدد المتطلبات المتناقضة في حياتك اليومية وحاول التوفيق بينها.
التفكير النقدي: امنح نفسك الوقت للتفكير بعمق في الأمور المتناقضة واستفسر عن الجوانب المختلفة.
القراءة والتعلم: اقرأ عن حياة العباقرة وكيف تعاملوا مع التناقضات.
التحدي الذاتي: ضع نفسك في مواقف تتطلب التوفيق بين متطلبات متناقضة.
المرونة العقلية: كن مرنًا في التفكير واستعد لتغيير وجهة نظرك إذا كانت هناك دلائل تشير إلى ذلك.
مثال من الفلسفة: الحرية والقدر
التناقض بين حرية الإرادة والمصير المحتوم هو مثال كلاسيكي في الفلسفة. بينما يُعتقد أن الإنسان لديه حرية في اتخاذ قراراته، هناك أيضًا قوى خارجية تؤثر على حياته وتحدد مساره. الفلاسفة اليونانيون مثل سقراط وأفلاطون ناقشوا هذه القضية بعمق، حيث رأى سقراط أن الإنسان يملك حرية الاختيار، في حين رأى أفلاطون أن القدر يلعب دوراً رئيسياً في حياة الإنسان. هذا التناقض يمكن التوفيق بينه من خلال التفكير النقدي والبحث عن نقاط التقاء تجمع بين الجانبين.

المثقفون السودانيون: تحديات التوهان العقلي في ظل الصراع
منذ اندلاع الحرب في السودان في أبريل 2022، يواجه المثقفون السودانيون تحديات وتناقضات معقدة. يعيشون في ظروف صعبة تتضمن التهديدات الأمنية، وتدمير المؤسسات الإعلامية، والتوتر بين الدين والسياسة. رغم هذه التحديات، يمكن للمثقفين السودانيين المساهمة في تحقيق السلام والاستقرار من خلال التواصل مع مختلف المكونات الثقافية والسياسية في البلاد وبناء جسور التفاهم.

كيفية دعم المثقفين السودانيين
للمساعدة في تطوير ودعم المثقفين السودانيين، يمكن اتباع الخطوات التالية:

التواصل والتعاون: تواصل مع أفراد آخرين ومجموعات مشابهة لتبادل الأفكار والخبرات.
التعلم والتوعية: اطلع على القضايا الاجتماعية والسياسية في السودان.
المشاركة المجتمعية: انضم إلى منظمات مجتمعية أو جمعيات تعمل على تحسين الوضع في السودان.
التفكير الاستراتيجي: حدد أهدافك ووضّح رؤيتك للتغيير.
التحفيز الشخصي: ابقَ ملتزمًا ومتحفزًا.
التواجد الرقمي: استخدم وسائل التواصل الاجتماعي لنشر الوعي حول القضايا المهمة.
التعبير الإبداعي: استخدم مواهبك ومهاراتك في الكتابة، الفن، أو الأداء لنشر الوعي وتحفيز التغيير.

التوهان العقلي يمثل تحديًا وفرصة في آن واحد. من خلال قبول التناقضات والتعايش معها، يمكننا تعزيز قدراتنا الإبداعية والتفوق في مختلف جوانب الحياة. وفي ظل التحديات المعاصرة، يجب على المثقفين أن يستمروا في تطوير هذه المهارات لتعزيز دورهم في المجتمع وتحقيق التغيير الإيجابي.

*ذا كنت تبحث عن كتب تحليلية عالية القيمة في العلمية تتناول شخصية أصحاب التوهان الفكري في المكتبة الأمريكية، فإليك بعض الكتب المرجعية الهامة التي يمكن أن تكون مفيدة:

1. Cognitive Dissonance: Progress on a Pivotal Theory in Social Psychology"** بواسطة **Eddie Harmon-Jones** و **Judson Mills**:
- هذا الكتاب يقدم نظرة معمقة على نظرية التنافر المعرفي التي تتناول كيف يمكن للأفراد التعايش مع الأفكار المتناقضة.
- الكتاب يجمع بين الأبحاث الحديثة والتطبيقات النظرية لتفسير كيف يتعامل الناس مع التناقضات الفكرية.

2. The Opposable Mind: How Successful Leaders Win Through Integrative Thinking"** بواسطة **Roger L. Martin**:
- يناقش هذا الكتاب كيفية استخدام التفكير المتناقض (التفكير المتكامل) من قبل القادة الناجحين للتوصل إلى حلول مبتكرة.
- الكتاب يقدم أمثلة من الحياة الواقعية ويشرح كيفية تطوير هذه القدرة العقلية.

3. "Creativity: Flow and the Psychology of Discovery and Invention"** بواسطة **Mihaly Csikszentmihalyi**:
- يقدم هذا الكتاب دراسة حول الإبداع وكيفية ارتباطه بقدرة الأفراد على التعايش مع التناقضات.
- الكتاب يعتمد على مقابلات مع أكثر من 90 شخصية بارزة في مجالات مختلفة لتحليل أنماط تفكيرهم.

4. "Mindset: The New Psychology of Success"** بواسطة **Carol S. Dweck**:
- يتناول هذا الكتاب كيفية تأثير "عقلية النمو" في تطوير القدرة على التعايش مع الأفكار المتناقضة والإبداع.
- يقدم الكتاب أدوات ونصائح لتبني عقلية النمو وتطوير القدرات الفكرية.

5. "Think Again: The Power of Knowing What You Don't Know"** بواسطة **Adam Grant**:
- يستكشف هذا الكتاب كيف يمكن للأشخاص الناجحين إعادة تقييم أفكارهم ومعتقداتهم والتعامل مع التناقضات بطريقة منتجة.
- الكتاب يعتمد على الأبحاث الحديثة في علم النفس والاجتماع لتقديم استراتيجيات عملية.

6. "The Paradox of Choice: Why More Is Less"** بواسطة **Barry Schwartz**:
- يناقش هذا الكتاب كيف يمكن أن يؤدي وجود خيارات كثيرة إلى التردد والتناقض الفكري.
- يقدم الكتاب استراتيجيات للتعامل مع التناقضات واتخاذ قرارات أفضل.

هذه الكتب تقدم رؤى متعمقة وتحليلات علمية لشخصية أصحاب التوهان الفكري والتناقضات، وتعتبر مراجع قيمة في المكتبة الأمريكية. يمكنك العثور عليها في المكتبات الكبرى أو عبر الإنترنت على منصات مثل Amazon وGoogle Books للحصول على مزيد من التفاصيل والاطلاع على محتوياتها.

zuhair.osman@aol.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: هذا الکتاب کیف التوفیق بین التعایش مع فی تطویر من خلال

إقرأ أيضاً:

الاكتئاب باعتباره أكثر من مجرد خلل في كيمياء الدماغ

السردية الشائعة عن الاكتئاب هو النظر إليه باعتباره نوع من عدم توازن في كيمياء الدماغ «chemical imbalance». أحد الأسباب التي تدفع الناس لتبني مثل هذه المُقاربة هو: أولا، رفض التشكيك في الاكتئاب باعتبارها مرضا سريريا، خصوصا في الأوساط التي لا تأخذ الأمراض النفسية على محمل الجد، وتميل لاعتبارها «كسلا» أو «ضعفا». لم يعطِ هذا مشروعية للمرضى فحسب، بل وللأطباء أيضا، فهم الآن وقد ربطوه بالبيولوجيا صار بإمكانهم أن يتحدثوا عنه، وأن يُساعدوا مرضاهم. ثانيا، افتراض أن أي مرض نفسي يرتبط عضويا بالدماغ. يُهمل هذا المنظور العلاقة المعقدة بين الجسد والدماغ، ويبدو أنه يُكرس للأفكار الكلاسيكية عن ثنائية الروح والجسد، أو العقل والجسد.

إذا كان الإنسان حيوانا مُفكّرا، فهذا لا يعني أن رأسه (الدماغ) هو ما يجعله إنسانا، فالبشر يُفكرون ويشعرون بكامل أجسادهم، ولا يُفترض بنا أن نبحث عن عِللنا النفسية فيه حصرًا. يُشجعنا علماء النفس اليوم على التفكير -عوضا عن ذلك- بالدماغ، والجسد، والمحيط / البيئة أيضا.

لا نُلام على التفكير بهذه الطريقة. فهذا ما كنا نسمعه من المعالجين والأطباء النفسيين، ما تقوله الكتب التعليمية، وتشرحه الصيدليات. ويبدو أن الفكرة جاءت مع تطوير أول دواء يُساعد المكتئبين (مثبطات استرداد السيروتونين الانتقائية SSRIs)، ما جعل المختصين يقفزون إلى الاستنتاج أن ما يُسبب الاكتئاب هو خلل في السيروتونين.

صار علماء النفس في الآونة الأخيرة يُراجعون هذه الفكرة، إذ يبدو أن أسباب وطبيعة الاكتئاب أعقد مما تقترحه فرضية السيروتونين. هُجرت النظريات التي تُبنى على تقسيم الدماغ إلى مناطق وظيفية (منطقة مسؤولة عن اللغة، وأخرى عن المنطق، أو الرؤية، وهكذا)، وزاد القبول بأن وظائف الدماغ موزعة عبر شبكته العصبية المعقدة. رغم الدراسات الكثيرة والمعقدة لا يبدو أننا نقترب من فهم الاكتئاب (والأمراض النفسية عموما)، خصوصا أنه لا يوجد ما يدل عليه لا فحوصات الدم ولا المسوحات التصويرية للدماغ. يُمكن لعوامل لا حصر لها التسبب بالمرض. بداية بالجينات، مرورا بالسمات الشخصية، التاريخ المَرضي، وإلى ظروف الحياة. تُستخدم قائمة من الأعراض لتشخيص الاكتئاب، مثل اضطرابات النوم (سواء كثرته أو قلته)، والأكل، وتقلب المزاج. فيما يجري التأكيد على أخذ وصف المرضى لمعاناتهم الخاصة في الحسبان؛ لأجل تطوير قائمة الأعراض التي لم تُحدّث -بشكل جوهري- منذ الستينات. فوق هذا، تنتصر طريقة التشخيص المعتمدة للبيض بشكل خاص، أي أنها أدق في رصده عند هذه الفئة (هذا أو أن المُلونين لديهم أسباب أقل للاكتئاب!)، ما يجعل الأطباء النفسيين يُعيدون التفكير في الكيفية التي يتجلى المرض فيها عبر الأعراق والثقافات المختلفة. الانتباه لهذه الظاهرة، لفت الأنظار إلى أن معظم ما نعرفه عن المرض النفسي يُنتَج في بلدان «غربية، متعلمة، صناعية، غنية، وديمقراطية». يصعب أن تُطبق نتائج الأبحاث الأمريكية على مجتمع أوروبي، فما بالك بإسقاطها على بلدان الشرق والشرق الأوسط، بمجتمعاتها التي يُحتمل أنها تتبنى قيمًا ليست مختلفة فحسب، بل ونقيضة.

إعادة التفكير في الاكتئاب يعني أيضا دراسته كحالة جماعية؛ لأن التركيز على الفردانية في هذا السياق، يُدين الفرد، ويبرئ النظام. ويجعل الفرد مسؤولا مسؤولية كاملة عن التعامل معه وعلاجه.

لا تستدعي كل أشكال الاكتئاب التدخل. فلا يُمكن أن نتوقع ونحن نُشاهد المجازر، والموت، والحروب أقل من المشاعر العاصفة، وانفعالات كهذه مفهومة بل ومرغوب بها؛ لأنها تدفع إلى تغيير الواقع (أو يُفترض بها ذلك).

عليّ التنويه في الخاتمة أن هذا المقال يأتي باعتباري مُهتمة بعلوم وفلسفة الوعي والدماغ، وأنني وإن كنتُ -بدرجة لا بأس بها- مؤهلة للتعامل مع المواد العلمية، إلا أنني لست مختصة بعلم النفس، ويجوز أن أكون قد أغفلت عن جوانب مهمة للقضية.

نوف السعيدي كاتبة وباحثة عمانية في مجال فلسفة العلوم

مقالات مشابهة

  • اليمين المتطرف وبالون النجاة
  • التفكير بالتمنى وسكرة ينى
  • جامعة الأميرة نورة تنظم برنامج "موهبة" الإثرائي الأكاديمي
  • جامعة الأميرة نورة تنظم برنامج موهبة الإثرائي الأكاديمي بالشراكة مع “موهبة”
  • هل يمكن أن يكون الاكتئاب معديًا كالأنفلونزا؟.. دراسة حديثة تكشف مفاجأة
  • الاكتئاب باعتباره أكثر من مجرد خلل في كيمياء الدماغ
  • غزة.. إعادة التفكير في كل شيء تقريبًا!
  • مركز صباح الأحمد: 12 طالباً انضموا إلى برنامج “مؤسسة الملك عبدالعزيز ورجاله”
  • رئيس جامعة حلوان يوجه بسرعة إعلان نتائج الطلاب وتطوير الكتاب الإلكتروني