لقاء إسبرطة الإمارات مع إسبرطة تونس المدنية
تاريخ النشر: 7th, August 2023 GMT
لقائد مثل الشيخ محمد بن زايد يعتز بشخصية بلاده الثقافية ووضعها السياسي وصانع حضورها العالمي كـ"إسبرطة" سياسية وإستراتيجية، تبدو تونس اليوم الحليف الطبيعي الذي يستحق أن يقدم له العون.
تونس سائرة سياسياً على طريق إغلاق الفجوات التي خلفها الانتقال الديمقراطي
يبدو الوقت مناسباً لقلب صفحة جديدة في العلاقة بين الإمارات وتونس
ما تحتاجه تونس اليوم هو قرار سياسي إماراتي بالدعم لتثبيت أقدام الاقتصاد
لقاء استقبال الرئيس التونسي قيس سعيّد مبعوث دولة الإمارات وزير الدولة الشيخ شخبوط بن نهيان آل نهيان يحمل الكثير من الدلالات.
الشيخ شخبوط بن نهيان كان حاضراً في أكثر من ملف إقليمي حساس. قبل توليه حقيبة وزارة الدولة كان سفيراً للإمارات في الرياض، في واحدة من أعقد مراحل الشد الإقليمي والمقاطعة الخليجية. ومن السفارة إلى الوزارة، وإلى ملفات أوسع، خصوصاً منها الإفريقي والإستراتيجي بحكم خلفيات الإعداد الأكاديمي التقني والإداري والعسكري من ساندهيرست.. هذه مهمة خاصة لدبلوماسي شاب في ذروة عطائه.. الدبلوماسي المخضرم نبيل عمار سيجد الكثير مما يمكن تحقيقه سوية مع الشيخ شخبوط.
هذه الإيجابية لها مبرراتها. تونس لم تعد كما كانت. لنضع جانباً الحال الاقتصادي الذي يعصف بها، إلا أنها سائرة سياسياً على طريق إغلاق الفجوات التي خلفها الانتقال الديمقراطي بعد عام 2011، في قرطاج اليوم رئيس يخطط وينفذ ولا يتراجع.. هل تتفق مع قراره أم لا، هذا موضوع ثان. لكن ما هو أكيد أنه لن يعود إليك بعد اتفاق أو قرار ليقول إن المرونة السياسية الداخلية أو الإقليمية تفرض إعادة النظر. الجفاء الذي أعقب انتخابات 2014 بين الإمارات وتونس كان أساسه إعادة الرئيس الراحل الباجي قايد السبسي النظر في مواقفه بعد أن ضمن الأغلبية البرلمانية ومقعد الرئاسة.. شيء سألته عنه شخصياً في مناسبتين ومقابلتين رسميتين، بفاصل سنتين أو أكثر قليلاً. في الأولى، دافع عن قراره، وفي الثانية كان نادماً لدرجة اتهام الإخوان بالخديعة.
تونس اليوم بلد آخر يستحق إعادة النظر في التعامل معه. الضغوط الاقتصادية كما نشهد أثرت على كل شيء، إلا إرادة قيادته السياسية. في كل محطة، يذكّر قيس سعيّد التونسيين بأنهم أمة حرة وأن سيادتهم تحميهم وليست التدفقات المالية أو القبول بأي شروط. لم يضيّع وقته أصلاً بالسؤال: وأين ذهبت عشرات المليارات من التدفقات المالية من دعم وتمويل وقروض، التونسيون يعرفون حجم الفشل الذي أنتجته حكومات التوافقات والتي أوصلتنا إلى اللحظة الراهنة.
التونسيون شعب صعب المراس. في كثير من الأحيان يصدمك العناد. ثم تعرف أن هذا العناد هو جزء من تركيبة الشخصية الوطنية التونسية. وينعكس كل ذلك على الكثير من السلوكيات اليومية والعمل الحكومي، بل وحتى على مزاج التونسي وهو في الشارع. للتونسي كرامته، الأشياء الأخرى تأتي لاحقاً.
لهذا يبدو الوقت مناسباً لقلب صفحة جديدة في العلاقة بين الإمارات وتونس. ومن تركيبة الوفد الزائر لتونس والتصريحات التي أعقبت استقبال الرئيس له، تحس أن الأمر مختلف. الإشارة الإماراتية المعبرة عن الاستعداد لمساعدة تونس أمام وضعها الاقتصادي الصعب جاءت لتنهي الانطباع بأن البلاد مقطوعة عن بعدها العربي وأنها أضحت رهينة النوايا الطيبة لروما وبروكسل.
بعض الملاحظات مفيدة. خذ مثلاً أن الوفد سياسي، برئاسة وزير، ويتحدث عن دعم تونس. رغم أن الرئيس التونسي أشار في تصريحه أثناء الاستقبال إلى بنى تحتية وطاقة متجددة وتحلية مياه وصحة وتحول رقمي وتربية وسياحة، فضلاً عن تشجيع الاستثمارات الإماراتية في تونس، إلا أن رد الشيخ شخبوط كان يشير إلى أن الإمارات حريصة على مواصلة مساندة تونس في عدة ميادين وتوفير الدعم الضروري لتجاوز التحديات التي تواجهها، لافتاً إلى أن الوفد الذي يرافقه في هذه الزيارة سيتولى التنسيق مع الجهات التونسية المعنية من أجل تحديد مشاريع مشتركة في عدة مجالات للبدء في تنفيذها في أقرب الآجال. الوقت عامل مهم في الإشارات ولا حديث مباشراً عن استثمارات. الإمارات الرسمية تتحرك نحو تونس، وليست إمارات التمويل أو الاستثمارات أو الشركات القابضة.
هذه قد تبدو تفاصيل صغيرة. ولكنها ليست كذلك لأسباب متعددة. الشيخ محمد بن زايد يدرك العبء الذي تحملته تونس وتتحمله منذ سنوات. كان هدف المشروع الإخواني الثاني هو تونس من بعد مصر. سقط المشروع الإخواني في مصر بالضربة القاضية. المشروع الإخواني في تونس أجهزت عليه تونس العقلانية على مدى سنوات، وانتهى عصفاً مأكولاً. أجهزت عليه بحسها الاجتماعي المتوازن وهدوء إسلامييها المتسامحين ومشروع الدولة الذي رفض الانزواء تحت كل الظروف بما فيها ظروف تمكين الإخوان من القطاع الحكومي، عبر وظائف ومناصب وتوجيه المال المقدم من المانحين والقروض كميزانيات تشغيلية توسع دائرة النفوذ وتسترضي آخرين بزيادات وتضع كل مشاريع التنمية على الرف. المال المبدد الذي فضح الإسلاميون به أنفسهم، كان أيضاً سبب إفقار الميزانية التونسية ودفع بالبلاد إلى حافة أزمة تمويل وتوريدات غير مسبوقة. استبق قيس سعيّد الفوضى السياسية منذ عامين عندما عجزت الدولة عن التصدي لمسؤولية حماية المجتمع صحياً، وتاهت في حلبة ملاكمة فعلية اسمها البرلمان.
لكن القرار السياسي بحل الحكومة وأخذ الرئيس صلاحياتها، ثم تجميد وحل البرلمان، يختلف عن معالجة أزمة اقتصادية متراكمة، بددت من حولها الأموال ولم تعالج الأزمة نفسها.
القرار بالإصلاح الاقتصادي متخذ من قبل الرئيس التونسي. لكن تنقصه الأدوات والمرحلة الانتقالية. ولم ينجح الضغط الذي وضعه اتحاد الشغل، وهو المنظمة النقابية الأولى، إلا في زيادة مشاكل وتحديات تونس، في كثير من الأحيان بلا فائدة أو معنى، وبتوقيتات لا تتناسب مع طبيعة الأزمات الجارية. فعل المزايدات السياسية الحزبية في البرلمان، تحول إلى مزايدات نقابية في التجمعات.
هل يريد الاتحاد أن يقول إنه أقنع الرئيس بأن من غير المقبول التخلي عن دور الدولة في حماية السكينة المجتمعية ووقف الدعم عن السلع الأساسية، بالقبول بشروط صندوق النقد الدولي والحصول على قرض؟ ما هو هم الرئيس قيس سعيّد الأول إذا، وما أوصله إلى الرئاسة سوى العمل على إزالة عقبات التحول الديمقراطي والأخذ بيد تونس لنمو تستحقه؟ هل كان قيس سعيّد مسؤولا في حكومات النهضة التي تفاهمت على استرضاء اتحاد الشغل بزيادات الرواتب وأشعلت التضخم، من دون أن نرى شيئاً من التنمية؟ سأكون نقابياً تونسياً للحظة وأقول إن مطالب اتحاد الشغل -وللتذكير فإنها بلا خطة ومتأخرة جداً- التي نادى فيها بعدم التعرض للدعم الاجتماعي مشروعة، وهو ما سبقه إليه الرئيس سعيّد في أحد تصريحاته.
تونس لا تتحمل انسحاباً من دعم الأساسيات، لأن هذا يهدد الدولة في عمقها، ربما أكثر بكثير مما نراه من قيام الدولة بإعادة توزيع للإمكانيات بين سلعة وأخرى: تهدأ موجة نقص الحليب أو العلف الحيواني، فتأتي أيام برفوف فارغة من الدقيق أو الزيت، دعم هنا وتأخير هناك. سحب الدعم، يضع التونسيين أمام خيارات بلا أمل. التونسيون كلهم، يستفيدون من الدعم.
لكني لن أكون نقابياً عندما تكون المطالب بزيادة الأجور. سيقول الاتحاد توافقنا مع الحكومة ووافقت. لكن كل شهر في تونس يأتي بجديد. جديد من أشياء تجعل الاتحاد نفسه ينسحب من اتفاقاته. في ظل الوضع الاقتصادي العام، تونس لا تتحمل زيادات في الأجور، خصوصاً وأنها محصورة بالقطاع العام. تونس تحتاج دعماً اجتماعياً وسلعياً وليس إلى المزيد من التضخم برواتب لا تعكس حتى حالة الإنتاجية للعاملين.
تونس بلد صعب المراس، لأنه يؤمن بطاقاته ويعرف ما تكتنزه هذه الدولة من إمكانات بشرية. أخطأت قيادات ما قبل 2011 في المبالغة في الاستثمار السياحي، لكنها أيضاً لم تكن تدرك ما كان العالم مقبلاً عليه بعد أزمة 2008. ولعل هذا ما دفع الرئيس إلى تذييل السياحة في قائمة الاستثمار المحتملة، لو حصلت. وللدلالة بإشارات بسيطة على نوعية الطاقات البشرية وقيمتها مقابل ما تأخذه من رواتب، يكفي أن نعرف أن الموظف التونسي العادي يأخذ ما يعادل ما يأخذه عامل آسيوي في الخليج، لكنه يعيش في بلده ويكوّن عائلة ويقترض ليشتري بيتاً ويهاجر للخليج وأوروبا ليرسل مالاً.
هذا بلد على بعد 100 كيلومتر من أوروبا. في يوم، وبالاستثمارات الصحيحة والمرنة، ستكون تونس محطة الأعمال الكبرى على ضفة البحر المتوسط الجنوبية. فقط لا نستعجل الأمر، ولا ندفع باستثمارات تستعجل العوائد، تشعل التضخم وتزيد الرواتب. لهذا ما تحتاجه تونس اليوم، وبشكل فوري، هو قرار سياسي إماراتي بالدعم لتثبيت أقدام الاقتصاد "في أقرب الآجال"، والاستثمارات تأتي لاحقاً.
لقائد مثل الشيخ محمد بن زايد، يعتز بشخصية بلاده الثقافية ووضعها السياسي وصانع حضورها العالمي كـ "إسبرطة" سياسية وإستراتيجية وقفت حاجزاً لمنع انهيار المنطقة أمام مد الإسلام السياسي والظلامية الفكرية، تبدو تونس اليوم الحليف الطبيعي الذي يستحق أن يقدم له العون.. تونس "إسبرطة" مدنية تحدت الإسلام السياسي وهزمته وتحملت دفع الثمن حتى من قبل أن يبدأ الرئيس قيس سعيّد باتخاذ قرارات إزاحة النهضة عن السلطة.. لقائد مثل الشيخ محمد بن زايد يدرك حجم المسؤولية التي تقع على عاتق رئيس تونس كان من السهل عليه اتخاذ قرارات تسترضي هذا الطرف أو ذاك، يعلم أن الزعماء يصنعون مجد بلدانهم بالصبر والتحمل واتخاذ القرارات الصعبة.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: التغير المناخي ثريدز وتويتر محاكمة ترامب أحداث السودان مانشستر سيتي الحرب الأوكرانية عام الاستدامة الشیخ محمد بن زاید الشیخ شخبوط تونس الیوم قیس سعی د
إقرأ أيضاً:
انطلاق أولى الجلسات المرتقبة لمحاكمة معارضين في تونس بتهمة التآمر على أمن الدولة
تنطلق الثلاثاء محاكمة الكثير من الشخصيات البارزة المعارضة للرئيس التونسي قيس سعيد بتهمة « التآمر على أمن الدولة »، وهي قضية وصفت من قبل منظمات غير حكومية والمعارضة بأنها « فارغة » و »سياسية ».
وتشمل المحاكمة مسؤولين حزبيين ومحامين وشخصيات إعلامية من بين نحو أربعين شخصا. ويشتبه في أن الكثير منهم أقاموا اتصالات مع جهات أجنبية، بما في ذلك دبلوماسيون.
وووجهت إليهم تهم « التآمر على أمن الدولة الداخلي والخارجي » و « الانتماء إلى تنظيم إرهابي »، وفقا لهيئة الدفاع عنهم.
تعد هذه الاتهامات خطرة جدا وتصل عقوبتها حد الإعدام.
أوقف الكثير منهم خلال حملة أمنية داخل صفوف المعارضة في العام 2023 ومن بينهم رئيس « الحزب الجمهوري »، عصام الشابي والمحامي جوهر بن مبارك والمسؤول السابق في حزب النهضة الإسلامي، عبد الحميد الجلاصي.
تلاحق في القضية كذلك الناشطة شيماء عيسى ورجل الأعمال كمال الطيف والنائبة السابقة بشرى بلحاج حميدة، الرئيسة السابقة « للجمعية التونسية للنساء الديموقراطيات »، والمتواجدة في فرنسا.
ومن بين المتهمين أيضا الكاتب الفرنسي برنار هنري ليفي.
من داخل سجنه، ندد جوهر بن مبارك في رسالة ق رأت في مؤتمر صحافي بمحاولة الدولة « إجهاض التجربة الديموقراطية التونسية الفتية وكان القضاء احد أهدافها الرئيسية، فسعت جاهدة إلى تدجينه وحشره في زاوية المظالم لتنفيذ أهواء السلطة وتصفية منهجية لكل الأصوات الرافضة أو المقاومة أو حتى الناقدة ».
وبن مبارك هو أحد مؤسسي « جبهة الخلاص الوطني »، الائتلاف الرئيسي للمعارضة ضد الرئيس سعي د.
منذ قرر سعيد في صيف العام 2021، احتكار السلطات في البلاد، نددت المعارضة ومنظمات غير حكومية تونسية ودولية بتراجع حقوق الإنسان والحريات في البلاد.
تقول شقيقة بن مبارك، المحامية دليلة مصدق، إن ملف التحقيق « فارغ » ومبني على « اتهامات تعتمد على شهادات زائفة ».
وأعلنت هيئة الدفاع، أن السلطات القضائية قر رت أن تجرى المحاكمة عن بعد عبر الفيديو، وأن المتهمين لن ينقلوا إلى المحكمة.
قوبل هذا القرار برفض شديد من قبل الدفاع وذوي المتهمين الذين يطالبون بمحاكمة علنية وبحضور المتهمين.
وقال المعارض التاريخي أحمد نجيب الشابي، رئيس « جبهة الخلاص الوطني » وشقيق عصام الشابي « إنها إحدى شروط المحاكمة العادلة ».
وأحمد نجيب الشابي متهم بدوره في هذه القضية لكن لم يتم توقيفه.
وأضاف للصحافيين « لقد انتقلنا من العبث القانوني ووصلنا إلى الجنون القانوني ».
وقال والد جوهر بن مبارك، عز الدين الحزقي، لوكالة فرانس برس إنه يشعر بـ »المرارة » لأنه صوت للرئيس قيس سعيد في 2019.
وجوهر بن مبارك كان أيضا من ضمن الذين « ناضلوا بشدة » لانتخاب سعيد الذي كان يومها أكاديميا يدعى بانتظام للمشاركة كمحلل في برامج تلفزيونية سياسية. وفقا للمحامية مصدق.
وبين المتهمين الأربعين تقريبا في هذه القضية، يحاكم البعض وهم موقوفون والجزء الآخر وهم طليقون، بينما فر الباقون إلى الخارج.
وصدرت في الفترة الأخيرة أحكام سجن قاسية في حق معارضين وشخصيات سياسية، في قضايا أخرى.
ودعت مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان السلطات التونسية إلى « وقف جميع أشكال اضطهاد المعارضين السياسيين، وإلى احترام الحق في حرية الرأي والتعبير » داعية إلى « الإفراج الفوري لأسباب إنسانية عمن هم في سن متقدمة وعن الذين يعانون مشاكل صحية ».
وأعربت تونس عن « بالغ الاستغراب » لهذه الانتقادات، مؤكدة أن الأشخاص الذين أشارت إليهم الأمم المتحدة قد أ حيلوا على المحاكم بسبب « من أجل جرائم حق عام لا علاقة لها بنشاطهم الحزبي والسياسي أو الإعلامي أو بممارسة حرية الرأي والتعبير ».
وأكدت وزارة الخارجية التونسية أن « تونس يمكن في هذا الإطار أن ت عطي دروسا لمن يعتقد أنه في موقع يتيح توجيه بيانات أو دروس ».
كلمات دلالية أمن الدولة التآمر المعارضة تونس قيس سعيد محاكمة